الرئيسية/دروس علمية/فقه النوازل/(10) فقه النوازل- الحقوق المعنوية، والكحول المستهلكة في الغذاء والدواء
|categories

(10) فقه النوازل- الحقوق المعنوية، والكحول المستهلكة في الغذاء والدواء

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

معنا في هذا الدرس مسألتان:

  • المسألة الأولى: الحقوق المعنوية؛ كحق المؤلف، والاسم التجاري، والعلامة التجارية، وحق انتاج البرامج الحاسوبية، وغيرها.
    وسوف نسلط الضوء، ونركز على حق من هذه الحقوق، وهو: حق إنتاج البرامج الحاسوبية، وحكم نسخها.
  • المسألة الثانية: الكحول المستهلكة في الغذاء والدواء، حكمها، وأثرها في حل ذلك الغذاء أو الدواء.

معنى الحقوق المعنوية

ونبدأ بالمسألة الأولى، وهي: الحقوق المعنوية:

والحقوق المعنوية هي: حقوق ترد على شيء غير مادي، سواء كان نتاجًا ذهنيًّا؛ كحق المؤلف في المصنفات، وحق المخترع في مخترعاته، وحق إنتاج البرامج الحاسوبية، أم كان ثمرة لنشاط يجلب له عملاء؛ كحق التاجر في الاسم التجاري، والعلامة التجارية، ونحو ذلك، هذه تسمى الحقوق المعنوية.

وهذه الحقوق لم تبرز في المجتمع الإسلامي في القرون الماضية رغم نشاط حركة التأليف، وذلك؛ لأن المؤلف كان يحرص على نشر كتابه بكافة الطرق؛ لأن الكتب كانت تستنسخ بخط اليد، ولم تكن الطباعة موجودة.

فكان نسخ الكتاب هو مساهمة في نشره، فكان مؤلف الكتب في الأزمنة الماضية يودون نشر كتبهم باستنساخها، ولهذا لم تبرز فكرة استحقاق الشخص لما ينتجه من أشياء غير مادية، وكان المؤلف يبتغي الأجر والثواب من الله ، ولم تبرز مسألة أو فكرة استحقاق ما ينتجه، استحقاق الشخص مقابل ما ينتجه من عوض مادي، لم يكن ذلك بارزًا، وإن كان المؤلفون في الأزمنة الماضية حريصين على نسبة الآراء إلى أصحابها.

لكن فكرة استحقاق العوض على التأليف، والحقوق المعنوية عمومًا لم تكن بارزة في تلك الأزمنة، أما في هذا القرن الذي نعيش فيه فقد استجد التعامل بهذه الحقوق، والتعارف عليها مما استلزم تنظيمها، ووضع الضوابط والأنظمة لها، وقد انتشرت هذه الأنظمة والقوانين أولًا في الغرب، ثم انتقلت إلى البلاد الإسلامية.

ويقع التساؤل عن الحكم الشرعي لهذه الحقوق بعد تنظيمها، ووضع القواعد والضوابط المنظمة لها، وقد حلفت كتب القانون بالحديث عن هذه الحقوق، واتفق القانونيون على اعتبارها من الحقول المالية.

وأما الأمر بالفقه الإسلامي، فإن دائرة الملك في الفقه الإسلامي أوسع منها في القانون، فلا يشترط في الفقه الإسلامي أن يكون محل الملك شيئًا ماديًا، لا يشترط أن يكون شيئًا ماديًا معينًا بذاته في الوجود الخارجي، وإنما هو كل ما يدخل في معنى المال من أعيان ومنافع.

ولهذا فإن تعريف المال عند جمهور الفقهاء: ما كان له قيمة بين الناس، وجاز الانتفاع به في حال السعة والاختيار، فكلما كان له قيمة معتبرة بين الناس وينتفع به في غير حال الضرورة، يعني: في حال السعة والاختيار، فإنه يعد مالًا عند الجمهور، فهذا هو المعيار باعتبار المال، أن يكون له قيمة، وأن ينتفع به.

وبناء على هذا فإن محل الحق المعنوي، والذي يسمى عند القانونيين بالشيء غير المادي، داخل في مسمى المال في الفقه الإسلامي؛ لأن له قيمة، وينتفع به، فمسمى المال يسع الأشياء غير المادية التي ينتفع بها انتفاعًا مشروعًا.

على أن محل الملك في الحق المعنوي عند التدقيق ليس هو المنفعة، وإنما هو شيء غير مادي تحصل منه منافع لصاحبه، شيء غير مادي تحصل منه المنفعة لصاحبه.

وبعد ذلك نقول: إن هذه الحقوق المعنوية ما دمنا قد اعتبرناها مالًا، فإنها تكون حقوق خاصة لأصحابها، ويجوز لهم المعاوضة عليها، وتكون حقوقًا مصونة لا يجوز التعدي عليها.

قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في الحقوق المعنوية

وقد درس مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي هذا الموضوع، أعني: الحقوق المعنوية، وصدر فيها قرار من المجمع جاء فيه:

  • أولًا: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف، والاختراع، والابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها.
  • ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري، أو العنوان التجاري، أو العلامة التجارية، ونقل أي منها بعوض مالي، يعني إما ببيع أو بإجارة، كل ذلك جائز، ومثله حقوق المؤلف يجوز للمؤلف أن يبيع حقه على دار نشر، إما مطلقًا أو مقيدًا بمدة معينة، أو طبعة معينة، كل هذا جائز؛ لأنها حقوق معتبرة شرعًا، وهذا التصرف جاء في قرار المجمع: إذا انتفى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أن ذلك حقًا ماليًا.
  • ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع والابتكار مصونة شرعًا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها، فيكون إذن حق التأليف من الحقوق المعنوية المعتبرة شرعًا، وحينئذ لا يجوز التعدي على هذا الحق.

