|categories

(5) أحكام التيمم

مشاهدة من الموقع

أحكام التيمم

فمع استئناف هذه الدروس، أسأل الله ​​​​​​​ أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من القول والعمل، ونستكمل ما كنا قد توقفنا عنده، وقد وصلنا في درس الفقه إلى أحكام التيمم.

معنى التيمم

نبدأ أولًا بمعنى التيمم.

التيمم في اللغة معناه: القصد.

مادة: التيمم في اللغة العربية تعني: القصد، ومنه قول الله تعالى في سورة البقرة: وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة: 267]. أول الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا يعني: لا تقصدوا الْخَبِيثَ يعني: الرديء مِنْهُ يعني: من المال الذي تنفقونه تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ يعني: تنفقون هذا الرديء، ولستم بآخذيه لو أنه بذل لكم، وهذا فيه نهي للمسلم أن ينفق الرديء من المال، والواجب أن ينفق الوسط، والأفضل أن ينفق الأطيب، لكن أن يقصد الرديء فهذا لا يجوز، هذا معنى قوله: وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ يعني لا تقصدوا الرديء.

فمادة التيمم في اللغة العربية معناها: القصد.

أما معنى التيمم شرعًا، فهو: مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص.

مسح الوجه واليدين، والمقصود باليدين إذا أطلقتا الكفين، ولذلك؛ قال سبحانه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38]. المقصود باليد هنا: الكف بإجماع العلماء.

وهذه الصفة المخصوصة سيأتي بيانها والكلام عنها إن شاء الله.

الأدلة على مشروعيته

التيمم ذكره الله تعالى في القرآن في سورة النساء، وفي سورة المائدة؛ كما في قول الله سبحانه: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [المائدة: 6].

فامتن الله على هذه الأمة بأنه قد شرع لها التيمم؛ لرفع الحرج عنها، ولهذا؛ فإن التيمم قد أجمع العلماء على مشروعيته؛ لأنه قد ذكره الله تعالى في القرآن، وذكره النبي ، فهو مُجمَع عليه، وهو من خصائص هذه الأمة، اختصها الله تعالى به من باب رفع الحرج والتوسعة والإحسان، وقد كان الناس في الأمم السابقة إذا لم يجدوا ماء بَقُوا ولم يصلوا حتى يجدوا الماء، وأما هذه الأمة فإن المسلم إذا لم يجد ماء فإنه يتيمم.

ولهذا جاء في «الصحيحين» عن جابر رضي الله عنهما: أن النبي قال: أُعطِيتُ خمسًا لم يُعطَهنَّ أحد قبلي: نُصِرتُ بالرُّعب مسيرةَ شهرٍ، وجُعِلَت ليَ الأرض مسجدًا وطَهورًا؛ فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل [1]. وفي لفظ: فعنده مسجده وطَهوره.

فإذَنْ هو من خصائص هذه الأُمة، ولهذا؛ امتن الله تعالى به على هذه الأمة.

وما امتن الله تعالى به على هذه الأمة أمور كثيرة، اختص الله تعالى هذه الأمة بخصائص كثيرة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110]، ولهذا؛ يوم القيامة هذه الأمة تَظهَر فضائلها، حتى إن الناس من الأمم الأخرى كل يتمنى أنه من هذه الأمة، ما من أحد من الأمم السابقة إلا ويتمنى أنه من هذه الأمة؛ لِمَا يرى من إكرام الله لهذه الأمة.

بل إن هذه الأمة تشهد على الأمم الأخرى؛ كما جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره، عن النبي أنه قال: يؤتى بنوح فيقول الله له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغ؟ فيقولون: لا، فيقول الله له: من يشهد لك؟ فيقول: أمة محمد، فيشهدون معه، فيقول قوم نوح: كيف تشهدون معه وإنما أتيتم بعدنا؟ فيقولون: قد أخبرنا بذلك نبينا فصدقناه، فنحن نشهد على ما يقول [2]. وهذا معنى قول الله : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: 143]. فيظهر الله فضل هذه الأمة وكرامتها مع أنها بالنسبة للناس قليل؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود [3]. يعني هذه الأمة بالنسبة للأمم قليل؛ لأن الأمم أعدادها هائلة من البشر، وعدد الأنبياء كما جاء في حديث أبي ذر ، الذين بعثهم الله : مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، أعداد كبيرة من البشر، فهذه الأمة بالنسبة للبشر قليل جدًّا، ومع ذلك؛ فإن الله تعالى يكرمها ويظهر فضلها وشرفها، فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام: كيف تعرف هذه الأمة؟ فقال: إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا مُحَجَّلين من آثار الوضوء [4]. يعني يكون لهم علامة، وهي: أن وجوههم تكون بيضاء وأيديهم وأرجلهم؛ فيعرفهم النبي عليه الصلاة والسلام بهذه العلامة.

فإذَنْ هذه الأمة اختصها الله تعالى بخصائص وفضائل ليست لغيرها، ولهذا؛ قال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110]، فمن الخصائص هذه: التيمم.

