logo

(1) مسائل في الحج

مشاهدة من الموقع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية في برنامجكم “مسائل في الحج”، والذي نسعد فيه باستضافة معالي الأستاذ الدكتور صاحب الفضيلة الشيخ: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.

الشيخ: أهلًا، حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.

المقدم: نسعد كثيرًا بما ستنثره بين أيدينا من دُرر، الله يسعدك يا شيخ.

مشاهدينا الكرام لا يخفاكم أن الإسلام عقيدة تنبثق منه شريعة، تنظم هذه الشريعة كل مناحي الحياة، ولا يقبل الله من قوم شريعتهم حتى تصح عقيدتهم، ومن أعظم تلك الأركان فريضة الحج التي يقبل فيها المسلمون هذه الأيام على ربهم ​​​​​​​، وبدءًا سيكون حديثًا عن عشر ذي الحجة، صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بكم مرة أخرى.

عشر ذي الحجة ما أعظمها من أيام، فما فضائلها؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فعشر ذي الحجة هي موسم عظيم من مواسم التجارة مع الله بالأعمال الصالحة، وإذا كان أرباب الدنيا، أرباب التجارة في الدنيا لهم مواسم يضاعفون فيها من جهودهم بغية مزيد من الأرباح، أيضًا في التجارة مع الله بالأعمال الصالحة لها مواسم تضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، وتكفر فيها الخطايا والسيئات، ومن هذه المواسم عشر ذي الحجة، ويكفينا أن ربنا في كتابه الكريم أقسم بها، فقال سبحانه: وَالْفَجْرِ ۝وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2] والمراد بالليالي العشر: عشر ذي الحجة، وبهذا قال جماهير المفسرين، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

المقدم: لأن الليل يتبع النهار.

الشيخ: لماذا قال: وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:2]؟ ولم يقل: والأيام العشر؟

لأن العرب من عادتها أنها تعبر عن الأيام بالليالي، وهذا أسلوب معروف عند العرب؛ ولهذا قال الله تعالى: وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:2] والمراد بذلك عشر ذي الحجة، والله تعالى عظيم لا يقسم إلا بشيء عظيم، فعندما نتأمل مواضع القسم في القرآن الكريم، نجد أن ربنا أقسم بأشياء عظيمة من مخلوقاته.

وهنا أقسم بزمن من السنة يتكرر، وهو عشر ذي الحجة، وهذا يدل على عظمة هذه العشر، وعلى عظيم مكانتها ومنزلتها وشرفها؛ لأن الله تعالى أقسم بها.

المقدم: الله يصطفي من الأزمنة والأشخاص ما يشاء .

الشيخ: نعم؛ لماذا اختص الله تعالى هذه العشر؟ اختصها لأنها تجتمع فيها أمهات العبادة: من الصلاة والصيام والحج والنحر؛ فتجتمع أمهات العبادة في هذه العشر المباركة، ومما يدل على فضلها: ما جاء في صحيح البخاري، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله ، حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء [1]؛ أي: أن العمل الصالح في هذه العشر المباركة أفضل من أي شيء.

الصحابة  طرحوا سؤالًا على النبي ، قالوا: يعني العمل الصالح في هذه العشر أفضل حتى من الجهاد في سبيل الله، مع عظيم مكانة الجهاد في الدين، وكونه ذروة سنام الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: ولا الجهاد في سبيل الله يعني: العمل الصالح في هذه العشر أفضل، حتى من الجهاد في سبيل الله، إلا حالة واحدة استثناها النبي ، وهي: إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء يعني: أخذ جميع أمواله معه، وأنفق جميع أمواله في سبيل الله، ثم قُتل شهيدًا في سبيل الله، هذه هي الحالة الوحيدة التي تفضل على العمل في عشر ذي الحجة، وما عدا ذلك العمل في عشر ذي الحجة أفضل.

فعشر ذي الحجة فيها ترفع الحسنات وتضاعف، وترفع الدرجات، وتكفّر الخطايا والسيئات.

