الرئيسية/محاضرات/مسائل من أحكام الزكاة
|

مسائل من أحكام الزكاة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أسأل الله تعالى أن يتقبل صلاتنا، ويستجيب دعواتنا، ويستعملنا جميعًا في طاعته، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.

الحث على استغلال شهر رمضان

أيها الإخوة: نحن بهذه الأيام والليالي في موسم عظيم من مواسم التجارة مع الله ؛ بالأعمال الصالحة، هذا الموسم فيه تُرفع الدرجات، وتضاعف الحسنات، وتكفر الخطايا والسيئات، هذا موسم من مواسم الطاعة، فالله الله في التشمير في مزيد من الطاعات والقُربات.

ينبغي أيها الإخوة أن نحرص وأن نجتهد في العمل الصالح، وما يُقربنا إلى ربنا سبحانه؛ هذا أوان عمل العاملين، وهذا أوان اجتهاد المجتهدين، وعمر الإنسان أيها الإخوة في هذه الدنيا قصير مهما طال ومهما اشتد به العمر، العمر قصير، ومقامه في هذه الدنيا وما يعمل في هذه الحياة يترتب عليه مصيره يوم القيامة، والله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8]، والإنسان بعد مماته لا يغتبط ولا يفرح ولا يسر بشيء إلا بعمله الصالح، لا ينفعه بعد مماته شيء إلا ما عمل.

فنحن الآن أيها الإخوة نحن الأحياء في دار يتمناها الأموات، يتمنون لو ردوا إلى هذه الدنيا لكي يعملوا صالحًا، ولكي يتزودوا بالطاعات، فينبغي أن نغتنم ما تبقى من أعمارنا، وأن نتداركه، وأن نضاعف الجهد في مثل هذه المواسم الفاضلة.

والمسألة يا إخوان هي مسألة توفيق، توفيق من الله ​​​​​​​ للعمل الصالح، وإلا تجد مثلًا: في صلاة التراويح تجد أن بعض الناس محروم، وليس عنده شغل؛ تجده أما في البيت، أو عند التلفاز، أو عند الإنترنت، أو.. ما عنده شغل يشغله، لكنه لم يوفّق، وأنت يا أخي الكريم قد وفقك الله لهذا الخير، ولهذه النعمة، فاحمد الله تعالى على ذلك، واسأل الله تعالى المزيد من التوفيق لما يحب ويرضى.

أيها الإخوة كانت أكثر أسئلة الناس فيما مضى فيما يتعلق بالصيام وأحكامه، ولكن السنوات الأخيرة أصبحت أكثر الأسئلة في باب الزكاة فيما يتعلق بالزكوات؛ لأن كثيرًا من الناس أصبحوا يخرجون زكواتهم في رمضان، ولهذا لعلّي في هذه الكلمة أعطي خلاصةً مختصرةً حول أبرز المسائل التي يسأل عنها الناس من أحكام الزكاة.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة:

  • الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار.
  • الثاني: السائب من بهيمة الأنعام.
  • الثالث: النقدان.
  • الرابع: عروض التجارة.

أما بالنسبة للسائب من بهيمة الأنعام فالزكاة تجب فيما يرعَى العشب والكلأ أكثر السنة، أما المعلوف فلا زكاة فيها إلا أن تعد للتجارة، وتفاصيلها مذكورة في كتب الفقه.

وأما الخارج من الأرض من الحبوب والثمار فتجب الزكاة في جميع الحبوب، وما يُكال ويُدخر من الثِّمار، وأيضًا تفاصيلها مذكورة في كتب الفقه.

والذي يهمنا هو أكثر ما يسأل الناس عنه هنا هو: زكاة النقدين، وعروض التجارة.

زكاة النقدين

والنقدان: الذهب والفضة، ويقوم مقامها في الوقت الحاضر الأوراق النقدية.

الأوراق النقدية إذا بلغت نصابًا وحال عليها الحول فيجب على الإنسان أن يزكيها بغض النظر عن السبب الذي ادخَرت من أجله هذا المبلغ النقدي، حتى لو ادخرت لنفقة، ادخرت لزواج، ادخرت لبناء مسكن، ادخرته لأي شيء ما دام أنه بلغ نصابه وحال عليه الحول يجب عليك أن تزكّيه.

