logo
الرئيسية/فتاوى/توجيه في استثمار الوقت في رمضان وخصوصًا الثلث الأخير

توجيه في استثمار الوقت في رمضان وخصوصًا الثلث الأخير

مشاهدة من الموقع

السؤال

ربما -شيخنا الكريم- الحين مضى ربع شهر رمضان المبارك، وشارفنا على نهاية الثلث، فهل من توجيه في قضية استثمار ما تبقى من هذا الشهر الطيب المبارك؟

الجواب

نعم، مضى من هذا الشهر المبارك ما يقارب الثلث، والثلث كثير، وعلى المسلم أن يغتنم ما تبقى من أيامه ولياليه؛ فإن الله وصف أيام هذا الشهر بقوله: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، وإذا كانت أيامًا معدودات فسرعان ما تنقضي، وسرعان ما تُطوَى صحائفها.

والإنسانُ كلُّ يوم يمضي يُقرِّبه من الموت والدار الآخرة، ويُبعده عن الدنيا كل يوم، وكل يوم يمضي ينقص به العمر، ويقترب به من الأجل، وكما قال الحسن -رحمه الله-: ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضك[1].

وكان ابن مسعود إذا غربت شمس يوم يقول: هذا يومٌ غربت شمسه؛ نقص به عمري، واقترب به أجلي، ولم يزدد به عملي. يقوله على سبيل التواضع، وإلا فالصحابة عندهم أعمال صالحة كثيرة.

فينبغي أن يستشعر المسلم هذه المعاني، وأن يحرص على أن يتزود بزاد التقوى في هذا الموسم العظيم، الذي تُضاعَف فيه الأجور والحسنات، وتُغفَر فيه الخطايا والسيئات.

فعلى المسلم أن يتوب إلى الله سبحانه، وأن ينيب إلى الله ​​​​​​​: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وأن يجعل من هذا الشهر -من هذه الأيام الفاضلة المباركة- فرصة لتفقد العمر، الإنسان يتفقد نفسه، يتفقد أحواله، يتفقد وينظر ماذا قدَّم لغد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، يقول: لو أتاني ملك الموت الآن، وأنا على هذه الحال، فكيف سأقابل ربي؟ كيف سأكون في يوم مقداره خمسون ألف سنة، في الموقف في الحياة الأبدية في حياة الخلود؟ هل أنا مستعد لحياة الخلود؟ حياة الخلود هي بعد الموت، حياة الخلود، ما بعد الموت من دارٍ إلا الجنة أو النار.

فعلى المسلم أن يطرح هذه الأسئلة وهذه المعاني، وأن يحاسب نفسه محاسبة صادقة، حياة الإنسان فرصة واحدة غير قابلة للتعويض، الله تعالى منحك هذه الفرصة: إن أنت أفدت من هذه الفرصة واغتنمت عمرك في الأعمال الصالحة فقد سعدت السعادة الأبدية، أما إن ضاع عليك العمر في لهو وفي غفلة حتى بَغَتَكَ الموت فقد خسرت كل شيء حتى نفسك: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:103].

فهذه الحياة متاع: إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39]، الآخرة هي دار الخلود، هي دار القرار، هي منتهى البشرية.

ولذلك؛ فينبغي أن يتفقد المسلم نفسه، وأن يحاسبها: ماذا قدَّمَتْ لغد؟ وأن يتزود بزاد التقوى، وأن يجاهد نفسه على أن تستقيم على طاعة الله . ونحن في هذه الأيام والليالي الفاضلة في فرصة للتزود بالأعمال الصالحة، والتزود بزاد التقوى.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 “الزهد” لأحمد بن حنبل: ص225
zh