المقدم: الله أكبر! جميل، إذن شيخنا في هذه العشر سبحان الله، والحمد لله، مثلًا هي خير منها لما كانت في تسع وعشرين ذي القعدة مثلًا؟

المقدم: نعم، العمل الصالح في هذه العشر أفضل من العمل الصالح في غير هذه العشر، فالصلاة في العشر أفضل من الصلاة في غيرها، الصيام، الذكر، كل شيء، كل عمل صالح في هذه العشر يضاعف أجره وثوابه، وهذا المعنى ينبغي أن يستحضره كل مسلم ومسلمة، وأن يستحضر فضل هذه الأيام المباركة، وأن يجاهد نفسه على الاستكثار من الطاعة، ومن العمل الصالح.

المقدم: هنا يرد سؤال شيخنا: أيهما أفضل هل عشر ذي الحجة، أم العشر الأواخر من رمضان؟

الشيخ: نعم، هذا سؤال جيد، نحن قلنا: إنّ هذه العشر المباركة هي أفضل أيام السنة على الإطلاق، وإذا قيل: يوم، فالمراد باليوم: النهار، ولا يشمل الليل، فيقال: يوم وليل، مقابل نهار وليل، والدليل لهذا قول الله : سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ:18]، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [الحاقة:7]، فجعل الله تعالى الأيام مقابل النهار، يعني: هي بدل النهار، فهي مقابل الليل، فبدلًا أن يقال: ليل ونهار، يقال: ليل ويوم.

فعشر ذي الحجة أفضل أيام السنة على الإطلاق، يعني: أفضل نهار السنة على الإطلاق، وأما بالنسبة لليل، فإن ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل ليالي السنة على الإطلاق باعتبار أن فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، وهذا القول، وهو القول بالتفصيل هو قول وسط، ويجمع أقوال العلماء في هذه المسألة، وهو اختيار جمع من المحققين من أهل العلم.

فيكون إذن نهار عشر ذي الحجة أفضل نهار السنة على الإطلاق، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل ليالي السنة على الإطلاق، وبهذا تجتمع الأدلة، نعم.

المقدم: هنا كذلك التكبير يبدأ في عشر ذي الحجة، ما وقته؟ ومتى ينتهي؟

الشيخ: التكبير يتأكد في عشر ذي الحجة، وهو عند أهل العلم على قسمين: تكبير مطلق، وتكبير مقيد، التكبير المطلق معناه: أنه لا يتقيد بأدبار الصلوات الخمس، وإنما يكون في جميع الوقت، وهذا يبتدئ بدخول عشر ذي الحجة، ويستمر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.

المقدم: في أي وقت تكبر؟

الشيخ: في أي وقت، والقسم الثاني: التكبير المقيد: وهو الذي يتقيد بأدبار الصلوات الخمس، هذا يبتدئ بالنسبة لغير الحاج من بعد صلاة فجر يوم عرفة، إلى عصر آخر أيام التشريق.

وبالنسبة للحاج من ظهر يوم النحر إن كان قد رمى جمرة العقبة إلى عصر آخر أيام التشريق، ومعنى ذلك أنه يجتمع التكبير المطلق والمقيد من ظهر يوم النحر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، يجتمع هنا التكبير المطلق والمقيد، لكن ينفرد المطلق من بداية العشر إلى فجر يوم عرفة لغير الحاج، وإلى ظهر يوم النحر بالنسبة للحاج.

ولهذا أقول: ينبغي أن يحرص المسلمون على هذه السنة، ويتأكد أحياؤها في هذا الزمن الذي نعيش فيه الآن؛ لماذا؟ لأننا نجد أن هذه السنة هجرها كثير من المسلمين مع الأسف، يعني: كان الناس في الزمن السابق إذا دخلت العشر الأواخر سمعت أصوات الناس بالتكبير في المساجد، وفي الأسواق، والطرقات، وفي كل مكان، ويعرف الناس أنها بالفعل دخلت عشر ذي الحجة.

وأما في الوقت الحاضر فتجد أن الإنسان يدخل المسجد، ولا يسمع أي صوت للتكبير، فرحم الله من أحيا هذه السنة بقوله وفعله.

التكبير المطلق هو لا يكون بعد أدبار الصلوات، لكن إذا دخلت المسجد بإمكانك بعد أداء السنة الراتبة، بعد أداء تحية المسجد أن تكبر وترفع صوتك.