النصاب

ما هو النصاب؟

نصاب الأوراق النقدية هو أدنى النصابين من الذهب والفضة.

والفضة الآن أرخص من الذهب بكثير، وعلى ذلك فنصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة، ونصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعين جرامًا، فإذا ضربنا سعر الجرام من الفضة في خمسمائة وخمس وتسعين يخرج لنا نصاب الأوراق النقدية، وهو هذه الأيام يعادل ألف ومائتين وخمسة وأربعين ريالًا، إذا ملكت هذا المبلغ فأكثر ومضى عليه سنة ففيه الزكاة، إذا ملكت ألفًا ومائتين وخمسة وأربعين ريالًا فأكثر وحال عليه الحول يجب عليك أن تزكيه.

أما إذا كان عندك أقل من هذا المبلغ فهذا لا زكاة فيه.

وأيضًا لوكان عندك هذا المبلغ وأكثر لكنك تصرفه ما تدخر منه شيئًا هذا لا زكاة فيه.

وعلى هذا ترِد مسألة زكاة الدخل الشهري، فإذا كان الإنسان لا يدّخر من دخله الشهري شيئًا هذا لا زكاة عليه، لكن إذ كان يدخر شيئًا، وهذا الشيء يعادل نصابًا فأكثر يدخر أكثر من ألف ومائتين وخمس وأربعين فهنا تجب عليه الزكاة.

طرق لحساب زكاة الدخل الشهري

وللدخل الشهري عدة طرق لزكاته من أبرزها طريقتان:

الطريقة الأولى: أنك تطلب كشف حساب بنكي وتنظر إلى أقل رصيد فتخرج زكاته.

والطريقة الثانية: وهي أسهل من طلب كشف الحساب؛ لأن أكثر الناس يصعب عليه طلب كشف الحساب وتتبع الرصيد، فالطريقة الثانية هي أسهل، وهي أن تجعل لك تاريخًا محددًا في السنة، ولنفترض مثلًا: أنه العاشر من شهر رمضان تزكي فيه جميع الرصيد الذي عندك سواء حال عليه الحول أو لم يحل عليه الحول، وتنوي تعجيل الزكاة فيما لم يحل عليه الحول، وبذلك لا تنظر لزكاة مالك إلا مرة واحدة في السنة، كل ما أتى عشرة رمضان تزكي جميع ما عندك. هذه الطريقة أسهل وأضبط وأحوط، فهذه هي طريقة زكاة الدخل الشهري.

زكاة الدين

أما الديون التي لك في ذمم الآخرين:

فإن كان المدين مليئًا باذلًا؛ مليئًا: يعني غير مُعسر، باذلًا: يعني غير مماطل، متى ما طلبت منه الدين سدّد لك، وهنا يجب عليك أن تزكي هذا الدين الذي لك في ذمة الآخرين.

أما إذا كان المدين معسرًا أو مماطلًا فلا زكاة في هذا الدين، إذا كان معسر فقير تقول له: يا فلان سدد الدين الذي لي في ذمتك، قال: ما عندي شي، فهذا لا زكاة في هذا الدين، أو أن عنده رجل غني لكنه مماطل كل ما طلبت منه الدين كل يوم يأتي لك بعذر، فهذا أيضًا لا زكاة فيه؛ لأن هذا الدين المدين فيه مماطل.

زكاة الدين المقسط أو المؤجّل

وأما زكاة الدين المقسَّط أو المؤجَّل فتجب الزكاة في رأس المال مع ربح السنة الحالية دون بقية السنوات، فلو كنت مثلًا بعت السيارة رأس مالها خمسون ألفًا مقسطة على أربع سنوات أو مقسطة على خمس سنوات مثلًا، مقسطة على أربعة سنوات مثلً كل سنة الربح خمسة آلاف.

في السنة الأولى تزكي رأس المال وهو خمسون ألفًا وربح السنة الحالية هو خمسة آلاف، يعني تزكي خمسة وخمسين ألفًا.