هل التيمم رافع للحدث؟

والتيمم جعله الله تعالى بدلًا عن طهارة الماء عند العجز عنه شرعًا، ويُفعل بالتطهر به كل ما يفعل بالماء؛ من الصلاة والطواف وقراءة القرآن وغير ذلك، فالصحيح: أنه بدل عن الماء تمامًا.

وإنما أشرنا لهذه المسألة، ولم ندخل في تفاصيلها؛ طلبًا للاختصار؛ لأن المنهج طويل، وإلا لو أردنا أن نشير ولو بشيء من الإيجاز لتفاصيل هذه المسألة فالمطلوب معكم هو ما كتب في المذكرة، لكن من باب الفائدة أقول: العلماء مختلفون هل التيمم رافع للحدث وبدل عن الماء، أو أنه مبيح لا رافع؟

فمن أهل العلم من يقول: إن التيمم مبيح فقط، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، والصحيح: أنه رافع للحدث، وبدل عن الماء، اكتفينا بالقول الراجح هنا.

فمن قال إنه مبيح يقول: لو تيممت لصلاة، لا تصلي به الصلاة الأخرى، فلو تيممت لصلاة الظهر، لا تصلي به العصر، ولو تيممت لنافلة لا تصلي به فريضة؛ لأنه مبيح وليس رافعًا.

ولكن القول الصحيح: أنه رافع للحدث، هذا هو الذي عليه المحققون من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، فالتيمم، الصحيح: أنه بدل عن الماء؛ لأن الله تعالى جعله بدلًا، قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43، المائدة: 6]. فجعل الله تعالى التيمم بدلًا عن الماء.

فالتيمم إذَنْ يقوم مقام الماء تمامًا، فهو كالماء إلا أنه إذا وجد الماء بطل التيمم، إلا في هذه الحال، وإلا، فما عدا ذلك فهو يقوم مقام الماء تمامًا.

فإذَنْ هذه المسألة نحن ذكرنا القول الراجح، وهو: أنه بدل عن الماء، وأنه رافع للحدث، لكن هناك قول آخر أنه ليس رافعًا للحدث؛ وإنما هو مبيح للصلاة التي تيمم لها فقط، ولكن القول الراجح: أنه بدل عن الماء، ولذلك فإنه إذا تيمم يفعل به جميع ما يفعل بالماء من الصلاة وتلاوة القرآن والطواف وغير ذلك.

الأحوال التي ينوب فيها التيمم عن الماء

ينوب التيمم عن الماء في أحوال:

  • الحالة الأولى: إذا عدم الماء؛ لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43، المائدة: 6]. سواء عدمه في السفر أو في الحضر، لكن لا بد من أن يطلبه الإنسان فلا يجده؛ لأنه لا يقال للإنسان إنه ما وجد الشيء إلا إذا طلبه وبحث عنه فلم يجده، ولذلك؛ قال سبحانه: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً. ولم يقل: فلم يكن هناك ماء، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا، فلا بد من البحث أولًا، لا بد أن يطلب الإنسان ويسعى لطلب الماء أولًا، فإذا لم يجد فإنه يتيمم.

هل يلزم شراء الماء للطهارة؟

وإذا وجد الإنسان الماء يباع بثمن مثله لزمه شراؤه إذا قدر على ذلك، وهكذا لو وجده يباع بزيادة يسيرة لا تجحف بماله فإنه يلزمه الشراء.

أما إذا كانت الزيادة كبيرة تجحف بماله لا يلزمه الشراء، ويجوز له العدول للتيمم.

وبناء على ذلك: التيمم في الطرقات العامة في الوقت الحاضر ما حكمه؟ لو كنت مسافرًا مثلًا إلى مكة، وأردت أن تتيمم في الطريق، نفد الماء الذي معك، أو ما معك إلا ماء لا يكفي إلا للشرب، ماء قليل، هل لك أن تتيمم من الرياض إلى مكة مثلًا؟

ليس له أن يتيمم في الطرقات العامة في الوقت الحاضر عندنا في المملكة؛ الماء متيسر إما أنه يبذل مجانًا، أو أنه يباع بثمن المثل، فموجود الماء في البقالات، وفي المحلات، محطات الوقود لا تخلو محطة وقود في الغالب من الماء، إما مجانًا وإما يباع بثمن المثل، بل حتى قلنا: لو كان فيه زيادة يسيرة لزمه الشراء، لكن يلاحظ بعض الناس يتساهلون في هذه المسألة، تجد أنهم يتيممون والماء موجود في محطات الوقود القريبة، هذا لا يجوز، ولا تصح صلاته؛ لأن هذا تساهل، الماء موجود، وإذا كان الماء موجودًا لم يصح التيمم، وإذا لم يصح التيمم لم تصح الصلاة.

