الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب الصيام من دليل الطالب/(3) كتاب الصيام- من قوله: “فصل: ومن فاته رمضان قضى عدد أيامه..”
|categories

(3) كتاب الصيام- من قوله: “فصل: ومن فاته رمضان قضى عدد أيامه..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

فصل من فاته رمضان

قال المصنف رحمه الله:

فصل: ومن فاته رمضان قضى عدد أيامه.

يعني: عدد أيام ما أفطر؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].

حكم المبادرة بالقضاء

ويسن القضاء على الفور، إلا إذا بقي من شعبان بقدر ما عليه، فيجب.

يسن المبادرة بالقضاء هذا هو الأفضل؛ ولذلك من عليه أيام من رمضان الأفضل أن يقضيها في شهر شوال، ويبادر بالقضاء، لكن ذلك لا يجب، إلا إذا بقي من شعبان بقدر ما عليه.

فمثلًا: لو أن امرأة عليها سبعة أيام من رمضان العام الماضي، ولم تقض حتى الآن، يجب عليها اعتبارًا من غد أن تقضي؛ لأنه ما بقي على رمضان إلا سبعة أيام.

ويستحب أن يكون القضاء متتابعًا.

ولهذا قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في استحباب التتابع في قضاء رمضان”.

حكم صيام التطوع لمن عليه قضاء

قال: ولا يصح ابتداء تطوع من عليه قضاء رمضان.

أي: من عليه قضاء صوم واجب، فليس له أن يتطوع، ليس له أن يصوم عرفة، ليس له أن يصوم عاشوراء، بل يبدأ بالقضاء الواجب؛ لقول النبي : اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء [1].

والقول الثاني في المسألة: أنه يجوز أن يتطوع، يجوز أن يصوم صيام النافلة قبل القضاء، ما لم يضق الوقت، وهذا هو قول الجمهور؛ لعموم الأدلة، ومنها قول الله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].

وكما لو أتى بالسنة في الصلاة قبل الفريضة، لو كان عليه فريضة صلاة فريضة، وأتى بنافلة فإنه يصح، فكما يصح ذلك في الصلاة، فيصح ذلك في الصيام، وهذا هو القول الراجح: أنه يجوز التطوع بالصوم قبل القضاء، وإن كان الأولى أن يبادر بقضاء الصوم الواجب.

لكن ترد هنا مسألة: وهو حكم تقديم صيام الست من شوال على قضاء رمضان، هذه مسألة أخرى تختلف.

فعلى المذهب يعني: لا يصح بناء على تقريرهم للمسألة السابقة، لكن على القول الثاني وهو قول الجمهور، وهم القائلون بجواز تقديم النفل على الفريضة، يرى بعضهم أنه وإن كان يصح تقديم النفل على الفريضة، إلا أنه لو قدم صيام الست من شوال على القضاء، فإنه لا يحصل على الثواب المذكور في قول النبي : من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر [2]؛ لأنه لا يصدق عليه أنه صام رمضان، وإنما صام بعض رمضان، فلا زال عليه أيام من رمضان لم يصمها، وهذا هو الأقرب -والله أعلم-، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله.

فإذا أراد أن يحصل على الفضل الوارد في الحديث: من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال فعليه أن يبادر أولًا بقضاء الصوم الواجب.

حكم قلب النية في الصيام

قال: فإن نوى صومًا واجبًا أو قضاء، ثم قلبه نفلًا صح.

لو نوى صومًا واجبًا، أو نوى قضاء، ثم قلب النية لصوم نافلة، فيصح ويكون نافلة، لكن لا يجوز قطع الصوم الواجب إذا شرع فيه، أن يقطعه لا يصح، أما إذا قلبه نفلًا فيصح ذلك.

صيام التطوع

ثم تكلم المؤلف عن صيام التطوع، قال:

ويسن صيام التطوع.

ويسن صوم التطوع؛ وتكلمنا في الدرس السابق، أو في درس العصر عن فضل الصوم، وأن الأحاديث بعمومها تشمل الصوم الواجب وصوم التطوع؛ لقول النبي : عليك بالصوم، فإنه لا مثل له [3].

ما يسن صومه

وأفضله يوم ويوم.

أفضل الصيام صيام داود، كان داود عليه السلام يصوم يومًا، ويفطر يومًا، لكن هل كان النبي يصوم يومًا، ويفطر يومًا؟

الجواب: لا، وإنما كان يصوم حتى يقول القائل: لا يُفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا يصوم، وجاء في صحيح مسلم: أن النبي لما سُئل عن صيام يوم وإفطار يومين، قال: وددت أني طوقت ذلك [4] يعني: وددت أني أستطيع أن أصوم يوم وأفطر يومين، نعم، يفطر يومين، ليس يوم ويوم، لا.

قال: وددت أني طوقت ذلك يعني: لماذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يستطيع؟

لأنه مشغول بمصالح أرجح، مشغول بقيادة الأمة كلها، هو النبي، وهو الرسول، وهو المفتي، وهو الموجه، وهو كل شيء بالنسبة للصحابة، فقال: وددت أني طوقت ذلك فبعض الناس قد لا يستطيع أن يُكثر من صيام النافلة بسبب انشغاله بمصالح أرجح.

ولهذا لما كتب أحد العبّاد للإمام مالك ينتقده بأنه ليس بكثير صيام النافلة، فقال: إن الله قسّم الأعمال كما قسّم الأرزاق، فمن الناس من يفتح له في باب، ولا يفتح له في باب آخر، فمن الناس من يفتح له في باب الصلاة، ومن الناس من يُفتح له في باب الصدقة، ومن الناس من يُفتح له في باب الصوم، ومن الناس من يفتح له في باب البذل والإنفاق، ومن الناس من يفتح له في القرآن، قال: وأنا قد فُتح لي في باب نشر العلم وتعليمه، وما أنا فيه ليس بأقل مما أنت فيه، وكلانا على برّ وخير.