السنة الثانية: تزكي خمسة آلاف التي هي الربح وما بقي من رأس المال، رأس المال سوف يتناقص ويتآكل، فتزكي خمسة آلاف وما بقي من رأس المال.

في السنة الثالثة: تزكي خمسة آلاف، وما بقي من رأس المال، هذه هي طريقة زكاة الدين المقسط الذي لك في ذمم الآخرين.

أما الدين الذي على الإنسان فإذا كان الدين مؤجلًا فإنه لا يؤثر، أما إذا كان حالًّا حيث إن الدائن يقول: يا فلان سدد لي، فهنا تخصم من الزكاة ما يقابل هذا الدين؛ لأن هذا المال الذي بيدك هو في الحقيقة هو ليس لك هو مستحقٌ للدائن.

زكاة الحُلي والمُستعمل

وأما بالنسبة للحُلي المُعد للاستعمال فجمهور أهل العلم على أنه لا زكاة فيه، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، ومنقول عن أكثر الصحابة رضي الله عنهم.

ولم يذهب إلى وجوب الزكاة فيه إلا الحنفية، واستدلوا بأحاديث كلها ضعيفة، لا تصح، كما قال الترمذي: “لا يصح في هذا الباب شيء”، وقاعدة الشريعة: أنه ما كان معد للاستعمال والقنية لا زكاة فيه، سيارتك لا زكاة فيها، بيتك لا زكاة فيه، كل شي معد للاستعمال لا زكاة فيه، وهكذا أيضًا المستغلّات المعدة للإيجار هذه لا زكاة فيها، لو كان عندك عمارة تُأجرها لا زكاة في أصلها، لكن تزكي ريعها إذا حال عليها الحول.

زكاة عروض التجارة

أما بالنسبة لعروض التجارة، فهي ما أعده الإنسان طلبًا للربح والتكسب، فهذه تجب الزكاة في أقيامها، فالذين عندهم محلات تجارية وفيها بضائع فعليهم نهاية السنة أن يجردوا ما في المحل من بضاعة معدة للبيع ويخرجوا ربع العشر اثنين ونصف بالمائة، وهكذا أيضًا من كان عنده أراضي ينوي بيعها في الحال أو في المستقبل يجب عليه أن يزكيها؛ لأنها عروض التجارة.

أما الأرض التي لا ينوي بيعها وإنما يريد أن يبني عليها مسكنًا هذه لا زكاة فيها، وهكذا الأرض التي يريد أن يبني عليها عقارًا لتأجيره لا زكاة فيها، وهكذا الأرض التي هو متردد في النية نيته غير واضحة تارة يقول: سأبني عليها، وتارة يقول: سأضع فيها.. أبني عليها استراحة، وتارة يقول: سأبيعها، هذه أيضًا هذه الأرض لا زكاة فيها، فلا تجب الزكاة في الأرض إلا ما كان جَزم فيه مالكها بنية البيع إما في الحال أو في المستقبل.

زكاة الأسهم

وأما الأسهم فإن كان المساهم مستثمرًا، أي أنه لا يبيع ويشتري فيها، وإنما اشترى هذه الأسهم وتركها، أو أنه اكتتب في شركة وتركها، أو أنه كان يبيع ويشتري ثم خسر في الأسهم فتركها، فهذه لا زكاة فيها باعتبار أن الشركات المساهمة كلها ملزمة بدفع الزكاة لمصلحة الزكاة والدخل، فالشركة تزكي عنك، فلا يجب عليك أنت أيها المساهم أن تزكي إذا كنت مستثمرًا.

أما إذا كنت مضاربًا، يعني تبيع وتشتري في الأسهم فيجب عليك أن تزكي عند تمام الحول، عند تمام الحول تنظر كم في محفظتك كأنك تريد أن تبيع جميع ما في المحفظة وتخرج ربع العشر اثنين ونصف بالمائة، وإذا أردت أن تعرف مقدار زكاة أي مبلغ نقدي فاقسمه على أربعين، هذه قاعدة مفيدة، أي مبلغ نقدي اقسمه على أربعين يخرج لك مقدار الزكاة.

