الرئيسية/مقاطع/أثر التعلق بالدنيا على الإنسان
|categories

أثر التعلق بالدنيا على الإنسان

مشاهدة من الموقع

التعلق بالدنيا يُشغل قلب الإنسان، ويحدث له الهم والغم والمتاعب والمصائب؛ لأن الدنيا لا تأتي على ما يريد الإنسان، لو كانت الدنيا تأتي على ما يريد الإنسان؛ ما تـمنـى الإنسان نعيم الجنة، الدنيا خلق الإنسان فيها في كبدٍ، لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]، لا تصفو لأحدٍ، ينال الإنسان ما يناله في هذه الدنيا من المصائب والمتاعب؛ ولذلك من تعلَّق بالدنيا؛ فإنه سيعيش في همٍّ وفي قلقٍ وفي غمٍّ، وكما قال هنا بعض السلف: “من أحب الدنيا لا ينفك من ثلاثٍ” -يعني: من تعلّق قلبه بالدنيا- “همٌّ لازمٌ، وتعبٌ دائمٌ، وحسرةٌ لا تنقطع”، همٌّ: يهتم من المستقبل ومـما سيكون، وتعبٌ: لأن الدنيا -كما ذَكر- لا تأتي على ما يريد الإنسان، يتعب وينصب ويغتم، وحسرةٌ لا تنقضي؛ لأنه أيضًا يقدر أشياء فتقع الأمور على غير ما أراد؛ فيتحسَّر.

لكن الدنيا يضعها الإنسان في يده، ولا يضعها في قلبه، إذا وضعها في يده ولـم يضعها في قلبه؛ فإنه لن يهتم، ولن يغتم، كما كان بعض الصحابة ، أتتهم الدنيا وهم من الأثرياء، لكن لـم يكونوا متعلقين بـها، لـم تكن الدنيا في قلوبـهم، هذا عثمان بن عفان أحد العشرة المبشرين بالجنة من أثرياء الصحابة ، هذا عبدالرحمن بن عوفٍ  من أثرياء الصحابة، هذا الزبير بن العوام  كذلك، هذا أبو بكرٍ الصديق أيضًا  معدودٌ من أغنياء الصحابة، هؤلاء كلهم العشرة المبشرون بالجنة فقط، وإذا تأملنا سنجد أكثر.

فهؤلاء من أثريا الصحابة، ومع ذلك من العشرة المبشرين بالجنة؛ لأن الدنيا ليست في قلوبـهم، وإنـما في أيديهم، فإذا كانت الدنيا في يد الإنسان وليست في قلبه؛ فإنـها لا تؤثر عليه في أمور دينه، ولا يغتم ولا يهتم، ولا ينصب ولا يتعب، لكن من كانت الدنيا في قلبه وتعلق بـها؛ يصيبه الهم والتعب والحسرة، ولا ينال منها شيئًا إلا طَمَحت نفسه إلى ما هو أعلى وأكثر؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب [1].

أيضًا التعلق بالدنيا، وكون الدنيا تكون في قلب الإنسان، يعني: هذا فيه خطورةٌ كبيرةٌ على دين المسلم؛ لأنه سيتصرف تصرفاتٍ مخالفةً لدينه، يوضح النبي عليه الصلاة والسلام هذا المعنى بمثالٍ عجيبٍ في حديث كعب بن مالكٍ الذي أخرجه الترمذي بسندٍ صحيحٍ، يقول النبي : ما ذئبان جائعان أرسلا في غنمٍ، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه [2].

فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: أن حرص الإنسان الشديد على المال والرئاسة والمنصب يفسد عليه دينه، مثل أو أكثر من إفساد الذئبين الجائعين إذا أطلقا في زريبة غنمٍ، ما ظنك بذئبين جائعين أطلقا على حظيرة غنمٍ فيها أغنامٌ؟ ماذا سيفعل هذان الذئبان بـهذه الأغنام؟ هل سيتركان منها شيئًا؟ سيفتكان بـهذه الأغنام أشد الفتك، ذئبان جائعان وأطلقا في حظيرة غنمٍ، أطلقا على الغنم في الحظيرة، ماذا سيفعل هذان الذئبان الجائعان بالغنم؟ هكذا أيضًا حرص الإنسان الشديد، وتعلقه الشديد بالمال وبالشرف، يعني: الجاه والمنصب، هذا يفسد على الإنسان دينه مثل إفساد هذين الذئبين الجائعين لهذه الأغنام.

ولذلك ينبغي للمسلم أن يسأل الله تعالى ألا يجعل الدنيا أكبر همه، ولا مبلغ علمه، ولا يتعلق بـها، وإذا أعطاه الله تعالى مالًا ورزقه دنيا؛ يجعلها في يده ولا يجعلها في قلبه.

ما علامة تعلق الإنسان بالدنيا؟

علامة تعلق الإنسان بالدنيا: أن يتنازل عن بعض أمور دينه، وأيضًا يفرِّط في بعض الواجبات، فإذا وجدت الإنسان مثلًا يتأخر عن الصلاة بسبب مشاغله الدنيوية، هذا دليلٌ على أنه متعلقٌ بالدنيا، وأن تعلقه بالدنيا أثَّر على أمور دينه، إذا وجدت أنه يتنازل عن بعض مبادئه وبعض أمور دينه لأجل تحقيق أمورٍ دنيويةٍ؛ فهذا كذلك دليلٌ على تأثير التعلق بالدنيا، وتعظيم الدنيا في قلبه على دينه.

ولذلك من الأدعية العظيمة أن يقول المسلم: اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1048.
^2 رواه الترمذي: 2376.
مواد ذات صلة