المقدم: هل يعتبر تشويشًا؟

الشيخ: ما يعتبر تشويشًا، حتى يقتدي بك الناس، حتى يقتدي بك من حولك، ويقتدي بك الناس.

المقدم: لأنها سنة مربوطة بوقت عشرة أيام يعني.

الشيخ: نعم، وسبحان الله! تجد أن طالب العلم إذا دخل المسجد وكبر اقتدى به العامة، واقتدى به الناس، ولهذا تجد أن صاحب العلم أو طالب العلم الذي هو حريص على السنة له أثر في مسجده، يأتي للمسجد ويأتي بالسنة الراتبة، ثم يكبر، فيسمعه من في المسجد، ويقتدون به، فتحيا السنة في هذا المسجد بسبب هذا الرجل، فرحم الله من أحيا هذه السنة بقوله وفعله.

المقدم: هنا كذلك ترد شيخنا مسألة في التكبير المقيد، هل يكون بعد الصلاة مباشرة، يعني قبل الإتيان بالأذكار أم بعد الإتيان بالأذكار؟

الشيخ: التكبير المقيد يكون بعد ما يسلم المصلي، ويقول: أستغفر الله ثلاث مرات، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يبدأ في التكبير، ثم بعد ذلك.

المقدم: يكمل الأذكار.

الشيخ: ما يكمل كل الأذكار؛ لأنه يكون بعد يعني السلام مباشرة، لكنه يأتي بها بعد الاستغفار، وبعد قول: اللهم أنت السلام، ثم إذا أتى بها، يكمل بعد ذلك بقية أذكار الصلاة.

المقدم: ولو أتى بها يعني كبر بعد السلام مباشرة.

الشيخ: ولو كبر بعد السلام مباشرة فلا بأس، الأمر في هذا واسع.

المقدم: كذلك عشر ذي الحجة تمتاز بخصائص وأحكام، منها: أن الإنسان يمسك عن شعره وظفره وبشرته، من الذي يمسك أولًا؟

الشيخ: أولًا هذا الحكم قد وردت به السنة، وقد جاء في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي قال: إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا [2]، هذا حديث صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهنا في هذا الحديث نهي من النبي لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره، أو من أظفاره شيئًا بعد دخول عشر ذي الحجة.

هذا النهي هل يحمل على التحريم، أم على الكراهة؟ هذا محل خلاف بين الفقهاء، من الفقهاء من حمله على الكراهة، لكن عند الأصوليين قاعدة، وهي: أن الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، ما لم يوجد صارف، أو قرينة تصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة.

والواقع أنه لا يُوجد صارف يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، فالراجح هو التحريم، أنه إذا دخلت عشر ذي الحجة فلا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، لكن هذا الحكم خاص بالمضحي، ولا يشمل المضحى عنه في أرجح أقوال الفقهاء؛ لماذا؟

لأن النبي قال: إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي ولم يقل: أو يضحى عنه، فالحكم خاص بمن يضحي؛ ولأنه لم ينقل عن النبي أنه كان يأمر أزواجه وأهل بيته بأن يمسكوا عن الأخذ من شعورهم وأظفارهم، وإنما كان يمسك هو عليه الصلاة والسلام باعتباره المضحي.

المقدم: البشرة تدخل في ذلك.

الشيخ: البشرة جاءت في إحدى روايات مسلم، [3] فهي تدخل في هذا أيضًا، لكن يرد هنا سؤال يكثر طرحه: ما المراد بالمضحي؟ فبعض الناس يقول: أنا أريد أن أوكل فلان ليذبح أضحيتي، فهل يشملني النهي؟ أقول: الضابط في المضحي هو من يدفع ثمن أضحية.

المقدم: يعني: حتى لو كانت المرأة الأم مثلًا.

الشيخ: حتى لو كانت المرأة، لو كانت الأم، لو كانت البنت، لو كان الزوج والزوجة، من يدفع ثمن الأضحية هذا هو المضحي، فهذا هو المضحي بغض النظر عن الذابح، فأنا قد أوكل شخصًا، المرأة قد توكل شخصًا في الذبح، قد توكل زوجها، قد توكل أباها، قد توكل أخاها، لكن المضحي هو من يدفع ثمن الأضحية، من اشترى هذه الأضحية، اشتراها مثلًا بألف ريال، أو أقل، أو أكثر، دفع ثمن الأضحية، هذا هو المضحي.