أهل الزكاة

 وأما المستحقون للزكاة فهم الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]، لا يجوز صرف الزكاة لغير هؤلاء الثمانية، فلا تصرف الزكاة في عَمارة المساجد، ولا في غير هذه الأصناف الثمانية عمومًا، وأوضح هذه الأصناف الثمانية عندنا هنا في المجتمع ثلاثة أصناف:

  • الفقراء.
  • والمساكين.
  • والغارمين.

أما الفقراء والمساكين فهم المحتاجون، ولكن الفقير أشد حاجة من المسكين، فالفقير هو المُعدم الذي ما عنده شيء، أو عنده دون نص الكفاية.

والمسكين هو الذي عنده نصف الكفاية أو أكثرها، لكن ليس عنده تمام الكفاية.

أوضِّح هذا بالمثال: إنسان معدم ما عنده شي هذا وضح أنه فقير.

إنسان عنده دخل لكن يكفيه إلى عشرة من الشهر هذا فقير.

إنسان عنده دخل لكن يكفيه إلى منتصف الشهر هذا مسكين.

إنسان عنده دخل يكفيه إلى عشرين من الشهر هذا مسكين.

إنسان عنده دخل يكفيه إلى آخر الشهر هذا مكفي ليس بفقير ولا مسكين ولا تحل له الزكاة، الذي يدّخر شيء من دخله هذا غني، وغِنى كل شي بحسبه لكن الغني في باب الزكاة هو من يملك نصابًا.

وعندما تُعطي الزكاة يكفي غلبة الظن، إذا غلب على ظنك أن هذا الإنسان فقير أو مسكين يكفي هذا، ولا يلزمُكَ أن تطالب الفقير بالبينة، وإنما تكفي غلبة الظن، لهذا قال الفقهاء: إذا دفع الزكاة لغني ظنه فقيرًا أجزأ.

ولكن أيها الإخوة عندما يدفع الإنسان الزكاة، وهكذا الصدقة، وهكذا جميع أنواع المعروف، لابد في ذلك من الإخلاص لله ، وهذا أمر معروف، لكن هناك أمر آخر أُنبه عليه، وهو: أنه لابد من حفظ كرامة الفقير أو المسكين، فليس لك أن تعطي الفقير أو المسكين مساعدة سواءً من زكاة أو صدقة، وتسلب كرامته، إذا كنت ستعطيه وتسلب كرامته بالمِنة والأذى لا خير في هذه الصدقة، اتركه لا تعطيه؛ كما قال الله تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، فالمنة تبطل أجر الزكاة، وأجر الصدقة تمامًا؛ كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ [البقرة:264]، تأمّل قوله تُبْطِلُوا، فبعض الناس إذا عمل معروفًا إذا دفع زكاة دفع صدقة بدأ يمتن على هذا الفقير بطريق مباشر، أو غير مباشر فيجرح كرامته ويؤذيه بهذه المنة، ومثّل الله تعالى لمن يمتن في إعطائه بمثل عجيب، قال: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا [البقرة:264]، الصفوان هو: الحجر الأملس، تصور حجر أملس عليه تراب، صفوان عليه تراب فأصابه وابل، يعني نزل عليه مطر غزير، وابل هو المطر الغزير، طيب ما ظنك حجر أملس عليه تراب ونزل عليه مطر غزير هل يبقى شي من هذا التراب؟ ما يبقى شي.

هكذا أيضا المنَّة والأذى إذا اقترنت بالصدقة والزكاة أبطلت الأجر وأذهبته تمامًا كما أن هذا المطر الغزير يُذهب هذا التراب الذي على الصفوان، ولهذا قال: فَتَرَكَهُ صَلْدًا، فليحذر الإنسان من المنة، ولهذا أيها الإخوة الإنسان قد يتصدق قد يزكي بإخلاص لكن يأتيه الشيطان، حتى يمتن على هذا الفقير أو المسكين فيذهب أجر هذه المنة، وأجر هذه الصدقة، ولهذا إذا أردت أن يكون أجرك كاملًا، إذا أردت أن يكون الأجر كاملًا، فاحرص على أن تحفظ كرامة هذا الفقير، حتى قال أهل العلم: حتى ينبغي لك أنك لا تقول للفقير ادع لي حتى إذا أعطيته صدقة أو زكاة، لا تقول له: ادع لي؛ لأنك إذا قلت: ادع لي، كأنك طلبت منه شكرًا، الله تعالى يقول: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۝إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:8-9].

وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا بعثت غلامها بالصدقة، تقول: “انظر إلى ما يدعون لنا به، فادع لهم بمثله، فإذا قالوا: بارك الله فيكم، فقل: وفيكم بارك” يعني انظر إلى هذه الدرجة إذا أردت إذن أن تدفع.. أن تعطي.. أن تساعد هذا الفقير احرص غاية الحرص على أن تحفظ كرامته لا تؤذيه بكلمة لا تمتن عليه لا بفعل ولا بقول ولا بأي شيء، وإلا فإن أي كلمة تؤذي هذا الفقير تبطل الأجر، أي مِنّة بطريق مباشر أو غير مباشر تبطل الأجر: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً [البقرة:274]، الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى منًّا ولا أذى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262]، وهذه من المعاني والقيم العظيمة في هذه الشريعة، الله تعالى إذا أنعم عليك، وهذا فقير ابتلي بالفقر، فهذا أخوك المسلم بغيت تحفظ كرامته، ويعني ألا تمتن عليه وألا تؤذيه.

والصنف الثالث من الأصناف الموجودة عندنا في المجتمع من أهل الزكاة: الغارمين، والمراد بالغارمين المدينين: الذين عليهم ديون هم عاجزون عن سداداها، ديون حالّة عاجزون عن سدادها.

لاحظوا هذ الضابط الغارمون هم المدينون الذين عليهم ديون حالَّة عاجزون عن سداداها، فإن كانت الديون التي عليهم مؤجلة فلا تحل لهم الزكاة.

أما وإن كانت حالَّة ولكنهم قادرون على سدادها فلا تحل لهم الزكاة أيضا، فليس كل مَدين مستحق للزكاة.

الآن كثير من التجار عليهم ديون، وأمور التجارة تقوم على المداينة، إذا ليس كل مدين مستحق للزكاة بعض الناس يفهم هذه المسألة فهمًا خاطئًا، أذكر أن رجلًا آتى إلي يطلب مني الزكاة، فسألته عن دخله الشهري، قال: والله أنا معلم راتبي خمسة عشر ألفًا، قلت: سبحان الله أنت دخلك دخل أغنياء كيف تأخذ من الزكاة؟ قال: علي دين ستين أو سبعين ألفًا، قلت: دينك ممكن تقسطه على الراتب، فأنت قادر على سداد الدين وعلى جدولة الدين على راتبك؛ لأن دخلك دخل أغنياء.

فهذا الرجل فهم أن الغارمين المدينين ليس بهذا الإطلاق إنما المقصود بهم المدينون الذين عليهم ديون حالّة هم عاجزون عن سدادها، على أن الدائن إذا كان المدين معسرًا يجب عليه أن ينظره، ولا يجوز له أن يرفع فيه شكاية، يقول الله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، يجب وجوبًا وليس لدّائن مِنّة في هذا، هذا أخوك المسلم ابتلي بالإعسار والفقر يجب عليك أن تنظره لا تكون علاقتك بأخيك المسلم علاقة مادية بحتة، ولذلك الذي يرفع شكاية في مدين المعسر فإنه يبوء بإثمه؛ لأنه بالنسبة للدولة.. الدولة إذا استخرج صك إعسار لا يحبسونه لأنه لا يجوز حبس معسر لكن قبل استخراج صك الإعسار ما لهم إلا الظاهر يحبسونه حتى يخرج صك الإعسار.

المسؤولية إذًا تقع على من؟ تقع على الدائن إذا علمت أن أخاك المسلم مدين لا يحل لك أن ترفع فيه شكاية، وكم من إنسان الآن مدين معسر يقبع في السجن فهذا إثمه يبوء به الذي رفع فيه شكاية، ما أعظم مصيبته عند الله كل يوم يمضي فيبوء بإثمه هذا الدائن فعليه أن يتقي الله لا يجوز له شرعًا أن يرفع فيه شكاية، أما إذا كان المدين عنده مبالغ لكنه مخفيها ويماطل هذا هو الذي يسجن وهذا هو الذي يجبر على سداد الدين هذا إذًا هذا المقصود بالغارمين.