حتى لو كان جاهلًا، مثل هذا، فباب الأوامر لا يعذر فيه الإنسان بالجهل، هذه قاعدة ذكرناها في دروس سابقة، وقلنا: ما كان من باب فعل الأمر لا يعذر فيه الإنسان بالجهل ولا بالنسيان، أما ما كان من باب ارتكاب المحظور فيعذر فيه بالجهل والنسيان، تكلمنا عن هذه القاعدة في محاضرات سابقة، وفصلنا الكلام فيها، فلو قدر أن إنسانًا تيمم والماء عنده قريب لا بد أن يعيد الصلاة، هذا من التساهل.

أيضًا يوجد في بعض البوادي أنهم يتساهلون في التيمم، يتيممون والماء موجود، يعني بعض أهل البادية يتيمم والماء موجود عنده، وهذا لا يجوز، ينبغي التنبيه على هذا، قد يكون بعضهم عن جهل، وبعضهم عن تساهل، فينبغي التنبيه على هذا، لا يجوز أن يتيمم الإنسان والماء قريب عنده، أو يمكن أن يصل إليه ولو بشراء.

لكن لو قُدِّر أن الإنسان لم يجد ماء إلا ماء يباع بثمن كبير، يعني مثلًا قارورة الماء التي تباع بريال يبيعها بعشرة ريالات، هنا لا يلزمه الشراء، وإنما له أن يعدل إلى التيمم.

هل يلزم قبول الماء الموهوب للطهارة؟

لو وجد الإنسان ماء يبذل له مجانًا، يعني وهب له هل يلزمه قبوله؟ وجدت إنسانًا يقول: تفضل هذا ماء توضأ به، ولم تجد غيره، فهل يلزمك أن تقبل هذا الماء وتتوضأ به؟ أو أن لك أن تعدل إلى التيمم؟

قال العلماء: إنه لا يلزمه؛ لماذا؟ لأن ما كان موهوبًا قد تصحبه المِنَّة، قد يمْتَنّ عليك هذا صاحب هذا الماء يومًا من الأيام أليس كذلك؟ قد يكون بعض الناس عنده عزة نفس لا نلزمه، لكن لو كنت ستشتري بدراهمك فهذا ما فيه منة، أما أن يبذل لك مجانًا لا يلزمك قبوله، ولك أن تعدل للتيمم، فانظر كيف أن الشريعة تبني في المسلم معاني العزة، قد يكون هذا الذي بذل لك الماء منَّانًا، إنسانًا كثير المنة، أليس كذلك؟ والمنة فيها أذًى للإنسان وجرح لكرامته، ولذلك؛ أخبر الله تعالى بأن المنة تبطل الصدقة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة: 264]، ولذلك قال: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة: 263]. الذي يمتن بالمعروف، الأحسن أنه لا يأتي بهذا المعروف، قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى، فإذَنْ لا يلزمه، ولو قبله لا بأس، نحن لا نقول: لا يقبله، ولكن لا نلزمه بقبوله، فنقول: لك أن تعدل إلى التيمم.

والغالب أنه لن يعدل للتيمم إلا إذا كان الباذل صاحب مِنَّة، فلا نلزم هذا الإنسان بقبول هذا الماء، ولا نلزمه بقبول منة غيره، ولذلك؛ يعلل الفقهاء لهذا، قالوا: إنه لا يلزمه؛ لأنه لا يُلزَم الإنسان أن يكون تحت مِنَّة غيره، تجد بعض الناس عندهم شيء من التعفف، ولا يريدون لأحد عليهم معروفًا، أي معروف، لا يريد لأحد عليه معروفًا؛ عنده عزة نفس، هذا موجود في الناس، فلا يريد لأحد عليه أدنى معروف، وهذا معنًى حميدٌ، ولهذا بايع نفر من الصحابة رسول الله على ألا يسألوا الناس شيئًا، حتى إن كان سوط أحدهم ليسقط، فينزل عن دابته فيأخذه ولا يطلب من أحدهم أن يناوله إياه، يعني هذه المعاني ينبغي أن تولد لدى المسلم التعفف، وأن يكون الإنسان عزيز النفس، وألا يطلب من غيره شيئًا، يحاول أن يحقق هذا المعنى قدر المستطاع، يعني هذه معانٍ رفيعةٌ.

فلهذا؛ نقول: إنه لا يلزم أن يقبل الإنسان هذا الوضوء ليتوضأ به، وله أن يعدل للتيمم في هذه الحال.

بعض الناس لا يقبل من أحد شيئًا حتى ولو لم يعرفه، ولهذا؛ كان بعض الناس إذا تصدق بصدقة يحرص على أن المتصدَّق عليه لا يدعو له؛ لأنه لو دعا له ربما أيضًا نقص من أجره، حتى لا يريد منه أن يقول: جزاك الله خيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9]، لا يريد حتى أن يشكره، يريد الجزاء كله من الله .

فيعني هذه المعاني ينبغي أن يسعى المسلم لتحقيقها.

وتجد بعض الناس كثير السؤال لغيره، وليس عنده تعفف هذه معان لا تليق بالمسلم، ينبغي أن يكون عند المسلم عزة نفس، وأن يكون عنده تعفف عما في أيدي الناس، وألا يسأل الناس شيئًا، يحرص على ألا يسأل الناس شيئًا.