طريقة نسخ الكتب في الماضي

ولئن كان في أزمنة سابقة كان نسخ الكتاب يعد خدمة له، وكان العرف قائمًا بين الناس بأن نسخ الكتاب لا يعتبر تعديًا على حق المؤلف، بل إن المؤلف يشكره، ربما شكر هذا الناسخ لكونه ساهم في نشره.

لكن الأمر في الوقت الحاضر اختلف، فاستنساخ الكتاب ونشره وطبعه بغير إذن المؤلف يعتبر تعديًا على حقه، يعتبر تعد على حق المؤلف.

هذه هي أبرز الأحكام المتعلقة بالحقوق المعنوية.

حكم نسخ برامج الحاسب الآلي

وننتقل بعد ذلك إلى واحد من هذه الحقوق المعنوية، أفردناه بالذكر لأهميته، ولكثرة التساؤلات حوله، وهو: حكم نسخ برامج الحاسب الآلي.

نقول: أولًا: برامج الحاسب الآلي بأنواعها لها قيمة مالية يعتد بها شرعًا، وسبق أن قررنا أنها من الحقوق المعنوية، وحينئذ يجوز لأصحابها التصرف فيها، سواء كانوا من المنتجين، أو الوكلاء بالبيع.. من المنتجين أو الوكلاء، يكون التصرف إما بالبيع أو بالإجارة أو بالشراء أو غير ذلك.

وهذه البرامج باعتبار أنها من الحقوق المعنوية تعتبر حقوقًا مالية لأصحابها، فهي مصونة شرعًا، ولا يجوز الاعتداء عليها، ورعاية لحقوق المنتجين لها، الذين بذلوا جهودًا وأموالًا في إنتاجها، إلا إذا أذن أصحابها في ذلك.

فإذا كتب على البرنامج عبارة الحقوق محفوظة، أو أي عبارة تفيد هذا المعنى، فإنه لا يجوز استنساخها وبيعها، وبيع تلك النسخ المستنسخة؛ لأن في ذلك تعد على حق المنتج، فإن النسخ منفعة، والمنفعة مال، ولا يجوز أخذ مال أحد إلا بإذنه.

وهذه البرامج الحاسوبية، كما ذكرنا هي تأخذ وقتًا وجهدًا كبيرًا ومالًا من المنتجين لها، فعندما يقوم المنتج بإدخال عشرات، وربما مئات، بل في الوقت الحاضر ربما تصل إلى آلاف الكتب في منتج واحد، لا شك أنه قام هذا المنتج بجهد كبير في الحصول على هذه الكتب أولًا؛ إما بشراء، أو باستعارة، ثم بكتابة تلك الكتب، وربما يكون بعضها مخطوطًا، ثم بمراجعتها أكثر من مرة، إلى غير ذلك من الجهد الذي يقوم به هذا المنتج، والذي يبذل معه مالًا ووقتًا، وجهدًا كبيرًا.

فعندما يأتي بعض الناس، ويقومون بنسخ ذلك البرنامج وبيعه بسعر زهيد، فلا شك أن في هذا إضرارًا كبيرًا بالمنتج، ويتسبب في إيقاع الخسارة به، وليضع الإنسان نفسه مكان ذلك المنتج، الذي بذل في إنتاج هذا البرنامج مالًا ووقتًا وجهدًا، ثم يأتي بعض الناس وينسخه ويبيعه بسعر زهيد، ألا يعد ذلك تعد على حقه؟

لا شك أن هذا فيه تعد كبير على حق ذلك المنتج، ولهذا فإنه ما دامت أن الحقوق محفوظة للمنتج، فلا يجوز استنساخ تلك البرامج.

فتوى اللجنة الدائمة في نسخ البرامج

وقد صدر في هذا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وقد سأل المستفتي سؤالًا جاء فيه:

إنني أعمل في مجال الحاسب الآلي، ومنذ بدأت العمل أقوم بنسخ البرامج للعمل عليها، دون أن أشتري النسخ الأصلية، علمًا بأنه توجد عبارات تحذيرية مؤداها أن حقوق النسخ محفوظة، وقد يكون صاحب البرامج مسلمًا، وقد يكون كافرًا، فهل يجوز النسخ بهذه الطريقة؟

فكان الجواب: لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم؛ لقول النبي : المسلمون على شروطهم [1]؛ ولقوله : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه [2]؛ ولقوله : مَن سبق إلى مباحٍ فهو أحقُّ به [3]، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلمًا، أو كافرًا غير حربي؛ لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم.

فنجد هنا في فتوى اللجنة: أن نسخ هذه البرامج لا يجوز؛ لأن التعدي فيه على حق الآخرين ظاهر، وأن هذا شمل ما إذا كان المنتج مسلمًا هذا ظاهر، وكذلك إذا كان كافرًا معصوم الدم والمال، وهو الكافر غير الحربي.

