الرئيسية/فتاوى/حكم من يقف بعرفة ويوكل غيره للقيام ببقية أعمال الحج
|categories

حكم من يقف بعرفة ويوكل غيره للقيام ببقية أعمال الحج

مشاهدة من الموقع

السؤال

ما يُسمّي اليوم بحج الترفُّه، بعضهم قد يأتي فقط اليوم التاسع يقف بعرفة، ثم من بكرة يظن أن القضية قضية مال، فيدفع أو يوكل بدون أي ضابط، ما ضابط التوكيل؟ ومتى يجوز التوكيل؟

الجواب

هذا الذي يأتي يوم عرفة، ثم يدفع أموالًا ويوكل، هذا في الحقيقة من التلاعب بالحج، ومن التلاعب بحدود اللّـه ​​​​​​​، وليس هذا هو الحج الذي أمر اللّـه تعالى به، واللّـه تعالى غنيٌّ عنك وعن مالك إذا كنت ستحج بهذه الطريقة، فلا بد أنّ الإنسان يفعل الحج كما أمره اللّـه ​​​​​​​، ويتعبَّد للّـه تعالى بأعمال الحج، ويحرص على السنة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فهذا هو المطلوب.

والتوكيل يـمكن أن يُصار إليه عند العجز عن الرمي، أو عند وجود المشقة الكبيرة، فإذا كان الإنسان مريضًا يوكل، أو كبيرًا في السن مثلًا، ويشق عليه أن يرمي بنفسه يوكل، امرأةً مثلًا حامل توكل، أما إذا كان الإنسان قويًّا قادرًا على أن يرمي بنفسه، فالأصل أنه يتولى الرمي بنفسه.

المقدم: لكن شيخنا ما هو ضابط هذه المشقة، الكل يقول: أنا تعبان هل التعب مشقة؟

الشيخ: ليس الضابط هو التعب، وإنـما الضابط المشقة غير المعتادة، أي: المشقة الطارئة الزائدة غير المعتادة، يعني: كإنسانٍ مريض مثلًا، إنسان مثلًا مصاب بفشل كلوي، أو عنده مثلًا سكر مرتفع، أو حمى، أو امرأة حامل، أو كبير في السن، أو نحو ذلك، فتكون مشقة كبيرة، ويُعذر.

بعض العامة يتوكل عن النساء، أي امرأة يتوكل عنها، مع أن المرأة قوية قادرة على أن ترمي بنفسها، فمثل هذا التوكيل لا يصح ولا يجزئ، بعض النساء تكون قوية شابة قادرة على أن ترمي بنفسها، فلماذا يتوكل عنها الرجل، هذا من الأخطاء لدى بعض العامة.

المقدم: لو فعل هذا القادر لـم يرم ووكل، ماذا يترتب عليه؟

الشيخ: يترتب عليه دم؛ لأن هذا التوكيل لا يصح، إذا كانت امرأة قادرة على أن ترمي بنفسها، فلماذا يتوكل عنها محرمها؟!

المقدم: يترتب دم عن كل يوم، إذا فرضنا أنـها وكَّلت كل الأيام؟

الشيخ: من ترك الرمي يترتب عليه دم واحد عن جميع الأيام، لكن هنا أنا أنصح بأن الحاج يتولى أمور الحج بنفسه، ومن ذلك رمي الجمرات ولا يوكل؛ لأنه يلاحظ على بعض العامة التساهل في التوكيل.

وأما المشقة التي يجدها الحاج لا بد منها، النبي سمى الحج جهادًا؛ لـمَّا قالت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “يا رسول اللّـه، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ -يعني: النساء- قال عليه الصلاة والسلام: عليكن جهادٌ لا قتال فيه، الحج والعمرة [1]؛ فانظر كيف اعتبر النبي الحج جهادًا، خاصة للنساء.

وإذا تأملنا آيات الحج التي في سورة البقرة، نجد أنـها أتت بعد آيات الجهاد، وفي هذا إشارة إلى أن الحج نوعٌ من الجهاد.

وأيضًا من حِكَم مشروعية الحج: تدريب النفس على الصبر، وعلى تحمل المشاق، فالمشقة لا تنفك عن الحج؛ ولهذا ينبغي للحاج أن يتحمل، وأن يصبر ويُصبّر نفسه، وأن يُدرب نفسه على الصبر، ويستفيد من مدرسة الحج التربوية.

الحج في الحقيقة مدرسة تربوية عظيمة، يكتسب منها المسلم كثيرًا من الأخلاق الكريـمة، ومنها خلق الصبر، الذي يقول عنه النبي : ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا ولا أوسع من الصبر [2]، أخرجه البخاري ومسلم.

فتأمَّل هذا الحديث، أعظم عطاء يُعطَاه الإنسان الصبر، أن يكون الإنسان عنده قدرة على الصبر والتحمل، بعض الناس عنده جزع، يعني: عند أدنى مشقة تجده يتبرَّم ويتسخط ويتشكى، ويعيش في قلق وتوتر، تجد أن معظم وقته متوترًا، لكن لو أنه نـمَّى لديه خلق الصبر، وأصبح مستوى الصبر عنده قويًّا، يزول عنه هذا القلق، وتتغير حياته كلها.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه ابن ماجه: 2901، وأحمد: 25322.
^2 رواه البخاري: 1469، ومسلم: 1053.
مواد ذات صلة