إذَنْ، انتهينا من الحالة الأولى.

  • الحالة الثانية: إذا كان معه ماء يحتاجه لشرب وطبخ ونحوه، ولو تطهر منه لأضر بحاجته، بحيث يخاف العطش على نفسه، أو عطش غيره؛ من آدمي أو بهيمة محترمين.
    فهنا يجوز له أن يعدل للتيمم، فإذا كان معه ماء، لكن هذا الماء يحتاجه في الأكل والشرب، فإنه يوفر هذا الماء للأكل والشرب، ويجوز له أن يعدل للتيمم، ولا نقول له: ما دام الماء موجودًا فيجب عليك أن تتوضأ منه؛ لأن الأكل والشرب مقدم في هذه الحالة، بل حتى لو كان معه ماء وكان عنده حيوان، ولو توضأ لعطش هذا الحيوان، فله أن يعدل للتيمم في هذه الحالة، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78].
  • ثالثًا: إذا خاف باستعمال الماء الضرر في بدنه بمرض أو تأخر برء ونحوه؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء: 43، المائدة: 6].

إذا خاف باستعمال الماء الضرر في بدنه، يعني لو أنه استعمل الماء لتضرر، أو تأخر البرء من هذا المرض.

كيف يعرف هذا؟ كيف يعرف أنه لو استعمل الماء للحقه الضرر؟ بكلام الطبيب المختص أو الخبير الحاذق، أو أنه يعرف ذلك من نفسه، فله أن يعدل إلى التيمم في هذه الحالة.

ولكن هذا أيضًا مشروط بأنه لا يستطيع المسح على ذلك الموضع، أما لو استطاع أن يمسح عليه فإنه يمسح عليه ولا حاجة للتيمم في هذه الحالة.

مثال ذلك: رجل أصاب يده جرح، ووضع عليه لاصقة جروح أو رَبَطَه مثلًا، ففي هذه الحالة عندما يتوضأ، ويصل إلى هذا الموضع ماذا يفعل؟

نقول: يمسح عليه، وإذا لم يستطع المسح فهنا يتيمم، إذا لم يستطع المسح يتيمم.

وإن كان لا يستطيع المسح مثلًا كما في الحروق، في الحروق لا يستطيع الإنسان حتى أن يمسح على العضو نفسه، الأمراض الكبيرة أيضًا حوادث السيارات أحيانًا لا يستطيع الإنسان أن يتحرك ولا أن يمسح على موضع الجرح.

فإذَنْ: القاعدة أنه إذا لم يستطع الإنسان أن يغسل العضو بالماء، فإنه يمسح عليه، فإذا لم يستطع المسح عليه فإنه يعدل إلى التيمم.

  • رابعًا: إذا عجز عن استعمال الماء لمرض لا يستطيع معه الحركة، وليس عنده من يُوضئه، وخاف خروج الوقت.

هذا مرتبط بالذي قبله، هذا إنسان لا يستطيع الحركة، كأن أصيب مثلًا بحادث سيارة ولا يستطيع أن يتحرك، به كسور وجروح، ولم يجد من يوضئه، أو أنه لا يمكن توضئته، ففي هذه الحالة يتيمم.

  • خامسًا: إذا خاف بردًا باستعمال الماء ولم يجد ما يسخنه به تيمم وصلى.

لاحِظ هذا القيد: إذا خاف بردًا باستعمال الماء، إنسان مثلًا في البر، والبرد شديد، وأصابته جنابة مثلًا، فلو اغتسل لتضرر، فهنا ننظر: هل يمكن أن يسخن الماء أم لا؟

إذا أمكن تسخين الماء فليس له التيمم أبدًا، في وقتنا الحاضر الغالب أنه يمكن هذا، قد يكون في الزمن السابق نعم لا يمكن تسخين الماء، لكن في الغالب في الوقت الحاضر يمكن تسخين الماء، ولذلك؛ فإنه ليس للإنسان أن يتيمم لشدة البرد مع إمكان تسخين الماء، وهذه مسألة يتساهل فيها كثير من الناس، صحيح أنه قد وردت فيها أدلة؛ ومنها ما ذكر هنا: قول الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29]. قصة عمرو بن العاص لما احتلم في ليلة باردة، وأشفق على نفسه لو اغتسل، فتيمم وصلى بأصحابه، فذهب أصحابه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأخبروه، فدعا عمرو بن العاص  وقال: أصليت بأصحابك وأنت جنب؟. قال: يا رسول الله إني احتلمت، وأشفقت على نفسي، فتذكرت قول الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. فضحك النبي [5].

لكن انظر لقوة العزيمة عنده، يعني تيمم وصلى بأصحابه، وإمام لهم أيضًا، ومع ذلك أقره النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قد اجتهد في هذا.

