الرئيسية/دروس علمية/دروس من الحرم- عمدة الفقه/(5) باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها- من قوله: “وهي خمس..”
|categories

(5) باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها- من قوله: “وهي خمس..”

مشاهدة من الموقع

دروسٌ من الحرم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتَّبع سُنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، نسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

أيها الإخوة، نستأنف هذا الدرس في شرح “العمدة”.

قبل أن نبدأ نُنبه إلى أنه سيُضاف إلى هذا الدرس في شرح “العمدة” درس الفجر -إن شاء الله-، فغدًا الفجر سأكون هنا -إن شاء الله- في شرح “العمدة” بدلًا من الشيخ سعد الشثري -وفقه الله-، وكذلك بعد غدٍ أيضًا، بالإضافة للعصر، فدرس العصر مُستمرٌّ مع الفجر، فسيكون شرح “العمدة” هنا العصر والفجر، إن شاء الله تعالى.

كنا قد وصلنا إلى “بابٌ: الساعات التي نُهِيَ عن الصلاة فيها”.

نبدأ أولًا بالاستماع إلى عبارة المؤلف رحمه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لمؤلف هذا الكتاب، ولشيخنا، ولجميع الحاضرين.

يقول المُصنف رحمه الله:

بابٌ: الساعات التي نُهِيَ عن الصلاة فيها

وهي خمسٌ: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع قِيدَ رُمْحٍ، وعند قيامها حتى تزول، وبعد العصر حتى تتضَيَّف الشمس للغروب، وإذا تضيَّفَتْ حتى تغرب.

فهذه الساعات لا يُصلَّى فيها تطوعًا إلا في إعادة الجماعة إذا أُقيمتْ وهو في المسجد، وركعتي الطواف بعده، والصلاة على الجنازة، وقضاء السنن الرواتب في وقتين منها، وهما: بعد الفجر، وبعد العصر، ويجوز قضاء المفروضات في جميع الأوقات.

الأوقات التي نُهِيَ عن الصلاة فيها

الأصل أن جميع الوقت من الليل أو النهار وقتٌ لصلاة التطوع، فلك أن تُصلي ما شئتَ مَثْنَى، مَثْنَى، ركعتين، ركعتين، هذا هو الأصل، ولكن جعل الشارع خمسة أوقاتٍ في النهار محل نهيٍ عن صلاة التطوع.

وبهذا يُعلم أن الليل ليس فيه وقت نهيٍ، جميع الليل ليس فيه وقت نهيٍ.

وإذا قلنا: الليل، فمتى يبتدئ الليل؟ ومتى ينتهي شرعًا؟

متى يبتدئ الليل؟

غروب الشمس، هذا بإجماع المسلمين: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].

ومتى ينتهي الليل؟

طلوع الفجر، وليس طلوع الشمس، فالليل ينتهي شرعًا بطلوع الفجر، وإن كان عند أهل الفلك ينتهي بطلوع الشمس، بل إن بعض الأحاديث أيضًا محمولةٌ على أن النهار يبتدئ بطلوع الشمس، كما مرَّ معنا في ساعات الجمعة أن مَن أتى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قَرَّبَ بَدَنَةً [1]، وقلنا: هذه تبتدئ بعد طلوع الشمس بساعةٍ، لكن الأصل أن الليل شرعًا ينتهي بطلوع الفجر؛ ولهذا قال الله : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، وعلى ذلك تترتب الأحكام الشرعية: البيتوتة في مِنى وفي مُزدلفة، والوقوف بعرفة … إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية المُترتبة على هذه المسألة.

إذن الليل ليس فيه وقت نهيٍ، فلك أن تُصلي فيه ما شئتَ مَثْنَى، مَثْنَى، لكن السنة أن تُوتر بواحدةٍ، فلو صليتَ -مثلًا- بعد المغرب مَثْنَى، مَثْنَى، ثم صليتَ بعد العشاء، ثم قدَّر الله أنك قمتَ قبل الفجر، وصليتَ ما كتب الله لك أن تُصلي، وتختم صلاة الليل بالوتر، فهذه هي السنة، لكن ليس لصلاة التطوع هنا حدٌّ محدودٌ، فلك أن تُصلي ما شئتَ.

