الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(6) باب الوضوء- من قوله: “تجب فيه التسمية وتسقط سهوًا..”
|categories

(6) باب الوضوء- من قوله: “تجب فيه التسمية وتسقط سهوًا..”

مشاهدة من الموقع

قال المؤلف رحمه الله:

باب الوضوء

باب الوضوء.

تعريف الوضوء

الوضوء في اللغة معناه: النظافة، مأخوذ من الوضاءة، وهي النظافة والحسن.

وشرعًا، أحسن ما قيل في تعريفه: التعبد لله تعالى بغسل أعضاء مخصوصة، على صفة مخصوصة.

ويقال: الوُضوء بضم الواو، والوَضوء بفتح الواو، وهذه المسألة تكررت معنا كثيرًا في الدروس السابقة، ولها نظائر: الطَّهور والطُّهور، والسَّحور والسُّحور، فمن يبين لنا الفرق بين الوُضوء والوَضوء؟

الوَضوء: اسم للماء الذي يتوضأ به، والوُضوء: هو الفعل، ومثل ذلك الطَّهور: اسم للماء الذي يتطهر به، والطُّهور: الفعل، السحَّور: اسم لما يتسحر به، السُّحور: التسحر، وهكذا.

هل الوضوء من خصائص هذه الأمة؟

جاء في قصة سارَّة زوج إبراهيم الخليل عليه السلام أنه لما هم بها الملك قامت فتوضأت وصلَّت وهذا الحديث في الصحيح، فقوله: قامت فتوضأت وصلَّت [1] دليل على أن الوضوء كان معروفًا عندهم.

أيضًا جاء في قصة جريج العابد الذي انقطع للعبادة، وذكر بنو إسرائيل عبادته فقالت امرأة من بني إسرائيل بغي يتمثل بحسنها: والله لأفتننه، فقالوا: لا تستطيعين، فذهبت إليه وتعرضت له، ولكنها لم تستطع أن تفتنه، فذهبت إلى راعٍ يرعى الغنم فأمكنته من نفسها، فوقع بها فحملت وولدت، وقالت: إنه من جريج، فأتوا إليه وهدموا صومعته وضربوه، “وقام وتوضأ وصلى ركعتين” وهذا هو محل الشاهد، “ثم أتى إلى هذا الغلام وطعنه بأصبعه في بطنه، قال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فجعلوا يقبِّلونه ويتمسحون به، ويقولون: نعيد لك صومعتك ذهبًا، فقال: لا، أعيدوها كما كانت” [2].

الشاهد: أنه قام وتوضأ، هذا دليل على أن الوضوء كان معروفًا في الأمم السابقة.

ولذلك نقول: إن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وإنما الذي ورد أنه من خصائص هذه الأمة هو الغرة والتحجيل، كما دل لذلك عدة أحاديث، منها قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء [3]، وجاء في رواية مسلم: سيما ليست لأحد غيركم [4]؛ والغرة: هي بياض في الوجه، والتحجيل: بياض في اليدين والرجلين، وهذه الأدلة تدل على أن الغرة والتحجيل من خصائص هذه الأمة؛ ولهذا يعرف النبي أمته بهذه العلامة.

حكم التسمية في الوضوء

ابتدأ المؤلف أولًا بالتسمية.

تجب فيه التسمية وتسقط سهوًا.

تجب في الوضوء التسمية هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة أنها تجب مع الذكر؛ ولهذا المؤلف قال: “تجب فيه التسمية وتسقط سهوًا” وصاحب زاد المستقنع قال: “تجب التسمية في الوضوء مع الذكر” فالمشهور من المذهب أن التسمية واجبة مع الذكر.

واستدلوا لذلك بحديث أبي هريرة أن النبي قال: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه [5] وهذا الحديث أخرجه أبو داود وأحمد والدارقطني والحاكم، والحديث سنده ضعيف، لكن بعض العلماء ذكر له طرقًا وشواهد، وحسنه الحافظ العراقي، وحسنه الألباني في “إرواء الغليل”، لكن الإمام أحمد لما سُئل قال: “لا يثبت في هذا الباب شيء”، والإمام أحمد معروف منزلته في علم الحديث، هو إمام، إذا قال: لا يثبت في هذا الباب شيء، فلا شك أن هذه الكلمة معتبرة؛ ولهذا فالأقرب: أن هذا الحديث ضعيف، أن هذا الحديث لا يثبت، والطرق التي ذكرت طرق ضعيفة، فلا تقوى أن يقوي بعضها بعضًا.

ومع ذلك على تقدير ثبوته، فيحمل على أن المقصود لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه، جمعًا بينه وبين الأحاديث الأخرى، وهذا يقودنا على مسألة وهي حكم التسمية في أول الوضوء: فالمشهور من مذهب الحنابلة أنها واجبة مع الذكر، وذهب أكثر العلماء إلى أنها مستحبة، والحنابلة استدلوا بحديث أبي هريرة الذي ذكرناه، وجمهور العلماء استدلوا بأن الواصفين لوضوء النبي لم يذكروا أنه سمّى، وقد وصفوا وضوء النبي وصفًا دقيقًا، وهكذا وصفوا صلاته، حتى إنهم ذكروا اضطراب لحيته، فإذا كانوا قد نقلوا أمورًا دقيقة من إشارة إصبعه واضطراب لحيته، فإنه لو كان سمى عند أول الوضوء لنقل ذلك ولو في حديث واحد، لكن أن تكون جميع الأحاديث لم يرد فيها ولو في رواية واحدة أنه سمى، هذا دليل على أن التسمية ليست واجبة، وهذا القول هو الأقرب والله أعلم.

قول الجمهور هو الأقرب أن التسمية مستحبة وليست واجبة، فإن حجتهم التي ذكروها قوية، والحديث الذي استدل به الحنابلة حديث ضعيف، ولو صح فيحمل على أن المقصود لا وضوء كامل جمعًا بينه وبين ما استدل به الجمهور، هذا هو التحقيق في هذه المسألة.

ولهذا تجد أن الحنابلة أنفسهم لما قالوا: “تجب التسمية في الوضوء” قالوا: إنها مع الذكر، أو قالوا: تسقط سهوًا، رجعوا واستثنوا هذا، وهذا مما يضعف هذا القول.

وإن ذكرها في أثنائه ابتدأ.

يعني: ابتدأ بالتسمية، ويحتمل أن يكون مقصود المؤلف ابتدأ الوضوء من أوله، باعتبار أن التسمية واجبة عندهم، ولكن على القول الراجح نقول: هي مستحبة حتى لو لم يسم فالوضوء صحيح.

فروض الوضوء

ثم انتقل المؤلف إلى فروض الوضوء.

الفروض: جمع فرض، والفرض في اللغة يطلق على معان منها: الحز والقطع.

وفي الشرع: هو ما أثيب فاعله وعوقب تاركه، فيكون بهذا مرادفًا للواجب، هل هناك فرق بين الفرض والواجب؟ هل هناك فرق بين القول بفروض الوضوء وواجبات الوضوء؟ فروض الصلاة وواجبات الصلاة؟ فروض الحج وواجبات الحج؟ أو أنه بمعنى واحد؟

جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة على أنه بمعنى واحد، لكن الحنفية هم الذين يفرقون، فيقولون: الفرض عندهم: ما كان ثابتًا بدليل قطعي الثبوت والدلالة، والواجب: ما ثبت بدليل ظني الثبوت والدلالة، يعني عكسه.

يبني على هذا أن قراءة الفاتحة عندهم ليست فرضًا إنما واجبة؛ لأنها إنما ثبت وجوبها بأحاديث أخبار آحاد، وهي عندهم ظنية الثبوت والدلالة؛ لكن قراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة عندهم فرض؛ لأنها ثبتت بدليل قطعي الثبوت والدلالة، وهو قول الله تعالى: فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20].

على كل حال هذه مسألة أصولية والأقرب فيها هو قول الجمهور، وأنه لا فرق بين الفرض والواجب، لكن مراد المؤلف هنا والفقهاء بقولهم: فروض الوضوء، يقصدون بها أركان الوضوء، وهذا من تعبيرات بعض الفقهاء التي يطلقون بها الفرض على الركن، والركن على الفرض، ونجد ذلك في بعض أبواب الفقه، فالمقصود إذًا بهذه الفروض هي أركان الوضوء.

الفرض الأول: غسل الوجه

وفروضه ستة: غسل الوجه.

والأصل في فروض الوضوء هو قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المْرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]؛ فذكر الله تعالى في هذه الآية الأعضاء الواجب غسلها.

قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ابتدأ الله تعالى بغسل الوجه؛ ولهذا المؤلف هنا ابتدأ في فروض الوضوء بغسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق.

والغسل معناه: أن يجري الماء على العضو، وبناءً على ذلك من بلل يده بالماء ومسح بها وجهه لم يكن بذلك غاسلًا، تجد بعض الناس يأخذ ماءً أو منديلًا أو نحوه ويمسح العضو، هذا مسح في الحقيقة ليس غسلًا، لا بد من جريان الماء على العضو، أما مجرد أن الماء يمس العضو من غير جريان هذا ليس غسلًا، وهذا يحصل من بعض الناس بدعوى الاقتصاد في الوضوء، وعدم الإسراف، لكن لا بد من جريان الماء على العضو، إذا لم يجر الماء على العضو هذا ليس غسلًا هذا مسح، فينبغي التنبه لهذه المسألة، فهذا هو الضابط في الغسل، معنى الغسل: جريان الماء على العضو.

وأما الوجه: فهو ما تحصل به المواجهة، وحده طولًا: من منابت شعر الرأس المعتاد إلى أسفل اللحية، وبعضهم يعبر إلى الذَّقَن، من منابت شعر الرأس المعتاد إلى الذَّقَن، وقلنا: المعتاد، احترازًا من الأصلع أو الأقرع، فمن منابت الشعر المعتاد خلقة إلى الذَّقَن أو إلى أسفل اللحية، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، هذا هو حد الوجه.

والواجب غسلة واحدة، ويستحب ثلاث غسلات.

حكم المضمضة والاستنشاق

ومنه المضمضة والاستنشاق.

أفاد المؤلف بأن المضمضة والاستنشاق واجبان، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات، سبق أن مر بنا هذا المصطلح ماذا نعني بلفظ المفردات؟ مر معنا في الدرس السابق.

يعني: انفرد به المذهب الحنبلي عن بقية المذاهب الحنفية والمالكية والشافعية، والقول بوجوب المضمضة والاستنشاق هو من المفردات.

والقول الثاني: أنها مستحبة، وهو قول الجمهور.

استدل الحنابلة بوجوب المضمضة والاستنشاق بعدة أحاديث، منها: ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر [6] وهو من أحاديث عمدة الأحكام.

قوله: ثم لينتثر هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

وجاء في حديث لقيط بن صبرة عند أصحاب السنن وهو حديث صحيح أن النبي قال: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [7]، وجاء في رواية عند أبي داود: إذا توضأت فمضمض [8]، قال الحافظ في الفتح: إسنادها صحيح.

وقال ابن القيم في الهدي: ولم يتوضأ النبي إلا تمضمض واستنشق، ولم يحفظ عنه أنه أخل بهما مرة واحدة، والجمهور يحملون هذه النصوص على الاستحباب، يقولون: لو كانت المضمضة والاستنشاق واجبة لذكرها الله تعالى.

لكن نقول: إنهما داخلان في الوجه؛ ولهذا فالأقرب هو ما ذهب إليه الحنابلة من وجوب المضمضة والاستنشاق، هذه الأحاديث تدل دلالة ظاهرة على وجوب المضمضة والاستنشاق؛ لأن فيها أمرًا، والأمر يقتضي الوجوب؛ ولأن الأنف والفم داخلان في الوجه، والله تعالى قد أمر بغسل الوجه، فالأقرب هو وجوب المضمضة والاستنشاق.

الفرض الثاني: غسل اليدين مع المرفقين

وغسل اليدين مع المرفقين.

هذا هو الفرض الثاني، وسبق أن عرفنا الضابط في الغَسل وهو جريان الماء على العضو.

واليدين: تثنية يد، واليد إذا أطلقت فالمراد بها الكف؛ ولهذا قال الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، ومن المعلوم أن السارق إنما تقطع يده من مفصل الكف، ولكن بين المؤلف أن هذا ليس مرادًا؛ ولهذا قال المؤلف: “مع المرفقين”، فإن اليد هي في الأصل إذا أطلقت فالمراد بها الكف إلا أنه قد يراد بها الكف مع الذراع والمرفق، وهذا هو المقصود هنا، عند وجود القرينة، وقد وجدت القرينة هنا؛ ولذلك فالمقصود هنا باليد الكف مع الذراع والمرفق.

والمرفق: هو المفصل الذي بين العضد والذراع، فهذا يغسل مع الذراع والكف، والدليل على ذلك هو فعل النبي فإنه قد جاء في حديث أبي هريرة أن النبي كان إذا توضأ غسل يديه حتى أشرع في العضد [9]؛ معنى ذلك أنه سوف يغسل المرفقين؛ لأنه لن يشرع في العضد حتى يغسل المرفقين، فهذا يدل على أن معنى قول الله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المْرَافِقِ [المائدة:6] يعني: مع المرافق، وقد فسر هذا النبي بفعله.

وننبه هنا إلى أمرين:

الأمر الأول: أن بعض الناس يتساهل في غسل المرفق؛ لأن بعض الناس يستعجل في الوضوء، فيغسل اليد والذراع، ويتساهل في غسل المرفق، ومثل هذا ما حكم وضوئه؟ من يجيب؟ هذا يحصل من بعض الناس، يستعجل ويتوضأ، ولا يغسل مرفقه.

وضوؤه غير صحيح، لا يصح وضوؤه، وإذا كان النبي أمر رجلًا أن يعيد الوضوء والصلاة؛ لأنه ترك قدر الظفر فقط لم يصبه الماء، فما بالك بمن ترك المرفق؟

الأمر الثاني: الذي أحببت التنبيه إليه: هو أن بعض الناس في أول الوضوء يغسل يديه، يغسل كفيه، لكن عندما يأتي لمحل الفرض بعد غسل الوجه، يغسل الذراع والمرفق، ولا يغسل الكف باعتبار أنه غسلها في أول الوضوء، وهذا وضوؤه غير صحيح؛ لأنه لم يغسل جزء من اليد وهو الكف، أما غسله في أول الوضوء هذا مستحب ليس واجبًا.

فتجد بعض الناس يضع الذراع تحت صنبور الماء، يغسل الذراع، ويغسل المرفق، لكن لا يغسل الكف باعتبار أنه غسلها في أول الوضوء، وهذا وضوؤه غير صحيح، وصلاته غير صحيحة؛ لأنه ترك جزءًا كبيرًا من اليد وهو الكف، كما ذكرنا أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر رجلًا أن يعيد الوضوء؛ لأنه ترك قدر الدرهم أو قدر الظفر لم يصبه الماء [10]، فكيف بمن ترك الكف؟ وغسله في أول الوضوء لا يكفي؛ لأن غسله في أول الوضوء مستحب ليس واجبًا، فينبغي التنبه والتنبيه على هذه المسألة؛ لأن بعض العامة يخطئ فيها.

الفرض الثالث: مسح الرأس

ومسح الرأس.

هذا هو الفرض الثالث.

ومسح الرأس كله.

 وسبق أن فرقنا بين المسح والغَسل، قلنا: الغسل هو جريان الماء على العضو، والمسح لا يحتاج إلى جريان، بل يكفي أن يغمس يده في الماء، ثم يمسح بها رأسه مبلولة.

حكم مسح جزء من الرأس

وهنا أفادنا المؤلف بقوله: “كله” بأن الواجب مسح جميع الرأس، ومفهوم كلام المؤلف أنه لو اقتصر على مسح بعض الرأس أن ذلك لا يجزئ، وهذا هو المذهب.

والقول الثاني في المسألة: أنه يجزئ مسح بعض الرأس، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، واستدلوا بقول الله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ قالوا: إن الباء للتبعيض.

ولكن القول الصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الحنابلة من أنه يجب مسح جميع الرأس، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، بل نصره شيخ الإسلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ليس في القرآن ما يدل على جواز مسح بعض الرأس، والذين نقلوا وضوء النبي لم ينقل أحد قط أنه اقتصر على مسح بعض رأسه” وقال ابن القيم: “لم يصح عن النبي في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه ألبتة، ولكنه كان إذا مسح بناصيته كمَّل على العمامة”.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني من قول الله تعالى: بِرُؤُوسِكُمْ أي: ببعض رؤوسكم فإن هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن الباء لا تأتي أصلًا في اللغة العربية للتبعيض، أهل اللغة يقولون: ما في شيء اسمه باء للتبعيض، لا تأتي للتبعيض، وأعطونا شيئًا يدل على أن الباء تأتي للتبعيض، ما تأتي الباء في اللغة العربية للتبعيض، وإنما المقصود بالباء هنا الإلصاق، يعني أتت للإلصاق، يعني المقصود أن الإنسان يلصق يديه عندما يمسح برأسه.