المقدم: لو اشتركوا في بدنة، كان عددهم، كلهم يمتنعون.

الشيخ: نعم، سُبع البدنة يعادل شاة، سُبع البدنة، أو سُبع البقرة في الأضحية يعادل شاة، فلو اشترك سبعة في بدنة، فكل واحد منهم يمسك عن الأخذ من شعره، ومن أظفاره حتى تذبح أضحيته.

المقدم: وهذا الحكم قلتم كذلك شيخنا أنه يشمل الذي اشترى هذه الأضحية.

الشيخ: هذا الحكم خاص، نعم، بمن اشترى الأضحية، لمن يدفع الثمن، فهذا هو الذي لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا، لا يشمل من ضحي عنه، لا يشمل أهل البيت الذين يضحى عنهم.

المقدم: الآن كذلك الصيام في هذه الأيام، هل هذه الأيام مقصودة الصيام بذاتها، أم مثلًا من كان عليه قضاء، أيهما أولى؟ هل يصوم العشر أم يصومها بنية القضاء؟

الشيخ: أولًا: الصيام عبادة عظيمة، والله تعالى يقول في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها، إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به [4]، وهذا الحديث في الصحيحين، فقوله: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به يدل على أن الجزاء على الصيام، والأجر على الصيام أنه أجر خاص، ليس كسائر الأجور على بقية الأعمال الصالحة، فمثلًا: الصلاة الأجر فيه من باب الحسنة بعشر أمثالها، الزكاة الأجر فيها الحسنة من باب الحسنة بعشر أمثالها، الحج، بقية الأعمال الصالحة، الصيام الأجر عليه جزاء خاص.

وكما يقال: العطية بقدر معطيها، الله تعالى هو أكرم الأكرمين، وأضرب لهذا مثلًا يعني مثالًا بسيطًا يتضح به المقال: لو أن معلمًا قال لطلابه مثلًا تفوق عنده عشرة طلاب من الفصل، افترض أن الفصل عنده، أو القاعة عنده أربعون طالبًا، عشرة متفوقون، قال: أنت يا فلان لك جائزة كذا، وأنت كذا، وأنت كذا، وأنت كذا، فلما أتى الأخير، قال: وأما أنت يا فلان فلك جائزة خاصة عندي، فماذا نتوقع أن تكون هذه الجائزة؟ ستكون أفضل من بقية جوائز زملائه، جائزة خاصة، ولله تعالى المثل الأعلى، العطية بقدر معطيها، فالله تعالى يقول: أنا سأجزي على الصيام جزاء خاصًا من عندي، فمعنى ذلك أن الجزاء على الصيام أنه عظيم، وأن أجره جزيل، وهذا يشمل صيام الفريضة، وصيام النافلة.

ولذلك فالأفضل أن تصام التسعة الأيام الأولى من عشر ذي الحجة إن تيسر، فإن لم يتيسر يصوم بعضها، ويتأكد منها يوم عرفة، فقد جاء في حديث أبي قتادة  أن النبي قال: يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده [5]، بعض الناس يطرح مسألة يقول: إنه لم يثبت عن النبي أنه صام التسعة الأولى من عشر ذي الحجة.

نقول: النبي عليه الصلاة والسلام قد يأمر بالشيء ولا يفعله لمصالح أرجح، فمثلًا: أخبر بأن أفضل الصيام صيام داود: كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا [6]؛ لكن هل كان النبي يصوم يومًا، ويفطر يومًا، الواقع أنه لم يكن يصوم يومًا، ويفطر يومًا، وإنما كان كما تقول عائشة رضي الله عنهما: يصوم حتى يقول القائل: لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا يصوم [7].

فقد يحث النبي على الشيء، ولا يفعله؛ لمصالح أرجح، فإذن الصيام التسعة الأيام الأولى من عشر ذي الحجة، أو ما تيسر منها؛ هذا مستحب استحبابًا مؤكدًا.

