البعض يتساهل في التَّلفظ بكلمة الطلاق عند دعوة الضيف، فما خطورة هذا التساهل؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
البعض يتساهل في التَّلفظ بكلمة الطلاق عند دعوة الضيف، فما خطورة هذا التساهل؟
الجواب
هذا من التلاعب بحدود الله : أن يجعل مصير أُسرته، ويجعل النكاح الذي سمَّاه الله تعالى: ميثاقًا غليظًا، يجعله أُلعوبةً بهذه الطريقة؛ عندما يريد أن يدعو رجلًا لوليمةٍ يحلف بالطلاق!
ولذلك إذا حلف بالطلاق وقال: “عليه الطلاق”، ولم يتحقق ما حلف بالطلاق عليه، فإن أكثر العلماء يرون وقوع الطلاق، وهو قول المذاهب الأربعة: مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، يرون وقوع الطلاق في هذه الحالة.
فلو قال: “عليه الطلاق أن تأكل ذبيحته”، ولكنك لم تأكل ذبيحته، عند أكثر أهل العلم أنه يقع الطلاق.
وكان هذا القول هو الذي يُفْتَى به في بلادنا -في المملكة العربية السعودية- وفي كثيرٍ من بلدان العالم الإسلامي، لكن في الآونة الأخيرة -تقريبًا في الثلاثين عامًا الأخيرة، أو الأربعين عامًا الأخيرة- اتَّجهت الفتوى للإفتاء برأي ابن تيمية رحمه الله تعالى[1] في أنه إذا لم يقصد الطلاق، وإنما قصد الحثَّ أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فلا يقع طلاقًا، وإنما فيه كفارة يمينٍ.
فأصبحتْ هذه الفتوى مُشتهرةً ليس في المملكة فقط، بل حتى في العالم الإسلامي كله أخذوا برأي ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وإن كنا نُرجح هذا القول -وهو أنه لا يقع الطلاق، وإنما فيه كفارة يمينٍ- إلا أنه ينبغي أن يُبْرَز قول الجماهير -جماهير أهل العلم- والذي عليه المذاهب الأربعة: أن الطلاق يقع.
ثم إذا قلنا أيضًا بعدم وقوع الطلاق لا يخرج الإنسان سالمًا، لا بد من كفارة يمينٍ.
وكما ترون الآن ما يُنقل في بعض وسائل التواصل الاجتماعي: ربما أكثر من شخصٍ يحلف بالطلاق! هذا يحلف بالطلاق، ثم ذاك يحلف بالطلاق، ثم الثالث يحلف بالطلاق! يمكن ثلاثةٌ أو أربعةٌ كلهم يحلفون بالطلاق، ثم ينتهي المجلس وكأن شيئًا لم يحصل! هذا من التلاعب بحدود الله .
لا بد لهؤلاء كلهم الذين حلفوا بالطلاق أن يذهبوا لدار الإفتاء ويستفتوا أولًا: هل وقع الطلاق أم لا؟
وإذا أُفتوا بعدم وقوع الطلاق، فعلى كل واحدٍ منهم كفارة يمينٍ إذا لم يتحقق ما حلف عليه.
وينبغي أن يتواصى أفراد المجتمع على الإنكار على هؤلاء الجهلة الذين يرون أن الناس لن تُصدقهم إلا إذا حلفوا بالطلاق، هذا جهلٌ، يجعل مصير أسرته ..؛ لكي يُؤكد للناس أنه كريمٌ، أو يُؤكد للناس أنه صادقٌ، هذا من الحُمْق، ومن الجهل.
ولهذا ينبغي التواصي على الإنكار على هؤلاء، فربما يقع هذا منهم جهلًا، وربما يقع منهم تساهلًا وتلاعبًا بحدود الله ، فالطلاق أمره عظيمٌ، الطلاق هو حلٌّ لرباط الأسرة الذي سمَّاه الله: ميثاقًا غليظًا، فلا يُلجأ إليه إلا عند الضرورة القُصوى، وإذا أراد الرجل أن يُطلق يُطلق طلقةً واحدةً في طُهْرٍ لم يُجامعها فيه.
أما بهذه الطريقة المُنتشرة عند بعض العامة: هذا يحلف بالطلاق، وهذا يحلف بالطلاق، وهذا يحلف بالطلاق، وينتهي المجلس وكأن شيئًا لم يحصل! هذا من التلاعب بحدود الله ، وهذا لا يجوز.
وبعض الناس -يعني: بعض العامة- يعتقد أنه إذا لم يحلف بالطلاق فليس بكريمٍ، إذا أراد أن يدعو أحدًا لوليمةٍ، إذا لم يحلف بالطلاق فلا يُعتبر عندهم كريمًا، وأنه عنده -يعني- مَنْقَصةٌ، كأنه بخيلٌ، ولا يكتفي بالحلف بالله ، ينتقل للحلف بالطلاق، وهذا من الجهل.
ينبغي أن يُرفع مستوى الوعي لدى الناس، وأن يُقال لهم: لا تحلفوا بالطلاق، وأن هذا من التلاعب بحدود الله .
مَن أراد أن يُطلق فلا يُطلق إلا عند الضرورة القُصوى، عندما تُستنفد جميع الحلول، ويُطلق طلقةً واحدةً في طُهْرٍ لم يُجامعها فيه، وله الفرصة ثلاثة أشهرٍ، أو ثلاث حيضاتٍ، إذا أراد أن يُراجعها يُراجعها.
أما إلقاء الطلاق وألفاظ الطلاق بهذه الطريقة، فهذا من التلاعب بحدود الله ، ويدل على رِقَّة الديانة، وضعف الخوف من الله ، وإلا مَن عنده قوة إيمانٍ بالله لا يجعل مصير أسرته إلى هذه الدرجة من التَّساهل والتَّلاعب، ويحلف بالطلاق لأدنى سببٍ، ولأتفه سببٍ.
الحاشية السفلية
^1 | مجموع الفتاوى: (33/ 59)، (33/ 151). |
---|