ولهذا فالصواب لا بد من مسح جميع الرأس، وسنبين إن شاء الله في صفة الوضوء كيفية ذلك، وهو أنه يبدأ بمقدمة رأسه إلى مؤخرة رأسه، يُقبل بهما ثم يدبر مرة أخرى، هذه الصفة الكاملة، لكن لو مسح مرة واحدة أجزأ، وسنبين الصفة المجزئة والصفة الكاملة في مسح الرأس في الدرس القادم إن شاء الله.

حكم مسح الأذنين

ومنه الأذنان.

يعني: ومن الرأس الأذنان، تكون الأذنان من الرأس، وبناء على ذلك يكون مسح الأذنين واجبًا، وقد ورد من حديث أبي هريرة أن النبي قال: الأذنان من الرأس [11] وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وله شواهد متعددة، وهو حديث صحيح.

والأذنان يمسح باطنهما وظاهرهما، يمسح باطنهما بأصبعيه السبابتين هكذا…، وظاهرهما بالإبهامين، وننبه أن بعض الناس لا يمسح ظاهر الأذنين، بل يمسح باطنهما، هل هذا يصح وضوؤه؟

الظاهر أنه يصح وضوؤه؛ لأنه أتى بالقدر الواجب، فمسح ظاهر الأذنين مستحب، وأما باطن الأذنين فواجب، وسنبين إن شاء الله في الدرس القادم أيضًا هل الأفضل أن يمسح الأذنين بالماء الذي مسح به الرأس، أو يأخذ ماء جديدًا، هذا سوف نبينه إن شاء الله بالتفصيل في الدرس القادم عندما نتكلم عن صفة الوضوء.

الفرض الرابع: غسل الرجلين مع الكعبين

وغسل الرجلين مع الكعبين.

الغَسل: بينا المقصود به وهو جريان الماء على العضو.

الرجلين: تثنية رِجل، والرِّجل عند الإطلاق لا يدخل فيها العقب؛ ولهذا فإن قطاع الطريق عندما تقطع أرجلهم تقطع من المفصل الذي بين العقب، وظهر القدم، ولكن دلت الآية على دخول الكعبين؛ لأنه الله تعالى قال: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ لو قال: وَأَرْجُلَكُمْ فقط، لكان المسح إلى ظاهر القدم، لكن لما قال: إِلَى الْكَعْبَيْنِ دل ذلك على أن القدم كلها تمسح، وتدخل الرجل ويدخل معها الكعبان.

والكعبان: هما العظمان الناتئان اللذان بأسفل الساق من جانب القدم، هذان هما الكعبان، والرافضة يقولون: إن الكعبين العظمان في ظهر القدم، ولكن هذا قول باطل؛ الكعبان معروفة في كلام العرب أن المقصود بهما العظمان الناتئان بأسفل الساق.

فيكون إذن غسل القدم كلها مع الكعبين، والكعبان داخلان في الغَسل، بدليل ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة  أن النبي كان إذا توضأ غسل رجليه حتى أشرع في الساق [12] رواه مسلم.

وهذا أيضًا من المواضع التي يتساهل فيها بعض الناس، تجد أنهم يتساهلون في غسل العقب؛ ولهذا جاء في الصحيحين أن النبي لما رأى أناسًا يتوضؤون وقد لاحت أعقابهم رفع أعلى صوته فقال: ويل للأعقاب من النار [13].

وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يعتني بمسألة الوضوء، يتفقد أعضاء الوضوء، تجد بعض الناس عنده تساهل سرعة عجيبة إذا أراد أن يتوضأ، يترك أحيانًا غسل المرفق، يترك أحيانًا غسل الكعب، وبعض الناس على العكس من ذلك عندهم وسوسة زائدة، يبقى في الوضوء مدة طويلة، وهذا خطأ، وهذا خطأ، المطلوب هو الاعتدال يسبغ الوضوء، لكن من غير زيادة، من غير أن يكون هناك وسوسة، لكن أيضًا لا يتساهل.

مذهب الرافضة في طهارة الرِّجل

نحن ذكرنا أن الرافضة خالفوا أهل السنة في هذا، وهم يخالفون أهل السنة فيما يتعلق بطهارة الرِّجل في ثلاثة أمور:

أولًا: أنهم لا يغسلون الرِّجل، بل يمسحونها، لو رأيت رافضيًّا يتوضأ تجد أنه لا يغسل رجليه؛ بل يمسح رجليه.

الثاني: عندهم أن الرِّجل إلى العظم الناتئ في ظهر القدم، حتى عند المسح يمسحون هذا القدر.

الأمر الثالث: أنهم لا يمسحون على الخفين.

لاحظ أنهم في الوضوء يمسحون الرجل بدل الغسل، ولا يمسحون على الخفين، مع أن أحد رواة حديث المسح على الخفين علي بن أبي طالب ، ومع ذلك لا يمسحون على الخفين، الذي قد تواترت فيه الأحاديث عن النبي .

الفرض الخامس: الترتيب

والترتيب.

يعني: الترتيب بين أعضاء الوضوء، والدليل على ذلك هو قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المْرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] من يستنبط لنا وجه الدلالة من الآية على وجوب الترتيب؟

أن الله تعالى أدخل في هذه الآية ممسوحًا بين مغسولَيْن، ما هو الممسوح، وما هما المغسولان؟

الممسوح الرأس، والمغسولان اليدان والرِّجْلان، لاحظ تأملها: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المْرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ والعرب لا تفعل ذلك في لغتها إلا لفائدة، والفائدة هنا هي وجوب الترتيب، لو كان الترتيب غير واجب لقال: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم، لكن لما قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المْرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ دل ذلك على وجوب الترتيب،

ثم أيضًا النبي لم ينقل عنه أنه توضأ إلا مرتبًا، وهذا الترتيب إنما هو بين أعضاء الوضوء، وهذا في قول أكثر أهل العلم، وهناك قول بعدم وجوب الترتيب، لكنه قول ضعيف.

ومن أغرب الأسئلة التي وردت إلينا يقول: هناك رجل يبدأ بغسل رجليه، لا بغسل يديه، يقول: الترتيب ترجح عندي أنه ليس واجبًا، ويفعل ذلك أمام الناس، يعني هذا أقول: حتى افرض افتراضًا لو أنه ترجح عندك هذا الشيء، لكن بإجماع العلماء أن السنة هو الترتيب، يعني ينبغي للإنسان أيضًا أن يحرص على السنة حتى لو ترجح له رأي آخر، مع أن القول أيضًا بعدم وجوب الترتيب قول ضعيف، لكن أقول: حتى لو ترجح للإنسان ينبغي أن يكون هذا منهجًا لطالب العلم أن يحرص على السنة، كون هذا الرجل يفعل مثل هذا، وضوؤه وصلاته باطلة عند أكثر أهل العلم.

الفرض السادس: الموالاة

والموالاة.

والموالاة هي: ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف العضو الذي قبله، هذا هو تعريف أو ضابط الموالاة؛ ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف العضو الذي قبله في الزمن المعتدل.

مثلًا: هذا رجل توضأ لما وصل غسل اليدين أتاه مكالمة مثلًا بالهاتف، فبقي يتكلم مدة عشر دقائق، فنشف العضو الذي هو اليد، هل نقول: أكمل الوضوء أو استأنف الوضوء من جديد؟

نقول: استأنف الوضوء من جديد؛ لأن الموالاة فرض من فروض الوضوء.

ويدل لهذا الفرض حديث أنس  أن النبي رأى رجلًا وقد ترك على ظهر قدمه موضع الظفر لم يصبه الماء [14]، وفي رواية: “قدر الدرهم لم يصبه الماء فأمره أن يعيد الوضوء” وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه والدار قطني وأحمد، وأخرجه أبو داود ورواية أخرى عند أحمد، وزاد: “والصلاة” [15] يُعيد الوضوء والصلاة، وأصل هذا الحديث في صحيح مسلم، إلا أنه جاء في مسلم: أن النبي قال له: ارجع فأحسن وضوءك [16]؛ أما الأمر بالإعادة فجاءت في غير مسلم، وبكل حال فهذا الحديث صحيح، وهذا الحديث ظاهر الدلالة على وجوب الموالاة.

