|categories

(4) أحكام الغسل

مشاهدة من الموقع

الأسئلة والأجوبة

حكم وضوء مس المرأة بشهوة

هناك من يسأل يقول: مس المرأة بشهوة، أليس مَظِنَّةً لخروج المذي؟

نقول: نعم، إذا خرج المذي فانتقض وضوؤه، لكنه إذا لم يخرج المذي، إنسان تحقق أنه لم يخرج منه شيء، فليس هناك دليل ظاهر يدل على أن مس المرأة يوجب الوضوء، أو ينتقض به الوضوء، ليس هناك دليل، ولهذا؛ فمس المرأة بشهوة أو بدون شهوة لا ينتقض به الوضوء.

وأما قول من قال: نقِيم المَظِنَّة هنا مُقام الحقيقة، هذا غير وارد هنا؛ لأنه هذا حكم شرعي يحتاج إلى دليل ظاهر، وقد ذكرنا أيضًا الحديث: أن النبي قبَّل بعض نسائه بعدما توضأ ثم صلى [1]، لكنه حديث ضعيف.

وبكل حال لم يرد دليل يدل على أن مس المرأة ينقض الوضوء؛ سواء كان بشهوة أو بدون شهوة.

وأما الآية الكريمة فقلنا: المقصود بقوله: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء: 43، والمائدة: 6]. يعني: الجماع.

هذه بعض الأسئلة التي وردت لنا عن طريق الإنترنت.

هل بقي من أسئلة؟

حكم المسح على الحذاء فوق الشراب

أحسنت هذا سؤال جيد.

يقول: لو أنه لبس الحذاء فوق الشراب فهل له أن يمسح على هذه الحذاء؟

نقول: هذا فيه تفصيل:

إذا كان لن يخلع هذه الحذاء؛ كما في بعض الإخوة العسكريين تكون عليهم ولا يخلعونها فلا بأس، حينئذ نعتبر الشراب مع الجزمة نعتبرها خفًّا، نعتبر كأنها خف واحد، فله أن يمسح، لكن بشرط ألا يخلع هذا الحذاء، أما إذا كان سوف يمسح ثم يخلع، فهنا لا يصح المسح، وغالب الناس يخلعون الحذاء في هذا، فمن كان يعلم من نفسه أنه سوف يخلع الحذاء إذا دخل المسجد، أو إذا وصل بيته سوف يخلعه، فهنا لا يمسح عليه، ولو مسح عليه لم يصح المسح، لكن لو عرف بأنه لن يخلعه فحينئذ يكون حكم الشراب مع الحذاء حكم الجورب، يعني كأنه جورب واحد، أو كأنه خف واحد، فيكون بهذا التفصيل.

حكم وضوء من خلع جوربه

هذه مسألة أيضًا مهمة، نحن لم نرد أن نفصل كثيرًا؛ لأنه مطلوب منا أيضًا الاختصار، حتى نغطي جميع مفردات المنهج، هذه مسألة اختلف فيها العلماء: إذا خلع الإنسان جوربه أو خفه هل تنتقض طهارته أم لا؟ يعني: إنسان لبس الجوربين وقد توضأ، ثم بعد مضي نصف يوم خلع الجوربين، فهنا هل تنتقض الطهارة؟ خلعهما مثلًا للتبرد أو لأي سبب؛ هل تنتقض الطهارة أم لا؟

بعض أهل العلم يرى أن الطهارة لا تنتقض؛ لأنه لم يرد دليل يدل على انتقاض الطهارة، والجمهور على أن طهارته تنتقض، وهذا هو القول الصحيح، وذلك؛ لأن الرِّجل الأصل أن فرضها الغَسل، لكن رُخص للمكلف في المسح ما دام الخفان أو الجوربان على الرجلين، فإذا خلع الجوربين عادت الرجل للأصل وهو الغسل، الغسل هنا غير وارد، لماذا غير ممكن؟ لفوات شرط الموالاة، فحينئذ تنتقض الطهارة، وهذا التعليل كما ترون تعليل قوي، ولهذا؛ فالصواب: هو أن خلع الجوربين تنتقض به الطهارة.

ثم أيضًا مثل هذه المسائل -يا إخوان- التي ليس فيها دليل صريح، دليل واضح؛ وإنما مبناها على النظر، ينبغي للإنسان أن يحتاط فيها، وهذا يدخل في قول النبي عليه الصلاة والسلام: دع ما يَرِيبك إلى ما لا يَرِيبك [2].