أنواع الكفار

وذلك أن الكافر ينقسم إلى أربعة أقسام:

  • القسم الأول: الذمي: وهو الذي يعيش في بلاد المسلمين، ويقر على دينه مقابل بذل الجزية للمسلمين، وهذا لا وجود له في الوقت الحاضر.
  • القسم الثاني: المعاهد الذي يكون بينه وبين المسلمين عهد بأي صورة من صور العهد، وهذا هو حال أكثر الكفار الذين يدخلون البلاد الإسلامية.
  • القسم الثالث: المستأمن: وهو الكافر الحربي إذا أعطي الأمان من ولي الأمر، أو من أي مسلم أو مسلمة، حتى أنه يصح أن يكون الأمان من امرأة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، الكافر الحربي الذي يعطى الأمان أيضًا يكون معصوم الدم والمال.
  • يبقى القسم الرابع والأخير: وهو الكافر الحربي الذي بيننا وبينه حرب، وليس بيننا وبينه أي عهد ولا ميثاق، هذا هو الذي دمه هدر، وماله هدر؛ لأنه مطلوب قتله أصلًا في المعركة، فدمه هدر، وماله هدر.

وبهذا نعرف أن أموال الكفار في جميع الأقسام معصومة إلا القسم الأخير وهو الكافر الحربي، وهكذا دماؤهم في التعدي على دماء الكفار وأموالهم إذا كانوا معصومي الدم والمال من كبائر الذنوب؛ كما جاء في صحيح البخاري: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي قال: من قتل معاهدًا بغير حق لم يرح رائحة الجنة [4]؛ لأن دين الإسلام دين عظيم يحترم العهود والمواثيق.

بل لا تجد دينًا من الأديان يحترم العهود والمواثيق مثل دين الإسلام، حتى إن الله يقول: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنفال:58]، يعني: انبذ إليهم عهودهم، ولا تباغتهم؛ لأن الإسلام ليس دين غدر وخيانة، إنما هو دين احترام العهود والمواثيق.

المقصود أن مال الكافر إذا كان غير حربي، كما ورد في فتوى اللجنة: هو مال محترم كمال المسلم، إذا كان حربيًا فإن ماله يكون هدرًا، وبناء على ذلك نقول: إن هذه البرامج التي ينتجها المسلمون أو كفار معصومي المال لا يجوز استنساخها.

فتوى ابن عثيمين في نسخ برامج الكمبيوتر

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن هذه المسألة: حكم نسخ برامج الكمبيوتر من شرائط أصلية.

فأجاب: بأن الشركة إذا لم تحتفظ لنفسها بالحق فجاز ذلك، يجوز ذلك، أما إذا احتفظت لنفسها بالحقوق، قال: يجب أن نكون نحن المسلمين أوفى العالم بما يجب، يعني من العهود، والمعروف أن النظام إذا احتفظ الإنسان بحقه، فإنه لا أحد يعتدي عليه؛ لأنه لو فتح هذا الباب لخسرت الشركة خسارة بليغة، وقد يكون هذا البرنامج قد صرف عليه أموال كثيرة باهظة، فإذا نسخ ووزع صار يباع بسعر زهيد، فيحصل ضرر على هذا المنتج، وقد قال : لا ضرر ولا ضرار.

قال: وأرجو أن يفهم المسلمون أن أوفى الناس بالذمة والعهد هم المسلمون، حتى إن الرسول حذر من الغدر، وأخبر بأنه من صفات المنافقين، وقال الله تعالى: وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:91]، وليس كل كافر يكون ماله حلالًا، ودمه حلالًا إلا الكافر الحربي، أما من كان بيننا وبينه عهد، ولو بالعهد العام، فهو معاهد، وقد قال النبي : من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة [5]، والمسلمون أوفى الناس بالعهد.

إذن الحكم في هذه المسائل ظاهر كما ترون، وفقهاء العصر شبه متفقين على تقرير هذا الحكم.

إذا أراد الإنسان أن ينسخ برنامجًا لنفسه، يعني: عنده نسخة أصلية، ويريد أن ينسخها لنفسه نسخة أخرى.

فهذا لا بأس به؛ لأنه قد اشترى النسخة الأصلية، لكن يريد أن ينسخ لنفسه نسخة أخرى، قال الشيخ محمد بن عثيمين: إذا أراد إنسان أن ينسخ لنفسه فقط، دون أن يصيب الشركة بأذى، الظاهر إن شاء الله أن هذا لا بأس به، ما دمت لا تريد بذلك الريع، وإنما تريد أن تنتفع به وحدك، فأرجو ألا يكون في هذا بأس.

قال الشيخ رحمه الله: على أن هذه ثقيلة عليَّ، لكني أرجو ألا يكون فيها بأس.

إذا كان إذن النسخ شخصي للإنسان، فالظاهر أن هذا لا بأس به؛ لأنه لا يعد في عرف الناس تعديًا على حقوق المنتج، ولأن هذا الإنسان قد اشترى النسخة الأصلية، لكنه أراد أن ينسخها نسخة أخرى لنفسه.