ما وجه دلالة هذا الحديث على وجوب الموالاة؟

لو كانت المولاة غير واجبة لقال: اغسل رجلك، أليس كذلك؟ أو اغسل هذا القدر الذي لم يصبه الماء، لكن يأمره بإعادة الوضوء دليل على وجوب الموالاة، فهذا وجه الدلالة ظاهرة؛ كون النبي يأمره بإعادة الوضوء دليل على وجوب الموالاة، لو كانت الموالاة غير واجبة لأمره بغسل رجله فقط، أو على الأقل بغسل هذا القدر الذي لم يصبه الماء.

حكم الموالاة في الوضوء

وقد اختلف في حكم الموالاة على أقوال:

فمن العلماء من قال: بعدم الوجوب، وهو مذهب الحنفية والشافعية.

ومنهم من قال: بالوجوب، وهو مذهب الحنابلة.

والقول الثالث: الوجوب إلا إذا تركها لعذر مثل عدم تمام الماء، وهذا هو مذهب المالكية.

أما قول الحنفية والشافعية قول ضعيف، القول بعدم وجوب الموالاة قول ضعيف؛ لأن هذه المسألة ورد فيها نص وهو الحديث الذي ذكرناه وهو ظاهر الدلالة في وجوب الموالاة.

لكن تبقى الموازنة بين قول الحنابلة والمالكية، الحنابلة يقولون: الموالاة واجبة مطلقًا، والمالكية يقولون: واجبة إلا لعذر، إذا تركها لعذر فإنها لا تجب، وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول المالكية: أن المولاة تجب إلا إذا تركها لعذر، وقال: إن أدلة الوجوب إنما تتناول المفرط، ولا تتناول المعذور، كما في صيام الشهرين المتتابعين إذا قطعه لعذر كالفطر يوم العيد مثلًا، أو فطر للمرأة الحائض أو النفساء فإن ذلك لا يؤثر في قطع التتابع، مع أن التتابع والموالاة في صيام الشهرين شرط، لكن إذا قطعه لعذر، امرأة قطعته لأجل الحيض، أو رجل أو امرأة قطعوه لأجل مثلًا يوم العيد، هذا لا يؤثر في قطع التتابع، أليس كذلك؟

كذلك أيضًا الموالاة في الطواف، لو كنت تطوف وقطعت الطواف لأجل أن الصلاة أقيمت فإن هذا لا يؤثر في قطع الموالاة في الطواف، وكذلك السعي، كذلك أيضًا بالنسبة للوضوء، لو قطع الوضوء لعذر فإنه لا يلزمه إعادة الوضوء، وهذا القول هو الأقرب والله أعلم، فقول المالكية في المسألة هو الأقرب، وهو وجوب الموالاة إلا إذا قطعها لعذر.

هذه المسألة ترد كثيرًا خاصة من يذهب مثلًا للبرية، أو يكون في سفر يأخذ معه ماء، وأحيانًا يكون الماء ما يكفيه، إذا توضأ بقي غسل رجليه، فيذهب يبحث عن ماء لغسل رجليه، فينشف العضو الذي قبله، فعلى مذهب الحنابلة لا بد أن يعيد الوضوء من جديد، وعلى قول المالكية ما يلزم، وإنما يغسل رجليه فقط.

كذلك أيضَا أحيانًا الإنسان مثلًا يتوضأ ينقطع عنه الماء ينفد ماء الخزان فيذهب لإصلاحه ويأخذ وقتًا وينشف العضو الذي قبله، فعلى مذهب الحنابلة يعيد الوضوء من جديد، وعلى مذهب المالكية يكفي فقط أن يغسل رجليه.

الأقرب هو مذهب المالكية؛ لأن هذا له نظائر أيضًا كما ذكرنا في صيام الشهرين المتتابعين، وفي الموالاة في الطواف، وفي الموالاة في السعي، إذا قطع مثل هذه الأشياء التي تشترط لها الموالاة لعذر، فإن ذلك لا يؤثر.

شروط الوضوء

وشروطه ثمانية.

يعني: شروط الوضوء، لاحظ من مزايا هذا المتن أنه يجمع لك المسائل، يعني هذه مثلًا شروط الوضوء لا تجدها في بعض المتون الفقهية، لا تجدها مثلًا في الزاد بهذا الترتيب، لكن المؤلف ذكر هذا، تجد نواقض الوضوء جمعها لك، شروط الوضوء جمعها، وهكذا.

الشرط الأول: انقطاع ما يوجبه

انقطاع ما يوجبه.

هذا هو الشرط الأول، والمعنى: أي انقطاع ما يوجب الوضوء من البول والغائط ونحوهما، فلو كان يتوضأ وهو لا يزال يخرج منه قطرات من البول لم يصح وضوؤه، يعني إنسان لا يزال يخرج منه قطرات من البول وبدأ في الوضوء لا يصح وضوؤه، وهذا مقصود المؤلف، والمسألة هذه ذكرها المرداوي في الإنصاف، ولم يذكرها كثير من فقهاء الحنابلة، لكن المؤلف لدِقَّته أراد أن يجمع هذه الشروط من كتب المذهب.

هذه المسألة ذكرها في الإنصاف.

الشرط الثاني: النية

والنية.

لقول النبي : إنما الأعمال بالنيات [17]، وقد عقد المؤلف فصلًا في الكلام عن النية، وسنتكلم عنه بعد قليل إن شاء الله.

الثالث والرابع والخامس: الإسلام والعقل والتمييز

الإسلام والعقل والتمييز.

وهذه الشروط هي شروط في كل عبادة، جميع العبادات يشترط لها الإسلام والعقل والتمييز، فالصلاة مثلًا يشترط لها الإسلام، لا تصح الصلاة من الكافر، والعقل: لا تصح الصلاة من المجنون، والتمييز: لا تصح الصلاة من غير المميز، الصيام كذلك، إلا أن الفقهاء استثنوا التمييز قالوا: إنه لا يشترط التمييز في الحج، فيصح الحج من غير المميز، الحج إنما يشترط فيه الإسلام والعقل فقط، ولا يشترط فيه التمييز، بينما سائر العبادات لا بد فيها من الإسلام والعقل والتمييز.

الخلاصة: أن هذه الشروط الثلاثة الإسلام والعقل والتمييز هي شروط في جميع العبادات، ما عدا شرط التمييز في الحج، فإنه غير مشترط.

الشرط السادس: أن يكون الماء طهورًا مباحًا

والماء الطهور المباح.

هذا هو الشرط رقم كم؟ الشرط السادس، لا بد أن يكون الماء طهورًا، فلا يصح الوضوء بالماء النجس، وهذا سبق أن تكلمنا عنه بالتفصيل، كذلك لا بد أن يكون مباحًا، فلا يصح الوضوء بالماء المغصوب.

الشرط السابع: إزالة ما يمنع وصول الماء

وإزالة ما يمنع وصوله.

يعني: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الوضوء، هذا هو مقصود المؤلف، وبناء على ذلك لو كان في بعض أعضاء الوضوء ما يمنع وصول الماء إلى البشَرة، فإن الوضوء لا يصح، ومن ذلك ماء الطلاء الذي تضعه بعض النساء، وهو ما يسمى بالمناكير، هذا لا بأس بأن تضعه المرأة على أظفارها، لكن بشرط أن تزيله عند الوضوء، لو أن المرأة مثلًا وضعته بعد صلاة الفجر، وأزالته عند صلاة الظهر لا بأس، وكذلك المرأة الحائض تضعه باعتبار أنها لا تصلي لا بأس، لكن هو يمنع من وصول الماء إلى الظفر؛ ولذلك لا بد من إزالة هذا الطلاء، ومن ذلك مثلًا البوية إذا وقعت على البشرة لا بد من إزالتها، لكن هل يعفى عن الشيء اليسير يسير جدًّا؟

أحيانًا بعض الناس يكون فيه شيء يسير خاصة أحيانًا يكون أثر للطامس ونحوه، فيصلي، ثم يتبين له هذا الشيء اليسير، رخص بعض الفقهاء في ذلك منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: “إن الشيء اليسير عرفًا إنه لا يؤثر على صحة الوضوء” وهذا القول لعله هو الأقرب باعتبار أن الشريعة تتسامح في الأشياء اليسيرة، لكن يكون يسيرًا جدًّا عرفًا، يعني: لو كانت نقطة صغيرة في اليد مثلًا، فإن هذا يتسامح فيه.

الشرط الثامن: الاستنجاء والاستجمار بعد قضاء الحاجة

والاستنجاء والاستجمار.