فبعض مسائل الخلاف قد تكون محسومة بالنص، يكون القول الراجح فيها ظاهرًا، لكن بعض المسائل يكون مبناها على النظر -كهذه المسألة- فتحتمل هذا وتحتمل ذاك، والترجيح ليس ظاهرًا، القول بأنها لا تنتقض ليس ترجيحه ظاهرًا، فلذلك؛ ينبغي للإنسان أن يحتاط في مثل هذه المسائل، خاصة في الوقت الحاضر يسر الله تعالى على الناس كثيرًا من أمورهم، ولذلك؛ ينبغي للإنسان أن يسلك مسلك الاحتياط في هذا.

السؤال: نقول على القاعدة: أنه ما يمسح على الخف إلا إذا تعدى الكعب؟

الجواب: نعم، دون الكعب لا يمسح عليه، إلا إذا كان تحته جورب، لو كان تحته جورب فيمسح عليه، بشرط أنه لا يخلع أيضًا الخف.

أنت الآن توضأت ولبست (البسطار) [3] هذا؟

نعم، لا بد أن تتوضأ من جديد.

لكن لما لبستها لبستها على طهارة واستمرت الطهارة معك؟ إذا استمرت الطهارة معك فما من إشكال، حتى لو خلعته لا تنتقض الطهارة؛ لأنه حتى الآن لم تبدأ مدة المسح على الخفين، لم يبدأ أثر الخفين حتى الآن، فأنت سواء لبستها أو ما لبستها، أنت الآن على طهارتك الأولى على الوضوء، وفي الوضوء غسلتَ رجليك، فحينئذ لو خلعت لا يضر، الكلام هنا لو خلعت بعد ابتداء المدة، وهذا هو الذي فيه الخلاف الذي أشرت إليه، لو خلعت الخفين بعد ابتداء المدة، أما قبل ابتداء المدة فما لها أي أثر.

أحكام الغُسل

ننتقل بعد ذلك إلى أحكام الغسل وهذا أيضًا باب من الأبواب المهمة التي يحتاج لها كل الناس تقريبًا.

تعريف الغسل وحكمه

الغُسل بضم الغين: هو استعمال الماء في جميع البدن على صفة مخصوصة.

وهو واجب بالإجماع، دل على وجوبه قول الله ​​​​​​​: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6].

وموجبات الغسل ستة: المقصود بالغسل هنا الغسل الواجب، وأما الغسل المستحب فلا نقصده بالبحث هنا، يعني من أنواع الأغسال المستحبة: غسل الجمعة، غسل الجمعة غسل مستحب، الاغتسال عند الإحرام غسل مستحب، هذه غير مقصودة هنا، لكن نقصد هنا الغسل الواجب.

موجبات الغسل

موجبات الغسل ستة أشياء، إذا حصل واحد منها وجب على المسلم الاغتسال:

  • الأول: خروج المني من مخرجه من الذكر أو الأنثى، يقظة أو منامًا، فإن كان يقظة فيشترط لوجوب الغسل وجود اللذة بخروجه، وبعضهم يعبر عن ذلك أن يكون دفقًا بلذة، ولكن لا حاجة لأن نقول دفقًا؛ لأنه لا يكون دفقًا إلا إذا كان بلذة، فإذَنْ لا حاجة لهذا القيد، يكفي أن نقول: إنه يشترط لخروجه أن يكون بلذة.

فإن خرج المني بدون لذة لم يوجب الغسل؛ كالذي يخرج بسبب المرض، أو عدم إمساك، أو نحو ذلك، أو مع شدة البرد، يتصل بعض الناس المستفتين يذكرون أنه يخرج منهم مني بدون لذة؛ بسبب بعض الأمراض، بعض أنواع الأمراض ربما تتسبب في خروج المني بدون لذة، فمثل هذا لا يوجب خروج هذا المني الغسل، وإنما الوضوء فقط.

يقولون أيضًا: مع شدة البرد قد يخرج المني بدون لذة، وهذا أيضًا لا يوجب الغسل.

