كيف أدعو الله دعاء المضطر؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
كيف أدعو الله دعاء المضطر؟
الجواب
دعاء المضطر:
أولًا: أَخْبَر الله تعالى بأنه يجيب دعاء المضطر: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، وقال: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني: مضطرين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].
الاضطرار سبب قوي لإجابة الدعاء، حتى إنه يزول معه أقوى موانع الإجابة وهو الشرك: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65] وهم مشركون، ومع ذلك لمَّا وصلوا إلى حال الاضطرار كانت قوة هذا السبب أقوى من هذا المانع.
وهذا يدل على أن المضطر أنه تستجاب دعوته؛ لماذا تستجاب دعوة المضطر؟
تستجاب دعوة المضطر؛ لأن هذا الاضطرار يَصْحبه إخلاص شديد: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65]، وتفريغ القلب لله ، ولجوءٌ إلى الله تعالى بالكلية، وانقطاع عن المخلوقين؛ كإنسان على لُجَّةِ البحر يخشى أن يغرق، البحر متلاطم الأمواج وهو الآن في هذا البحر، وما بينه وبين الموت إلا لحظات، وهو رافع يديه إلى السماء: “يا رب، يا رب”، ما ظنك بشعور هذا الإنسان؟ شعور هذا الإنسان -هذا الشعور- هذه هي حالة الاضطرار.
الأخ الكريم يقول: كيف أدعو الله تعالى كالمضطر؟
كحالة هذا الإنسان الذي في لُجَّة البحر، وأمواج البحر تتلاطم، والعواصف مِن حوله، وهو ما بينه وبين الموت إلا لحظات، وهو يدعو الله : “يا رب، يا رب”، هل سيبقى في قلب هذا الإنسان تعلُّقٌ بمخلوق؟ أبدًا، سيكون تعلقه بالكلية بالله ، فرَّغ قلبه لله سبحانه؛ هي مسألة قضية حياة وموت، “يا رب، يا رب”؛ يعني: إن لم يُنْجِه الله تعالى هلك ومات، الموت الآن يراه أمامه.
فالقضية قضية حياة وموت، إذا وصل الداعي إلى هذه المرحلة استجيبت دعوته حتى وإن لم يكن مضطرًّا؛ لماذا؟ لأنه فرَّغ قلبه لله ، قطع علاقته بالمخلوقين وانصرف بالكلية لله ، وصحب هذا الدعاء إخلاصٌ شديد؛ فهنا يستجاب الدعاء: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
العجيب أن هذه الآية: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] أتت في سياق الآيات التي فيها الأدلة والبراهين المثبتة لربوبية الله ووحدانيته! يعني أول الآيات: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [النمل:59-60].
لاحِظ “خلق السماوات والأرض”: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ [النمل:60]، الآية التي بعدها: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا [النمل:61]، الآية التي بعدها: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]؛ كيف دخلت هذه الآية بين هذه الآيات الكونية؟!
هنا فيها لمحة: إجابة المضطر دليلٌ على وحدانية الله ؛ لأن الإنسان بفطرته يتجه قلبه إلى الله سبحانه.
ولذلك؛ لو كان إنسان ملحد ينكر وجود الله، وكان في صحراء يمشي وحده، ووقع في بئرٍ مظلمة، ما عنده أحد من البشر؛ سيتجه قلبه مباشرة إلى الله ، سينسى إلحاده، إلحاده ينتهي.
هذا من أعظم الأدلة على ربوبية الله ووحدانيته؛ فجعله الله تعالى مثل خلق السماوات والأرض، ومِثْلَ خَلْقِ الأرض وجَعَل الله تعالى خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي. هذه آيات عظيمة تدل على ربوبية الله وعلى وحدانيته، هكذا أيضًا لجوء المضطر إلى الله سبحانه، يلجأ إلى الله تلقائيًّا، بفطرته يلجأ إلى الله .
ولذلك؛ لما رأى أحد السلف رجلًا يمشي ومعه أناس من طُلَّابه قال: عنده ألف دليل على وجود الله، قال: ما يُحتاج إلى ألف دليل؛ دليل واحد يكفي. قالوا: ما هو؟ قال: أرأيتَ لو كنتَ تمشي في البَرِّيَّة وحدك، ثم وقعت في بئر، فإلى من تلتجئ؟ قال: إلى الله. قال: إذن؛ هذا هو الدليل على وجود الله.
دليل فطري، ودليل الفطرة لا أحد يستطيع أن ينكره؛ لأنه من أقوى الأدلة. فهذه دعوة المضطر، إذا وصل الإنسان في دعائه مثل حالة المضطر؛ فإن الله يجيب دعوته.
ومثله أيضًا المظلوم، يقول -عليه الصلاة والسلام-: واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب[1].
لماذا تُستجاب دعوة المظلوم؟ أولًا: أن الله تعالى لا يحب الظلم، وحرَّم الله على نفسه الظلم، وجعله بين عباده محرمًا، وهو لا يحب الظالمين، ولا يهدي الظالمين؛ ولذلك تجد أن الظالم يتخبط.
ثانيًا: وهو السبب الأهم؛ أن المظلوم يدعو الله تعالى بحرارة، بإخلاص، بصدق، يلجأ إلى الله تعالى في أن يُنزل العقوبة بظالمه، فهو يدعو بصدق وحرارة قلب.
فإذا وصلت حالة الداعي لمثل حالة المضطر وحالة المظلوم؛ استجيب دعاؤه.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 2448، ومسلم: 19. |
---|