سبق الكلام عن الاستنجاء والاستجمار مفصلًا، هنا أفادنا المؤلف بأن الاستنجاء والاستجمار أنه شرط لصحة الوضوء، فبناء على ذلك لو أتى الإنسان وقضى حاجته من غير أن يستنجي من غير أن يستجمر ولا يزال أثر البول أو الغائط في المحل، فإنه لا يصح وضوؤه، لكن ليس مراد المؤلف بأنه يشترط لكل من أرد أن يتوضأ أن يستنجي أو يستجمر ليس هذا مقصود المؤلف، وإنما مقصوده أنه لا بد أن يعقب قضاء الحاجة استنجاء أو استجمار، هذا مراد المؤلف لا بد أن يعقب قضاء الحاجة استنجاء أو استجمار.

وبناء على ذلك ما يفهمه بعض العامة من أنك كلما أردت أن تتوضأ لا بد أن تستنجي هذا فهم غير صحيح، فلو أردت أن تتوضأ مثلًا، وأنت لا تريد قضاء حاجتك لا حاجة إلى أن تستنجي، بل تبدأ بغسل الكفين، ثم تتمضمض وتستنشق، وتكمل وضوءك، لو قام الإنسان من النوم ما فيه حاجة إلى أن يستنجي، لو خرج منه ريح ما فيه حاجة إلى أنه يستنجي، بل ربما نقول: إن الاستنجاء هنا قد يكون بدعة، كون الإنسان يتعبد لله ​​​​​​​ بهذا الاستنجاء عند كل وضوء، هذه المسألة تجد أن كثيرًا من العامة يعتقد أن الاستنجاء جزء من الوضوء، فيستنجي عند كل وضوء، وهذا فهم غير صحيح ينبغي التنبه والتنبيه عليه.

المقصود بالنية في الوضوء

ثم خص المؤلف رحمه الله النية بالحديث، باعتبار أهمية هذا الشرط، وبدأ أولًا بتعريفها، فقال:

فالنية هنا قصد رفع الحدث.

يعني: النية في الوضوء قصد رفع الحدث. يعني: أن يقصد رفع الحدث، وسبق أن عرّفنا الحدث، وقلنا: إن الحدث: شيء معنوي يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما يشترط له الطهارة، وهو شيء معنوي وليس شيئًا حسيًّا، فالنية معناها: أن يقصد رفع الحدث.

والنية محلها القلب؛ ولهذا إذا أتى الإنسان وتوضأ معنى ذلك أنه نوى، يعني بعض الناس عندهم وسوسة، بل حقيقة يمر بنا استفتاءات من بعض الإخوة عندهم وسوسة عجيبة في مسألة النية، سواء النية في الوضوء أو النية في الصلاة، فتجد أنهم يشددون على أنفسهم تشديدًا عجيبًا، الإنسان العاقل لا يمكن أن يعمل عملًا إلا بنية؛ ولذلك قال بعض العلماء: “لو كُلفنا العمل بلا نية؛ لكان هذا من التكليف بما لا يطاق” هل يمكن للإنسان أن يأتي ويتوضأ من غير نية؟ هل يمكن أن يصلي من غير نية؟ لا داعي للتشديد في هذه المسألة، بعض الناس تجد أنه يتوضأ عدة مرات، يعيد الوضوء عدة مرات بسبب النية، أو عندما يصلي يكبر ويقطع عدة مرات بسبب النية، فعندهم إشكالات فيما يتعلق بالنية.

أو قصد ما تجب له الطهارة.

يعني: إذا قصد المكلف ما تجب له الطهارة هنا ارتفع الحدث، وحصلت الطهارة، حتى لو أنه نوى بهذا الوضوء الطواف، فيكون قد حصلت له الطهارة، يعني مثلًا إنسان نوى أن يطوف توضأ لأجل أن يطوف، ثم أراد أن يصلي بهذا الوضوء صلاة الظهر والعصر نقول له: لا بأس، أو حتى مس المصحف، إنسان توضأ ليس لأجل أن يصلي، وإنما توضأ لأجل مس المصحف، هل له أن يصلي بهذا الوضوء؟ نعم له أن يصلي به، ومن باب أولى لو توضأ لصلاة الظهر له أن يصلي به العصر، له أن يصلي به ما شاء، نقول: هذا لأن بعض الناس أيضًا عندهم إشكالات في هذه المسألة.

فإنه يقول: أنا نويت كذا لا أصلي به غير ما نويت له، نقول: ما دمت نويت رفع حدث، أو نويت ما تشترط، أو ما تجب له الطهارة، فإن هذا يكفي، لكن لو نوى التبرد فإن هذا لا يصح وضوؤه، أو نوى ما لا تشرع له الطهارة، نوى أن يتوضأ لأجل مثلًا كمال النظافة، أو لأجل الأكل مثلًا، أو لأجل الشرب هذه أنكرها الفقهاء أو لأجل البيع، أو نحو ذلك، مع أن هذه المسائل يندر وقوعها، لكن ربما لو حصل مثل هذا نقول: هذا لم يرتفع حدثه، ولم تحصل له الطهارة الشرعية.

أو قصْد ما تسن له.

ما تسن له الطهارة

يعني: حتى لو قصد الإنسان ما تسن له الطهارة.

كقراءة.

يعني: كقراءة قرآن.

وذِكْر.

فإن السنة أن الإنسان يذكر الله تعالى على طهارة.

ونوم.

إذا أراد أن ينام السنة له أن يتوضأ.

ورفع شك.

هذا قاله بعض الفقهاء، قال: إنه إذا شك الإنسان فيستحب له أن يتوضأ، وهذا لا دليل عليه في الحقيقة، لا دليل على مثل هذا، لكن ذكره بعض الفقهاء.

وغضب.

أي: أنه يستحب الوضوء عند الغضب، وهذا قد وردت به السنة؛ ولذلك أسألكم الآن سؤالًا: رجل غضب وذهب وتوضأ لأجل إطفاء نار الغضب، ثم أراد أن يصلي بهذا الوضوء، هل له ذلك؟

نعم له ذلك لا مانع؛ لأنه توضأ لأمر شرعي طهارة شرعية؛ ولذلك له أن يصلي به.

وكلام محرم.

بعض الفقهاء قال: إنه إذا تكلم كلامًا محرمًا يستحب له أن يتوضأ، ولو قال الذي وردت به السنة: إن من عمل ذنبًا أو وقع في معصية من قول أو فعل فيستحب له أن يتوضأ، وأن يصلي ركعتين، جاء هذا في حديث علي عند بعض أصحاب السنن أن النبي قال: ما من عبد يذنب ذنبًا، ثم يتوضأ ويصلي ركعتين، ويستغفر الله إلا غفر الله له [18] وهذا يسميها الفقهاء بصلاة التوبة؛ ولذلك لا يقتصر ذلك على الكلام المحرم؛ بل حتى على الفعل المحرم.

وجلوس بمسجد.

يعني: السنة ألا يجلس في المسجد إلا وقد توضأ، لو نوى الجلوس في المسجد فقط، فنقول: هذه طهارة شرعية له أن يصلي بها، وقد ارتفع حدثه.

وتدريس علم.

السنة أيضًا ألا يجلس للتدريس إلا وقد توضأ إذا كان علمًا شرعيًّا، فلو توضأ لأجل ذلك فنقول: ارتفع حدثه، وحصلت له الطهارة الشرعية.

وأَكْل.

روي في ذلك حديث سلمان، لكنه حديث ضعيف لا يصح.

ولهذا فالأكل، ورفع الشك هذا لا يثبت فيه شيء عن النبي ، وإنما روي في ذلك بعض الأحاديث الضعيفة التي لا تصح.

قال مفصلًا في النية ومستطردًا:

ولا يضر سبْق لسانه بغير ما نوى.

هذا استطراد من المؤلف، يعني لو الإنسان نوى شيئًا وسبق لسانه لغير ما نوى، فإن ذلك لا يضر؛ لأن العبرة بما في القلب؛ ولذلك لو أن إنسانًا أراد أن يقول: طارق، فقال: طالق، هل يقع الطلاق؟ ما يقع؛ العبرة بالنية إنما الأعمال بالنيات [19]؛ بل إن الألفاظ إنما اعتبرت لأنها تعبر عما في الضمير، وإلا الأصل المعول عليه النية، لكن لما كانت النية أمرًا خفيًّا، فجعل اللفظ للتعبير عليه، وللدلالة على ما في الضمير، ويدل على أن الإنسان لا يضر سبْق لسانه قصة الرجل الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام قال: لله أشد فرحًا بتوبة أحدكم من رجل على راحلته عليها طعامه وشرابه، وأضل راحلته، ونام ينتظر الموت في فلاة من الأرض، ثم استيقظ ووجد راحلته وعليها طعامه وشرابه، فقال: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح [20].