وهذه القصة أوردها الذهبي في السير، وعلق بعض العلماء على هذه القصة، فقال: بل ما فيه الإمام مالك خير مما عليه هذا العابد؛ لأن نشر العلم وتعليمه نفعه متعد، فهو أفضل من صيام النافلة.

المقصود أن الأعمال فتوحات، إذا فُتح لك في باب ينبغي أن تغتنمه، ولا تنتقد غيرك ممن لم يُفتح له في هذا الباب.

قال: وسن صوم أيام البيض، وهي ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة.

لحديث أبي ذر ، رواه الترمذي، وفي سنده مقال، وبعض أهل العلم يحسنه بمجموع طرقه [5]، والثابت من الأحاديث الصحيحة: ما رُوي في الصحيحين وغيرهما: هو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، كما جاء في حديث أبي هريرة [6]، وفي حديث أبي الدرداء [7]، وفي حديث عبدالله بن عمرو [8].

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها؛ وذلك صيام الدهر كله يعني: لأن ثلاثة في عشرة كم؟ ثلاثين، فإذا صمت ثلاثة أيام كأنك صمت الشهر كاملًا.

لكن إن أراد أن يجعل هذه الثلاثة أيام في أيام البيض كان ذلك حسنًا؛ لأن الحديث من أهل العلم من يصححه.

وصوم الخميس والإثنين.

أما صوم الإثنين فقد جاء فيه حديث أبي قتادة: أن النبي سُئل عن صيام يوم الإثنين، فقال: ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، أو أنزل عليَّ فيه [9]، رواه مسلم، وأما صوم الخميس فجاء في ذلك حديث أسامة بن زيد: أن النبي قال عن الإثنين والخميس: ذاك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي، وأنا صائم [10] أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد، وفي سنده مقال، ولكن عليه عمل كثير من السلف صيام يوم الإثنين والخميس.

ولذلك من كان يصوم يومي الإثنين والخميس فليستمر على صومهما، فذاك عمل صالح، ويمكن لمن كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر أن يجعل الصيام في يوم الإثنين، يعني يصوم الإثنين، ثم الإثنين، ثم الإثنين، فيحوز بذلك على أجر صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وعلى أجر صيام الإثنين.

وستة من شوال.

لحديث أبي أيوب ، أن النبي قال: من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر [11]، ومعنى صيام الدهر، يعني: كصيام السنة.

نطرح السؤال الآن، وهو السؤال الأخير على الرجال كان كصيام الدهر كيف يكون صيام ستة أيام من شوال، كصيام الدهر؟

نعم، ما أجبت من قبل، طيب تفضل.

الطالب: يعني الست أيام وصوم رمضان كصيام السنة.

الشيخ: يعني: ستة أيام إذا ضربناها في عشرة، عن كم يوم؟

الطالب: ستين يومًا.

الشيخ: والستة أيام؟

الطالب: عن شهرين.

الشيخ: ستة أيام عن شهرين، ستة أيام عن ستين يومًا، زائد رمضان تصبح كالسنة، أحسنت بارك الله فيك.

يعني ستة أيام عن ستين يومًا، يعني عن شهرين، ورمضان عن عشرة أشهر، فإذا ضممت عشرة أشهر لستين يومًا أصبح عن السنة كلها، هذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: كصيام الدهر يعني: كصيام السنة، المقصود بالدهر السنة.

وسُن صوم المحرم.

لقول النبي : أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم [12] رواه مسلم.

وآكدها عاشوراء.

وهو العاشر من محرم، لكن يستحب أن يصام معه يوم قبله، أو يوم بعده، تحقيقًا لمخالفة اليهود، وصيام يوم قبله أفضل؛ لقول النبي : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع [13].

وهو كفارة سنة.

لقوله عليه الصلاة والسلام: صيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله [14].

وصوم عشر ذي الحجة.

مراد المصنف تسع ذي الحجة؛ لأن اليوم العاشر هو يوم العيد فلا يصام، ويسن صيام التسعة الأيام الأولى من ذي الحجة لدخولها في عموم قول النبي : ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء [15]، ويدخل في هذا كل عمل صالح، ومن ذلك الصيام.

وآكده يوم عرفة، وهو كفارة سنتين.

آكد يعني صيام التسع من ذي الحجة يوم عرفة؛ لقول النبي : صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده [16]، وهذا لغير الحاج، أما الحاج فيكره له أن يصوم عرفة بعرفة.

ما يكره إفراده بالصوم

وكره إفراد رجب.

لما فيه من التشبه بأهل الجاهلية، فإن من شعار أهل الجاهلية أنهم كانوا يعظمون شهر رجب، ولم يرد في تخصيص شهر رجب شيء، وقد صنّف الحافظ ابن حجر رسالة سماها “تبيين العجب لما ورد في شهر رجب” وانتهى إلى أنه لم يثبت في شهر رجب شيء من الأعمال، فقط شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم الأربعة.

ولهذا لا يجوز تخصيصه لا بصيام، ولا بصلاة، ولا بعمرة، ولا بأي عمل آخر؛ لأن التخصيص يحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل يدل على تخصيص شهر رجب بعمل صالح.

والجمعة.

أي: يكره إفراد الجمعة بالصوم؛ لقول النبي : لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصوم من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم [17] متفق عليه.

لكن ظاهر الحديث أن النهي يقتضي التحريم؛ لأنه قال: لا تخصوا الجمعة بصيام ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن النهي للتحريم، وهذا هو القول الراجح، ويدل لذلك أن النبي دخل على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة، قال: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تصومين غدًا قالت: لا، قال: فأفطري [18] فأمرها بالإفطار، وهذا يدل على التشديد في إفراد يوم الجمعة بالصوم، فالصواب إذن هو تحريم إفراد يوم الجمعة بالصوم، وأن من أراد أن يصومه يصوم معه الخميس أو السبت.

والحكمة -والله أعلم-: أن يوم الجمعة يعتبر يوم عيد، وهو يوم عيد الأسبوع، فلا يفرد بالصيام، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى.