إذَنْ: في حال اليقظة لا بد من وجود اللذة، أما في حال النوم، وهو ما يسمى بالاحتلام، فإذا خرج المني في حال النوم أوجب الغسل مطلقًا، وقولنا: مطلقًا يعني سواء كان بلذة أو بدون لذة، وذلك؛ لأن النائم قد لا يشعر باللذة، وقد يشعر بها وينساها، ولذلك؛ لا يشترط هذا الشرط، لكن يشترط لوجوب الغسل من الاحتلام أن يجد أثر المني في لباسه، حتى إذا وجد أثر المني بعد قيامه من النوم وجب عليه الاغتسال ولو لم يتذكر احتلامًا، يعني إنسان قام من النوم ووجد في ملابسه أثر مَنِيٍّ، فهنا يجب عليه أن يغتسل حتى ولو لم يتذكر احتلامًا.

طيب، لو كان العكس، لو تذكر احتلامًا ولم يجد أثرًا للمني؟ هل يجب عليه الاغتسال؟

لا يجب؛ العبرة إذَنْ بوجود الماء، ووجود أثر المني، والدليل لذلك: هو قول النبي لما سألته أم سليم رضي الله عنهما، قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق؛ فهل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: نعم، إذا رأت الماء [4]. فعلق النبي الاغتسال برؤية الماء، وهذا يشمل الرجل والمرأة.

فإذَنْ هذه مسألة مهمة، بعض الناس قد يتذكر أنه احتلم، وربما تذكر أشياءً من هذا القبيل، ثم يقوم ولا يجد أي أثر للمني، فهنا لا يجب عليه الغسل، بعض الناس العكس، يقوم ويجد أثر المني في لباسه ولا يتذكر أي احتلام، فهنا يجب عليه الغسل.

فالعبرة إذنْ َبوجود أثر المني؛ لهذا الحديث؛ لقوله : نعم، إذا هي رأت الماء. العبرة إذنْ برؤية الماء.

إذَنْ هذا هو الموجب الأول من موجبات الغسل.

  • الثاني: إيلاج الذكر في الفرج ولو لم يحصل إنزال، يعني مجرد الوطء، مجرد الإيلاج، موجب للغسل، حتى ولو لم يحصل معه إنزال، موجب للغسل على الزوجين؛ على الرجل والمرأة جميعًا، ويدل لذلك: حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم وغيره، أن النبي قال: إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم مس الختان الختان، فقد وجب الغسل [5]، وفي رواية: إذا مس الختان الختان، ثم جهدها فقد وجب الغسل، وإن لم ينزل [6]، فيجب إذَنْ الغسل على الواطئ والموطوءة بالإيلاج، ولو لم يحصل إنزال؛ لهذا الحديث.

وقد كان في أول الإسلام، كان في أول الأمر: أن الغسل لا يجب، وقد ورد فيه حديث: إنما الماء؛ من الماء [7].

ما معنى: إنما الماء؛ من الماء؟

يعني: إنما يجب الاغتسال بالماء؛ من خروج الماء، فكان في أول الأمر لا يجب الغسل بمجرد الإيلاج حتى ينزل، ثم نسخ ذلك بهذا الحديث وما جاء في معناه.

ولهذا؛ لما اختلف الصحابة بعد عهد النبي فيما بينهم في هذه المسألة، ذهبوا إلى عائشة رضي الله عنهما وسألوها، فذكرت لهم هذا الحديث؛ فاستقر رأي الصحابة عليه، هذه مسألة ربما أيضًا بعض الناس يجهلها، يظن أنه لا يلزم الغسل إلا إذا أنزل، هذا غير صحيح، مجرد الإيلاج يوجب الغسل حتى لو لم يحصل إنزال، وهو ما يسمى بالإكسال، يسميه الفقهاء بالإكسال، إذا حصل وطء وإيلاج من غير إنزال يسمونه بالإكسال، هذا كان في أول الأمر لا يوجب الغسل، ثم نسخ ذلك واستقر عليه رأي الصحابة أيضًا، فمجرد الوطء موجب للغسل حتى لو لم يحصل معه إنزال.

