المقدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية في برنامجكم “مسائل في الحج”، والذي نسعد فيه باستضافة صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: الله يبارك فيكم شيخنا الكريم، أهلًا وسهلًا.
استكمالًا لما بدأناه من المواقيت، هل جدة تعتبر ميقاتًا؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
فمدينة جدة عندما ننظر إليها هي في الحقيقة دون المواقيت، والدليل على هذا أنك لو أتيت بالطائرة من أي جهة، من جهة الشمال، أو الشرق، أو الجنوب، أو الشمال الشرقي، أو الجنوب الشرقي، أو الشمال، المهم من أي جهة ستجد أنه لا بد أن تحاذي أحد المواقيت، ما عدا جهة واحدة، وهي جهة الغرب، جهة الغرب من بلدة سواكن بالسودان، فهذه يقول الفقهاء: أنه يمكن أن يصل من يأتي من بلدة سواكن بالسودان إلى جدة من غير أن يحاذي أيًّا من المواقيت.
ولهذا أجازوا لمن أتى من سواكن بالسودان أن يحرم من جدة، ما عداهم فلا بد أن يحاذي أحد المواقيت، ولهذا لا بد أن يحرم عند محاذاة الميقات، فمن لم يحرم إلا من جدة، فنأمره بأن يرجع إلى الميقات الذي مر به ويحرم منه؛ لعموم قول النبي : هن لهن، ولمن أتى عليهن، من غير أهلهن [1].
المقدم: إن لم يرجع؟
الشيخ: فإن لم يرجع، فيكون قد تجاوز الميقات بدون إحرام، ومن تجاوز الميقات بدون إحرام فعليه عند جمهور أهل العلم دم يذبح في الحرم، ويوزع على فقراء الحرم.
المقدم: نعم، بعض الناس شيخنا قد يستهين بمثل هذه المسائل، سواء في لبس الإحرام، أو في قضية أن يتعدى الميقات، ويقول: هي بعدها ستجبر بدم أو بفدية، لكن هل هذا ينافي الحج المبرور؟
الشيخ: نعم، هذا قد يُؤثر على الحج المبرور، وهذا قد يكون أيضًا فيه، إذا كان متعمدًا فيه نوع من التلاعب بحدود الله ، يعني: ما معنى كون النبي يحدد هذه المواقيت؟ إلا أن يلتزم المسلمون بهذا التحديد، كون الإنسان يتعمد مخالفة أمر النبي ، ويقول: أنا سأجبر هذا بدم، هذا غير صحيح.
المقدم: والمحظورات أنها محرمات.
الشيخ: نعم، الأصل أن الحاج يجتنب هذه المحظورات، ومن حج فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، ويلتزم بأداء الواجبات، ومن تعمد أن يترك الواجب من غير عذر، هذا قد يُؤثر على كون حجه مبرورًا.
المقدم: نعم، التصريح يا شيخنا للحج، من لم يأذن له مرجعه أو كفيله؟
الشيخ: أقول: إن التصريح بالحج يعني وضعته الدولة للمصلحة العامة للحجاج، وبالحقيقة هو إجراء لا بد منه؛ لماذا؟ لأن أعداد المسلمين كثيرة، يعني: لو أخذنا الآن أعداد البشر، قبل مائة وخمسين عامًا كان عدد سكان الأرض يصل مليار.
المقدم: كلهم.
الشيخ: كل سكان الأرض خلال مائة وخمسين عامًا الماضية تضاعف عدد سكان الأرض سبع مرات، فأصبح الآن عدد سكان الأرض سبعة مليارات، وأعداد المسلمين زادت تبعًا لزيادة عدد البشر، فوصل عدد المسلمين الآن إلى مليار ونصف أو أكثر.
طيب مليار ونصف لو سمح بالحج لواحد بالمائة فقط، واحد بالمائة من مليار ونصف، كم عدد من يحج؟ خمسة عشر مليونًا، فهل تتسع لهم المشاعر؟ ما تتسع، بل حتى ولا لنصف واحد بالمائة، نصف واحد بالمائة سبعة ملايين ونصف، ما تتسع أيضًا لهم المشاعر.