بعض البرامج يوضع عند تشغيلها عبارة أقسم بالله العظيم أن هذه النسخة أصلية، أو ألا أقوم باستنساخ هذه النسخة، أو أي عبارة، فهذا القسم عندما يقوم الإنسان بالموافقة عليه، فالظاهر والله أعلم أن هذا القسم يلزمه حكمه يلزم هذا الذي وافق عليه حكمه، فكأنه قد تلفظ بالقسم، ويترتب عليه ما يترتب على القسم من أحكام، هذا هو الذي يظهر في هذه المسألة؛ لأنه عندما يوافق الإنسان على هذه العبارة، معنى ذلك كأنه تلفظ بها، ولهذا قال الفقهاء: لو أن رجلًا قيل له: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم، أو أنه كتب نعم، يقع الطلاق إذا نواه، هكذا أيضًا إذا قيل له: اكتب موافقة على هذه العبارة: أقسم بالله العظيم.. ويأتي بعبارة يرى المنتج فيها حفظ حقوقه، فالظاهر أن هذه العبارة يلزم حكمها لهذا الذي قد وافق عليها، هذا ما يتعلق بهذه المسألة.

الكحول المستهلكة في الغذاء والدواء

المسألة الثانية التي معنا: هي مسألة الكحول المستهلكة في الغذاء والدواء:

هذه الكحول توجد بنسبة ضئيلة في بعض الأغذية، وبعض الأدوية، ويثير بعض الناس حولها إشكالات، توجد الخميرة التي توضع في الخبز، توجد فيها نسبة كحول، أيضًا: توجد في بعض المشروبات الغازية، مثل: البيبسي والكولا توجد فيها نسبة ضئيلة من الكحول.

ولو دققت في كثير من المواد الغذائية المحفوظة يعني المعلبات تجد أنها لا تخلو من نسبة ضئيلة من الكحول، توجد في كثير من الأدوية توجد نسبة ضئيلة من الكحول في كثير من الأدوية التي تستخدم، فما حكم هذه النسبة؟ هل نقول: إنها معفو عنها شرعًا، أو نقول: إن ما أسكر كثيره، فقليله حرام؟

أولًا: نقول: إن الكحول تحريف لاسم الغول، هي تحريف، الكحول تحريف لكلمة الغول، ونقل الغربيون هذا اللفظ عن العرب محرفًا، والعرب قد كانت تسميها الغول، ومنه قول الله عن خمر الجنة: لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ [الصافات:47]، فالغول معناه في اللغة العربية: هو ما ينشأ عن الخمر من صداع وسكر؛ لأنها تغتال العقل.

وشراب الكحول الذي يؤدي للإسكار، هذا لا إشكال في أنه محرم، ومن كبائر الذنوب، وهذا بإجماع المسلمين، والكثير والقليل في ذلك سواء.

وقد وضع النبي لنا قاعدة في هذا، فقال: ما أسكر كثيره فقليله حرام [6]، ولكن يوجد في الوقت الحاضر، كما ذكرت يوجد أغذية وأدوية تكون فيها نسبة ضئيلة من الكحول، وهذه النسبة نسبة مستهلكة، بحيث أنه من أكثر من ذلك الغذاء المشتمل على هذه النسبة، أو ذلك الدواء فإنه لا يسكر، فما حكم هذه الأغذية؟

وكما مثلنا بمثال الأغذية بالخميرة التي توجد في الخبز، توجد بها نسبة ضئيلة من الكحول، المشروبات الغازية، مثل: الكولا ونحوها يوجد بها نسبة ضئيلة من الكحول، كثير من أنواع الأدوية لا تخلو من ذلك.

حكم الخمر إذا استهلكت في مائع

هذا يقودنا إلى معرفة الحكم الشرعي في الخمر إذا استهلكت في مائع، بحيث لو أكثر الناس من شرب هذا المائع لم يسكر، فما حكم ذلك؟ ما حكم شرب هذا المائع الذي فيه هذه الخمر مستهلكة؟

وهذا ما يسميه بعض العلماء المعاصرين يسمون هذا بنظرية الاستهلاك، نظرية الاستهلاك معناها: اختلاط العين بغيرها على وجه يفوت الصفات الموجودة فيها، والخصائص المقصودة منها، بحيث تصير كالهالكة، وإن كانت باقية.

وهذا ينطبق على الخمر إذا استهلكت في مائع، بحيث لو أكثر الإنسان من شرب هذا المائع لم يسكر، وينطبق كذلك على وقوع نجاسة قليلة في ماء كثير، بحيث لا يظهر لهذه النجاسة أي أثر من لون أو طعم أو رائحة، فهذا تتناوله هذه النظرية نظرية الاستهلاك، فتمتزج هنا عين خبيثة بعين طيبة، ويكون للغالب للعين الطيبة، بحيث لا يكون هناك أي أثر من لون أو طعم أو ريح للعين الخبيثة.

وهذه النظرية مقررة في الفقه الإسلامي، ومن أحسن من تكلم عنها: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقرر بأن العين الخبيثة إذا استهلكت فإنها لا يكون لها حكم، قال رحمه الله: الصواب في هذا أن الله حرم الخبائث التي هي الدم والميتة ولحم الخنزير، ونحو ذلك، فإذا وقعت هذه في الماء أو غيره واستهلكت، لم يبق هناك دم ولا ميتة ولا لحم خنزير أصلًا.

قال: كما أن الخمر إذا استهلكت في المائع لم يكن الشارب لها شاربًا للخمر، والخمرة إذا استحالت بنفسها وصارت خلًا كانت طاهرة باتفاق العلماء.

لاحظ هنا شيخ الإسلام ابن تيمية كأنه يتكلم عن مسألة موجودة في زمننا الآن، يقول: إن الخمر إذا استهلكت في المائع لم يكن الشارب لها شاربًا للخمر، يعني أنها يعفى عنها.