  • الثالث من موجبات الغسل عند بعض أهل العلم: إسلام الكافر، فإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل؛ لأن النبي  أمر بعض الذين أسلموا أن يغتسلوا.
    ويرى جمهور أهل العلم أن اغتسال الكافر إذا أسلم ليس واجبًا؛ وإنما هو مستحب؛ لأنه لم ينقل أن النبي كان يأمر باغتسال كل من أسلم، وقد أسلم في عهده عليه الصلاة والسلام نفر كثير، وفي عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة كانت الوفود تفد بالعشرات، وربما بالمئات على النبي ، وأصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، ولم ينقل عن النبي أمر كل من أسلم بالاغتسال، ولو كان واجبًا لأمر النبي كل من أسلم بالاغتسال، ولشاع ذلك وتواتر؛ لكثرة من يدخل في الإسلام، خاصة أن عام الوفود كان متأخرًا، في السنة التاسعة من الهجرة، ولذلك؛ فالصواب: أن اغتسال الكافر مستحب وليس واجبًا، فهذه المسألة أيضًا تقع، أحيانًا يأتي بعض غير المسلمين من الهندوس أو النصارى يعلنون إسلامهم في المسجد، ثم يريدون الوضوء من دورة مياه المسجد، ويصلون مع الناس هل نلزمهم بالغسل؟ نقول: لا تصلوا معنا حتى تغتسلوا؟ لا.

القول الراجح: نقول: فقط توضؤوا وصلوا مع الناس.

فإذَنْ: الصحيح: أن هذا الثالث ليس من موجبات الغسل؛ وإنما هو فقط يستحب اغتسال الكافر ولا يجب.

  • الرابع: من موجبات الغُسل: الموت. فيجب تغسيل الميت، وتغسيله فرض كفاية، إلا الشهيد في المعركة فإنه لا يغسل، شهيد المعركة الذي يقتل في حرب بين المسلمين والكفار لا يغسل ولا يكفن؛ وإنما يدفن في ثيابه حتى يلقى الله ​​​​​​​ بثيابه ودمائه؛ اللون لون الدم، والريح ريح المسك، غيره يجب تغسيله، وتغسيله من فروض الكفاية.
  • الخامس والسادس: الحيض، والنفاس؛ لقول الله ​​​​​​​: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة: 222]. فقوله: تَطَهَّرْنَ يعني: اغتسلن. فدل ذلك على وجوب الغسل عند انتهاء الحيض.

ولقوله عليه الصلاة والسلام: إذا ذهبت حيضتك فاغتسلي وصلي [8].

وهكذا أيضًا النفاس قياسًا على الحيض؛ لأنه إذا كانت المرأة يجب عليها الغسل للحيض فيجب عليها الغسل للنفاس من باب أولى.

هذه إذَنْ: هي موجبات الغسل، وتكون -بناء على القول الراجح- خمسة، إذا استبعدنا إسلام الكافر.

صفة الغسل

ننتقل بعد ذلك إلى صفة الغسل:

هناك صفة مجزئة، وصفة كاملة.

الصفة المجزئة

الصفة المجزئة: أن ينوي الاغتسال، ويعم جميع بدنه بالماء مرة واحدة، قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله: إذا عمَّ بدنه فقد أدى ما عليه، وهذا إجماع.

فلو أن إنسانًا أتى وعمَّ جميع بدنه بصنبور الماء، أو أنه انغمس في بركة فعمَّ جميع بدنه، أو في مسبح، فترتفع عنه الجنابة، ويجزئ ذلك الغسل، وهذا بالإجماع.

وهناك صفة كاملة، وهي التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، وأن يأتي بها، وهي مأثورة عن النبي ، وقد نقل هذه الصفة أزواجه عليه الصلاة والسلام، لعل هذه من حكم تعدد زوجات النبي ؛ لأنهن ينقلن للأمة أمورًا خاصة لا يطلع عليها غيرهن، فنَقَل أزواج النبي صفة اغتساله.

الصفة الكاملة

فالصفة الكاملة:

أولًا: النية أن ينوي بقلبه.

ثم يسمي؛ يقول: بسم الله.

كيف يسمي وهو جنب؟ هل يصح؟

نعم، الجنب ليس ممنوعًا من ذكر الله ​​​​​​​، هو ممنوع فقط من قراءة القرآن، أما التسمية والذكر والتسبيح والأذكار عمومًا، ليس الجنب ممنوعًا منها.

فإذَنْ يسمي؛ يقول: بسم الله.

