ينبغي أن يُروِّض المسلم نفسه، روِّض نفسك على أن تبذل ولا تتردد، وتنفق وتتصدق، لا يـمر عليك يومٌ إلا وقد تصدقت فيه لله بصدقةٍ، ولو بـمبلغٍ يسيرٍ، ولو بريالٍ واحدٍ.
أولًا: حتى تُعوِّد نفسك على البذل والإنفاق والصدقة.
ثانيًا: حتى تدخل في دعوة الملك بالخَلَف، فإنه قد جاء في “الصحيح” عن النبي أنه قال: ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا وينزل ملكان من السماء، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط مـمسكًا تلفًا [1].
فلو تصدقت ولو بريالٍ؛ تدخل في دعوة الملك؛ لأن الله يعطيك الخلف، ودعوة الملك حَرِيةٌ بالإجابة؛ ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم على البذل والصدقة، وأن يحرص ما استطاع، ما أمكن أن يتصدق كل يومٍ بصدقةٍ، ولو بمبلغٍ يسيرٍ؛ ولهذا رُوي عن أحد التابعين: أنه كان لا يـمر عليه يومٌ إلا تصدق لله فيه بصدقةٍ، وذات يومٍ لـم يجد ما يتصدق به إلا بَصَلًا، فأخذ هذا البصل يحمله على رأسه يريد أن يتصدق به، فلقيه أحد الناس وقال: رحمك اللّه أبا فلان، لـم يُكلِّفك الله بـهذا! يعني: هذه صدقة تطوعٍ ليست واجبةً عليك، قال: لا، إني أردت ألا يـمر علي يومٌ إلا تصدقت لله فيه بصدقةٍ، ولـم أجد إلا هذا البصل، إنه قد بلغني عن رسول الله أنه قال: إن المؤمن يكون في ظل صدقته يوم القيامة [2].
فالبذل والإنفاق، هذه ينبغي أن يحرص عليها المسلم؛ فإن: الصدقة برهانٌ [3]، برهانٌ على صدق إيـمان صاحبها، ولا يليق بالمسلم أن يـمر عليه مدةٌ طويلةٌ ما تصدق فيها لله بصدقةٍ، فينبغي أن يحرص المسلم على الصدقة وعلى البذل.
وبعض الناس غير موفقٍ، يبخل ويأمر الناس بالبخل، لا هو الذي سيتصدَّق، ولا يترك الناس تتصدَّق، فإذا رأى الناس تريد أن تتصدق؛ قام يشكِّكهم، وليس عنده دليلٌ بأن فلانًا هذا الذي تعطيه ليس بفقيرٍ، وأنه غنيٌّ، وهو يقول هذا بالظن وليس عنده دليلٌ ولا برهانٌ، فهذا ربـما يدخل في: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37]، وهذا من قلة التوفيق، إذا أنت لـم تقتنع بأن تعطي فلانًا وتتصدق عليه، دع الناس تتصدَّق، لا تثبِّط الناس عن فعل الخير.
فإذنْ التردد هو من أعظم أسباب الإحجام عن الصدقة والبذل والإنفاق، فينبغي أن يعالج المسلم هذه المسألة في نفسه، يشجع نفسه على البذل، وعلى الإنفاق، لا يتردد، يقطع سبيل التردد، يثبِّت نفسه، يُروِّض نفسه، يتأمَّل قول الله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265].
