الرئيسية/فتاوى/ما فضل العشر الأواخر من رمضان وما ينبغي فعله فيها؟
|categories

ما فضل العشر الأواخر من رمضان وما ينبغي فعله فيها؟

مشاهدة من الموقع

السؤال

ما هو فضل هذه العشر؟ وما الذي يجب على المسلم فيها؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

بغروب شمس هذا اليوم تدخل العشر الأواخر من رمضان، هذا الموسم العظيم، هذه الليالي المباركة التي هي أفضل ليالي السنة على الإطلاق، هذه الليالي المباركة التي فيها ليلة هي خير من ألف شهر، فيها ليلة القدر خير من ألف شهر؛ ولذلك كان النبي يُعظّم هذه العشر المباركة، فكان إذا دخلت هذه العشر اعتكف في مسجده، وانقطع عن الناس وعن الدنيا، وتفرغ للعبادة، مع أنه عليه الصلاة والسلام هو مفتي الأنام، وهو الموجه، وهو القائد للدولة الإسلامية، وهو كل شيء بالنسبة للصحابة، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا دخلت هذه العشر المباركة انقطع عن الناس، وانقطع عن الدنيا، وبقي في مسجده، واعتكف اغتنامًا لهذا الوقت الثمين، هذا الوقت النفيس، هذا الوقت الذي لا يعوض بثمن.

فأقول: الإخوة والأخوات ينبغي أن نقتدي بالنبي ، وأن نحرص على هذه الليالي الفاضلة، ففيها ليلة من وافقها فقد وُفق لخير عظيم، من وُفق لهذه الليلة، من وافقها ووُفق فيها، فقد وُفق لخير عظيم: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3]، هذه الليلة العظيمة الشريفة المهيبة التي أنزل الله تعالى في شأنها قرآنًا، بل سورة كاملة: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ [القدر:1] يعني: أنزلنا القرآن في ليلة القدر، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر:2] عندما يقول رب العالمين: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر:2] هذا الاستفهام للتفخيم والتعظيم والتهويل وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر:2] ليلة عظيمة، ثم قال جل وعلا: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] ألف شهر تعادل ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ومع ذلك العمل في هذه الليلة ليس مساويًا بالخير، خير من عمل في ألف شهر.

ومن بركة هذه الليلة تنزل الملائكة، الملائكة تنزل إلى الأرض لترى عبادة المؤمنين، بمن فيهم أعظم الملائكة الروح جبريل : تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ۝سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:4-5] يعني: تمتد إلى طلوع الفجر.

فهذه ليلة القدر هي في هذه العشر المباركة؛ ولذلك على المسلم أن يجتهد في جميع ليالي هذه العشر.

كان النبي يخلط العشرين الأولى من رمضان بصلاة ونوم، فإذا دخلت العشر شد المئزر، وأحيا ليله، وأيقظ أهله؛ ولهذا ينبغي إحياء هذه الليالي المباركة بالعبادة، وأعظم ما تُحيا به الصلاة، فإن هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام، كان يُحيي هذه الليالي المباركة بالصلاة، حتى إنه قام بعض الليالي بالصحابة، وقام بهم ليلة سبعة وعشرين، حتى كاد أن يفوتهم السحور، يقول الصحابة: قام بنا ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، ثم قام بنا ليلة خمس وعشرين إلى منتصف الليل، ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح [1] يعني: السحور، يعني: الليلة كلها جعلها في الصلاة عليه الصلاة والسلام.

فالمطلوب من المسلم أن يجتهد في هذه الليالي الفاضلة، ومن أعظم ما يجتهد به قيام هذه الليالي؛ لأنه إذا قام هذه الليالي فيكون قد قام ليلة القدر.

وقال عليه الصلاة والسلام: من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه [2].

المقدم: كيف يقومها؟

الشيخ: صلاة الليل مثنى مثنى، يعني: ركعتين ركعتين، ليس هناك عدد محدود، لك أن تصلي ما شئت مثنى مثنى، ثم تختم بواحدة، كما قال عليه الصلاة والسلام: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة [3].

ولك أن تُفرقها، فتجعل في أول الليل صلاة، وفي آخر الليل صلاة، هذا هو الأرفق بمعظم الناس، والذي عليه عمل كثير من المسلمين اليوم، ولو أن الإنسان أراد أن يجعلها كلها آخر الليل لا بأس، لو أراد أن يجعلها كلها أول الليل فلا بأس، الأمر في هذا واسع، لكن ينبغي أن يحصل إحياء الليل.

والذي عليه عمل الناس في المساجد قبل حصول هذه الأزمة، وإغلاق المساجد في كثير من بلاد المسلمين، هو أنهم كانوا يصلون أول الليل، ثم يرجعون ويصلون آخر الليل، فيكون هذا هو أرفق بهم، وأيسر لهم، فيصلون بعد صلاة العشاء ما تيسر، ثم يعودون ويصلون في الثلث الأخير من الليل ما تيسر، ثم يختمون ذلك بالوتر.

المهم أن يحصل إحياء هذه الليالي، ولا ينحصر ذلك في الصلاة، أيضًا حتى الدعاء، فإن الدعاء في ليلة القدر حري بالإجابة، والدعاء في هذه الليالي المباركة حري بالإجابة.

وكذلك أيضًا تلاوة القرآن، والذكر: التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والصدقة، والبذل، والإنفاق، كل ما هو عمل صالح، مطلوب من المسلم كل ما هو عمل صالح.

تجّار الدنيا تجد أن لهم مواسم، إذا أتت هذه المواسم يستنفرون قواهم، ويجتهدون فيها بُغية تحقيق مكاسب أعلى من الربح، وهكذا أيضًا التجارة مع الله ​​​​​​​ لها مواسم، ومن هذه المواسم هذه العشر المباركة التي نحن مقبلون عليها الآن، هذا موسم من مواسم التجارة مع الله ​​​​​​​ بالأعمال الصالحة، وليستحضر المسلم بأن عمره في هذه الدنيا قصير، وأنه ربما لا يدرك مثل هذه المواسم الفاضلة من العام القابل، كم من إنسان كان معنا في العام الماضي يستقبل العشر المباركة، وهو الآن في قبره مرتهن بعمله، لا يستطيع زيادة الحسنات، ولا النقص من السيئات.

ولذلك أوصي نفسي وأوصي إخواني بالاجتهاد في هذه العشر المباركة، وأن يرتب الإنسان وقته فيها، وأن يتخفف من مشاغل الدنيا، ويقتدي بالنبي  في إحياء ما أمكن من هذه الليالي المباركة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 1375، والنسائي: 1364، وابن ماجه: 1327، وأحمد: 21447.
^2 رواه البخاري: 1901، ومسلم: 760.
^3 رواه البخاري: 472، ومسلم: 749.
مواد ذات صلة