هل ينظر الإنسان إلى من هو أقل منه في أمور الدين؟

قلنا: يَنظر إلى من هو أقل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، وهذا في أمور الدنيا، وهذا ظاهرٌ.

لكن هل يشمل ذلك أمور الدين، يعني: ينظر إلى من هو أقل منه في أمور الدين؟ يقول: أنا أصلي مع الجماعة في المسجد، غيري لا يصلي، فأنا في نعمةٍ، أو ينظر في أمور الدين إلى من هو فوقه؟ 

من أهل العلم من قال: إن هذا الحديث يشمل أمور الدين والدنيا، وقال: إنه ينظر إلى من هو أقل منه.

ولكن أكثر أهل العلم: على أنه في أمور الدين ينظر إلى من هو أفضل منه، ولا ينظر إلى من هو أقل منه؛ لأنه إذا نظر إلى من هو أفضل منه؛ دفعه ذلك إلى الاقتداء به، والتأسِّي والمنافسة، والله ​​​​​​​ يقول: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، بينما نظره في أمور الدين إلى من هو أقل منه يدعوه إلى التراخي والكسل، يقول: أنا بخيرٍ، أنا الحمد الله أصلي في المسجد، غيري لا يصلي؛ فيدعوه ذلك إلى التراخي والكسل، لكن إذا نظر إلى من هو فوقه، نعم، أنت تصلي الصلوات الخمس في المسجد، لكن هناك من يقوم الليل، هناك من يصلي الضحى وأنت لا تصلي الضحى، هناك من يفعل كذا، هناك من يصوم يومًا ويفطر يومًا، هناك من يختم القرآن كل أسبوعٍ، هناك من يختم القرآن في كل ثلاثة أيامٍ، فينظر إلى من هو فوقه، ويحرص على أن يرتقي درجةً، وأن يسعى للاقتداء بـهذا الذي هو فوقه وأفضل منه في أمور الدين، فهذا هو القول الراجح: أنه في أمور الدين ينظر إلى من هو فوقه.

ومـما يدل لذلك: أنه قد جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة  أن النبي  قال: إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلق؛ فلينظر إلى من هو أسفل منه مـمَّا فُضِّل عليه ^[1]، وهذا في “البخاري” و”مسلمٍ”، وهو نصٌّ في المسألة، هنا نَصَّ على أن هذا النظر إنـما هو في أمور الدنيا، قال: إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلق، يعني: في أمور الدنيا.  

إذنْ فهذا يرجح ما عليه أكثر أهل العلم: من أن النظر إلى من هو أقل منه إنـما هو في أمور الدنيا، وأما في أمور الدين فينبغي أن ينظر إلى من هو أفضل منه، ومن هو خيرٌ منه، وأن يحرص على الاقتداء به، بل والمنافسة في ذلك؛ كما قال الله ​​​​​​​: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61].