أيضًا من النوازل في الحج قضيةٌ متعلقةٌ بحج المرأة، المرأة لا يجوز لها أن تحج بدون محرمٍ، ولا تسافر بدون محرمٍ، هذا هو الأصل؛ لقول النبي : لا تسافر امرأةٌ إلا ومعها ذو محرمٍ، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، إني قد اكتُتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي خرجت حاجةً، فقال له النبي : انطلق فحج مع امرأتك [1].
والمَحرم يجعل المرأة تُهاب ولا يُطمع فيها، بينما إذا كانت المرأة ليس معها محرمٌ؛ يُطمع فيها، خاصةً إذا كانت في سفرٍ وفي غربةٍ وليس معها محرمٌ؛ يطمع فيها من يطمع من الرجال، خاصةً من في قلبه مرضٌ.
ولذلك وجود المَحرم للمرأة يجعل لهذه المرأة هيبةً وحمايةً، فلا أحد يتعرض لها، بل ولا أحد يطمع فيها، وهذا أمرٌ مشاهدٌ.
لكن هل يتيسر المحرم لكل امرأةٍ؟
قد لا يتيسر المحرم، هنا تأتي الإشكالية، إذا لم يُوجد المحرم للمرأة؛ فلا يجب عليها الحج، لكن لو أرادت المرأة أن تحج بدون محرمٍ مع رفقةٍ مأمونةٍ؛ كأن تريد الحج مع حملةٍ، هل يجوز لها ذلك؟ اختلف العلماء في هذه المسألة:
فمنهم من قال: لا يجوز لها ذلك، فإن فعلت أثمت، هذا هو المذهب عند الحنابلة[2].
القول الثاني في المسألة: يجوز لها مع الرفقة المأمونة، وإليه ذهب المالكية والشافعية[3].
أما القائلون بعدم الجواز فاستدلوا بالحديث السابق، قالوا: إنه عامٌّ: لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ إلا ومعها ذو مَحرمٍ [4].
وأما القائلون بالجواز مع الرفقة المأمونة فقد استدلوا بما جاء في “صحيح البخاري” أن أزواج النبي حججن بدون محرمٍ في خلافة عمر [5]، قالوا: وهذا أمرٌ قد اُشتهر بين الصحابة فكان كالإجماع، وهذا الاستدلال -كما ترون- قويٌّ، وقد اختار هذا القول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، أنه إذا وُجد رفقةٌ مأمونةٌ؛ جاز للمرأة أن تحج بدون مَحرمٍ.
هذا القول ينبغي ألا يُتوسع فيه، لكن يكون مثلًا لامرأةٍ لها رغبةٌ شديدةٌ في الحج ولم تجد محرمًا؛ لأن المحرم أيضًا لا يجب عليه أن يحج مع المرأة، حتى زوجها لا يجب عليه أن يحج بها، أبوها لا يجب عليه أن يحج بها، أخوها، ابنها، لا يجب على كل واحدٍ منهم أن يحج مع المرأة، لماذا؟ لأننا لو أوجبنا عليه الحج؛ لأوجبنا عليه الحج في العمر أكثر من مرةً، وهذا خلاف الإجماع.
فإذا أرادت المرأة أن تحج ولم يتيسر لها المحرم؛ فعلى القول الراجح أنها إذا وَجدت رفقةً مأمونةً فلا بأس أن تحج.
وعلى ذلك أيضًا: حج الخادمات اللاتي يأتين للعمل ويرغبن في الحج وليس معهن محارم، هذه الخادمة بين أمرين:
إما أن تحج مع حملةٍ بدون محرمٍ، أو أن ترجع إلى بلادها بدون أن تحج، ويغلب على الظن أنه لن يتيسر لها الحج مرةً أخرى، كما ذكرنا نسبة من يحج الآن من المسلمين أقل من ربع 1%، كيف ستأتيها فرصةٌ بعد ذلك؟
فعلى هذا: القول الراجح: لا بأس أن تحج الخادمة، لكن مع رفقةٍ مأمونةٍ، لا بد من وجود الرفقة المأمونة بهذا.
وهذه المسألة وإن كانت ليست من النوازل، إلا أنها في الوقت الحاضر طرأ عليها ما يستدعي إثارتها والنظر فيها، وهو وجود الخادمات لدى كثيرٍ من الأسر.
ويأتي السؤال: هل يجوز أن تحج هذه الخادمة مع حملةٍ من دون محرمٍ؟
على القول الراجح: أن ذلك يجوز بشرط وجود الرفقة المأمونة.