لكن لو وَجَد الإنسان ما يسخن به الماء فليس له أن يتيمم، وهذه المسألة أؤكد عليها؛ لأنه يحصل فيها التساهل، ليس يعني إذا وجد الماء باردًا لجأ إلى التيمم مباشرة، لا، نقول: سخِّن الماء والحمد لله، واغتسل بهذا الماء أو توضأ بهذا الماء.

إذن: هذه الحالات الخمس التي ينوب فيها التيمم عن الماء.

فينبغي التنبه لها وألا يتساهل الإنسان في العدول للتيمم إلا عند وجود واحد من هذه الحالات الخمس كما ذَكَرتُ في أول المحاضرة أن بعض العامة يتساهلون في أمر التيمم، يتيممون لأدنى شيء، هذا غير صحيح، خاصة في زمننا الحاضر، ففي زمننا الحاضر -ولله الحمد- تيسرت الأمور على الناس، ليست كما كانت عليه الأمور من قبل، فالناس كانوا في الزمن السابق ربما لا يجدون الماء إلا بصعوبة، لكن في الوقت الحاضر الماء متيسر في كل مكان، ولذلك؛ لا يتساهل الإنسان ويعدل للتيمم إلا عند عدم وجود الماء، أما إذا أمكن أن يجد الماء فليس له أن يعدل للتيمم.

ما الحكم إذا وجد ماء يكفي لبعض طهره؟

إذا وجد ماء يكفي بعض طهره، يعني وجد ماء قليلًا يكفي مثلًا لغسل الوجه واليدين فقط فما الحكم؟

الجواب: يستعمله فيما يمكنه من أعضائه أو بدنه ويتيمم عن الباقي الذي قصر عنه الماء؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]. ولا يقول: إن هذا الماء لا يكفي ولذلك أعدل للتيمم مباشرة. بل يستعمل هذا الماء في الأعضاء التي يستطيع، ويتيمم عن الباقي.

وإن كان به جرح يتضرر بغسله أو مَسْحِه بالماء، تيمم له وغسل الباقي؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29].

أما إذا كان الجرح لا يتضرر بالماء مَسَح الضِّمَاد الذي فوقه بالماء، وكفاه المسح عن التيمم هذه مسألة سبق أن تكلمنا عنها.

بم يكون التيمم؟

ننتقل إلى مسألة: بأي شيء يكون التيمم؟

يكون التيمم بما تصاعد عن الأرض، يعني بما على وجه الأرض؛ من تراب وسبخة ورمل، كل ما تصاعد على وجه الأرض، وبهذا نقول: إنه لا يشترط أن يكون له غبار، حتى لو كان رملًا يصح التيمم به، وهذا هو القول الراجح من أقوال الفقهاء؛ لقول الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء: 43، المائدة: 6]، وكان النبي وأصحابه إذا أدركتهم الصلاة تيمموا بالأرض التي يصلون عليها ترابًا أو غيره، ولم يكونوا يحملون معهم التراب، وقد سافر النبي عليه الصلاة والسلام عدة مرات، ومن ذلك: سفره إلى تبوك في غزوة تبوك، وإذا سافر من المدينة إلى تبوك لا بد أن يمر بصحاري وبرمال ومَفَاوِز، ويقطع أنه لم يحمل هو ولا أصحابه التراب معهم، وإنما مروا برمال، فظاهر هديه عليه الصلاة والسلام أنه كان يتيمم في المكان الذي كان يمر به، فكل ما تصاعد على وجه الأرض يجوز التيمم به.

وبذلك لو كان مثلًا رمل ليس له غبار لك أن تتيمم به.

صفة التيمم

أما صفة التيمم: هو أن يضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه ويمسح كفيه براحتيه، ويعمم الوجه والكفين بالمسح.

أولًا: يفرج بين أصابعه حتى يستوعب جميع الأصابع، ثم يضرب الأرض بيديه مرة واحدة، ثم يمسح وجهه وكفيه.

بعض أهل العلم يقول: ظاهر كفيه وبعض أهل العلم، يقول: ظاهر كفيه وباطنهما، والأمر في هذا واسع، الذي يظهر أنه القدر الواجب: هو ظاهر الكفين، وإن مسح ظاهر الكفين وباطنهما فلا بأس بذلك، لكن يكفي ضربة واحدة، يعني بعض الناس عندما يضرب للتيمم يضرب خمس مرات ست مرات يظن أنها ما تكفي واحدة، هذا غير صحيح، مرة واحدة تكفي.

بعض الفقهاء يرى أن التيمم له ضربتان، لكن الحديث المروي في ذلك حديث ضعيف [6]؛ ولذلك تكفي ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه وكفيه.

هذه إذَنْ هي صفة التيمم.

مبطلات التيمم

يُبطِل التيممَ الحدثُ الأصغر، ومبطلات الوضوء، فمبطلات الوضوء يبطل بها التيمم، وقد سبق الكلام بالتفصيل عن مبطلات الوضوء؛ من البول والغائط وخروج الريح وأكل لحم الإبل.. إلى آخره، ويبطل التيمم عن حدث أكبر بموجبات الغسل؛ من جنابة وحيض ونفاس ونحو ذلك؛ لأن البدل له حكم المُبْدَل، فهو كالماء تمامًا.

