نعم، هذا سؤال جيد، عندنا مصلحتان: عندنا المصلحة الأولى هي أن يُنتظر بالميت لأجل أن يكثر المصلون عليه، وأن يصل أقاربه ومحبوه للصلاة عليه. والأمر الآخر ما ورد في هذا الحديث، وما في معناه الحديث الذي ذكره الأخ السائل: أسرعوا بالجنازة؛ وهذا يقتضي الإسراع بها.
فتعارض عندنا هذان الأمران، فأيهما يقدم؟
فنقول جوابًا عن ذلك: إذا كان التأخير ليس طويلًا؛ فينبغي أن يكون التأخير لأجل أن يَكثُر الناس للصلاة عليه، وأن يحضر محبوه وأقاربه ومن يريد تشييع جنازته. فهذه مصلحة أرجح، بشرط ألا يكون التأخير كثيرًا؛ وذلك لأنه يحقق هذه المصلحة، والتي فيها مصلحة للميت ومصلحة للمصلين؛ أما الميت فقد قال النبي : ما من ميت مسلم يقوم على جنازته أربعون لا يشركون بالله شيئُا يشفعون فيه إلا شفعهم الله فيه، وفي حديث عائشة: يقوم عليه مائة، وكلما كثر عدد المصلين كان ذلك أفضل وأعظم أجرًا للميت.
وأما كونه أفضل للمصلين فلأن المصلي ينال بصلاته على الجنازة قيراطًا كما قال -عليه الصلاة والسلام-: من صلى على جنازة فله قيراط، لكن يترتب على ذلك تأخير الجنازة، والتأخير الذي ليس طويلًا عرفًا لا يضر؛ فإن النبي مات ضحى يوم الإثنين ولم يدفن إلا مساء يوم الثلاثاء.
فإذا اقتضت المصلحة التأخير فلا بأس بذلك، بشرط ألا يكون ذلك طويلًا، ويكون هناك مصلحة راجحة تقتضي ذلك، بل ذكر بعض العلماء أن كراهة دفن الميت ليلًا إنما هو لأجل خشية التقصير في حقوقه، ومن ذلك أن يقل عدد المصلين عليه.
ولهذا؛ فينبغي أن تراعى هذه المعاني، وأنه إذا كان في التأخير اليسير مصلحة راجحة من أنه يرجى كثرة عدد المصلين عليه؛ فإنه لا بأس بذلك التأخير بشرط ألا يطول عرفًا.