لكن لو أن أحدًا خصص يوم الجمعة بالصوم، ليس لكونه يوم الجمعة، وإنما لكونه يوم إجازته، فهل يدخل هذا في النهي؟ لا يدخل في النهي؛ لأنه لم يخصص يوم الجمعة؛ لكونه يوم الجمعة، وإنما خصصه لكونه يوم الإجازة بالنسبة له.

حكم إفراد السبت بالصوم

والسبت بالصوم.

يعني: يكره إفراد السبت بالصوم؛ لحديث الصماء بنت بسر: أن النبي قال: لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب، أو عود شجرة فليمضغه [19]، وهذا الحديث أخرجه أصحاب السنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وهو حديث ظاهر إسناده الصحة، لكن عامة المحدثين على عدم ثبوته.

ولهذا قال الإمام مالك: هذا كذب، وقال أبو داود: حديث منسوخ، وقال النسائي: حديث مضطرب، وضعفه كذلك الحافظ ابن حجر، وكذلك ابن تيمية قال: إن هذا الحديث إما شاذ غير محفوظ، وإما منسوخ.

فعامة أهل العلم على عدم ثبوته، قالوا: ولو ثبت فهو شاذ، ويعني بعض العلماء المعاصرين مثل الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله أخذ بظاهر هذا الحديث، كان يضعف الحديث أولًا، ثم صححه وأخذ بظاهره، وقال: لا يجوز صيام يوم السبت، إلا في الفرض فقط.

والصواب ما عليه أكثر العلماء من أن يوم السبت كغيره من الأيام، وأن هذا الحديث لا يثبت من جهة الصناعة الحديثية، ومما يدل لذلك: حديث جويرية السابق، فإن النبي لما دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، قال: أصمت أمس يعني: الخميس، قالت: لا، قال: أتصومين غدًا؟ يعني: السبت، فهذا يدل على مشروعية صيام السبت، وأنه كغيره من الأيام.

وعلى هذا نقول: لا بأس بصيام يوم السبت، ولا بأس بإفراد يوم السبت بالصوم؛ لأنه لم يثبت في ذلك نهي عن النبي .

وكره صوم يوم الشك، وهو الثلاثون من شعبان إذا لم يكن غيم أو قتر.

هذه المسألة تكلمنا عنها في درس العصر، وكان الأولى أن المصنف رحمه الله يقدم الكلام عنها في ذلك الموضع، لكن ربما أنه أوردها هنا؛ لأنه في معرض الكلام عما يكره صيامه من الأيام، لكن تكلمنا عنها بالتفصيل في درس العصر.

ما يحرم صومه

ويُحرّم صوم العيدين.

وهذا بالإجماع؛ لحديث أبي سعيد: “أن النبي نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر” [20].

وأيام التشريق.

يحرم صوم أيام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة، إلا في حالة واحدة، وهي الصيام في حق من لم يجد الهدي؛ لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: “لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن، إلا لمن لم يجد الهدي” [21].

حكم الإفطار في صوم التطوع

ومن دخل في تطوع لم يجب إتمامه.

يعني: من صام صيام تطوع يجوز له أن يقطعه، والمتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، هذه العبارة وردت في حديث عن النبي لكنه ضعيف.

والفقهاء يذكرونه في كتب الفقه: المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، والنبي دخل ذات يوم على عائشة قال: هل عندكم شيء؟ قالت: لا، قال: فإني إذن صائم [22]، ودخل ذات يوم على إحدى زوجاته وهو صائم، قالت: “أُهدي لنا حيس” وهو التمر مع السمن والأقط، قال: أرينيه، فلقد أصبحت صائمًا، فأكل [23]، فالمتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر.

نعم، جميع النوافل لا تلزم بالشروع فيها إلا نافلة واحدة، تلزم بالشروع فيها وهي الحج والعمرة، أحسنت.

وفي فرض يجب ما لم يقلبه نفلًا.

يعني: إذا ابتدأ صيام الفرض يجب إتمامه، ولا يجوز قطعه إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا قلبه نفلًا، ولم يكن صيام رمضان، بهذا نكون قد انتهينا من أحكام الصيام، وننتقل لكتاب الاعتكاف.

كتاب الاعتكاف

الاعتكاف في اللغة: اللزوم، لزوم الشيء، والإقامة عليه، العين والكاف والفاء تدل على اللزوم والحبس والإقامة: فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ [الأعراف:138]، وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح:25] يعني: محبوسًا.

أما شرعًا عرف بتعريفات كثيرة، من أحسنها: لزوم مسجد لعبادة الله تعالى من شخص مخصوص على صفة مخصوصة، ويسمى الاعتكاف جوارًا؛ ولذلك جاء في بعض الأحاديث: “أن النبي كان يجاور في العشر الأواخر” [24]؛ ما معنى يجاور؟ يعني: يعتكف.

والنبي اعتكف العشر الأوائل من رمضان؛ طلبًا لليلة القدر، فقيل: إنها أمامك، فاعتكف العشر الأواسط، فقيل: إنها أمامك، فاعتكف العشر الأواخر، واستقر اعتكافه على العشر الأواخر من رمضان.

وفي سنة من السنوات أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يعتكف في العشر الأواخر، وكان أزواجه يعتكفن معه، فأتت كل واحدة من زوجاته خباء، أتت الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، وكل واحدة تقلد الأخرى، وتتنافس معها، فدخل النبي المسجد، فقال: آلبر أردتن؟ ثم أمر بنزعها كلها [25]، وقال: أنا لن أعتكف، ما اعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأواخر من ذلك العام، لكنه قضى ذلك فاعتكف العشر الأول من شهر شوال قضاء.

والاعتكاف من الشرائع القديمة، والله تعالى يقول: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125] فيدل على أن الاعتكاف كان موجودًا في زمن إبراهيم، وأيضًا مريم عليها السلام: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا [مريم:17].. كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37] فمريم كانت معتكفة في المسجد.

حكم الاعتكاف والحكمة منه

والحكمة منه: أن يتفرغ المسلم للعبادة، وأفضله أن يكون في العشر الأواخر من رمضان.

قال: وهو سنة.