ويبطل التيمم أيضًا: بوجود الماء، إن كان التيمم لعدم الماء، فمتى ما حضر الماء بطل التيمم، وسنتكلم بعد قليل عن هذه المسألة بشيء من التفصيل.

أيضًا: بزوال العذر الذي من أجله شرع التيمم من مرض ونحوه، لو أنه تيمم مثلًا لسبب مرض، ثم بعد ذلك شفي من هذا المرض، فحينئذ يبطل التيمم، ولا بد من أن يتوضأ.

حكم من عدم الماء والتراب أو عجز عنهما

من عدم الماء والتراب أو وصل إلى حال لا يستطيع معه لمس البشرة بماء ولا تراب، فإنه يصلي على حسب حاله بلا وضوء ولا تيمم؛ لقول الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]. ولقول النبي : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم [7]. يعني بعض الناس خاصة من تكون حوادثهم كبيرة، حوادث السيارة، أو حروق، أو نحو ذلك، لا يستطيع الوضوء، ولا حتى التيمم، وهذا موجود لو ذهبت إلى المستشفيات وجدت أناسًا من هذا القبيل، تجد أنه لا يستطيع لا الوضوء ولا التيمم.

هل يترك الصلاة من لا يستطيع الوضوء ولا التيمم؟

إذا كان لا يستطيع الوضوء ولا التيمم، فهل يترك الصلاة؟

لا، يصلي ولو بلا وضوء ولا تيمم، ولو أن يصلي بقلبه، الصلاة لا تسقط عن المكلف ما دام عقله معه، إلا في حالة واحدة فقط، الصلاة لا تسقط عن المكلف ما دام عقله معه مهما كانت إصابته، إلا في حالة واحدة فقط، ما هي هذه الحالة؟

تسقط في حالة واحدة عقله معه: المرأة إذا كانت حائضًا أو نفساء فقط.

هذه قاعدة: الصلاة لا تسقط عن المكلف ما دام عقله معه إلا في حالة واحدة، وهي: المرأة إذا كانت حائضًا أو نفساء، ما عدا ذلك فلا بد من إقامة الصلاة.

بعض الناس إذا كان في المستشفى تجد أنه لا يصلي، تقول له: لماذا لا تصلي؟

قال: أنا والله لست على طهارة، ولا أستطيع أن أتطهر، ولا أستطيع أن أتيمم، هذا ليس مبررًا لكونك لا تصلي، صلِّ على حسب حالك، إذا استطعت الوضوء توضأ، لم تستطع فتيمم، لم تستطع لا الوضوء ولا التيمم، فصَلِّ ولو بغير وضوء ولا تيمم، لم تستطع أن تستقبل القبلة صل ولو إلى غير القبلة، لم تستطع أن تأتي بأركان الصلاة بالقيام والركوع والسجود صَلِّ ولو بقلبك، لكن لا تدع الصلاة حتى يخرج وقتها، وهذا يؤكد لنا أن شرط الوقت أنه آكد شروط الصلاة.

لاحِظ، قد تسقط جميع الشروط وجميع الأركان مراعاة للوقت، يعني: هذه المسألة أيضًا مما قد يتساهل فيها بعض المرضى في المستشفيات، تجد أنهم لا يصلون تقول: لماذا لا تصلي؟ يقول: أنا والله ما أستطيع الوضوء، ما أستطيع التيمم، ما أستطيع أن آتي بكثير من أركان الصلاة. هذا ليس عذرًا، لا بد أن تصلي على حسب حالك، ولو بلا وضوء ولو بلا تيمم، ولو لم تأت بأكثر أركان الصلاة، ولو أن تصلي بقلبك، لكن بعض الناس يؤتى من قبل الجهل؛ فينبغي التنبه لهذه المسألة.

له الجمع إذا كان يلحقه الحَرَج بترك الجمع، أما إذا كان لا يلحقه الحرج فلا، يصلي كل صلاة في وقتها، لكن لو كان يلحقه الحرج بترك الجمع لو لم يجمع، جاز له الجمع، لكن من غير قَصْر.

حكم من تيمم لفقد الماء ثم وجده

من مسائل التيمم: أن من تيمم لفقد الماء ثم وجد الماء، لا يخلو من ثلاث حالات:

  • الحالة الأولى: أن يوجد الماء وهو يصلي، فهذا تبطل صلاته، ويجب عليه أن يتطهر بالماء، وأن يعيد الصلاة، كأن يكون قد بعث أحدًا لجلب الماء، ثم حضر هذا الذي بعثه ومعه الماء، فإنه تبطل صلاة المصلي بالتيمم ولو كان في التشهد الأخير، يعني: لو كان مثلًا يصلي صلاة العصر ثم حضر الماء قبيل أن يسلم، فتبطل صلاته ويتوضأ بالماء ويعيد الصلاة، وهذا باتفاق العلماء.
  • الحالة الثانية: أن يجد الماء بعد الفراغ من الصلاة، وبعد خروج الوقت، فصلاته صحيحة، ولا يجب عليه إعادتها باتفاق العلماء، وقد حكاه ابن المنذر رحمه الله إجماعًا، يعني: إنسان لم يجد الماء، فتيمم وصلى، وبعد أن خرج وقت الصلاة وجد الماء، فصلاته صحيحة ولا يجب عليه إعادتها.