وأما بقية الأصناف.. يعني فالمؤلّفة قلوبهم قد يوجد لدينا في المجتمع لكنه قليل يعني إذا كان غير مسلم ويرجى بإعطائه من الزكاة تأليف قلبه على الإسلام، ووجدت قرائن تدل على ذلك يريد أن يعرف عن الإسلام، ونرجو أنه إذا أعطي من الزكاة ألّفنا قلبه للإسلام فهذا يعطى، وأما من يُعطى لكف شره عن المسلمين هذا لا يكفي أن يكون فردًا لا بد أن يكون إنسان له أتباع أو دولة أو شوكة أو قوة، فيعطى لكف شره عن المسلمين.

ومن الأصناف أيضًا في سبيل الله، وفي سبيل الله المقصود به الجهاد في سبيل الله ولكن الجهاد في سبيل الله لا ينحصر في جهاد السلاح وإنما يشمل جهاد الدعوة بل إن جهاد الدعوة هو الأصل، وعلى ذلك فما تمحّض في الدعوة يجوز أن تدفع فيه الزكاة فيجوز دفع الزكاة لرواتب الدُّعاة إلى الله تعالى أو رواتب معلمي حلقات تحفيظ القرآن الكريم لأن الله تعال قال في القرآن: وَجَاهِدْهُم بِهِ يعني بالقرآن جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52]، فوصفه الله بالجهاد الكبير لكن ينبغي أن يكون في ما تمحّض فيها إذا أردت أن تدفع في مجال الدعوة، أو في مجال حلقات التحفيظ فتُقيِّد هذا تقول مثلا لمعلمي حلقات تحفيظ القرآن الكريم، أو للدعاة إلى الله تعالى.. رواتب الدعاة إلى الله؛ لأنها أيضًا لا توضع في أشياء هامشية، لا توضع مثلًا في مسابقات، لا توضع في رحلات، لا توضع في جوائز؛ لأن هذه زكاة لكن توضع في الأشياء الأساسية.

مسألة دفع الزكاة للخدم والسائقين

مسألة يكثر السؤال عنها وهي هل يجوز دفع الزكاة للخدم والسائقين؟

الجواب يجوز بثلاثة شروط:

  • الشرط الأول: أن يكونوا مستحقين للزكاة وأكثرهم أكثر الخدم والسائقين مستحقين للزكاة ما أتوا إلى هذا البلد وتغربوا إلا وهم مستحقون في الغالب لكن مع ذلك لا بد من التثبت لا بد من السؤال لأن بعضهم قد يأتي لتحسين وضع ولا يكون مستحقًا للزكاة.
  • الشرط الثاني: ألا يربط الكفيل بين الزكاة وبين العمل. فلا يعطيه من الزكاة لأجل تجويد العمل وإنما يعطيه كما يعطي غيره.
  • الشرط الثالث: ألا يتبع ما يعطيه مِنّة ولا أذى وهذا وإن كان شرطًا في جميع الزكوات لكن إذا أفردته بالذكر لأنه يحصل من بعض الكفلاء أنه يعطي العامل الزكاة ثم إذا أخطاء هذا العامل أو أساء قال يعني هذا جزائي أعطيك من الزكاة مثلاً أو بكلمة نحوها هذا نوع من المِنّة يبطل الأجر.

إذا تحققت هذه الشروط الثلاثة الشرط:

  • الأول: أن يكون مستحق لها.
  • الشرط الثاني: ألا يربط بينها وبين العمل.
  • الشرط الثالث: ألا يمتن على هذا العامل، فلا بأس أن يعطيه من الزكاة، بل إن إعطاءه من الزكاة أولى من البعيد، يعني بعض الناس يعطي زكاته للفقراء البعيدين، هذا الذي عندك في البيت أولى من أن تعطي البعيد.

وأكتفي بهذا القدر في هذه الكلمة، ولعلّ بقيّة الموضوعات التي تحتاجون إلى بيانها والكلام عنها تأتي في الإجابة على الأسئلة، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

مواد ذات صلة