الأصل في الاعتكاف أنه سنة، ولا يجب إلا في حالة واحدة، قال المصنف: ويجب بالنذر، لا يجب إلا بالنذر.

شرط صحة الاعتكاف:

وشرط صحته ستة أشياء.

شروط صحة الاعتكاف:

الأول: النية

النية.

النية؛ لحديث: إنما الأعمال بالنيات [26].

الثاني: الإسلام

والإسلام.

فلا يصح الاعتكاف من كافر؛ لأن الاعتكاف عبادة، والعبادة لا تصح من الكافر.

الثالث: العقل

والعقل.

فغير العاقل غير مكلف، ومرفوع عنه القلم، فلا يصح الاعتكاف منه.

الرابع: التمييز

التمييز.

ولاحظ أن المصنف هنا لم يقل: والبلوغ، وهذا فيه إشارة إلى أن الاعتكاف يصح من الصبي المميز.

الخامس: عدم ما يوجب الغسل

وعدم ما يوجب الغسل.

لحديث عائشة: لا أحل المسجد لحائض، ولا جنب [27]، وهذا الحديث وإن كان في سنده مقال، لكن له طرق متعددة يشد بعضها بعضًا.

السادس: أن يكون بمسجد

وكونه بمسجد.

وهذا من أهم شروط صحة الاعتكاف، يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون بمسجد، وهذه المسألة احتاج الناس للكلام عنها لما أتت جائحة كورونا، وصار الحَجر، ولزم الناس بيوتهم، أصبح الناس يسألون هل يُشرع الاعتكاف داخل البيوت؟

الجواب: لا يُشرع؛ لأن من شروط صحة الاعتكاف أن يكون في مسجد، وإن كان هناك بعض طلبة العلم قالوا: إنه يصح الاعتكاف، لكن هذا قول غير صحيح، من شروط صحة الاعتكاف المسجد بالإجماع، إلا عند الحنفية بالنسبة للمرأة سيأتي الكلام عنه.

قال: ويزداد في حق من تلزمه الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه.

لأن الجماعة واجبة، فلا بد أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة، وأما بالنسبة للمرأة فيشترط أيضًا لصحة اعتكافها الشروط السابقة، إلا أنه لا يشترط أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة؛ لأن المرأة لا تجب عليها الجماعة.

حكم اعتكاف المرأة بمسجد بيتها

وهل يجوز للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها؟

الحنفية أجازوا ذلك، والجمهور على منعه، والصواب أن ليس لها أن تعتكف في بيتها، ولو كان سائغًا لأذن النبي لأزواجه بذلك، وأزواجه كن يعتكفن في المسجد، فإن تيسر مكان في المسجد تعتكف فيه المرأة وأمنت الفتنة؛ شرع لها الاعتكاف، وإلا لا تعتكف؛ لأن من شروط صحة الاعتكاف أن يكون بمسجد.

ما له حكم المسجد

ثم قال المصنف رحمه الله:

ومن المسجد ما زيد فيه.

يعني: ما زيد في المسجد يأخذ حكم المسجد، والزيادة لها حكم المزيد؛ ولذلك المسجد النبوي القديم لا زال متميزًا ببنائه، لكن المزيد له أكبر منه بعدة مرات، لكنه يأخذ حكمه، فالزيادة لها حكم المزيد، وهكذا أيضًا الزيادة في المسجد الحرام تأخذ حكم المسجد الحرام، فالزيادة لها حكم المزيد، فمثلًا: لو أن هذا الجامع عمل له توسعة، فهذه التوسعة يجوز الاعتكاف فيها.

قال: ومنه سطحه.

يعني: سطح المسجد يأخذ حكم المسجد، لو كانت غرفة في سطح المسجد يصح الاعتكاف فيها.

ورحبته المحوطة.

الرحبة معناها: الساحة، يعني ساحة المسجد الخارجية، هل يصح الاعتكاف فيها؟

الجواب: يصح بشرط أن تكون محوطة بسور المسجد، أما إذا كانت مفتوحة ليست محوطة بسور المسجد لا يصح الاعتكاف فيها.

فبعض الساحات تكون مفتوحة، هذه لا يصح الاعتكاف فيها، لكن لو كانت محوطة بسور المسجد يصح الاعتكاف فيها.

ومنارته التي هي، أو بابها فيه.

المنائر قديمًا كانت داخل المسجد، فلذلك نجد أن الفقهاء يقولون: إنه يصح الاعتكاف داخل المنارة، لكن في وقتنا الحاضر أصبحت المنائر خارج المساجد، فإذا كانت المنارة خارج المسجد لا يصح الاعتكاف فيها.

طيب إذا كانت الغرف الموجودة في المساجد، الأصل أنها إذا كانت محاطة بسور المسجد فهي من المسجد، ويصح الاعتكاف فيها، أما إذا لم تكن محاطة بسور المسجد، فليست من المسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها.

الغرف الأمامية نعم من المسجد يصح الاعتكاف فيها.

حكم من عين الاعتكاف بمسجد

قال: ومن عين الاعتكاف بمسجد غير الثلاثة لم يتعين.

أولًا: إذا عين الاعتكاف في المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى تعين، أما إذا عينه في غير المساجد الثلاثة لم يتعين له أن يعتكف في أي مسجد.

فلو أن رجلًا عين الاعتكاف في هذا المسجد بجامع الملك خالد بأم الحمام لا يتعين، له أن يعتكف مثلًا بجامع الراجحي في أي جامع.

لكن لو عين الاعتكاف في المسجد النبوي، فهل له أن يعتكف في المسجد الحرام؟

نعم؛ لأنه ينتقل من مفضول إلى أفضل، وقد جاء في سنن أبي داود عن جابر : أن رجلًا أتى النبي يوم الفتح، فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، فقال له النبي : صل ها هنا، يعني: في المسجد الحرام، فأعاد عليه، قال: صل ها هنا فأعادها عليه، قال: صل ها هنا فأعادها عليه، قال: شأنك إذن [28]، فهنا النبي عليه الصلاة والسلام أمره بأن ينتقل من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام؛ لكونه أفضل.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك لمبطلات الاعتكاف، طيب بالنسبة لإجابات الأخوات:

يعني: وردنا عدد من الإجابات، لكن نعمل قرعة عليها؛ لأن عندنا عدد من الإجابات، فنأخذ الإجابة الأولى بالنسبة للحامل والمرضع، ماجدة بنت عبدالله المقيرين لها جائزة مقدارها مائتا ريال، تُرسل لها إن شاء الله، هذا بالنسبة للسؤال الأول الحامل والمرضع.

