هذا سائلٌ يقول: لو كذبتُ لمصلحةٍ -مثلًا: أحدٌ سألني عن شيءٍ خاصٍّ في حياتي- فهل عليَّ إثمٌ؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
هذا سائلٌ يقول: لو كذبتُ لمصلحةٍ -مثلًا: أحدٌ سألني عن شيءٍ خاصٍّ في حياتي- فهل عليَّ إثمٌ؟
الجواب
نحن ذكرنا الضابط فيما يجوز فيه الكذب، وقلنا: إن الضابط أن يكون المقصود محمودًا، ولا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فيجوز الكذب في هذه الحال، ومن ذلك ما جاء في الحديث من الكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها، ولكن فيما عدا هذه الحالات الثلاث المنصوص عليها ينبغي أن يتأول الإنسان عند الحاجة، ولا يتعمد الكذب، يتأول.
معنى التأول: أن يقول كلامًا يفهم منه المُخاطَب شيئًا، وهو يريد شيئًا آخر، فمثلًا: إنسانٌ دعاك لمناسبةٍ، وأنت لا تريد أن تحضر هذه المناسبة، وتريد أن تعتذر منه بعذرٍ، فقلتَ له: إن عندي ارتباطًا. وهو فهم منك أنك عندك موعدٌ آخر في مناسبةٍ أخرى، وأنت تريد ارتباطًا في جهةٍ من الجهات؛ ارتباطًا -مثلًا- بقراءة كتابٍ، ارتباطًا بعملٍ علميٍّ، ارتباطًا بأي نوعٍ من أنواع الارتباطات، أو مثلًا تقول: عندي رجلٌ في البيت. تقصد ابنك -مثلًا- أو تقصد أباك، أو تقصد أخاك، ونحو ذلك، فهذا هو التأول.
ولهذا قال بعض السلف: عجبتُ لمَن عرف التأويل كيف يكذب؟!
فالتأول معناه: أن المُخاطَب يفهم منك شيئًا، وأنت تقصد شيئًا آخر.
فإذا سألك أحدٌ عن أمرٍ خاصٍّ، وأنت لا تريد أن تُجيبه، فيمكن أن تتأول، لكن ينبغي أن يكون في ذلك جبرٌ لخاطر مَن تُخاطبه؛ ولهذا أبو أمامة جاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وقال: ادعُ الله أن يرزقني الشهادة. فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم سَلِّمْهم وغَنِّمْهم [1] يعني: لم يقل له: لا، لن أدعو لك، لكن دعا له بالسلامة وبالغنيمة؛ بأن يغنم في المعركة التي هو داخلٌ فيها، وبالفعل سَلِمَ وغَنِمَ.
فهنا النبي عليه الصلاة والسلام راعى مشاعر هذا الصحابي، هو يقول: ادعُ الله أن يرزقني الشهادة. فالنبي عليه الصلاة والسلام دعا له، لم يقل له: لن أدعو لك بالشهادة، وإنما دعا له.
فيمكن أيضًا إذا طلب أحدهم منك طلبًا أن تدعو له بالتوفيق والتيسير، ونحو ذلك.
المقصود أن الاعتذار ينبغي أن يكون بلطفٍ وبعبارةٍ حسنةٍ: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء: 53]، وإذا احتاج الإنسان للتأول فلا بأس بذلك.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أحمد: 22140، وابن حبان: 146. |
---|