فهنا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذا الرجل، وأنه قد أخطأ من شدة الفرح، ولم يؤاخذ بهذا الخطأ، فدل ذلك على أنه لا يضر سبْق اللسان، حتى لو نطق الإنسان بكلمة كفرية أو بشرك، لكنه لا يقصده، وإنما من باب سبْق اللسان، فإنه لا يؤاخذ به: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

حكم الشك في النية بعد الفراغ من العبادة

ولا شكه في النية، أو في فرض بعد فراغ كل عبادة.

هذه قاعدة ذكرها كثير من الفقهاء: أن الشك في النية بعد الفراغ من العبادة غير معتبر، ولا يلتفت إليه، الشك في النية بعد الفراغ من العبادة لا يلتفت إليه، مثال ذلك: صليت صلاة لم تشك فيها، لكن بعدما سلمت شككت هل صليت ثلاثًا أم أربعًا؟

لا تلتفت لهذا الشك، توضأت فلما انتهيت من الوضوء شككت هل غسلت يدك أم لا؟ لا تلتفت لهذا الشك، يحصل هذا أيضًا عند رمي الجمار لم تشك في أنك رميت سبع حصيات، لكن لما رجعت إلى مكان إقامتك بمنى وسمعت الكلام، وحديث الناس شككت في أنك لم ترم سبعًا، فهنا نقول: لا تلتفت لهذا الشك، ونأتي بهذه القاعدة، طفت سبعة أشواط بعد الفراغ من الطواف شككت هل هي سبعة أم ستة؟ لا يلتفت لهذا الشك، فالشك في العبادة بعد الفراغ منها لا يلتفت إليه، هذه قاعدة مفيدة لطالب العلم.

والمؤلف هنا استطرد لذكر هذه الفائدة وهذه القاعدة.

حكم الشك في أثناء العبادة

لكن الشك في أثناء العبادة؟

وإن شك فيها في الأثناء استأنف.

الشك في أثناء العبادة معتبر، فإذا شك في أثناء العبادة، فإنه يستأنفها من جديد، واستثنى العلماء من ذلك كثير الشكوك، فإنه لا يُلتفت أيضًا لشكوكه كثير الشكوك والمبتلى بالوساوس هذا لا يُلتفت أيضًا لشكوكه، حتى لو شك وهو في أثناء العبادة، فإن هذا يَطرِّح شكه فلا يَلتفت إلى شكه.

فيكون خلاصة الكلام في الشك:

أن الشك بعد الفراغ من العبادة لا يلتفت إليه.

أن الشك في أثنائها معتبر، ويستأنف العبادة من جديد، إلا إذا كان كثير الشكوك، فإنه لا يلتفت لهذا الشك.

استصحاب حكم النية واستصحاب ذكر النية

بقيت مسألة يذكرها الفقهاء في النية لم يذكرها المؤلف مع أن المؤلف استطرد إلا أنه لم يذكر مسألة مهمة ذكرها صاحب الزاد، وهي: استصحاب حكم النية واستصحاب ذكر النية؟

الفقهاء يقولون: “يجب استصحاب حكمها، ويستحب استصحاب ذكرها” يجب استصحاب حكم النية، ويستحب استصحاب ذكر النية، ما الفرق بين الجملتين؟

يجب استصحاب حكم النية، المقصود به: ألا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة، فهذا واجب، “ويستحب استصحاب ذكرها” معناه: أنه يستحب للإنسان تذكر النية بقلبه في جميع الطهارة فلا يذهل، لكن إن غابت عن خاطره قليلًا أو ذهل فإن ذلك لا يضر ما لم ينو قطعها، يعني مثلًا إنسان أراد أن يتوضأ، نوى الوضوء، ما يشترط أن النية تستمر إلى نهاية الوضوء لكن لا ينوي قطعها، لكن يستحب أن يستحضر هذه النية إلى تمام الوضوء.

هذا معنى قول الفقهاء: “يجب استصحاب حكم النية، ويستحب استصحاب ذكرها”.

ونقف عند قول المؤلف فصل في صفة الوضوء ونجيب عما تيسر من الأسئلة. نعم تفضل.

الأسئلة

السؤال: هل قراءة وَأَرْجُلِكُمْ قراءة صحيحة، وما التوجيه لها؟

الشيخ: نعم، قراءة وَأَرْجُلِكُمْ قراءة صحيحة من القراءات المتواترة، والتوجيه لها حسب ما قيل في التوجيه لها أن تحمل على المسح على الخفين، فتكون الآية قد دلت على غسل الرجلين في حال كون الرجل مكشوفة وعلى مسح الرجلين في حال كون الرجل مغطاة بالخُف أو الجورب، وهذا من إعجاز القرآن؛ ولذلك تجد الآية الواحدة يستنبط منها أحكام كثيرة وأحسن ما قيل فيها هذا.
والرافضة يستدلون بهذه القراءة يقولون: إن الرجل تمسح؛ لأن الله قال: ‌وَامْسَحُوا ‌بِرُءُوسِكُمْ ‌وَأَرْجُلِكُمْ وهذه قراءة متواترة لكن نقول: هي المقصود بها المسح على الخفين.
لماذا قلنا المسح على الخفين؟ لأن سنة النبي تفسر المراد بالقرآن فلا بد من الرجوع للسنة، وإلا فإن الله تعالى قال: ‌وَأَقِيمُوا ‌الصَّلَاةَ كيف عرفنا الصلاة؟ عرفناها عن طريق سنة النبي عليه الصلاة والسلام وَآتُوا الزَّكَاةَ كيف عرفنا الزكاة؟ السنة تفسر هذا، الحج كيف عرفنا الحج؟ السنة تفسر هذا، فنجد أن سنة النبي عليه الصلاة والسلام دلت على أن الرجلين تغسلان في حال كونها مكشوفة وتمسحان عندما يكون عليهما خف أو جورب، وعلى ذلك تحمل القراءتان ويكون هذا من الإعجاز في الآية الكريمة.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: في الوضوء لم يكمل وضوء عضوٍ من الأعضاء ولم يلاحظه إلا في الصلاة؛ فهل يجب عليه قطع الصلاة والوضوء من جديد؟ ومن لاحظه بعد الفراغ من الوضوء وكان القدم فيه موضع قليل أو كثير ثم مسح عليه فهل تصح؟

الشيخ: نعم، الوضوء والطهارة من باب فعل المأمور، وفعل المأمور لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان؛ هذه قاعدة أن فعل المأمور لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان، وإنما يعذر في ارتكاب المحذور، وبناء على ذلك جوابًا عن السؤال نقول: لا بد أن يقطع صلاته وأن يعيد الوضوء، كما أمر النبي الرجل الذي رأى في قدمه قدر الظفر لم يصبه الماء بإعادة الوضوء والصلاة، فلا بد من إعادة الوضوء، سواء ذكر في أثناء الصلاة أو ذكر بعد الفراغ من الصلاة؛ لأنه حتى إذا ذكر في أثناء الصلاة فات شرط الموالاة فات فرض الموالاة.

وهذا بخلاف ما إذا وجد على لباسه نجاسة ونسيها ولم يذكر إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة، ولا يؤمر بإعادتها، لماذا؟ لأن هذا من باب ارتكاب المحظور؛ ولذلك فإن النبي لما كان يصلي بالناس بنعليه وأخبره جبريل بأن فيهما قذرًا خلع نعليه؛ لكن هل استأنف الصلاة من جديد؟ لا، استمر في صلاته فدل ذلك على أن الإنسان إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة فإن صلاته صحيحة.
إذا علم بها في أثناء الصلاة ماذا يعمل؟ يلقي النجاسة إذا كانت النجاسة مثلًا في شماغه يلقي شماغه.
لو كانت في الثوب أو السراويل هنا قد يكون حرج عليه لأنه لو خلع مثلًا وهو إمام أو حتى مأموم ماذا سيقول الناس؟ سيتهمونه في عقله؛ ولذلك فالأحسن في مثل هذا أنه يقطع الصلاة يعني الإنسان يدرأ عن عرضه كونه يخلع ثوبه أمام الناس في المسجد مثلًا يعني الناس لا تعذره في هذا ويتهمونه في عقله.
ولذلك فالأحسن هنا أن يقطع الصلاة ويذهب ويغسل هذه النجاسة.

القاعدة: أن ما كان من باب فعل المأمور لا يعذره فيه الإنسان بالجهل والنسيان، وما كان من باب ارتكاب المحظور يعذر فيه بالجهل والنسيان. هذا مطرد.

يعني خذ الصلاة مثلًا: من صلى بغير وضوء لا بد من أن يعيد الوضوء والصلاة؛ لكن لو صلى وعليه نجاسة فصلاته صحيحة.