طيب نأخذ للسؤال الثاني طيب نأخذ قرعة…، يعني هذا إجابة عن سؤالين، نحن قلنا: سؤال واحد، ونستبعد هذا، غسيل الكلى نعم يفطر سواء كان دمويًا أو لا، لكن السبب غير صحيح، طيب، غسيل الكلى يفطر، لكن لم تذكر السبب، نستبعد الإجابة، نعم، طيب، نعم هذه الثانية نجود محمد المهنا أيضًا لها مائتا ريال.

مبطلات الاعتكاف

نعود لمبطلات الاعتكاف، قال:

ويبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير عذر.

وهذا باتفاق العلماء: أن الخروج من المسجد لغير عذر أنه يبطل الاعتكاف، كالخروج مثلًا للبيع أو الشراء، ومن ذلك: خروج الموظف لوظيفته، هذا خروج لغير عذر يبطل الاعتكاف.

ما الحل؟ موظف يريد أن يعتكف، ويريد أن يذهب لعمله ما الحل؟

الطالب: يقطع الاعتكاف ثم يعاود مرة ثانية.

الشيخ: نعم، نقول: إذا خرج إلى عمله ينوي قطع الاعتكاف، وإذا رجع من العمل ينوي ابتداء الاعتكاف مرة أخرى، يعني يعتكف عدة مرات، فهو يعتكف حتى يخرج لعمله ينتهي اعتكافه، ثم إذا رجع من العمل يبدأ اعتكافًا جديدًا، وهكذا.

قال:

وبنية الخروج، ولو لم يخرج.

لأن هذه النية تنافي الاعتكاف.

وبالوطء في الفرج.

وهذا منصوص عليه: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، ويعني: قد يستغرب كيف يكون الوطء في الفرج للمعتكف، أنا كنت استشكل هذا سبحان الله، وأتاني سؤال في الحرم عن هذه المسألة: عن رجل كان معتكفًا في المسجد الحرام، ثم ذهب الفندق لقضاء حاجة، يجوز لدورة المياه، ثم حصل منه هذا الأمر، فسبحان الله يعني هذه الأمور قد تحصل في مثل هذه الأحوال.

وبالإنزال بالمباشرة دون الفرج.

لعموم الآية: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

وبالردة.

يعني هذه حالة نادرة، لكن قد تحصل، لو ارتد وهو معتكف، لكن كما قلنا سابقًا: إن العمل لا يحبط بالردة إلا بالموت.

وبالسكر.

هذه من غرائب المسائل، كيف يكون سكران ويعتكف؟ لكن الفقهاء يذكرون مسائل نادرة الوقوع، حتى لو وقعت يكون طالب العلم على تصور بها.

لا، هذه قد ترد أيضًا المتعاطي لبعض المخدرات بعضهم قد يعتكف، يكون مبتلى بالمخدرات، ومدمن عليها، فيعني مثل هذا السكر وتعاطي المخدرات هذه تبطل الاعتكاف.

حكم الاعتكاف إذا بطل

وحيث بطل الاعتكاف، وجب استئناف النذر المتتابع غير المقيد بزمن ولا كفارة.

إذا بطل الاعتكاف، فالاعتكاف أصله سنة، لا يترتب على بطلان الاعتكاف شيء، إلا إذا كان الاعتكاف نذرًا، فإذا كان نذرًا فهو واجب، فيجب استئناف النذر المتتابع.

لو نذر مثلًا أن يعتكف ثلاثة أيام، لا بد من استئناف النذر المتتابع غير المقيد بزمن، ولا كفارة عليه، نذر أن يعتكف ثلاثة أيام، ثم أتى بمبطل من مبطلات الاعتكاف، فيستأنف الاعتكاف من جديد.

حكم الاعتكاف المقيد بزمن إذا بطل

قال:

وإن كان مقيدًا بزمن معين استئنافه، وعليه كفارة يمين؛ لفوات المحل.

لو نذر مثلًا يعتكف أول ثلاث ليالي من العشر الأواخر من رمضان، ثم حصل مبطل من مبطلات الاعتكاف، فيلزمه أن يعتكف ثلاثة ليالي أخرى مع الكفارة، الكفارة لأجل فوات المحل.

أكثر الاعتكاف:

لا حد لأكثره، وأما أقله فمحل خلاف، من الفقهاء من قال: إن أقل الاعتكاف يوم وليلة، ولكن يرد عليه أن النبي قال لعمر لما قال يا رسول الله: إني نذرت أن أعتكف يومًا في الجاهلية في المسجد الحرام، قال عليه الصلاة والسلام: أوف بنذرك [29]، جاء في بعض الألفاظ: ليلة، نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، في لفظ: يومًا، فقال: أوف بنذرك واليوم أو الليلة أقل من أربع وعشرين ساعة، يعني اليوم المقصود به النهار.

فيعني القول الثاني في المسألة: أنه لا حد لأقل الاعتكاف، بل ما سمي اعتكافًا عرفًا فهو اعتكاف، وهذا هو القول الراجح، يعني مثلًا خمس دقائق لا تسمى عرفًا اعتكاف، لكن مثلًا ساعتين يسمى اعتكاف، فالصواب أن لا حد لأقل الاعتكاف، وأن المرجع في ذلك إلى العرف.

حكم خروج المعتكف لحاجة

قال: ولا يبطل الاعتكاف إن خرج من المسجد لبول، أو غائط، أو طهارة واجبة، أو لإزالة نجاسة، أو لجمعة تلزمه، ولا إن خرج للإتيان بمأكل ومشرب لعدم خادم، وله المشي على عادته.