ثم يغسل يديه ثلاثًا، يعني: كفيه، ويغسل فرجه وما أصابه، ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا، ثم يحثو الماء على رأسه ثلاث مرات، يُرَوِّي أصول شعره، وهذا لمن كان شعره طويلًا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان شعره طويلًا، وتربية أو تطويل الشعر، الصحيح: أنه ليس بسنة، وإنما يتبع الإنسان عادة أهل بلده؛ كلبس العمامة، ولبس الإزار والرداء، ونحو ذلك، هذه من العادات وليست من العبادات في أظهر أقوال أهل العلم.

فكان عليه الصلاة والسلام كان شعره طويلًا، ولذلك؛ نجد أن الصحابة كثير منهم شعورهم طويلة، فلذلك؛ نجد أن الفقهاء ينصون على إرواء أصول الشعر.

فإذَنْ: المقصود تعميم جميع الرأس بالماء ثلاث مرات، ثم بعد ذلك يعمُّ بدنه بالغسل مبتدئًا بشِقه الأيمن ثم شقه الأيسر، ويَدلُك بدنه بيديه؛ ليصل الماء إلى جميع بدنه.

هذه صفة الغسل الكامل.

لكن جاء في بعض الأحاديث: أن النبي لما توضأ أخَّر غسل رجليه [9]، يعني: توضأ ما عدا غسل الرجلين، وغسل رجليه بعد الفراغ من الغسل، يعني في آخر غسله، فحمل هذا كثير من أهل العلم على أنه لعل المكان الذي اغتسل فيه النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن نظيفًا، فإذا كان المكان ليس نظيفًا به طين ونحوه، فالأفضل أن يؤخر غسل رجليه إلى آخر الغسل، أما إذا كان الماء نظيفًا كما هو الحال عليه الآن، أكثر الناس يغتسلون في دورات مياه نظيفة، فهنا يتوضأ وضوءًا كاملًا، ولا حاجة لأن يؤخر غسل رجليه.

حكم نقض المرأة شعرها عند الغسل

إذا كان المغتسل حائضًا أو نفساء، فإنها يجب عليها أن تنقض شعرها شعر رأسها للغسل من الحيض والنفاس، إذا كان مربوطًا على شكل ضفائر، فيجب عليها أن تنقض شعر رأسها وأن تغسله.

وأما إذا كان اغتسالها من الجنابة فإنه لا يجب عليها أن تنقضه؛ لمشقة التكرار، ولحديث أم سلمة رضي الله عنها في هذا وهو في «صحيح مسلم»، أن النبي سئل عن المرأة تنقض -يعني: هل يلزمها أن تنقض شعرها للجنابة؟- فقال: لا، إنما يكفيكِ أن تحثي على رأسك ثلاث حَثَيَات [10].

جاء في رواية: «والحيضة» [11]، لكن هذه الرواية لا تصح من جهة الإسناد، تكلم عنها ابن القيم رحمه الله في “تهذيب سنن أبي داود”، وبين أنها لا تصح، وأنها رواية شاذة، وأن المحفوظ من الرواية: للجنابة.

ورجح ابن القيم رحمه الله، وانتصر للقول بالتفريق بين الجنابة وبين الحيض والنفاس، فقال: إذا كان الغسل للجنابة فإنه لا يلزمها أن تنقض شعر رأسها، لكن تُرَوِّي أصول شعر الرأس بالماء، يعني تفيض الماء على شعر الرأس، أما إذا كان للحيض أو النفاس فلا بد من نقض شعر الرأس، تكلم ابن القيم رحمه الله على هذا كلامًا طويلًا في “تهذيب سنن أبي داود”، وهذا هو القول الراجح في المسألة.

وبعض أهل العلم يرى أنه لا يلزمها أيضًا أن تنقض شعر رأسها، حتى في غسلها للحيض والنفاس، لكن بناء على هذه الرواية، وقلنا: إن الأقرب: أنها غير محفوظة، وأن المحفوظ: هو قوله: «للجنابة». فقط.

وبناء على ذلك: فيفرق بين اغتسال المرأة للحيض والنفاس، وبين اغتسالها للجنابة.

بهذا نكون قد انتهينا من أحكام الغسل، ونقف عند أحكام التيمم، نستفتح بها -إن شاء الله تعالى- درسنا بعد العيد إن شاء الله، وبقي معنا عشر دقائق نجيب فيها عما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة والأجوبة:

حكم الصلاة من الغسل المجزئ الذي ترتفع به الجنابة

نعم، أحسنت.