وسبق أن ذكرنا أن أحبَّ العبادات إلى الله هي الصلاة، كما أخبر بذلك النبي [2]، فهي أحبُّ عبادةٍ إلى الله ​​​​​​​.

أما النهار ففيه خمسة أوقاتٍ على وجه التفصيل، وثلاثة أوقاتٍ على سبيل الإجمال، وإنما قلتُ ذلك لأنك ربما تقرأ في بعض كتب الفقه فتجد أن أوقات النهي ثلاثةٌ، وفي بعضها أن أوقات النهي خمسةٌ، فهي خمسةٌ على سبيل التفصيل، وثلاثةٌ على سبيل الإجمال.

والمؤلف هنا ذكرها على سبيل التفصيل:

1. الوقت الأول: قال: “بعد الفجر حتى تطلع الشمس”.

“بعد الفجر” هل المقصود بعد طلوع الفجر، أو بعد صلاة الفجر؟

عبارة المؤلف مُحتملةٌ، وربما أن المؤلف قصد عدم التوضيح لأجل أن يتناول القولين؛ فمن أهل العلم مَن قال: إن وقت النهي يبتدئ بطلوع الفجر، واستدلوا بحديث: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر [3].

والقول الثاني في المسألة: أن وقت النهي يبتدئ من بعد صلاة الفجر؛ لقول النبي : لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس [4] متفقٌ عليه.

والقول الثاني هو القول الراجح، وهو: أن وقت النهي إنما يبتدئ بعد صلاة الفجر؛ لأن الحديث السابق أصحُّ: لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

أما حديث: لا صلاة بعد طلوع الفجر فهو حديثٌ ضعيفٌ لا يثبت من جهة الرواية عن النبي .

وعلى ذلك فالوقت الأول من أوقات النهي إنما يبتدئ من بعد صلاة الفجر، ويمتد حتى تطلع الشمس.

2. الوقت الثاني: قال: “وبعد طلوعها حتى ترتفع قِيدَ رُمْحٍ” يعني: من حين الطلوع وقت الطلوع إلى أن تطلع وترتفع قدر رُمْحٍ.

الحكمة من النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها

الحكمة من النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها هي ما أخبر به النبي : أنها تطلع بين قرني شيطانٍ، فيسجد لها المشركون، فنُهينا عن التَّشبه بهم، نُهينا عن التَّشبه بهؤلاء الذين يسجدون لغير الله .

هذا بالنسبة لوقت الطلوع ووقت الغروب.

إذن لماذا نُهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر؟

من باب سدِّ الذريعة؛ لأن الإنسان لو أُذن له في أن يتنفل بعد صلاة الفجر ربما استمر وتمادى به الأمر إلى أن يصلي وقت طلوع الشمس.

وأما عند منتصف النهار فسيأتي الكلام عن الحكمة من النهي عن الصلاة فيه.

إذن الوقت الأول عندنا من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس.

الوقت الثاني: من حين الطلوع إلى أن تطلع وترتفع قِيدَ رُمْحٍ.

يعني: من حين بروز قرص الشمس إلى أن تطلع وترتفع قِيدَ رُمحٍ، يعني: قدر رُمحٍ، والرمح هو سيفٌ قصيرٌ.

والمقصود في عين الرائي، وليس في حقيقة الأمر، فحقيقة الأمر أن المسافات عظيمةٌ، وهذه الشمس التي نراها أكبر من الأرض بأكثر من مليون مرة، ولا يصل ضوؤها إلى الأرض عندما يصدر الضوء من الشمس إلا بعد ثماني دقائق؛ لأنها تبعد مئةً وخمسين مليون كيلو مترًا.

خلقٌ عظيمٌ، فهي ليست إذن في حقيقة الأمر، وإنما في عين الرائي قدر رُمْحٍ -في عين الناظر-، وهذا القدر يُقدر بنحو عشر دقائق، حسبتُ هذا فوجدتُ أنه من تسع إلى عشر دقائق، وإذا أردتَ أن تعرف هذا على وجه الدقة؛ لأن الناس الآن داخل الأبنية لا يمكن لكثيرٍ منهم أن يذهب ويُطالع الشمس: هل ارتفعتْ قدر رُمْحٍ أم لا؟

فمثلًا: مَن كان هنا في المسجد الحرام كيف يعرف أن الشمس ارتفعت قدر رُمحٍ؟

ولذلك فإن الطريقة في مثل هذا: أن تأخذ التقويم وتنظر إلى الشروق، وكل التقاويم مكتوبٌ فيها وقت الشروق، وتُضيف لوقت الشروق عشر دقائق.