يبقى الجواب عما طرحتموه من تساؤل: لو أن رجلًا، أو امرأة، عليه أيام قضاء من رمضان، وأراد أن يجعلها في عشر ذي الحجة، فهذا طيب، وهذا مناسب؛ لأن المقصود هو استيعاب زمن نهار هذه العشر بالصيام، فإذا جعله في قضاء صيام واجب عليه كان ذلك حسنًا.

المقدم: وينوي معه يوم من ذي الحجة، أو ما يُشتَرط.

الشيخ: لا، هو ينوي قضاء، ويُرجى أنه يشمله فضل الصيام في عشر ذي الحجة.

المقدم: وسؤال يرد كثيرًا يعني في يوم عرفة بالذات، يعني هل يصام لذاته، أم يصام كبقية الأيام قضاء، يعني من عليه قضاء؟

الشيخ: هو الأفضل أنه يصام لذاته، هذا الأفضل، لكن لو أن أحدًا نوى أن يجعل صيام عرفة قضاء، فيصح يجزئ هذا، ليس هناك شيء يمنع من هذا.

المقدم: لكن الاشتراك في النية، يعني في يوم عرفة أن يكون نوى القضاء، ومعه يوم عرفة.

الشيخ: لا يضر مثل هذا الاشتراك لا يضر؛ لأن المقصود هو استيعاب زمن نهار عرفة بالصيام، فلا يضر مثل هذا، مثل ذلك مثلًا لو جعل مثلًا صيام الست في يوم الاثنين مثلًا أو الخميس، أو في أيام البيض، فيُرجى أن يشمله فضل الأمرين جميعًا.

المقدم: وأيهما أولى يعني، أم ترون بالتخيير؟ يعني أن يصوم قضاء، أو يصومها عشرًا؟

الشيخ: الأفضل أن يصومها على أنها من عشر ذي الحجة، ويُنشئ صيام القضاء فيما بعد، هذا هو، أو أنه يبادر قبل دخول عشر ذي الحجة، وهذا هو الأكمل بصيام القضاء الواجب عليه، فيجعل هذه الأيام تطوعًا، هذا هو الأكمل والأفضل.

المقدم: ذكرتم كذلك بما أنه جاءت الإشارة ليوم عرفة، وهو من أيام العشر، فضله والدعاء فيه يشمل الحاج وغير الحاج؟

الشيخ: الفضل الوارد في يوم عرفة هو في الأصل أنه خاص بالحجاج هذا الأصل؛ لأن النبي قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو بهم يعني: يدنو بالحجيج فيباهي بهم ملائكته، ويقول: ما أراد هؤلاء؟ [8]، هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه.

ثم أيضًا جاء في الحديث الآخر: أن الله تعالى يباهي بالحجيج ملائكته، ويقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء أتوني شعثًا غبرًا ضاحين [9]، فهذه المباهاة والدنو على ما يليق بجلال الله وعظمته، هذه هي خاصة بالحجيج.

لكن من كان من غير الحجيج، ففضل الله واسع، هو يصوم يوم عرفة، ويعمل ما تيسر من الأعمال الصالحة، ويوم عرفة هو داخل أصلًا في عشر ذي الحجة التي أقسم الله تعالى بها، والتي ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله منها، فهو يعني داخل في هذا الفضل، لكن من حيث الأصل الفضل الخاص الوارد إنما هو للحجيج.

المقدم: هنا كذلك يرد أنه من كانت عليها عذر، رجلًا كان أو امرأة، تتقطع نفسه حسرات أنه قد لا يستطيع الصيام أو الصلاة إن كانت امرأة يعني حائض أو نفساء، وتريد أن تحصل على فضل هذه الأيام.

الشيخ: إذا كان من عادتها أنها تعمل أعمالًا صالحة في هذه العشر، مثلًا تصوم التسعة الأيام الأولى من عشر ذي الحجة، أو أنها تفعل أعمالًا صالحة في هذه العشر، لكن منعها من ذلك العذر والحيض، فيكتب لها الأجر كاملًا، أو أن رجلًا من عادته مثلًا أن يصوم التسعة الأيام الأولى، ويعمل أعمالًا صالحة في هذه العشر، لكن مرض مثلًا، أو عرض له عارض، فيكتب له الأجر كاملًا؛ لقول النبي : إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [10]، وهذا الحديث في الصحيح.