يقول الأخ: الغسل المجزئ ترتفع به الجنابة، فهل يصلي به من غير أن يتوضأ؟

نقول: نعم، يصلي به -على القول الراجح- إذا نوى ذلك، إذا نوى الوضوء؛ لأنه كما يقول الفقهاء: طهارتان: صغرى، وكبرى، دخلت الصغرى في الكبرى.

نعم، لكن على القول بوجوب المضمضة والاستنشاق، كما هو المذهب عند الحنابلة، يقولون: لا بد من أن يتمضمض ويستنشق، ولذلك؛ نقول: الأولى: أن يأتي بالصفة الكاملة، وأن يتوضأ في أول غسله، لكن هذا -يا إخوان- بالنسبة للغسل الواجب، أما الغسل المستحب، كغسل الجمعة، لا يجزئ عن الوضوء حتى لو نواه، فبعض الناس تجد أنه يغتسل للجمعة، ويذهب يصلي الجمعة مباشرة، وهو لم يتوضأ، وهذا لا تصح صلاته؛ لأن التعليل الذي ذكروه هو أن طهارة صغرى وكبرى، دخلت الصغرى في الكبرى، لا ينطبق على هذه المسألة، هذا أين الطهارة الكبرى؟ ما عندنا طهارة كبرى، عندنا غسل مستحب، ومن باب أولى، غسل التبرُّد أيضًا لا يجزئ عن الوضوء، إنما الذي يجزئ عن الوضوء هو الغسل الواجب، غسل الجنابة مثلا إذا أيضًا تمضمض واستنشق.

إذا عمَّ جسمه بقي المضمضة والاستنشاق، وهما واجبان، ولذلك أيضًا القول بالإجزاء محل نظر.

حكم غُسل الكافر إذا أسلم

س: أحسن الله إليك يا شيخ! بالنسبة لغُسل الكافر إذا أسلم، هل يقال إنه يؤمر بالغسل، ليس لمجرد دخوله في الإسلام، ولكن ربما أنه يغلب على الظن عليه جنابة؟

ج: نعم، هذا قال به بعض أهل العلم، قالوا: نأمره بالغسل؛ لأن الكافر لا يغتسل من الجنابة، ربما كان عليه جنابة، ولكن هذا محل نظر؛ لأن الذين أسلموا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كُثُر، دخل الناس في دين أفواجًا، كان في السنة التاسعة تأتي وفود كثيرة، وفود العرب، مع ذلك لم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالاغتسال مع أن هذا الاحتمال وارد، فدل ذلك على أن مثل هذا يتسامح فيه، والكافر لا ينظر لوضعه السابق في حال كفره، ولذلك؛ حتى عقود النكاح عندهم تصحح، لو أن رجلًا عقد على امرأة ثم أسلما جميعًا ما نجدد عقد النكاح، عقودهم الأولى في حال كفرهم صحيحة، ولذلك؛ قال ​​​​​​​: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد: 4]. مع أنهما كافران، فأثبت الله ​​​​​​​ النكاح، وأنها امرأة له، إذا كان هذا فيما يتعلق بالفروج والأبضاع، فما بالك بما هو أقل من هذا؟!

فلذلك الصواب: أن مثل هذه المسألة لا تؤثر، وأن غسل الكافر مستحب إذا أسلم، أنه مستحب وليس واجبًا.

نعم هو المني، القول الصحيح: أنه طاهر وليس نجسًا، مرت معنا هذه المسألة في درس سابق، قلنا: القول الصحيح: أنه طاهر وليس نجسًا؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت تحُكُّه وتَفرُكه، لو كان نجسًا لما اكتفى عليه الصلاة والسلام فيه بالفرك والحك، ولأنه أصل الإنسان فيبعد جدًّا أن يكون نجسًا، فهو لا إشكال في طهارته، هو طاهر حتى لو أصاب اللباس، لكن بعض الناس لا يفرق بين المَنِيِّ والمَذْي، وأنا وجدت هذا، أن بعض الأسئلة التي ترد، تُشْكِل عليه مسألة المَنِيِّ والمَذْيِ والوَدْيِ، فتستغرب كيف إنسان لا يعرف المني؟! نعم بعض الناس تلتبس عليه هذه المسألة فيسمي بعضهم المذي منيًّا، خاصة بعض العامة يسمون المذي منيًّا، أو يظن أنه خرج منه مني، وهو في الحقيقة لم يخرج منه مني؛ وإنما خرج منه مذي أو خرج منه ودي، لكن أحيانًا يصف هذا بأنه كذا، ولذلك؛ ينبغي عند الاستفتاء أن يصف ما خرج منه، لا يسميه، خرج مني سائل كذا وكذا؛ لأنه ربما إذا وصفه، وقال بأنه مني مثلًا ضلل بهذا المفتي فيفتيه المفتي بناء على سؤاله، فأقول: هذه المسائل فبعض الناس ما يفرق التفريق الدقيق بينها.

