هل يؤاخذ المسلم بوساوس العقيدة إذا دافعها؟

نعم، هذه الوساوس التي تعتري بعض الناس قد اشتكى منها بعض الصحابة ، فأتوا للنبي  وقالوا: يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما نتعاظم أن نتكلم به، فقال عليه الصلاة والسلام: وقد وجدتموه؟، قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان ^[1]، أي: أن مدافعته دليلٌ على قوة الإيمان؛ لأن الشيطان عندما يجد الإنسان مستقيمًا على طاعة ربه سبحانه؛ يحب أن يلقي عليه هذه الوساوس؛ لأجل أن يدخل عليه الغم والحزن، لكن إذا دافعها المسلم؛ فإنها لا تضره، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ^[2]، فما قد يكون في النفس لا يؤاخذ به الإنسان، إنما يؤاخذ بما يعمل به أو يتكلم به.

فهذه الوساوس بعضها تكون متعلقةً بالذات الإلهية وبالإيمان ونحو ذلك، هذه لا تضر، وأرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى التعامل معها لمَّا اشتكى بعض الصحابة، قال: فليستعذ بالله ولينته ^[3]، يعني: يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينته، أي: يعرض عنها، يقطع التفكير فيها، فإنها لا تضره، وجاء في بعض الروايات أنه يقرأ سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ^[4]، وبعضها أنه يقول: آمنت بالله ورسله ^[5]، ويقطع التفكير فيها، وينشغل بشيءٍ نافعٍ، ينشغل مثلًا بتلاوة القرآن، أو ينشغل بأي عملٍ نافعٍ، وبذلك فإنها لا تضره.

وقد جاء عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عند أبي داود: أن النبي  لما شُكي إليه ذلك، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ^[6]، يعني: رد كيد الشيطان إلى الوسوسة، ولما علم بذلك بعض اليهود؛ قالوا: نحن خيرٌ منكم لا نجد هذه الوسوسة، فقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: وماذا يفعل الشيطان بالبيت الخرب؟! الشيطان لا يأتي بهذه الوساوس إلا لمن كان قلبه عامرًا بالإيمان وبطاعة الله .

وإذا استحضر المسلم أن هذه الوساوس من الشيطان، وأنه إذا دافعها لا تضره؛ فإنه يزول عنه الغم، ويزول عنه الحزن، ولا يتأثر بها، لكن إذا بقي يسترسل مع هذه الوساوس، وربما -كما ذكر الأخ السائل- يقع في غمٍّ وفي حزنٍ؛ فإن الشيطان يزيد عليه هذه الوساوس؛ لأن الشيطان عدوٌّ، فإذا رآه تأثر؛ فسوف يزيد عليه هذه الوساوس، ويقبل عليه بخيله ورَجِله؛ ولذلك الذي أنصح به: إذا أتت هذه الوساوس؛ فأعرض عنها، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تضرك.