الصيام: لو صام وهو لم يبيت النية من الليل جاهلًا؛ إنسان ما درى أنه رمضان نام بعد صلاة العشاء ولا أخبر بأنه أعلن دخول الشهر ولا نوى، ما أخبر إلا بعدما أتى يصلي الفجر ووجد الناس صائمون، نأمره بقضاء هذا اليوم، ولا نعذره بالجهل؛ لكن أكل وشرب ناسيًا فصومه صحيح نعذره؛ لأن هذا من باب ارتكاب المحظور.

الحج: لو أنه ترك المبيت بمنى ناسيًا او جاهلًا لا نعذره، ترك مثلًا الوقوف بعرفة لا نعذره، ترك الطواف لا نعذره بالجهل والنسيان، لكن لو أنه غطى رأسه ناسيًا أو جاهلًا لا شيء عليه، تطيّب ناسيًا أو جاهلًا لا شيء عليه، تجد أن هذه القاعدة مطردة.

السؤال: حكم الوضوء بالماء المغصوب؟

الشيخ: نعم، الوضوء بالماء المغصوب بعضهم يفرق بينه وبين الصلاة في الدار المغصوبة باعتبار يقولون إن الصلاة في الدار المغصوبة تصح الصلاة مع الإثم باعتبار يقولون الجهة منفكة لكن الوضوء يقولون: استخدمه في شرط العبادة وهو الطهارة، وبعض العلماء يقول أيضًا: إنه تصح الطهارة ويأثم بالغصب.
والمشهور من مذهب الحنابلة أنه لا تصح الطهارة؛ لأنه تطهّر بماء مغصوب في شرط من شروط صحة الصلاة.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: ما الحكم في الدهان الذي يوضع على الجسم لمرض أو غيره وكذا الفازلين؟

الشيخ: الدهان من جنس الفازلين لا يمنع من وصول الماء للبشرة لكن يستحب دلك العضو الذي فيه الدهان؛ لأنه قد لا يحصل إسباغ الوضوء، ولذلك فالأصل أن هذا الدهان لا يمنع وصول الماء إلى البشرة، ولذلك فإن الإنسان يحس بحرارة هذا الماء أو ببرودته فهو في الأصل أنه لا يمنع؛ لكن الأفضل والأكمل أنه يدلك اليد التي بها الدهان حتى يتحقق من وصول الماء إلى البشرة.

السؤال: ….

الشيخ: لا، خارج الطهارة، مثل ما مثلنا يعني قطع الوضوء لعذر انقطع عليه الماء مثلًا كان يتوضأ في البرية نفد الماء، ذهب يبحث عن ماء يعني المقصود أنه ما قطع الوضوء على وجه التفريط وإنما على سبيل العذر.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: روى ابن المنذر في الأوسط عن ابن عمر وعائشة وسلمة بن الأكوع أنهم ذهبوا إلى أن المسح يكون ببعض الرأس، وقال: ولم ينكر عليهم أحد من الصحابة؛ ألا يكون دليلًا على قول من قال بمسح بعض الرأس، وخاصة أن الأصمعي وابن مالك وغيرهم ذهبوا إلى أن الباء تأتي للتبعيض؟

الشيخ: على كل حال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فصّل الكلام في هذه المسألة في مجموع الفتاوى وأطال، وكذلك ابن القيم يعني حققا هذه المسألة، وإذا ثبت ما ذكره الأخ السائل أن الباء قد تأتي في اللغة لهذا فيعني هذا مما يقوي قول المالكية والشافعية في المسألة، يعني إذا ثبت مثل هذا خاصة إذا عضده ببعض الآثار عن الصحابة فهذا مما يقوي هذا القول.
وعلى كل حال المسألة محل خلاف بين أهل العلم.

السؤال: يسأل يقول: إذا لم يتمضمض ويستنشق في غسل الجنابة فهل يجزئ؟

الشيخ: نعم يجزئ ويرتفع الحدث الأكبر، لكن هل يكفي عن الوضوء؟ هذا هو السؤال، أما كونه يجزئ يجزئ؛ لأنه عم الماء جميع بدنه، فهو لا شك أنه قد ارتفع الحدث الأكبر لكن هل يجزئ عن الوضوء أم لا؟ فعلى قول من قال بأن المضمضة والاستنشاق واجبة لا يجزئ عن الوضوء؛ لا بد من المضمضة والاستنشاق، ولذلك نقول: من أراد أن يتوضأ وضوء الجنابة فالسنة أن يتوضأ في أول الغسل، فإذا لم يفعل ذلك فلا أقل من أن يتوضأ بعد الغسل أو بعد الفراغ من الغسل أو على الأقل يتمضمض ويستنشق؛ لأن المضمضة والاستنشاق واجبة.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: ألا يُقال في ضابط الموالاة أنه يعود للعرف لعدم تحديده بدليل؟

الشيخ: هو يرجع للعرف كما ذكرنا ألا يترك غسل العضو حتى ينشف الذي قبله عرفًا في الزمن المعتدل، لكن لا بد أيضًا من قيد؛ لا بد أن نحدد هذا إذا قلنا: في العرف، العرف في ماذا؟ العرف في النشاف نشاف العضو الذي قبله، فإذا نشف العضو الذي قبله في عرف الناس أن هذا العضو نشف فحينئذ نقول: إنه لا بد من أن يعيد الوضوء؛ لأنه أحيانًا ينشف العضو بسرعة من بعض الناس خاصة مع شدة الحر، أيضًا فالعبرة بالزمن المعتدل والعبرة أيضًا بعرف أغلب الناس، هذا هو المقصود.

طيب، نأخذ من هذه الجهة، نعم تفضل.
السؤال: هل الترتيب بين اليمين واليسار واجب؟

الشيخ: لا، أما بالنسبة للترتيب بين اليمين واليسار فهذا غير واجب بالإجماع، لو بدأ باليسرى قبل اليمنى يصح وضوؤه، اليد اليسرى قبل اليمنى أو الرجل اليسرى قبل اليمنى، قد حكي الإجماع على هذا، لا بأس به، وإن كان طبعًا الإنسان يحرص على السنة.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: ما رأيكم بمن يقول وذهب إليه بعض العلماء: أن آية المائدة هي الأصل في وجوب الوضوء وفروض الوضوء، وأما ما زاد عليها من الأحاديث فهي على الاستحباب؟

الشيخ: لكن النصوص يُضم بعضها إلى بعض ويفسر بعضها بعضًا؛ فآية المائدة تفسرها سنة النبي ، فنحن نقول ما ذُكر في آية المائدة لا شك أنه من فروض الوضوء؛ لكن ما زاد على ذلك من المضمضة والاستنشاق أيضًا قد دلت السنة على وجوبه، وكما قال ابن القيم: إنه لم ينقل عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا مرة واحدة أنه ترك المضمضة والاستنشاق.

السؤال: توضأ لصلاة الوتر، ونوى يجدد الوضوء للفجر وما فعل، هل صلاته صحيحة؟

الشيخ: يعني توضأ لأجل تجديد الوضوء؟
السائل: توضأ ليصلي الوتر.
الشيخ: توضأ لصلاة الوتر؟
السائل: نعم، ثم نوى تجديد الوضوء للفجر ولم يفعل.
الشيخ: وأراد أن يصلي بهذا الوضوء صلاة الفجر؟
السائل: لا، على أن يجدد عند الفجر الوضوء.
الشيخ: وهو ينوي أن يجدد الوضوء.
السائل: نعم.
الشيخ: على كل حال صلاته صحيحة ما دام أنه قد نواه لصلاة الوتر فهو وضوء لطهارة مشروعة، كونه ينوي أن يجدد ولا جدد ما يضر؛ لأنه أمر مسنون.
السائل: حتى لو حدده فقط للوتر؟
الشيخ: حتى لو حدده للوتر، مجرد، حصلت الطهارة، وارتفع الحدث.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: ما دليل الاستحباب للتسمية عند الوضوء؛ إذا قلنا إن الحديث ضعيف، والواصفون لصفة وضوء النبي لم يذكروا التسمية؟

الشيخ: أولًا عند بعض أهل العلم أن هذا الحديث ثابت بمجموع الطرق ذكر ذلك الحافظ العراقي، والألباني أيضًا في إرواء الغليل، وغيرهم ذكروا هذا، هؤلاء لا إشكال عندهم في استحباب الوضوء.
لكن سؤال الأخ يقول: إذا قلنا الحديث ضعيف ما هو الدليل؟ الدليل هو عموم الأدلة الدالة على استحباب التسمية عند ابتداء العبادات، ولذلك تكون التسمية في أول الصلاة عند قراءة الفاتحة وعند ابتداء السور، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يأتي بها عند الطعام وعند الشراب؛ فعموم الأدلة نستدل بها على هذا لو لم يثبت هذا الحديث.