فإذَنْ: الحالة الأولى والثانية: محل اتفاق بين العلماء، والحكم فيها واضح.

  • الحالة الثالثة، هي التي فيها الخلاف: أن يجد الماء بعد الفراغ من الصلاة وقبل خروج الوقت، يعني: إنسان بحث عن الماء فلم يجده لصلاة الظهر، بعد أن صلى وجد الماء، فهل يجب عليه إعادة الصلاة؟ هل يجب عليه أن يتوضأ وأن يعيد الصلاة؟ أو نقول: إن صلاتك بالتيمم صحيحة ولا يجب عليك إعادتها؟

قولان لأهل العلم، والقول الراجح: أنه لا تجب عليه الإعادة بل حتى ولا تستحب له في أرجح قولي الفقهاء.

ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبًا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يُعِد الآخر، ثم أتيا رسول الله ، فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السُّنة، وأجزأتك صلاتك. وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين [8]. وهذا الحديث إسناده صحيح، أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم والبيهقي والدارمي، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، فدل هذا الحديث على أن الإنسان إذا تيمم وصلى بالتيمم، ثم وجد الماء فلا إعادة عليه، بل لا ينبغي له أن يعيد؛ لأن النبي قال للذي لم يعد: أصبت السُّنة؛ فدل ذلك على أن عدم الإعادة من السُّنة، وأن الإعادة مخالفة للسُّنة.

إذن: هذه القصة وقعت في عهد النبي .

قال عليه الصلاة والسلام للذي لم يُعِد صلاته: أصبت السُّنة، وأجزأتك صلاتك. دل ذلك على أن السنة عدم الإعادة؛ لأنه قال: أصبت السنة. لكن الذي اجتهد وأعاد قال : لك الأجر مرتين؛ لأنه اجتهد، هذا دليل على أن الإنسان إذا اجتهد وأخطأ فإن الإثم عنه مرفوع.

لو قال إنسان: أنا أريد أن أعيد حتى أصيب الأجر مرتين، ماذا نقول له؟

نقول: أنت لست معذورًا، أما ذلك الرجل كان معذورًا، كان لا يعلم بالحكم، أما أنت الآن تعلم بالحكم تعلم بأن السنة عدم الإعادة، ولذلك لا تشرع الإعادة في هذه الحال؛ أن من تيمم وصلى، ثم حضر الماء، نقول: لا تشرع الإعادة، بل لا تستحب الإعادة له في هذه الحال.

متى يتيمم من يرجو وجود الماء؟

آخر مسألة معنا في التيمم:

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: يستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء، ذكره أبو الخطاب، وإن أَيِس من وجوده استحب تقديمه، وهذا هو مذهب مالك.

قال الموفق رحمه الله معللًا باستحباب تأخير التيمم لمن يرجو وجود الماء؛ لأنه يستحب تأخير الصلاة إلى ما بعد العَشاء وقضاء الحاجة؛ كي لا يذهب خشوعها وحضور القلب إلى ما بعد العَشاء.

يعني: إذا حضر العَشاء، وحضرت الصلاة فيستحب تأخير الصلاة إلى ما بعد العَشاء وقضاءِ الحاجة؛ كي لا يذهب خشوعها وحضور القلب فيها، ويستحب تأخيرها لإدراك الجماعة فتأخيرها لإدراك الطهارة المشترطة أولى.

فإذنْ: من كان يرجو وجود الماء فيؤخر الصلاة، إنسان مثلًا دخل عليه وقت صلاة الظهر، ويرجو أن يَحضُر الماء بعد ساعة أو ساعتين، يؤخر الصلاة لعله أن يتيسر الماء، ووقت الظهر يمتد إلى دخول وقت صلاة العصر، يعني وقت واسع، فإذا كان يرجو وجود الماء فيؤخر الصلاة إلى ما قبيل العصر، أما إذا كان لا يرجو وجود الماء فإنه يصلي في أول الوقت، وإذا كان يستحب تأخير الصلاة إذا حضر العَشاء يستحب تأخير الصلاة إلى ما بعد العَشاء، ويستحب تأخير الصلاة أيضًا إذا وُجد الأخبثان؛ الغائط والبول، وأيضًا تأخير الصلاة لإدراك صلاة الجماعة، فتأخيرها للطهارة المشترطة من باب أولى، فيؤخر الصلاة ما دام يرجو وجود الماء.

بهذا نكون قد انتهينا من أحكام ومسائل التيمم.

الأسئلة والأجوبة:

نعم، هنا لا يتيمم حتى لو فاتته الجماعة؛ لأن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة، والجماعة ليست شرطًا؛ وإنما هي واجبة، هنا لا يتيمم؛ وإنما يسخن الماء، وهو معذور بترك الجماعة في هذه الحال.