فمثلًا: هذا اليوم الذي نحن فيه يوم الثلاثاء التاسع والعشرون من ربيع الأول سنة ألفٍ وأربعمئةٍ وستٍّ وثلاثين للهجرة، متى تُشرق الشمس هنا؟

تُشرق الشمس هنا الساعة السابعة.

إذن متى يزول وقت النهي؟

السابعة وعشر دقائق، فإذا أردتَ -مثلًا- أن تصلي صلاة الضحى، أو أردتَ أن تتنفل، فإنك تتنفل السابعة وعشر دقائق، فمن بعد صلاة الفجر إلى السابعة وعشر دقائق هذا وقت نهيٍ.

وخُذْ هذه الطريقة معك، فإذا أردتَ أن تعلم متى يزول وقت النهي خُذْ وقت الشروق من التقاويم، أو من الساعات، أو الجوالات، خُذْ وقت الشروق في المكان الذي أنت فيه، وأضفْ له عشر دقائق، وهذا معنى قول الفقهاء: حتى ترتفع قِيدَ رُمْحٍ.

3. الوقت الثالث من أوقات النهي: “وعند قيامها حتى تزول”.

“عند قيامها” أي: عند وقوفها في كبد السماء؛ وذلك أن الشمس عندما تُشرق من جهة الشرق يكون لكل شاخصٍ ظلٌّ طويلٌ من جهة الغرب، ثم لا يزال هذا الظل يتقاصر إلى أن يُصبح الظل باتجاه الشمال، فإذا أصبح الظل باتجاه الشمال تمامًا فهذا هو وقت النهي، فإذا انحرف هذا الظل إلى جهة الشرق ولو شعرة فقد زالت الشمس.

فوقت النهي وقوف الشمس في كبد السماء، عندما يقف الظل، فالظل يتقاصر ويتقاصر ويتقاصر، ثم يقف، ثم بعد ذلك يبدأ في الزيادة، يبدأ يزيد، فإذا بدأ بالزيادة بعد التقاصر فهذا هو وقت الزوال، هذه الفترة التي يقف فيها الظلُّ عن النقصان لكي ينتقل للزيادة هذا هو وقت النهي، وهو الوقت الذي تقف فيه الشمس في كبد السماء، وهو أعلى ارتفاعٍ لها في اليوم، فهذا الوقت هو وقت نهيٍ، وهو وقتٌ قصيرٌ، في حدود خمس دقائق تقريبًا، يعني: قبل أذان الظهر بحدود خمس دقائق.

فمثلًا: يُؤذن الظهر هذا اليوم الساعة الثانية عشرة واثنين وثلاثين دقيقةً، فمعنى ذلك: أن وقت النهي يبتدئ بحدود الثانية عشرة وستٍّ وعشرين أو سبعٍ وعشرين دقيقةً.

على أن بعض التقاويم في العالم الإسلامي تجعل وقت أذان الظهر على وقت النهي، وبعضها تُضيف دقائق لوقت الزوال، لكن الفارق يسيرٌ، يعني: في حدود دقيقتين إلى ثلاثٍ على الأكثر.

إذن هذا هو وقت النهي: إذا كان قُبيل أذان الظهر بحدود خمس دقائق لا تتنفل، لا تأتي بصلاةٍ.

هل منتصف النهار يوم الجمعة وقت نهيٍ؟

هل يشمل ذلك يوم الجمعة؟

نقول: وقت النهي قبيل أذان الظهر بحدود خمس دقائق تقريبًا، لكن هل يشمل ذلك يوم الجمعة أيضًا؟

طالب: ……….

الشيخ: لا يشمل، يعني: يوم الجمعة مُستثنًى؟

طالب: ………..

الشيخ: ما الدليل على استثناء يوم الجمعة؟

طالب: ……….

الشيخ: ما أسمع.

طالب: ……….

