logo
الرئيسية/مقاطع/شدة أهوال يوم القيامة، ودنو الشمس من رؤوس الخلائق

شدة أهوال يوم القيامة، ودنو الشمس من رؤوس الخلائق

مشاهدة من الموقع

حدثنا الحكم بن موسى أبو صالحٍ، حدثنا يحيى بن حمزة، عن عبدالرحمن بن جابرٍ، حدثني سُليم بن عامرٍ، حدثني المقداد بن الأسود  قال: سمعت رسول الله يقول: تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميلٍ. قال سُليم بن عامرٍ: فوالله ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض، أم الميل الذي تُكتَحَل به العين؟ قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حَقْوَيه، ومنهم من يُلْجِمه العرق إلجامًا. قال: وأشار رسول الله بيده إلى فيه[1].

هذا وصفٌ لبعض ما يكون من أهوال ذلك اليوم، وهو أن الشمس تُدنَى من الخلائق يوم القيامة، ويصيبهم من الغم والكرب شيءٌ عظيمٌ، ويجري منهم العرق، وهذا العرق يتفاوت فيه الناس بحسب ذنوبهم؛ فمنهم من يصل العرق إلى أنصاف أذنيه، ومنهم من يُلجمه إلجامًا، ومنهم مَن يبلغ إلى حَقْوَيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى قدميه، ومنهم من لا يبلغ منه العرق شيئًا وهم الأنبياء والرسل، وكذلك الصِّدِّيقون والشهداء، فيكون العرق بقدر ذنوب الناس.

ولهذا قال: إن العَرَقَ يوم القيامة لَيَذهب في الأرض سبعين باعًا، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم[2]. كيف هذا! يبلغ العرق إلى فيه أو إلى أذنه، والآخر إلى ركبتيه، والآخر إلى قدميه، والآخر يُلجمه إلجامًا؟! الله على كل شيءٍ قديرٌ.

أحوال الآخرة لا تقاس على الدنيا، الله تعالى إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، فأحوال الآخرة أحوال مختلفةٌ تمامًا عن أحوال الدنيا. فهذا هو الأقرب -والله أعلم- في الجمع بين النصوص.

فيُلجِم الناسَ العرقُ على قدر ذنوبهم، وينالهم كربٌ شديدٌ في يومٍ طويلٍ جدًّا وثقيلٍ، مقداره خمسون ألف سنةٍ. ويبقى الناس خمسةً وعشرين ألفًا قبل أن يُحاسَبوا، خمسة وعشرين ألفًا، يَبْقَون يَمُوجون في الأرض حتى يَمَلُّوا ويَسْأَموا، يقول -عليه الصلاة والسلام-: حتى ينالهم من الغمِّ والكرب ما لا يطيقون معه ولا يحتملون[3].

ويصيب الناسَ السَّأَمُ والملل، حتى أهل النار، مع أنهم يعلمون بأنهم سيذهبون للنار، لكنه يومٌ ثقيلٌ وطويلٌ جدًّا، حتى يُلهم اللهُ تعالى البشر يقولون: لماذا لا نذهب إلى آدم أبينا يشفع إلى الرب سبحانه في أن يفصل ويقضي بين عباده؟ فيأتون ويتعرفون، يبحثون عن آدم حتى يجدوه، فيطلبون منه الشفاعة فيعتذر، ثم يذهبون إلى نوحٍ فيعتذر، ثم إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم عيسى، كلٌّ يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري. حتى يذهبوا إلى محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- فلا يعتذر، ويسجد تحت العرش، ويَقبل الله شفاعته، فتُنصَب الموازين، وتُنشر الدواوين، وتحاسب الخلائق بعد خمسة وعشرين ألفًا.

والدليل لذلك قول الله ​​​​​​​: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24]، والقيلولة عند العرب منتصف النهار.

ورد عن ابن عباسٍ وابن مسعودٍ وبعض الصحابة والتابعين: أن ذلك يكون في منتصف اليوم؛ يعني بعد خمسةٍ وعشرين ألفًا[4].

فحتى خمسة وعشرون ألفًا مدةٌ طويلةٌ جدًّا، لو أخذتَ نسبة عمرك في الدنيا إلى -فقط- خمسة وعشرين ألفًا؛ فالعمر لا شيء بالنسبة له، فهذا يدل على شدة أهوال يوم القيامة.

والفائدة من الإخبار بهذه الأمور؛ حتى ينتبه السامع فيأخذ بالأسباب التي تُخلِّصه من تلك الأهوال، ويبادر بالتوبة، فالمقام مقامٌ هائلٌ لا يفي لوصف هوله العبارات، ولا تحيط به الإشارات، فهو موقفٌ عظيمٌ شديدٌ، ينبغي أن يضعه المسلم نُصْبَ عينيه، وأن يستعد له بالعمل الصالح، ويتزوَّد بزاد التقوى.

^1 رواه مسلم: 2864.
^2 رواه مسلم: 2863.
^3 رواه البخاري: 4712، ومسلم: 194.
^4 ينظر: "تفسير البغوي": 3/ 441.
zh