قال: وهذه الأدهان والألبان والأشربة، وغيرها من الطيبات، والخبيثة قد استهلكت واستحالت فيها، أي: فلا تحرم، فكيف يحرم الطيب الذي أباحه الله، ومن الذي قال: إنه إذا خالطه الخبيث واستهلك فيه واستحال أنه قد حرم؟ وليس على ذلك دليل لا من كتاب، ولا من سنة، ولا إجماع ولا قياس.

لاحظ أن شيخ الإسلام ينصر هذا القول بقوة، وهو: أن العين الخبيثة إذا استحالت في شيء مباح طاهر، فإن هذه العين الخبيثة لا يبقى لها أي أثر، ويكون هذا مباحًا.

ولهذا قال: إنه ليس على القول بالتحريم دليل لا من كتاب ولا من سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولهذا قال في حديث بئر بضاعة، لما ذكر له أنه يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، قال: الماء طهور لا ينجسه شيء، وقال في حديث القلتين: أنه إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، وفي اللفظ الآخر: لم ينجسه شيء، وقوله: لم يحمل الخبث، يبين أن تنجيسه بأن يحمل الخبث، أي: بأن يكون الخبث فيه محمولًا، وذلك يبين أنه مع استحالة الخبث لا ينجس الماء، انتهى كلامه رحمه الله، منقولًا من مجموع الفتاوى، مجلد واحد وعشرين، صفحة خمسمائة وواحد، خمسمائة واثنين.

فإذن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقرر لنا هذه النظرية، وهي نظرية الاستهلاك، وبهذا التقرير يتبين أن هذه الكحول إذا كانت مستهلكة في الغذاء أو الدواء، بحيث إن الإنسان لو أكثر منها لم يسكر، فإنها حينئذ لا يكون لها أثر، ويكون استخدام ذلك الغذاء أو الدواء مباحًا، ولا بأس به، ولا يتحرج الإنسان منه البتة.

قرار من مجمع الفقه الإسلامي بشأن الأدوية المشتملة على الكحول

وقد صدر في هذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بشأن الأدوية المشتملة على الكحول، وجاء في القرار:

لا يجوز استعمال الخمرة الصرفة دواء بأي حال من الأحوال، لقول النبي : إن الله لم يجعل شفاءكم بما حرم عليكم [7].

ثانيًا: يجوز استعمال الأدوية المشتملة على الكحول بنسب مستهلكة تقتضيها الصناعة الدوائية التي لا بديل عنها، بشرط أن يصفها طبيب عدل، كما يجوز استعمال الكحول مطهرًا خارجيًا للجروح، وقاتلًا للجراثيم، وفي الكريمات والدهون الخارجية.

ولاحظ هنا أن استعمالها في الدواء وفي الغذاء لا بد أن يكون بنسب مستهلكة، لكن استعمالها في التطهير لا يتقيد ذلك بأن يكون بنسب مستهلكة، ولذلك استعمالها في المطهرات قد يكون بنسبة ليست نسبة مستهلكة، فيجوز ذلك خاصة مع أن الراجح أنها ليست بنجسة، أن الخمر طاهرة وليست بنجسة، وحينئذ لا بأس باستعمالها مطهرًا خارجيًا للجروح وقاتلًا للجراثيم.

فتوى ابن عثيمين في دخول الكحول في الأدوية

سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذه المسألة، قال:

دخول الكحول في الأدوية التي لا تشرب أو تؤكل جائز استخدامها، كما صرح ابن تيمية في جواز استخدام النجس في غير الأكل والشرب، مع أن الخمر ليست بنجسة، ونجاستها على الصحيح نجاسة معنوية.

قال: أما إذا كانت الأدوية تشرب وتؤكل، ويؤدي كثيرها إلى الإسكار فقليلها حرام، لاحظ في هذا الشرط: إذا كان كثيرها يؤدي إلى الإسكار فقليلها حرام.

أما الكحول من الأدوية التي لا يمكن أن يشرب وهو بهذه الحال لا يسكر، فلا يضر دخول بعض الكحول في تركيبها، وهذا جائز؛ لأن العلة في التحريم استخدام الخمر كدواء هو في حالة وجود وصف التحريم وهو الإسكار.

قال الشيخ رحمه الله: وإلا لحرم الخبز، والخبز فيه شيء من الكحول في الخميرة.

والخلاصة أن الكحول إذا كانت نسبتها مستهلكة، بحيث إن الإنسان لو أكثر من شرب هذا المائع الذي فيه هذه النسبة المستهلكة، فإنه لا يسكر، فإن هذه النسبة من الكحول تكون مغتفرة، يعني: أنه لا يترتب عليها أي حكم، ولا يترتب عليها من جهة التحريم، ويجوز ذلك المطعوم أو المشروب، ولا يتحرج الإنسان منه.

ما ذكر من وجود نسبة من الكحول مستهلكة في المشروبات الغازية مثل الكولا والبيبسي هذا وجدته مكتوبًا في بعض البحوث، واتصلت بأحد الاستشاريين في الأغذية مستشفى الملك فيصل التخصصي قريبًا، فقال: إنهم حللوا هذا، فوجدوا أن هذا غير صحيح أن ليس فيها أي نسبة من الكحول.

