logo
الرئيسية/فتاوى/كيف يجمع بين عدم خلود المؤمن في النار وخلود بعض أصحاب الذنوب؟

كيف يجمع بين عدم خلود المؤمن في النار وخلود بعض أصحاب الذنوب؟

مشاهدة من الموقع

السؤال

ورد في عقوبة بعض الذنوب أن صاحبها يخلد في النار، ذكر مثل من قتل نفسه، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة: أن المؤمن لا يخلد في النار، وإنما يعاقب بحسب معصيته، أو برحمة الله تبارك وتعالى، السؤال: كيف يُجمع بين الأمرين؟

الجواب

مثل هذه المسائل الكبيرة ينبغي أن يحرص المسلم على أن ينطلق فيها من فهم السلف، وألا ينظر هو بنفسه للنصوص؛ لأن هذه مَزَلَّة أقدامٍ؛ ولذلك زلت فيها بعض الطوائف؛ زل فيها الخوارج والمرجئة، الخوارج والمعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد، وتركوا نصوص الوعد، والمرجئة أخذوا بنصوص الوعد، وتركوا نصوص الوعيد.

فالمعتزلة قالوا: إن مرتكب الكبيرة في الدنيا في منزلةٍ بين منزلتين، والخوارج قالوا: إنه كافرٌ، واتفقوا في الآخرة على أنه مخلدٌ في النار، وأما المرجئة فقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنبٌ.

ووفَّق الله أهل السنة للحق فقالوا: مرتكب الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته في الدنيا، وأما في الآخرة فهو تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، لكنه إن دخل النار؛ لا يخلد فيها، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة.

يبقى النظر في بعض النصوص التي وردت في مرتكب الكبيرة، ومع ذلك ورد فيها الخلود في النار؛ مثل: آية القتل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]، مع أن القتل من الكبائر، ولا يوجب الكفر، هذا أجاب عنه العلماء، قالوا: إن الخلود ينقسم إلى قسمين: خلود مؤبد، وخلود مؤقت.

فالخلود المؤبد: يكون هذا للكافرين والمشركين، فهم مخلدون في النار أبد الآباد، نسأل الله العافية!

الخلود المؤقت: المقصود به: طول المكث، ولا يقتضي التأبيد، وهذا معروفٌ عند العرب، يقولون: فلانٌ أخلد في المكان، يعني إذا طال مكثه، أخلد في المكان، يعني: طال مكثه، فيحمل إذنْ الخلود في هذه الآية على أن المقصود به: طول المكث، وليس المقصود به: التأبيد، وبذلك لا يكون هناك تعارضٌ؛ ولذلك الله تعالى الذي قال عن قاتل النفس: إنه خالدٌ، وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]، قال في الآية الأخرى في سورة البقرة: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]، فجعل الله القاتل أخًا للمقتول؛ وهذا دليلٌ على أنه لم يكفر، لا زال مسلمًا، فإذا كان مسلمًا ولم يكفر؛ فإنه لا يخلد في النار، فإذنْ لا بد من الجمع بين النصوص، ولا بد في هذه المسائل والقضايا -وقضايا العقيدة عمومًا- من الانطلاق من فهم السلف والرجوع لكلام السلف والأئمة.

zh