فعندنا: المني لا بد في خروجه أن يكون بلذة إذا كان يقظةً، وأيضًا هو مختلف عن المذي اختلافًا كبيرًا، المذي يكون سائلًا قليلًا، ويكون لزجًا، بخلاف المني فإنه يكون غليظًا، ويكون أكثر من المذي بكثير، وكلاهما مرتبط بالشهوة، بينما الوَدْي يخرج بدون شهوة فلا بد من مراعاة هذه الفروق الدقيقة.

لا بد من الإيلاج، مجرد الملامسة لا توجب الغسل، ولذلك؛ قالوا: لا بد من الإيلاج الكامل، فإذا حصل هذا وجب الغسل ولو لم يحصل معه إنزال.

كذلك أيضًا لا يُغَسل، ولا يُكَفن، ولا يُصلَّى عليه، وذلك لعظيم مقامه، وأما ما رُوي من أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على شهداء أحد، وهذا كان بعد غزوة أحد بثمان سنين، ليس على صفة الصلاة المعهودة؛ وإنما دعا لهم كالمودع عليه الصلاة والسلام للأموات وللأحياء، ولذلك؛ هم ليسوا بحاجة لأن يصلى عليهم؛ لأن مقامهم عظيم، والله تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وحُطَّت عنهم جميع ذنوبهم ما عدا الدَّين، فهم ليسوا بحاجة لهذه الصلاة.

هو يبدأ أولًا: يغسل كفيه، ثم يغسل فرجه، ثم يتوضأ، ثم بعد ذلك يغسل رأسه، يضع رأسه تحت مثلًا دُش الماء، ويغسل رأسه ثلاث مرات، ثم يصب الماء على شقه الأيمن ثم الأيسر، بالإمكان حتى مع وجود هذه الوسائل الحديثة، لا مانع من تطبيق هذه الصفة الكاملة حتى مع وجود الوسائل الحديثة، بل ربما الآن أيسر من ذي قبل.

إي نعم، إذا عمم الماء على جميع بدنه أجزأ، إذا تمضمض واستنشق.

س: إذا اغتسل يوم الجمعة وعليه جنابة، ما كفاه غسل الجمعة، توضأ، ما يصير فيها وسواس؟

ج: أقول: لا بد إذا اغتسل الجمعة فقط، فيتوضأ لا بد أن يتوضأ.

السائل: وعليه جنابة طبعًا.

الشيخ: إذا كان عليه جنابة، إذا أراد أن يتوضأ فهو أولى، إما أن يتوضأ في أول الوضوء أو بعد الاغتسال، بل حتى أيضًا المسألة كونهما طهارتان: صغرى وكبرى، دخلت الصغرى في الكبرى أيضًا ليست محل إجماع، ما يدخل هذا في الغسل؛ لأن الأصل في المسلم أنه إذا أراد أن يصلي لا بد أن يتوضأ، لكن هذا من باب الرخصة إذا اغتسل، لعلها تكفي معه المضمضة والاستنشاق، لو أراد أن يحتاط، وقال: لا، لا بد أن أتوضأ هذه صلاة سوف أصليها، هذا طيب، هذا فيه نوع احتياط، ولكن هو إذا أتى بالصفة الكاملة لا بد أن يتوضأ في أول الغسل، ولذلك؛ لا نحتاج لهذا الكلام كله، إذا أتى بالصفة الكاملة هو سوف يتوضأ في أول الغسل ويكفي، هذا توضأ في أول غسله.