إذن من يحج الآن هم أقل من نصف واحد بالمائة، ومع ذلك نرى هذا الزحام الشديد، وهذه الأعداد الغفيرة، فلا بد أن الإنسان يراعي أحوال إخوانه المسلمين، فهذا التصريح وضع لأجل المصلحة العامة، لو فتح المجال لكل من أراد أن يحج، أن يبادر بالحج، لربما تعذر الحج، كل يأتي ويحج، لو اجتمع واحد في المائة فقط من عدد المسلمين، كيف سيحج خمسة عشر مليونًا؟! لن تتسع لهم المشاعر.
المقدم: يعني: تأتي أجيال تحتاج إلى مائة وخمسين سنة، يعني إذا قلنا: خمسة عشر مليونًا نحتاج عشر سنوات حتى يحج مائة وخمسين مليون، نحتاج مائة سنة حتى يحج المليار والنصف.
الشيخ: صحيح؛ ولهذا فعلى المسلم أن يراعي هذه المعاني، ويلتزم بهذا التصريح الذي وضع لأجل مصلحة الحجيج.
المقدم: بما أنكم ذكرتم شيخنا الالتزام بقضية ما يكون من زحام، الآن حج الصبي، أولًا: هل يجزئ؟ وثانيًا: في ظل هذا الزحام، هل تنصحون به؟
الشيخ: أولًا: هو من الناحية الفقهية حج الصبي يصح، سواء أكان مميزًا، أو غير مميز.
المقدم: يجزئ عن بعد بلوغه؟
الشيخ: لكنه، لا يجزئ عن حجة الإسلام، والدليل على أنه يصح ما جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنهما: أن امرأة رفعت للنبي صبيًّا، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر [2]، لكن في هذا الزمن الذي نعيش فيه الآن، ومع كثرة أعداد الحجيج أنصح بعدم تحجيج الصبيان؛ دفعًا للحرج عنهم أولًا، وعن أوليائهم ثانيًا، وعن المسلمين، وأيضًا توسعة للمسلمين.
إذا كان الآن الكبار البالغون لم يستطيعوا الحج، فكيف بهؤلاء نحجج هؤلاء الصبيان الذين لا يجب عليهم الحج أصلًا، والذين القلم مرفوعًا عنهم؟!
فأنصح يعني من كان عنده أطفال، أو من كان عنده صبيان ألا يحججهم، وأن ينوي بذلك التوسعة على المسلمين، وقد نرجو أن يؤجر على هذه النية إن شاء الله تعالى.
المقدم: نعم، أنواع الأنساك شيخنا، وأيها أفضل؟
الشيخ: أنواع الأنساك ثلاثة: التمتع، والإفراد، والقران.
ومعنى التمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحرم بالحج من عامه، ومعنى القران: أن يحرم بالعمرة والحج جميعًا، ومعنى الإفراد: أن يحرم بالحج فقط.
أفضل هذه الأنساك هو التمتع؛ لأن النبي أمر به الصحابة وتمناه، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سُقت الهدي، ولجعلتها عمرة [3]، يعني: لما كنت قارنًا، ولما سقت الهدي، وكنت متمتعًا، وإنما كان النبي قارنًا؛ لأنه قد ساق الهدي، ومن ساق الهدي يجب في حقه القران، لكن سوق الهدي الآن أصبح نادرًا في الوقت الحاضر، من الذي يسوق الهدي الآن؟ معنى سوق الهدي يسوق من الحل إلى الحرم، وهذا أصبح نادرًا، فإذن يكون النسك الأفضل الآن لعامة الحجاج هو التمتع، فيأتي بالعمرة يحرم بالعمرة.
المقدم: في أشهر الحج.
الشيخ: نعم، يطوف ويسعى ويحلق أو…