قالوا: وعلى تقدير أن يوجد فيها نسبة، فنحن لا نعتبرها كحولًا؛ لأنها نسبة مستهلكة، والذي يهمنا في هذا هو الحكم الشرعي، فنقول: يعني سواء وجدت أو لم توجد فشربها جائز، فهي من الحلال الطيب، حتى لو قدرنا وجود نسبة مستهلكة فيها، فإنها لا تؤثر ما دامت هذه النسبة مستهلكة.

والضابط في الاستهلاك هو أنه لو أكثر الإنسان منه لم يسكر، هذا هو الضابط، لو أكثر الإنسان منه لم يسكر.

حكم مشروب البيرة

مشروب البيرة:

البيرة لها أنواع، فمنها: ما هو يسكر مباشرة، وهذا لا شك في تحريمه، وهذا لا يوجد ولله الحمد في المملكة، ومنها ما تكون فيه نسبة من الكحول بحيث لو أكثر الإنسان من شرب البيرة لسكر، وهذه أيضًا محرمة، لقول النبي : ما أسكر كثيره فقليله حرام [8]، ومنها أنواع، وهي موجودة عندنا بالمملكة تكون النسبة فيها مستهلكة، تكون نسبة الكحول فيها مستهلكة، بحيث لو أكثر الإنسان منها لم يسكر لم يحصل الإسكار، وهذه هي موجودة عندنا في المملكة، فالبيرة الموجودة عندنا بالمملكة لا بأس في شربها، باعتبار أن نسبة الكحول الموجودة فيها مستهلكة، بحيث لو أكثر الإنسان منها لم يحصل الإسكار.

على أنني سألت الطبيب الذي قلت لكم إنني سألته قريبًا، سألته عن البيرة التي عندنا، فقال: نحن حللناها عندنا في مستشفى الملك فيصل التخصصي، ولم نجد بها أي نسبة من الكحول، ولو بواحد من الألف.

لكن على كل حال هي أنواع، قد يوجد في بعض الأنواع دون بعض، لكن لو وجد ذلك، وكانت النسبة مستهلكة، فنقول: إن شربها جائز، ولا حرج فيه، فهي كالأمثلة الأخرى التي أشرنا إليها كالخميرة التي توجد في الخبز، الكحول المستهلكة التي توجد في الأدوية، كل هذه نقول: إنه إذا اختلطت بمائع أو بمطعوم فإنها لا تؤثر في حرمته، بل نقول: إن هذا المطعوم أو المائع يبقى حلالًا من الطيبات، ولا يتحرج الإنسان في تناوله.

وأما قول بعض الناس، أو استدلال بعض الناس بحديث: ما أسكر كثيره فقليله حرام [9].

نقول: نعم، نلتزم بهذه القاعدة، لكن إذا كان كثيره مسكرًا، فلا بد أيضًا من الوقوف عند النص، إذا كنت لو أكثرت من هذا الشيء فحصل الإسكار، نعم، نقول: قليله حرام، لكن إذا كنت لو أكثرت من هذا الشيء لم يحصل الإسكار، فلا نقول: إن قليله حرام.

هذا كالنجاسة تمامًا، النجاسة إذا كانت قليلة، بحيث لم يبق لها أثر من لون أو طعم أو رائحة، فإنها لا تؤثر في نجاسة الماء، فيكون الماء طهورًا، هكذا أيضًا بالنسبة لهذه الكحول التي توجد بنسب مستهلكة، ونكتفي بهذا القدر في عرض هذه المسألة.

الأسئلة

نجيب على ما تيسر من الأسئلة:

السؤال: ما حكم حفظ الحقوق في أشرطة القرآن، أو أشرطة الدروس العلمية؟

الشيخ: إذا كان المنتج قد بذل جهدًا فيها فلا بأس، إذا كان المنتج قد بذل جهدًا فيها ووضع حقًا له، لا حرج في ذلك؛ لأن أيضًا القول بأن يلزم المنتج بذلها من غير عوض.. محل.. فيه ما فيه، كون هذا الإنسان قد بذل جهدًا ووقتًا، ولا يلزم الإنسان بأن يبذل ماله لغيره مجانًا.

السؤال: ما حكم التبرع بالأعضاء؟

الشيخ: هذا إن شاء الله سيأتينا في الدرس القادم.

السؤال: هلا ذكرتم قرار هيئة كبار العلماء، ومجمع الفقه الإسلامي في حكم التصوير الآلي؟

الشيخ: لا أعرف أنه صدر في هذا قرار، أنا سمعت من شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه يذكر أن المجمع الفقهي أجاز التصوير التلفزيوني، ولكن بحثت في جميع قرارات المجمع، وهي كلها موجودة عندي لم يعني أجد قرارًا في هذا، فيحتمل أن هذا جرى فيه مناقشة من غير إصدار قرار.

جميع قرارات المجمع الفقهي وهي في ثماني عشرة دورة كلها اطلعت عليها لم أجد قرارًا في هذا، لكن سمعت من شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله: إن المجمع الفقهي أجاز التصوير التلفزيوني للمصلحة، ويحتمل أن هذا كان في مناقشات كانت في المجمع، لكن لا أعرف أن في هذا قرار لا من الهيئة ولا من المجمع.