لا بأس، هذا بالعكس يكون قد احتاط؛ لأن إشكالية المضمضة والاستنشاق مسألة خلافية أيضًا، وقد يمس ذكره أيضًا أثناء الاغتسال، ومس الذكر ينقض الوضوء عند بعض العلماء، حتى ولو بغير شهوة، هو يريد أن يخرج من هذه الإشكالات كلها، ويريد أن يتوضأ، لا حرج في هذا، حتى بعد الصفة الكاملة لو توضأ لكن من باب الاحتياط، فهذا لا بأس به، الذي يظهر أنه لا بأس به، لأن المسألة ليس فيها نص صريح حتى نقول: لا يشرع له أن يتوضأ، فلو أراد أن يتوضأ احتياطًا؛ لأن الله تعالى أمر بالوضوء عند القيام والصلاة فهذا لا بأس به.

حكم النائم إذا رأى المني على ثيابه

السائل: مسألة المحتلم، إذا احتلم وهو نائم، ثم رأى المني، الآن المني إذا كان من احتلام مع خروجه يوجب الغسل، إذا كان خرج مني ووجد المني لكن ما احتلم، المسألة هذه هل هي مسألة خلافية؟ لأني سمعت من أحد العلماء في الحج يقول أنه إذا وجد المني من غير احتلام لا يوجب الغسل؟

الشيخ: لكن بلذة أم بدون لذة؟ قد يكون -كما ذكرنا- لمرض، لشدة برد، ممكن، أما إذا كان خرج بلذة فهذا بالإجماع يوجب الغسل، لكن لعل مقصوده أنه إذا كان خرج في حال اليقظة لمرض مثلًا، وهذا يحصل عند بعض الناس لمرض، يصبح ما يستمسك عنده الذكر، يخرج حتى المني منه، هذا لا يوجب الغسل صحيح، أما إذا خرج بلذة في حال اليقظة فهذا بالإجماع يوجب الغسل.

حكم من وجد أثر المني ولم يذكر احتلامًا

السائل يقول: يا شيخ، رجل كان نائمًا في المقام، ووجد آثار ماء على ملابسه، ولكن لم يذكر احتلامًا؟

الشيخ: لكن وجد أثر مني؟

السائل: وجد أثر مني.

الشيخ: يجب عليه أن يغتسل.

السائل: رد عليه الشيخ قال: لا يوجب الغسل.

الشيخ: لا، لا، هذا يجب عليه أن يغتسل، لكن بعض الناس -يا إخوة كما قلت لكم- يشتبه عليه المني بغيره، بعض الناس يجد رطوبة ويظن أنها مني فغير صحيح، المني له صفة معينة، فهذا قد يكون عند بعض الناس الذين عندهم وسوسة، يجد أدنى رطوبة ويظن أو يشك أنها مني فيغتسل، لكن إذا تحقق من أنه مني فلا بد أن يغتسل، وهذا بالنص قال: نعم، إذا هي رأت الماء [12]. إذا رأى الماء لزمه الغسل.

نعم، الآن الناس يلبسون الشراب، والشراب ليس من الجلد، وذكرنا هذا، وذكرنا أيضًا أن المسألة فيها خلاف، في الدرس السابق، ولكن الصحيح: أنه لا فرق بين الجورب وبين الخف، فيمسح على الجورب مع أنه مصنوع من غير الجلد، بل جاء في بعض الروايات: أن النبي مسح على الجوربين [13]، لكن الحديث فيه ضعف في إسناده، لكن القياس واضح هنا إذا جاز المسح على الخفين؛ لأجل رفع المشقة والحرج، فكذلك أيضًا يجوز المسح على الجوربين، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

والسلام عليكم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الترمذي: 86، وابن ماجه: 502، وأحمد: 25766.
^2 رواه الترمذي: 2518، والنسائي: 5727.
^3 البسطار: حذاء طويل الساق.
^4 رواه البخاري: 130، ومسلم: 313.
^5 رواه البخاري: 291، ومسلم: 348.
^6 رواه مسلم: 348.
^7 رواه مسلم: 343.
^8 رواه مسلم: 333.
^9 رواه البخاري: 260.
^10, ^11 رواه مسلم: 330.
^12 سبق تخريجه.
^13 رواه أبو داود: 159، والترمذي: 99، وابن ماجه: 559.
مواد ذات صلة
  • عناصر المادةتعريف الغسلانتقال المنيخروج المني بعد الاغتسال بلا لذةخروج المني من مخرجه ولو دمًا، ويشترط أن يكون بلذةخروج المني من…