الشيخ: ما الدليل على أن الصحابة ما كانوا يعرفون وقت النهي؟

طالب: ……….

الشيخ: الكلام مُرسلٌ، نعم.

طالب: ………

الشيخ: هذه المسألة محل خلافٍ بين العلماء؛ فجمهور العلماء على أن يوم الجمعة كغيره، وأن فيه وقت نهيٍ -منتصف النهار- كسائر الأيام، هذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية، والمالكية، والحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أن يوم الجمعة مُستثنًى، فليس فيه وقت نهيٍ، وهذا هو مذهب الشافعية.

واستدلوا فقالوا: إن الصحابة لم يُنقل عنهم أنهم كانوا يخرجون وينظرون إلى الشمس هل هي في كبد السماء أم لا؟

والقول الراجح -والله أعلم- هو قول الجمهور، وهو: أن يوم الجمعة فيه وقت نهيٍ؛ لعموم الأدلة.

وأما القول بأن الصحابة ما كانوا يخرجون فهذا لا دليل عليه، والصحابة  كانوا يعرفون الأوقات، وكان مسجد النبي مسقوفًا بجذوع النخل، فيعرفون الوقت الذي تزول فيه الشمس، والوقت الذي يكون وقت نهيٍ، ووقت طلوع الفجر، يعرفون الأوقات؛ لأنهم لم تكن عندهم ساعاتٌ.

فالقول الراجح: أن يوم الجمعة كغيره، وأن فيه وقت نهيٍ، وأما الكلام المُرسل على إطلاق أن الصحابة كانوا يفعلون كذا، فيحتاج إلى دليلٍ يدل على أن عموم الصحابة كانوا يفعلون ذلك، وليس في المسألة دليلٌ ظاهرٌ يدل على هذا.

وعلى ذلك فنتمسك بعموم الدليل، وعموم الدليل: أن النبي أخبر أن هذا الوقت وقتٌ تُسجر فيه جهنم، ونهى عن الصلاة فيه، ولم يَسْتَثْنِ يوم الجمعة.

وعلى ذلك فيوم الجمعة إذا أتيت للمسجد الجامع وأنت تنتظر الخطيب، فأفضل عملٍ صالحٍ تعمله ما هو؟

الصلاة، تُصلي مَثْنَى، مَثْنَى، ركعتين، ركعتين، وهذا مأثورٌ عن السلف، لكن تنتبه إذا أتى وقت النهي تتوقف، يعني: قبل الزوال بنحو خمس دقائق، وإن جعلتَها ستًّا أو سبعًا أحوط، فتتوقف ولا تُصلي، وهذا هو الأظهر في هذه المسألة.

ما الحكمة من النهي عن الصلاة وقت انتصاف النهار؟

الحكمة بيَّنها النبي بأنه وقتٌ تُسَجَّر فيه جهنم، يعني: يزداد إيقاد النار فيه، وهذا أمرٌ لا تُدركه العقول؛ لأن هذه اللحظة تمر على جميع الكرة الأرضية: منتصف النهار، تمر خلال أربعٍ وعشرين ساعةً على جميع الكرة الأرضية، لكننا نؤمن بهذا الحديث كما ورد؛ لأن العقل البشري عقلٌ محدودٌ لا يستطيع أن يُدرك إلا شيئًا من ظاهر عالم المادة، ومع ذلك: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، أما العوالم الأخرى غير عالم المادة فما يستطيع أن يعرفها.

ولهذا لما سُئل النبي عن الروح: ما الروح؟ توقف، وأنزل الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ أكمل الآية: مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] يعني: ليست من عالمكم أنتم أيها البشر، فما تعرفونها، فهي من عالمٍ آخر؛ ولذلك ما استطاع أحدٌ أن يعرف حقيقتها الآن مع التقدم الصناعي والتقني، ما استطاعوا أن يعرفوا شيئًا عن الروح؛ لأنها ليست من عالم المادة، ولكنها من عالمٍ آخر.

قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا العقل البشري عقلٌ محدودٌ، ولا بد أن يعرف الإنسان قدر عقله، فيُؤمن بما ورد في الوحي كما جاء من غير دخولٍ في التفاصيل؛ لأنه إذا دخل في التفاصيل فإن عقله لن يستطيع أن يعرف وسيتخبط، فلا بد أن يعرف الإنسان قدر عقله، وأنه لا يستطيع أن يُدرك إلا شيئًا محدودًا من العالم المادي، أما العوالم الأخرى فلا يستطيع أن يُدركها.

فنؤمن بهذه النصوص كما وردتْ عندما أخبر النبي بأن هذا الوقت وقتٌ تُسَجَّر فيه جهنم، نؤمن به كما ورد، والله أعلم بحقيقة ذلك: كيف ذلك؟ كيف يكون؟

كما أنه لما أخبر النبي بأنه ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر [5]، أيضًا يرد نفس التساؤل: ثلث الليل الآخر يمر على جميع الكرة الأرضية في الأربع والعشرين ساعةً، لكن نحن نقول: إن عقل البشر محدودٌ، فلا نستطيع أن نُدرك حقيقة ذلك.

وهذه قضيةٌ -يا إخوان- في غاية الأهمية بالنسبة للمسلم، ويظهر فيها أثر العبودية الصادقة.

ما معنى العبودية؟

أن تكون عبدًا لله، الاستسلام لله : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

أما أن الإنسان لا يُؤمن إلا بما وافق هواه وعقله ورأيه، فيُصبح عبدًا لهواه.

أن تكون عبدًا لله، أن تُؤمن بهذه الأمور كما وردتْ؛ لأنك على يقينٍ بأن الله حكيمٌ عليمٌ، وأن الله على كل شيءٍ قديرٌ، وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علمًا.

إذن هذا الوقت الحكمة فيه: أنه وقتٌ تُسَجَّر فيه جهنم، كيف ذلك؟

الله أعلم، لا ندري، لا تستطيع عقولنا أن تعرف أكثر من ذلك، وقتٌ تُسَجَّر فيه جهنم، والله أعلم بحقيقة ذلك.

4. الوقت الرابع: قال: “وبعد العصر حتى تتضيف الشمس للغروب”.

بعد العصر، مثل هذا الوقت الذي نحن فيه الآن من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.

والمؤلف يقول: “حتى تتضَيَّف الشمس للغروب” يعني: إلى قبيل غروب الشمس.

وبعضهم يُعبر: إلى اصفرار الشمس، ولكن هذا التحديد لا دليل عليه، والأظهر أنه من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذا هو الأقرب.

5. الوقت الخامس: إذا تضيَّفتْ حتى تغرب.

وعلى القول الراجح: من حين ابتداء وقت الغروب حتى تغرب، من حين بداية سقوط القُرص، وسقوط القُرص يأخذ من دقيقةٍ ونصف إلى ثلاث دقائق، يختلف باختلاف فصول السنة، فهذا أيضًا وقت نهيٍ، فهو من بعد صلاة العصر إلى أن يغرب قُرص الشمس كله وقت نهيٍ، لكن المؤلف والفقهاء الذين ذكروا هذا التفصيل لهم مَغْزًى من هذا التفصيل سنُبينه الآن.

إذن هذه هي أوقات النهي الخمسة.

أُعيدها، وسأطلب منكم إعادتها:

  • من بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس.
  • ومن حين أن تطلع إلى أن ترتفع قِيدَ رُمْحٍ.
  • وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول.
  • ومن بعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس.
  • ومن حين أن تبدأ في الغروب إلى أن تغرب.

مَن يُعيدها لنا مرةً أخرى: أوقات النهي عن الصلاة؟

سيرفع صوته.

نعم، لعلك تقف.

طالب: ………..

الشيخ: من بعد طلوع الفجر إلى؟

طالب: ………..

الشيخ: لا، إلى طلوع الشمس، نعم.

طالب: ………..

الشيخ: من حين الطلوع إلى أن تطلع وترتفع قِيدَ رُمْحٍ، وقلنا: عشر دقائق.

طالب: ………..

الشيخ: حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول.

طالب: ………..

الشيخ: ومن بعد صلاة العصر إلى؟

طالب: ………..

الشيخ: قلنا: على القول الراجح: إلى أن تبدأ الشمس في الغروب.

والوقت الخامس؟

طالب: ………..