لا يبطل الاعتكاف إن خرج لقضاء الحاجة للبول أو الغائط، يعني: لو ذهب لدورة المياه لقضاء الحاجة، فلا بأس، لكن لو أراد أن يخرج لدورة مياه البيت؛ لكون البيت قريبًا من المسجد، فهل يصح؟

هذا محل خلاف، والأظهر -والله أعلم- أنه إن كان ممن يحتشم من استخدام دورات مياه المسجد، جاز له الذهاب للبيت لاستخدام دورات مياه البيت.

أما إن كان ممن لا يحتشم منها، فليس له الذهاب للبيت، هذا هو الأقرب -والله أعلم-، وقد ذكر هذا الموفق ابن قدامة في المغني وغيره.

أو طهارة واجبة، يعني الوضوء مثلًا لو خرج للوضوء، أو للغُسل فلا بأس، أو لإزالة نجاسة كذلك، أو لجمعة تلزمه، إذا كان معتكفًا في مسجد أوقات، وأراد أن يخرج لصلاة الجمعة فلا بأس.

ولا إن خرج للإتيان بمأكل ومشرب، لو أراد أن يذهب للمطعم لأجل أن يأتي بالفطور، أو السحور فلا بأس، لكن قال: لعدم خادم، إذا لم يوجد من يخدمه، أما إذا وجد فليس له الذهاب.

وله المشي على عادته، له أن يذهب ماشيًا من غير حاجة لأن يُسرع في المشي، أو يذهب بالسيارة، له أن يذهب ماشيًا على عادته.

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: “وينبغي لمن قصد المسجد”، طيب قبل هذا في يعني رسالة، الوقت ضاق معنا، مسائل الاعتكاف كثيرة، وفيها تفاصيل أكثر مما ذكرت، لكن في كتاب لي بعنوان: خروج المعتكف من معتكفه، والاشتراط فيه، كتاب صغير الحجم، ففيه تفاصيل أكثر لمسائل وأحكام الاعتكاف، ومنها: مسألة الاشتراط في الاعتكاف، رجحت في هذا الكتاب أن الاشتراط في الاعتكاف أنه لا أصل له، كما قال الإمام مالك، وأن الإنسان إذا احتاج للخروج يخرج من غير حاجة للاشتراط.

وأن خروجه لعيادة المريض، واتباع الجنازة، الأصل أن المعتكف لا يخرج، إلا لمن كان له عليه حق، كأبيه؛ مثلًا مات أبوه، أو ماتت أمه، أو مات أخوه، من له عليه حق واجب يجوز له الخروج من غير حاجة للاشتراط.

فمن أراد مزيدًا من التفصيل في مسائل وأحكام الاعتكاف، فيرجع للكتاب المذكور، وأظنه موجود حتى على النت، أحكام خروج المعتكف، والاشتراط فيه.

نية الاعتكاف مدة اللبث في المسجد

آخر مسألة معنا، قال المصنف رحمه الله:

وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه -لا سيما- إن كان صائمًا.

هذا ينص عليه بعض فقهاء الحنابلة، يقولون: إذا دخلت المسجد انوِ الاعتكاف إلى أن تخرج منه؛ ولهذا تجد في بعض المساجد في بعض دول العالم الإسلامي لوحة عند باب المسجد، مكتوب عليها: نويت أن أعتكف في هذا المسجد ما دمت فيه، يلقنونها الناس، ولكن نريد أن نبحث هذا، هل له أصل؟ هل لهذا أصل أم لا؟

الراجح أن هذا العمل لا أصل له، وأنه غير مشروع، كما اختار ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن ذلك لم يرد، والأصل في العبادات التوقيف، وإن كنا قلنا: إن أقل الاعتكاف هو ما يسمى اعتكافًا عرفًا، إلا أن جعل الاعتكاف بهذه الطريقة كلما دخل المسجد نوى الاعتكاف حتى يخرج منه، هذا يحتاج إلى دليل، هذا تخصيص للعبادة بغير مخصص، والأصل في العبادات الحظر والمنع، إلا ما ورد الدليل بمشروعيته.

ثم أيضًا لم يرد مثل هذا عن الصحابة والتابعين، لم يرد مثل هذا، أعطنا أثرًا واحدًا فقط عن صحابي أو عن تابعي أنه كان يفعل هذا، لم يرد هذا؛ ولهذا فهذا العمل غير مشروع، بل يخشى على من يفعل ذلك بصفة مستمرة أن يقع في البدعة.

لكن لو كان هذا بصفة عارضة، يعني مثلًا: عندما تذهب للمسجد لصلاة التراويح، تنوي الاعتكاف حتى تخرج من المسجد، هذا لا بأس، لكن لا يكون هذا بصفة مستمرة، وبصفة دائمة، خاصة في العشر الأواخر من رمضان.

إذا أتيت المسجد ونويت الاعتكاف حتى تخرج منه، إذا كان بصفة عارضة فلا بأس بذلك، أما أن يكون ذلك بصفة دائمة، كلما دخل المسجد نوى الاعتكاف فيه، فهذا لا أصل له.

وبهذا نكون قد انتهينا مما أردنا شرحه من أحكام الصيام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الأسئلة

الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة.

السؤال: هذا يقول: أخي يأخذ قطرة عين بشكل يومي، فإذا قطر في عينه حس بطعمها في جوفه، فهل تفطر؟

الشيخ: قطرة العين لا تُفطر، حتى لو أحس بطعمها في جوفه؛ لأن هذا الذي يحس به هو رطوبة، والعين ليست بمنفذ معتاد للطعام والشراب.

السؤال: حكم الجمع بين الصلاتين لمريد السفر، وهو لا زال في الحضر، ولم يفارق البنيان.

الشيخ: لا يجوز، الجمع بين الصلاتين من غير عذر لا يجوز، وهو لم يفارق العمران بعد، لم يبدأ في رخصة السفر، ومنها: الجمع، ليس له الجمع ولا القصر ولا الفطر في نهار رمضان، إلا بعد مفارقة العمران.