حتى كذلك أيضًا إذا أمكنه أن يتطهر قبل أن يخرج الوقت فَعَل، لكن إذا كان لا يمكنه حتى يخرج الوقت ننظر هنا؛ إذا كان معذورًا في التأخر فإنه ينتظر حتى يسخن الماء ولو خرج الوقت، لأنه معذور، لكن لو أنه كان غير معذور، وخشي خروج الوقت فهنا قد تعارض عندنا الآن شرط الطهارة وشرط الوقت، أيهما آكد؟ الوقت آكد، ولهذا؛ ذهب بعض أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، إلى أنه في هذه الحال يتيمم ويصلي؛ لأنه تعارض شرطان الوقت والطهارة، والوقت آكد من الطهارة، وجمهور العلماء على أنه يتطهر ثم يصلي ولو خرج الوقت.

هنا يُنظر للعرف ولقرائن الأحوال؛ إذا كان صاحب هذا المحل لو علم بهذا الرجل لم ينزعج منه ولم يتضايق، بل بعض الناس يفرح بكون أحد يأتي ويتوضأ من الماء الذي عنده، هنا لا بأس، أما إذا كان يخشى من انزعاجه ويخشى من أنه لا يرضى، فليس له أن يتوضأ بماء غيره حتى يستأذن منه؛ لأن الأصل حرمة مال المسلم، فهنا ينظر إلى العرف القائم، وإلى قرائن الأحوال.

إي نعم، صحيح، هذا موجود بكثرة، ولذلك ينبغي أن يشاع مثل هذه الأحكام في الناس، يعني التعجل في التيمم والعدول للتيمم من غير بحث عن الماء، أو ربما يكون الماء موجودًا، لا شك أن هذه مسألة كبيرة، فيها خطورة على أن الصلاة لا تصح أصلًا، لا تصح، فكون الإنسان يعدل إلى التيمم ولم يوجد سببه، فلا تصح الصلاة، إذا كان الماء موجودًا أو يمكن الوصول له بسهولة في الوقت، فليس له أن يعدل إلى التيمم؛ لأن الله تعالى قيد هذا، قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [النساء: 43، المائدة: 6]. فلا بد من البحث عنه حتى يقال إنه لم يجد، لكن ينبغي التنبيه على هذا، هذا صحيح نجده من العامة كثيرًا، التساهل في أمر التيمم، هذا كثير موجود في العامة، وموجود عند أهل البادية بكثرة، لكن ينبغي التنبيه على هذا، وأن هذا لا يجوز، وأنه لا تصح معه الصلاة؛ لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة.

الآن موجود التقاويم.

إلى أذان العصر، ما بينهما فاصل، وقت الظهر يمتد من أذان الظهر من زوال الشمس إلى دخول وقت صلاة العصر، وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس الوقت الضروري، والاختياري إلى اصفرار الشمس، وقت المغرب يمتد إلى دخول العشاء، لاحِظ، ما بينها فاصل كلها، وقت العشاء الضروري أيضًا يمتد إلى طلوع الفجر والاختياري إلى منتصف الليل، وقت الفجر هو فقط الوحيد الذي لا يتصل بالظهر، يعني: يكون إلى شروق الشمس.

لا، يكون للفريضة والنافلة، هو كالماء تمامًا، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43، المائدة: 6].

إذا وجدت الماء، نعم إذا صليت المغرب وقد غلب على ظنك أنك لا تجد الماء، فتيممت ثم صليت المغرب، فتصح الصلاة.

هنا تتوضأ لصلاة العشاء.

إذا وجد الماء بطل التيمم، طهارتك الأولى بالتيمم بطلت، وهذه من الفروق بين الطهارة بالتيمم والطهارة بالماء.

الطهارة بالماء تستمر حتى تُحدِث.

الطهارة بالتيمم حتى تحدث أو حتى تجد الماء، فبمجرد أن تجد الماء بطلت الطهارة، ولذلك؛ لو أن رجلًا -انتبهوا لهذه المسألة- لو أن رجلًا أجنب، احتلم مثلًا، ثم تيمم، ثم أتى البلد وفيها ماء، فيجب عليه أن يغتسل، لاحِظ، لماذا؟ لأنه لمَّا وجد الماء رجع الحدث لِمَا كان عليه من قبل، والحدث هنا حدث أكبر وهو الجنابة، فيجب عليه أن يغتسل متى ما وجد الماء.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 335، ومسلم: 521.
^2 رواه البخاري: 3339.
^3 رواه مسلم: 221.
^4 رواه مسلم: 249.
^5 رواه أبو داود: 334، وأحمد: 17812.
^6 وهو حديث: التيمم ضربتان. وينظر: السلسلة الضعيفة: 3427.
^7 رواه البخاري: 7288، ومسلم: 1337.
^8 رواه أبو داود: 338، والنسائي: 431، وابن ماجه: 558.