تجار الدنيا لهم مواسم يضاعفون فيها من جهودهم بغية كسب مزيد من الأرباح، وربما ما يربحونه في الموسم أكثر مما يربحونه في بقية أيام السنة.
هكذا أيضًا تجار الآخرة، التجار مع الله بالأعمال الصالحة؛ لهم مواسم تُضاعَف فيها الأجور والحسنات.
ومن هذه المواسم: هذا الموسم الذي بين أيدينا؛ عشر ذي الحجة، التي من عظمتها أن الله أقسم بها فقال: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2].
والمراد بـ"الليالي العشر" في قول جماهير المفسرين كما اختار ذلك ابن جرير الطبري[1] وابن كثير[2] وجمهور المفسرين: أن المراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة.
والله لا يُقسم بشيء من مخلوقاته إلا عظيم؛ لأن الله تعالى العظيم لا يقسم إلا بما هو عظيم، فقَسَمُ الله بهذه العشر يدل على عظيم شأنها، وعلى علو مكانتها، وعلى عظيم منزلتها؛ ويؤيد هذا قول النبي : ما من أيامٍ العملُ فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء. هذا الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"[3] أصحِّ كتاب بعد كتاب الله .
وهذا يدل على أن العمل الصالح بهذه العشر المباركة لا يعدله شيء إلا في هذه الحال التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام-.
فينبغي لك أخي المسلم وأختي المسلمة أن تجتهدا في هذا الموسم، أن تجتهدا في هذه العشر المباركة بكل ما هو عمل صالح، حتى إن بعض أهل العلم قال: إن عشر ذي الحجة أفضل حتى من العشر الأواخر من رمضان. وفصَّل في ذلك بعض المحققين كابن تيمية وابن القيم وقالوا: إن نهار عشر ذي الحجة أفضل من نهار العشر الأواخر، لكن ليالي العشر الأواخر أفضل باعتبار أن فيها ليلة القدر. وهذا هو الأقرب، والله أعلم.
لكن هذه العشر المباركة موسم عظيم، موسم فيه التجارة مع الله لمن وفقه الله .