السؤال: ما الحكم في تشغيل القناة مثل قناة المجد عبر أجهزة أخرى؟

الشيخ: ما كان من القنوات مشفرًا، فأيضًا يدخل فيما ذكرناه من الحقوق المعنوية، ما كان مشفرًا لا يجوز التحايل عليه، واستخدام أجهزة أخرى لأجل فك التشفير؛ لأن هذا فيه تعد على حقوق أصحاب القناة، وهم يبذلون جهدًا في تلك القنوات، وأموالًا طائلة، ولا شك أن فك التشفير بأي طريقة فيه تعد على حقهم

وإذا أردت أن يتضح لك الحكم جليًا، ضع نفسك مكان المنتج أو صاحب الحق، ضع نفسك مكانه، هل ترضى بهذا العمل؟ إذا كنت لا ترضى لو كنت منتجًا، فكذلك أيضًا يعني ينبغي لك أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، فإذا كنت.. وتكره لأخيك ما تكره لنفسك، فإذا كنت لا ترضى هذا العمل لنفسك لو كنت أنت المنتج، فكذلك أيضًا ينبغي ألا ترضاه لإخوانك المسلمين، فهذا يعني يدخل في الحقوق المعنوية التي هي معنا في هذا الدرس، فك التشفير بأي طريقة، وأصحابها قد منعوا من ذلك فيه تعد على حقوقهم، فهو لا يجوز.

السؤال: إذا كان البرنامج الأصلي غير منسوخ ومبالغ في سعره.

الشيخ: هذا بعض العلماء قالوا: إذا كان مبالغًا في سعره، وكان برنامجًا علميًا يجوز، لكن هذا محل نظر، فحتى لو كان مبالغًا في سعره يبقى حقًا لصاحبه، فما الذي يبيح التعدي على هذا الحق؟

السؤال: ما حكم البيرة التي تشرب الآن، وهي موجودة في المحلات التجارية، علمًا بأنه مكتوب عليها خال من الكحول؟

الشيخ: البيرة الموجودة عندنا في المملكة لا بأس بها؛ لأنها لا تخلو إما ألا يكون فيها كحول البتة، كما ذكر أحد الأطباء، وإما أن يكون فيها نسبة مستهلكة، وعلى كلا التقديرين فهي جائزة، لكن التي موجودة في بعض الدول أو خارج المملكة بعضها مسكر يسكر مباشرة، وبعضها كثيره مسكر، والقاعدة: أن ما أسكر كثيره، فقليله حرام.

السؤال: هل يجوز نسخ البرامج التي… بغير قصد؟

الشيخ: نعم، نحن قلنا إن هذا جائز.

السؤال: بعض الأشرطة الصوتية أو المحاضرات الدعوية مفيدة، وأيضًا برامج الحاسب الآلي، فهل يجوز نسخها للتوزيع الخيري إذا كانت حقوق الطبع محفوظة؟

الشيخ: إذا كانت حقوق الطبع محفوظة لا، لا يجوز هذا، ولو كان لأجل الدعوة، لا بد من أخذ إذن من أصحابها.

السؤال: إذا لم يكتب على الشريط، وترك هكذا دون تحديد بحقوق الطبع.

الشيخ: إذا لم يكتب عليه، ولم يتعارف عند الناس بأن حقوق هذا البرنامج محفوظة، فحينئذ الظاهر أن أصحابه لم يريدوا حفظ هذا الحق، وحينئذ فلا بأس باستنساخه.

السؤال: هل سيصدر قريبًا في كتاب مطبوع… فقه المعاملات؟

الشيخ: إن شاء الله تعالى يعني كل هذه البرامج فقه العبادات والمعاملات سوف تخرج إن شاء الله تعالى، لكن تحتاج إلى وقت، وفقه العبادات لم يكتمل يعني لا زال في.. لم يكتمل بعد، لا زلنا في شروط الصلاة، لم نصل إلا إلى شروط الصلاة فقط، إذا اكتمل إن شاء الله فلعله إن شاء يكون في كتاب.

السؤال: ما حكم استخدام العطورات المشتملة على كحول؟

الشيخ: العطورات المشتملة على كحول إذا كانت نسبة مستهلكة لا إشكال في جوازها، إذا كانت نسبة يعني ليست مستهلكة نسبة كبيرة، فترجع إلى مسألة أخرى وهي حكم الخمر هل هي طاهرة أو نجسة؟ فالجمهور على أنها نجسة، القول الثاني: إنها طاهرة وهو اختيار شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله وهو الأقرب؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على نجاسة الخمر.

ولما حرمت الخمر أراقها الصحابة في سكك المدينة، ولو كانت نجسة لما أراقوها، وليس هناك دليل أصلًا يدل على نجاستها.

أما قول الله : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، فالمقصود بذلك النجاسة المعنوية، بدليل أنها قرنت بالميسر والأنصاب والأزلام، ولم يقل أحد من أهل العلم: إن هذه نجسة نجاسة حسية، وإنما المقصود بالنجاسة هنا النجاسة المعنوية.

ولهذا فالصحيح في هذه المسألة هو أن الخمر ليست نجسة، وإنما هي طاهرة، وبناء على ذلك فلا بأس باستخدام العطورات المشتملة على كحول بناء على هذا القول.

ولو تورع الإنسان ولم يستخدمها كان ذلك حسنًا، يعني بعض أهل العلم يقول: حتى يعني على القول بأنها ليست نجسة يتورع من استخدامها خروجًا من الخلاف، وأخذًا بعموم قول الله تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، وهذا حسن.

السؤال: هذا السؤال يتعلق بالدرس الماضي.