طيب، نريد الإخوة الذين لم يسألوا من باب إتاحة الفرصة للجميع، نعم تفضل.
السؤال: ما حكم من كان على يده شيء يمنع وصول الماء ولو اشتغل بإزالته لخرج وقت الصلاة؟

الشيخ: يعني قصدك لو كان على يده شيء يمنع من وصول الماء للبشرة ولو اشتغل بإزالته لخرج وقت الصلاة، هذا سؤالك؟
السائل: نعم.
الشيخ: نعم هذا ذكره الفقهاء قالوا: لو اشتغل بشرط الصلاة له أن يؤخر الصلاة في هذه الحال لكن هذا إذا كان بعذر، لا يُفرط، أما إذا فرّط في هذا فإنه يأثم بهذا.
على كل حال هذه المسألة ستأتينا إن شاء الله، ستأتينا عند الكلام على شروط الصلاة.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: أنا أحضر معكم الدرس عبر الإنترنت وأنا مريض فادعُ لي بالشفاء.

الشيخ: نسأل الله عز وجل أن يمن عليه بالشفاء.

السؤال: يقول ما وجه التفريق بين ظاهر وباطن الأذن؟

الشيخ: نحن قلنا: إن الواجب هو مسح باطن الأذنين؛ لأن هذا هو الأصل، الأصل عندما يُقال: مسح الأذن يعني مسح باطن الأذن، وأما ظاهر الأذنين فقلنا: إنه يبقى على الاستحباب باعتبار أنه أتى بالقدر الواجب؛ لأنه عند الإطلاق ينصرف المسح لباطن الأذنين.

السؤال: حكم صلاة من توضأ وعلى يده بوية؟

الشيخ: البوية إيه نعم، لا بد من أن يعتني بإزالة ما يمنع وصول الماء للبشرة، ويتهيأ لهذا ويتخذ من الوسائل ما يعينه، عندهم الآن خاصة في الوقت الحاضر توجد بعض الوسائل التي تزيل بها البويه، عندهم مثلًا مادة تزيل بها البويه بسهولة ويسر، وينبغي أن يجعل الصلاة أول اهتماماته ما يجعل الصلاة آخر اهتماماته، بل ينبغي ألا يصلي أصلًا بالملابس التي تكون فيها بويه أيضًا، ويتهيأ للصلاة، وبعض العمالة تجد أنه يأتي للمسجد بثياب العمل، هذا لا يليق يَابَنِي ‌آدَمَ ‌خُذُوا ‌زِينَتَكُمْ ‌عِنْدَ ‌كُلِّ ‌مَسْجِدٍ [الأعراف:31]؛ فالمقصود أن هذا ليس بعذر، تكون الصلاة هي أول اهتماماته ويتخذ من الوسائل ما يعينه على إزالة البويه التي تكون في العضو.

السائل: إذا كانت أقل من الظفر؟
الشيخ: إذا كانت شيء يسير على رأي شيخ الإسلام أنه يُعفى عن ذلك يتسامح في هذا، نقطة يسيرة.
السؤال: إذا تعددت النقاط؟
الشيخ: إذا تعددت لا، الأصل أنه يجب إزالتها.
السائل: لو كانوا يجهلون؟
الشيخ: يبين لهم، يا إخوان ترى هم يجهلون كثيرًا من الأحكام، يبين لهم أن هذه عبادة هذه صلاة هذا مقام مناجاة لله عز وجل.
السائل: لو ما عنده وسيلة إزالة؟
الشيخ: لا، لا، عنده، لو أراد أن يقابل مسئولًا من البشر ذا وجاهة تجد أنه يتهيأ ويتخذ من الوسائل ما يعينه.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: هل تجوز الصلاة إذا اغتسلت بالغسل المجزئ فقط دون الوضوء؟

الشيخ: نعم هذا السؤال حقيقة فيه إشكال يعني كونه يقتصر على الغسل المجزئ، أولًا الغسل المستحب لا يجزئ عن الوضوء، غسل الجمعة لا يجزئ عن الوضوء، بعض الناس يغتسل الجمعة ثم يأتي للمسجد يوم الجمعة هذا ما تصح صلاته، وهذا أيضًا اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز واختيار الشيخ محمد بن عثيمين أيضًا رحمهما الله تعالى؛ لأن هذا غسل مستحب فكيف يجزئ عن الوضوء؟ الأصل في المسلم أنه مطالب بما ذكره الله: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ‌فَاغْسِلُوا ‌وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] وهذا اغتسل غسلًا مستحبًا فكيف يحصل به الوضوء؟!

أما الغسل الواجب غسل الجنابة فجمهور الفقهاء قالوا: إنه يجزئ عن الوضوء؛ وعللوا ذلك -ليس هناك إلا تعليل- قالوا: الطهارتان صغرى وكبرى، دخلت الصغرى في الكبرى، وعند الحنابلة أنه لا بد أيضًا من المضمضة والاستنشاق، فإذا اغتسل وتمضمض واستنشق أجزأ، أما إذا اغتسل من غير مضمضة ولا استنشاق فإن ذلك لا يجزئ؛ لأن المضمضة والاستنشاق سبق أن ذكرنا أنهما واجبان إلا على قول من لا يوجب المضمضة والاستنشاق.

السؤال: إذا شك في النية هل نوى أو لا؟

الشيخ: يعني إذا شك في عبادة من العبادات يستأنفها من جديد يعني يقطعها ويستأنفها من جديد، إذا شك في النية هل نوى أو لا؟ هذا المقصود مقصود الشك الذي ذكره المؤلف الشك في النية يعني مثلًا يصلي ثم شك أنه ما نوى الصلاة، شك مثلًا بعد قراءة الفاتحة أنه ما كبَّر تكبيرة الإحرام؛ فالأصل أنه ما كبر تكبيرة الإحرام، فيعيد من جديد ويكبر تكبيرة الإحرام إلا إذا كان كثير الشكوك والوسواس.

السؤال: أحسن الله إليك! يقول: هل يجزئ المسح الخفيف على العضو دون جريانه؟ وكيف نجمع بين أن النبي كان يتوضأ بالمُد؟

الشيخ: نعم نحن قلنا لا بد من جريان الماء؛ لأن الغسل في لغة العرب هو جريان الماء على العضو، أما مجرد المسح فهذا يسمى مسحًا، مجرد أن الماء يكون على العضو من غير جريان هذا يسمى مسحًا.
أما قوله أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ بالمد، بالإمكان أن يتوضأ بالمد مع جريان الماء يعني يقتصد الإنسان في الوضوء، والمسألة مسألة اعتياد، إذ الناس اعتادوا، الآن اعتادوا على استخدام قدر كبير من الماء لكن لو اعتاد الإنسان على عدم الإسراف وجد أن المُد يكفي، ولهذا لما قال رجل لأنس بن مالك : لا يكفيني الصاع يعني في الغسل قال أنس : “قد كفى من هو خير منك، وأوفر شعرًا رسول الله [21]، وكان الإمام أحمد إذا توضأ يقول أحد طلابه: والله إني لأستره من العامة مخافة أن يقولوا: إنه لا يُحسن الوضوء من قلة ولعانه بالماء.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2217.
^2 رواه البخاري: 2482، ومسلم: 2550.
^3 رواه البخاري: 136، ومسلم: 246.
^4 رواه مسلم: 247.
^5 رواه أبو داود: 102، والترمذي: 25، وابن ماجه: 397، وأحمد: 11370، والدارقطني: 223، والحاكم: 518.
^6 رواه البخاري: 162، ومسلم: 237.
^7 رواه أبو داود: 142، والترمذي: 788، والنسائي: 87، وابن ماجه: 407.
^8 رواه أبو داود: 144.
^9 رواه مسلم: 246.
^10, ^14 رواه أبو داود: 173، وابن ماجه: 665، وأحمد: 12487، والدارقطني: 380.
^11 رواه أبو داود: 134، والترمذي: 37، وابن ماجه: 443، وأحمد: 22282.
^12, ^19 سبق تخريجه.
^13 رواه البخاري: 60، ومسلم: 241.
^15 رواه أبو داود: 175.
^16 رواه مسلم: 243.
^17 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^18 رواه ابن ماجه: 1395.
^20 رواه مسلم: 2747.
^21 بنحوه رواه البخاري: 252.