السؤال: ذكرتم أن ما كان محاطًا بسور المسجد من المسجد، ويصح الاعتكاف فيه، فهل تجري عليه أحكام المسجد من عدم المكث فيه لمن كان على جنابة، وحرمة البيع والشراء؟

الشيخ: نعم، تجري فيه أحكام المسجد تمامًا، فساحات المسجد المحاطة بسور المسجد من المسجد، وأما غير المحاطة بسور المسجد، فهذه ليست من المسجد.

السؤال: امرأة لا ترى الماء في الاحتلام بالليل، وهي تراه حتى في الجماع، فكيف تفعل في الاحتلام، أم تأخذ بالقرائن، رغم أنها مصابة بالوسواس؟

الشيخ: نعم، مثل هذه الأسئلة تكون عادة لمن عنده وسواس، فنقول: لا يلزم أن ترى الماء، هو لا بد للغسل بالنسبة لاحتلام المرأة أن يكون كالرجل، أن يكون دفقًا بلذة، هذا هو الموجب للغسل، وأيضًا: ترى أثر الماء، فإذا لم تتحقق هذه الأوصاف لا يجب الغسل.

السؤال: عندي قرض عقاري مخصص للبناء هل عليه زكاة؟

الشيخ: أي: مبلغ نقدي يبلغ نصابًا، ويحول عليه الحول فتجب فيه الزكاة، بغض النظر عن الغرض الذي ادخرت لأجله هذا المبلغ، سواء أكان مخصصًا للبناء، أو مخصصًا للزواج، أو مخصصًا للنفقة، أو مخصصًا للاستثمار، أو لأي شيء، ما دام قد بلغ نصابًا، وحال عليه الحول، فتجب فيه الزكاة.

لكن إذا كان عليك دين، فإن كان الدين حالًا، فتخصم هذا الدين من المبلغ الذي تريد أن تزكيه، يعني من المال الذي تريد أن تزكيه، إذا كان عليك دين، فتخصم هذا الدين من المال الذي تريد أن تزكيه.

مثال ذلك: رجل عنده مائة ألف ريال، لكن حل عليه قسط بعشرة آلاف ريال، فيخصم من عشرة آلاف من المائة ألف، مع ذلك أنه يزكي تسعين ألفًا، وليس مائة ألف.

السؤال: المغمى عليه إذا تناول مفطرًا أثناء الإغماء هل يفسد صومه؟

الشيخ: نعم، يفسد صومه، أحيانًا المغمى عليه يُعطى سكرًا، أو يُعطى بعض الأطعمة، هنا يفسد صومه قولًا واحدًا.

السؤال: المرأة إذا حاضت بعد دخول وقت صلاة الظهر، هل تقضي؟

الشيخ: نعم، تقضي بعد الطهر، ما دام دخل عليها الوقت وبإمكانها أن تصلي ولم تصل، فأتاها دم الحيض، فتقضي هذه الصلاة بعد طهرها.

السؤال: أعمل في محل تجاري، وأقوم بشراء بعض الأشياء للمحل الذي أعمل فيه، وأصحاب المحلات يعطونني بعض الهدايا؛ لكي أستمر في التعامل معهم، هل يجوز؟

الشيخ: لا يجوز؛ لأن هذا نظير هذا وقع في عهد النبي لابن اللُّتْبِيَّة أرسله النبي لقبض الزكوات، فأتى النبي ، وأعطاه الزكاة، وقال: هذه الهدايا لي.

فالنبي عظّم المسألة، وصعد المنبر، وحمد الله، وأثنى عليه، وقال: ما بال الرجل نستعمله، ويقول: هذا لكم، وهذا أُهدي إليَّ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه شيء، أم لا؟ [30]، القاعدة في هذا الباب: لو أن هذا المهدى إليه جلس في بيت أبيه وأمه، هل سيهدى إليه؟ إذا كان لا، لن يهدى إليه، إذن لا يجوز.

أما إذا كان سيهدى إليه، بحكم الصداقة، أو الزمالة، أو نحو ذلك، فلا بأس، فالضابط في هذا هو قول النبي : أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟.

السؤال: ما حكم وضع إعلانات داخل المسجد، مثل علب الماء والبرادات؟

الشيخ: لا يجوز وضع الإعلانات داخل المسجد، النبي يقول: إذا رأيتم من يبيع أو يشتري في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك [31]، وهذا يدل على أن الأمور التجارية كلها لا تكون بالمسجد، لا البيع ولا الشراء، ولا الدعاية ولا الإعلان.

المساجد دور عبادة، إنما بنيت لما بنيت له، فلا يجوز أن تكون فيها إعلانات تجارية، ولا دعايات، ولا بيع، ولا شراء، ولا صفقات تجارية، هذا كله لا يجوز.

السؤال: ما حكم شرب الماء وقت أذان الفجر؟

الشيخ: لا بأس بذلك؛ لقول النبي : إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه [32]، أخرجه أبو داود، وله طرق متعددة، وهو ثابت بمجموع طرقه، هذا من جهة الأثر.

ومن جهة النظر: إضاءة الفجر لا تخرج دفعة واحدة، وإنما شيئًا فشيئًا؛ ولذلك لو أن اثنين راقبا الفجر ربما اختلفا، أحدهما يقول: طلع، والآخر يقول: لم يطلع، والأصل بقاء الليل.

ولهذا الآثار عن السلف تدل على التسامح في هذا، فإذا كان وقت الأذان لك أن تأكل، وأن تشرب إلى أن يفرغ المؤذن.

السؤال: حكم الشراء من الأسواق أو المطاعم للمعتكف وهو في المسجد عن طريق الجوال، إما بالاتصال، أو عن طريق المتاجر.

الشيخ: الشراء لا يجوز داخل المسجد، وإنما يخرج المعتكف خارج المسجد ويتصل، لكن إذا اتصل على المطعم، هل يعتبر شراء؟ هل تمت الصفقة؟

إذا أردنا معرفة الجواب نضع بعض اللوازم: لو أنه طلب مثلًا طلبية مطعم، ثم أراد إلغاء الطلب، هل له ذلك؟ نعم، له.