الشيخ: تكلمنا عنه، يعني المسائل التي تكلمنا عنها في الدروس، ترد يعني بعض الأسئلة، ونحاول ألا نجيب عليها، وإنما نحيل السائل للدرس وهو محفوظ في موقع الجامع على الإنترنت.

السؤال: هذا أيضًا يسأل عن إدخال قناة المجد عن طريق بعض الأطباق؟

الشيخ: تكلمنا عن هذا.

السؤال: هل يجوز نسخ بعض الأشرطة لبعض الأصدقاء، ولا سيما التي ليس لها وجود، والتي تعتبر بمثابة النادرة؟

الشيخ: أما إذا كانت الحقوق محفوظة فلا، أما إذا لم تكن محفوظة فلا بأس.

السؤال: هل يجوز تنزيل بعض المؤلفات القديمة عبر الإنترنت؟

الشيخ: نعم، إذا لم يكن هناك لم تطبع، ويكون هناك حقوق محفوظة للمحقق فلا بأس، أو أن من أراد تنزيلها أخذها حققها من مخطوط، وأراد تنزيلها على الإنترنت فلا بأس، المقصود ألا يكون هناك تعد على حق آخر، إذا لم يكن هناك تعد على حق آخر جاز ذلك، إذا كان في تعد على حقوق آخرين لم يجز هذا، هذه هي القاعدة والضابط في هذا.

السؤال: ما حكم صلاة الجمعة في السجون، حيث إني رأيت مثل هذا السؤال في أحد المواقع بالإجازة، كما أن ابن رجب ذكر أنه لا يصلى الجمعة في السجن، وقال: لا أعلم في ذلك خلافًا؟

الشيخ: نعم، هذا صحيح، ما نقله عن ابن رجب صحيح، ابن رجب في فتح الباري ذكر أنه لا يعلم خلافًا في أنه لا يشرع إقامة الجمعة في السجون.

ولكن الواقع أن المسألة فيها خلاف، وعندهم القائمين على السجون عندهم تعليمات في هذا من العلماء.

السؤال: ما حكم من نسخ من برامج الحاسب من نسخته الأصلية لمصلحة غيره، وليس لنفسه؟

الشيخ: حتى وإن كان لمصلحة غيره، لا يجوز نسخ ما كان فيه حقوق محفوظة؛ لأن في هذا تعد على حق الغير، تعد على حق أخيك المسلم، أو حتى كما قلنا: حتى الكافر معصوم المال أيضًا يكون فيه تعد عليه، معصوم الدم والمال فيه تعد عليه، إذا كان فيه تعد بهذا النسخ لا يجوز لأي سبب لأي غرض، فالنسخ يمنع بإطلاق ما دام أنه يوجد فيه تعد على حق الغير، فقط التي هي يرخص فيها إذا أراد الإنسان أن ينسخ لنفسه فقط، إذا أراد أن ينسخ لنفسه.

وقد يقول بعض الناس: إن في هذا تضييقًا وتحجيرًا، لكن نقول: إن في هذا حفظًا للحقوق، حفظ الحقوق لأصحابها، والمنتجين يبذلون جهودًا كبيرة في إنتاج البرامج، فينبغي أن تحفظ الحقوق لأصحابها.

السؤال: ما حكم رسائل الجوال التي يرد فيها ذكر من الأذكار: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وبعد ذلك يقول: هي أمانة في رقبتك ترسلها لخمسة أو عشرة أو إلى أي عدد يكون ويكون مكلفًا على الشخص؟

الشيخ: أولًا إذا قال: هي أمانة ما يلزمك أن ترسلها، يعني على أي صفة كانت تلك الرسالة؛ لأنها هذا إلزام من طرف واحد، أنت لم تلتزم بهذا، لم تلتزم له بهذا.

ثانيًا: انظر محتوى الرسالة، وتعرض على أهل العلم، إن كان محتواها صحيحًا وإلا أيضًا لا تنشر، لكن إذا كان محتواها جائزًا، فأنت بالخيار، حتى لو قال: إنها أمانة أو أتى بعبارة تفيد تحميلك المسؤولية فإنها لا يلزمك إرسالها، لأنك لم تلتزم له بهذا الشيء.

السؤال: ما حكم من يقتبس بعض الفوائد من كتب القدماء، ويضعها في كتاب يعود ريعه لعمل خيري؟

الشيخ: لا بأس بذلك، لا بأس بهذا؛ لأننا كما ذكرنا أن كتب المتقدمين، يعني كان المتقدمون يحبون نسخ هذه الكتب ونشرها؛ لأنه لم تكن المطابع موجودة عندهم، فالاقتباس لفوائد منها، ثم جمعها في كتاب، لا بأس بذلك، وعلى ذلك عمل الناس التأليف الآن قائم، وكثير منه بالنقل والاقتباس من كتب أخرى، فإذا لم يكن هناك نسخ للكتاب كاملًا، وأراد الإنسان أن يقتبس منه مع عزوه إلى مصدره، فإن هذا لا بأس به، بل هو من نشر العلم.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 3594.
^2 رواه أحمد: 20695.
^3 رواه أبو داود: 3071 بلفظ: ‌مَن ‌سبق ‌إلى ما لم يسبقه إليه مسلمٌ فهو له.
^4 رواه البخاري: 3166.
^5, ^8, ^9 سبق تخريجه.
^6 رواه أبو داود: 3681، وأحمد: 5648.
^7 علَّقه البخاري بصيغة الجزم: 7/ 110.
مواد ذات صلة