هل يشعر الميت بمرور الزمن؟

ظاهر الأدلة أن الميت لا يشعر بمرور الزمن؛ لقول الله -عز وجل-: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ [البقرة:259]؛ لاحِظ كلمة “أماته”: فأماته اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ [البقرة:259]، لاحِظ هنا أنه موت، ليس نومًا، وإنما موت، ومع ذلك قال: لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.

وأصحاب الكهف لبثوا ثلاثَمائةٍ سنين وازدادوا تسعًا، ومع ذلك يقولون: لبثنا يومًا أو بعض يوم.

والشعور بمرور الزمن يستدعي أحداثًا، والميت ليس عنده أحداث، لا يوجد أحداث، فلا يشعر بمرور الزمن، فتكون حاله كحال النائم الذي يرى ما يسره وما يحزنه في منامه، ثم يستيقظ النائم حتى لو نام أربعًا وعشرين ساعة أو نام أكثر، هل يشعر بمرور الزمن؟ ما يشعر، لكنه يرى في منامه ما يسره وما يحزنه. هكذا الميت، فالنوم أخو الموت، ويسمى الموتة الصغرى.

وهذا يستدعي يعني هذا الأمر يجعل الساعة قريبة منا جدًّا، وأنه لا يفصلنا عن الساعة إلا الموت، والموت لا يُدرى متى يفجأ الإنسان؟ لا يدري الإنسان متى يفجؤه الموت؛ معنى ذلك من حين أن يموت بعد ذلك سيتفاجأ بقيام الساعة، وإن كان سينعم أو يعذب في قبره.

وهذا -يعني- يستدعي من المسلم الاستعداد لليوم الآخر، فهو قريب جدًّا؛ ولهذا سماه الله تعالى غدًا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، قريب جدًّا، كما أن اليوم الثلاثاء وغدًا الأربعاء هكذا أيضًا الساعة قريبة جدًّا، ما يفصل بين الإنسان وبينها إلا الموت.

والموت كما قلنا: لا يشعر الإنسان معه بمرور الزمن وإن كان ينعم أو يعذب، فيتفاجأ الإنسان بقيام الساعة. الذي -الآن- له ألف سنة -مات من ألف سنة- هل يشعر بألف سنة؟ ما يشعر بها، ما يشعر بمرور الزمن، وإن كان ينعم أو يعذب في قبره.

فهذا المعنى تؤكده النصوص التي تدل على قرب قيام الساعة: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1]؛ فالساعة قريبة جدًّا، قريبة جدًّا منا.