ولذلك عندما تنظر لسير السابقين؛ تتعجَّب!
فيهم من نال جميع متع الدنيا، أي متعةٍ في الدنيا تخطر ببالك نالها، وعُمِّر عمرًا طويلًا، لكن في النهاية جاءه الموت، ولقي ربه ، ونسي تلك المتع، ونسي جميع ما مر به؛ ولذلك يقول النبي ، كما في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”: يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، أنعم أهل الدنيا، يعني: لو نظرنا للبشر من آدم إلى قيام الساعة، أكثر البشر تنعمًا بنعيم الدنيا، لكنه من أهل النار، يؤتى به، فيُصبغ في النار صبغةً، ثـم يقال له: يا ابن آدم، هل مر بك نعيمٌ قط؟ هل رأيت خيرًا قط؟، ماذا يقول؟ يقول: لا والله يا رب، ما رأيت خيرًا قط، ولا مر بي نعيمٌ قط، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة أشد البشر بؤسًا منذ أن خلق الله آدم إلى قيام الساعة، أكثر البشر بؤسًا، إنسانٌ بئيسٌ، لكنه من أهل الجنة، فيُصبغ في الجنة صبغةً، ثـم يقال له: يا ابن آدم، هل مر بك بؤسٌ قط، هل مرت بك شدةٌ قط؟، ماذا يقول؟ يقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤسٌ قط، ولا مرت بي شدةٌ قط [1].
سبحان الله! إذا كان هذان -أكثر أهل الدنيا تنعمًا، وأشد أهل الدنيا بؤسًا- يَنسَيَان كل نعيمٍ وكل بؤسٍ مر بـهما في حياتـهما؛ فما بالك بغيرهما؟! لأن الإنسان عندما يرى أهوال يوم القيامة، لا يعد عمره في الدنيا شيئًا أصلًا، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [المؤمنون:113]، وإذا ما صدَّقتنا فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:113]، لا يراه شيئًا.
خذ فقط عمرك في الدنيا، افترض أن عمرك (100 سنةٍ)، نسبته -ليس للآخرة- إلى مقام الناس في الموقف يوم القيامة، (50 ألف سنةٍ)، كم نسبة (100 سنةٍ) إلى (50 ألف سنةٍ)؟! لا شيء.
ولذلك يوم القيامة تنكمش الأعوام التي عاشها الإنسان في هذه الدنيا، فلا يراها شيئًا، فأشد الناس بؤسًا يقول: ما مر بي بؤسٌ أصلًا، وأكثرهم تنعمًا يقول: ما مر بي نعيمٌ أصلًا، ويحلف بالله على ذلك، يعني: هو يستشعر هذا مقارنةً بأهوال الآخرة وأهوال يوم القيامة؛ ولذلك: الفوز العظيم والفلاح إنـما هو في طاعة الله : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71]، وإلا فمهما نال الإنسان من متع هذه الدنيا؛ فلا بد من لقاء الله ، ولا بد بعد ذلك من المـحاسبة عن كل شيءٍ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8].
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 2807. |
---|