فهذا من فضل الله  ورحمته بعباده، وهذا يدل على فضل الاعتياد على العمل الصالح، وأنه ينبغي للمسلم أن يكون له عمل صالح يعتاد عليه؛ لأنه إذا عرض له عارض من مرض أو سفر أو غير ذلك، فيكتب له الأجر كاملًا.

ثم أيضًا المرأة إذا أتاها الحيض مثلًا في عشر ذي الحجة، يعني هل الأعمال الصالحة تنحصر في الصلاة والصيام؟ هناك أعمال صالحة كثيرة، هناك الذكر، والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، بل حتى تلاوة القرآن، والصحيح أن الحائض تقرأ القرآن، لكن من غير أن تمس المصحف.

المقدم: طيب لو قرأت بالجوال، لا شيء.

الشيخ: تقرأ من الجوال، أو تلبس قفازين، وتقرأ من القرآن، وتهلل وتكبر، وتذكر الله ، وتدعو الله سبحانه وتعالى، فالأعمال الصالحة لا تنحصر في الصلاة، أو في الصيام، يعني بعض النساء إذا أتاها الحيض انقطعت عن الأعمال الصالحة، هذا غير صحيح، النبي كان يذكر الله على كل أحيانه، فالمسلم والمسلمة مطلوب منه أن يذكر الله تعالى على كل أحيانه، وإنما الحائض ممنوعة من الصلاة والصيام.

المقدم: نعم، لكن مثل قراءة القرآن، هل يشترط فيها المصحف، أو لو أنها قرأت من الجوال لكفى ذلك؟

الشيخ: إذا قلنا: المصحف، ما المراد بالمصحف؟ المصحف: هو ما كتب فيه القرآن، والمصحف إما أن يكون ورقيًّا، أو يكون المصحف الالكتروني داخل الجوال، فهذا مصحف وهذا مصحف، القراءة في المصحف من هاتف الجوال لا بأس بها، بل ليس هناك مزية للقراءة في المصحف الورقي على المصحف في هاتف الجوال؛ لأن هذا مصحف وهذا مصحف، العبرة بالقراءة، بعض الناس يستنكر القراءة في المصحف من الجوال، وهذا الاستنكار بسبب أنه ما ألف هذا الشيء، يعني السبب عدم الألفة، وإلا لا فرق، هذا مصحف ورقي، وهذا مصحف الكتروني، وهل هذا المصحف الورقي هو الموجود في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟ كان المصحف في عهد النبوة مكتوبًا على الألواح، ومكتوبًا على الأخشاب، ومكتوبًا على ورق النخل، ما كان مكتوبًا على الورق، لكن مع تطور الصنعة كتب على الورق، ثم الآن أصبح مصحفًا إلكترونيًّا، المهم هو القراءة أن يقرأ القرآن، فلا يختلف الأجر بين أن يقرأ القرآن في المصحف الورقي، أو في مصحف الهاتف الجوال.

المقدم: نعم، رفع الله مقامك، وأشكرك في ختام هذا اللقاء، شكرًا جزيلًا لك.

الشيخ: بارك الله فيكم، وشكرًا لكم إخوتي المشاهدين.

المقدم: الشكر كذلك موصول لكم أنتم مشاهدينا الكرام بعد شكر الله ، كان معنا معالي الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، نلتقيكم في لقاء قادم، أطيب المُنى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 969.
^2 رواه مسلم: 1977.
^3 رواه مسلم: 1977، بلفظ: إذا دخلت العشر، وأراد ‌أحدكم ‌أن ‌يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئًا.
^4 رواه البخاري: 1904، ومسلم:1151.
^5 رواه مسلم: 1162.
^6 رواه البخاري: 1131، ومسلم: 1159.
^7 رواه البخاري: 1969، ومسلم: 1156.
^8 رواه مسلم: 1348.
^9 رواه أحمد: 7089.
^10 رواه البخاري: 2996.
zh