لو أراد صاحب المطعم إلغاء الطلب، قال: والله أنا ما أستطيع أن أوصل لك الطلب، هل له ذلك؟

نعم، إذن لم يتم البيع ولا الشراء، هذا مجرد طلب، فهو وعد بالبيع، ووعد بالشراء، فالطلب إنما يتم إذا أحضر صاحب المطعم الطعام، وأعطاه المبلغ، وهذا سلم الطعام، هنا أصبح فيه إيجاب وقبول، أما ما قبل ذلك فهو وعد، وعد بالبيع، ووعد بالشراء.

ولذلك فالذي يظهر أن الطلب داخل المسجد لا بأس به؛ لأنه وعد، ليس بيعًا ولا شراء، لكن عند الاستلام يستلم خارج المسجد، ويكون فيه إيجاب وقبول، هذا يسلم الثمن، وهذا يسلم الطعام، هذا الذي يظهر لي أن آثار البيع لا تترتب على مجرد الطلب، وإنما تترتب على الاستلام والتسليم.

الطالب: المتاجر.

الشيخ: لا، المتاجر يعتبر شراء.

السؤال: هل البخور يفطر الصائم؟

الشيخ: البخور لا يفطر الصائم، لكن الفقهاء يقولون: يكره البخور للصائم؛ لأنه إذا كثر فربما يكون جرمًا، لكنه لا يفطر الصائم.

فإن قال قائل: إذا قلتم البخور لا يفطر الصائم، إذن تدخين السجائر لا تفطر.

الجواب: بينهما فرق؛ لأن التدخين للسجائر محملة بمادة النيكوتين، ومواد أخرى، ليس فقط المدخن يتناول دخانًا فقط، ما في عاقل يدخل الدخان لجوفه، لا، هو دخان محمل بمواد أخرى، ومن أبرزها مادة النيكوتين، فلذلك التدخين الذي هو السجائر يفسد الصوم.

أما البخور هذا مجرد دخان، لكن ذا رائحة طيبة، فهذا لا يفسد الصيام، وإن كان الأولى أن يجتنبه الصائم.

لعلنا نختم، نعم، ما سؤالك؟

الطالب:

الشيخ: اختصر سؤالك، نعم.

الطالب:

الشيخ: طيب، نعم، نحن قلنا: إن النبي عليه الصلاة والسلام أمره بعتق رقبة، قال: لا أستطيع، أمره بالصيام، قال: لا أستطيع، ما يستطيع الصيام، كان عنده مشكلة، عنده مشكلة؛ عنده الشبق، وما يستطيع أن يصوم، فنقله النبي عليه الصلاة والسلام إلى الإطعام، قال: إني فقير، فسقطت عنه الكفارة.

السؤال: ما الفرق بين من قال: إذا أتيت الفندق سأفطر، ثم غير رأيه؛ أنه لا يفسد الصيام، وبين من قال لزوجته: إذا فعلت كذا فأنت طالق، وأنها إذا فعلت كذا تطلق؟

الشيخ: إذا قال: إذا أتيت الفندق سأفطر، ثم غير رأيه، قلنا: لا يفسد الصيام؛ لأنه لم يجزم بنية الفطر، إذا قال: إن فعلت كذا فأنت طالق، هذا يسميه الفقهاء الطلاق المعلق، إذا نوى به الطلاق وقع، أما إذا لم ينو به الطلاق وهو الغالب، نوى به حثًا أو منعًا أو تصديقًا أو تكذيبًا، فالقول الراجح أنه لا يقع طلاقًا، وإنما فيه كفارة يمين.

والعجيب أن المذاهب الأربعة يرون وقوع الطلاق، ابن تيمية أفتى بعدم وقوع الطلاق، الفتوى في العالم الإسلامي اليوم على فتوى ابن تيمية في عدم وقوع الطلاق، مع أن المذاهب الأربعة يرون وقوع الطلاق، لكنهم رأوا أن فتوى ابن تيمية فيها تيسير على الناس، خاصة مع كثرة وقوعه.

آخر سؤال معنا: الحامل والمرضع هل عليها كفارة إذا هي أفطرت؟

الشيخ: نحن ذكرنا القول الراجح: أن الحامل والمرضع إنما يجب عليهما القضاء فقط، ليس عليهما إطعام ولا كفارة، ولا أي شيء، عليهما القضاء هما كالمريض تمامًا، سواء أفطرتا خوفًا على أنفسهما، أو على ولديهما، أو على أنفسهما وولديهما، الحامل والمرضع إذا أفطرتا فالجواب عليهما القضاء فقط.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1852.
^2, ^11 رواه مسلم: 1164.
^3 رواه النسائي: 2220، وأحمد: 22149.
^4, ^9, ^14, ^16 رواه مسلم: 1162.
^5 رواه الترمذي: 761.
^6 رواه البخاري: 1178، ومسلم: 721.
^7 رواه مسلم: 722.
^8 رواه البخاري: 6277، ومسلم: 1159.
^10 رواه أبو داود: 2436، والترمذي: 747، والنسائي: 2358، وأحمد: 21744.
^12 رواه مسلم: 1163.
^13 رواه مسلم: 1134.
^15 بنحوه رواه البخاري: 969.
^17 رواه البخاري: 1985، ومسلم: 1144 واللفظ له.
^18 رواه البخاري: 1986.
^19 رواه أبو داود: 2421، والترمذي: 744، والنسائي في السنن الكبرى: 2775، وابن ماجه: 1726، وأحمد: 27075.
^20 رواه مسلم: 1138.
^21 رواه البخاري: 1997.
^22, ^23 رواه مسلم: 1154.
^24 رواه البخاري: 2020.
^25 رواه البخاري: 2033، ومسلم: 1173.
^26 رواه البخاري: 1.
^27 رواه أبو داود: 232.
^28 رواه أبو داود: 3305.
^29 رواه البخاري: 2043.
^30 رواه البخاري: 6636، ومسلم: 1832.
^31 رواه الترمذي: 1321، وقال: حسنٌ.
^32 رواه أبو داود: 2350.