الشيخ: من حين أن تبدأ في الغروب إلى أن تغرب، بارك الله فيك.

أقسام أوقات النهي

هذه الأوقات الخمسة يُقسمها بعض أهل العلم إلى قسمين:

  • القسم الأول: أوقاتٌ النهي فيها شديدٌ.
  • القسم الثاني: أوقاتٌ النهي فيها من باب سدِّ الذريعة.

أما القسم الأول -وهي الأوقات التي النهي فيها شديدٌ-: فهو حين طلوع الشمس، وحين غروبها، وحين يقوم قائم الظهيرة.

هذه النهي فيها شديدٌ، والوقت فيها أيضًا يسيرٌ: من خمس دقائق إلى عشرٍ.

وأما القسم الثاني -وهي الأوقات التي النهي فيها من باب سدِّ الذريعة-: فمن بعد صلاة الفجر إلى حين طلوع الشمس، ومن بعد صلاة العصر إلى أن تبدأ الشمس في الغروب.

وهذا التقسيم سنعود إليه عندما نتكلم عن الأحكام.

قال المؤلف: “فهذه الساعات لا يُصلَّى فيها تطوعًا” يعني: لا يُتنفل فيها النَّفْل المُطلق؛ لأدلةٍ كثيرةٍ، منها: قول النبي : لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس [6].

ولحديث أبي هريرة : نهى النبي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس [7]، وهذا الحديث في الصحيحين.

ولحديث عقبة بن عامر ، وفيه ذكر الأوقات التي النهي فيها شديدٌ: ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب [8] رواه مسلمٌ.

لاحظ هنا: أنَّ الأوقات التي نُهي عن دفن الموتى فيها من أي قسمٍ؟

التي النهي فيها شديدٌ، فهذه لا يجوز دفن الأموات فيها: وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، وحين يقوم قائم الظهيرة، فلا يجوز دفن الأموات فيها.

أما القسم الثاني -الأوقات التي النهي فيها من باب سدِّ الذريعة-: بعد صلاة الفجر مثلًا، وبعد صلاة العصر، هل يجوز دفن الأموات أو لا يجوز؟

يجوز، وعليه عمل المسلمين: أنهم يدفنون موتاهم بعد صلاة العصر، وبعد صلاة الفجر، فهذا لا بأس به، لكن ينبغي لمَن أراد أن يدفن ميتًا أن يحرص على أن ينتهي من الدفن قبل أن يأتي وقت النهي الشديد.

لماذا نُهي عن دفن الموتى في هذه الأوقات الثلاثة: حين طلوع الشمس، وحين غروبها، وحين يقوم قائم الظهيرة؟

قالوا: لأنه إذا دُفن الميت فيها فهذا ربما يكون ذريعةً للصلاة على الجنازة في هذه الأوقات، فيكون في ذلك مُشابهةٌ للكفار.

وكان الناس في الزمن السابق من حين أن يموت الميت يُغسلونه، ويُكفنونه، ويُصلون عليه، ويدفنونه، لا ينتظرون الصلوات، لا ينتظرون صلاة الظهر أو العصر حتى يُصلوا على الأموات، وإنما كانوا يدفنون الميت في أي وقتٍ، وهذه هي السنة في هذا.

وكانت الجنازة على عهد النبي يُصلَّى عليها في مُصلى الجنائز، قريبًا من المقبرة، وما كان يُصلَّى عليها في المساجد إلا في حالاتٍ قليلةٍ صُلِّي عليها في المسجد.

قال المؤلف: “إلا” يعني: استثنى المؤلف مما يُفعل في هذه الأوقات -أوقات النهي-: “إلا في إعادة الجماعة إذا أُقيمت وهو في المسجد”، كيف إعادة الجماعة؟

إعادة الجماعة أخبر بها النبي فقال: إنه سيكون عليكم أُمراء يُؤخرون الصلاة عن وقتها، وفي روايةٍ: يُميتون الصلاة.

كانوا في الزمن السابق الخليفة أو الأمير أو الإمام الأعظم هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس؛ لأنهم يرون أنها منصبٌ شريفٌ لا يتولاه إلا الإمام الأعظم، فكانوا يُؤخرون الصلاة عن وقتها، يُميتونها، قال لأبي ذرٍّ : كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يُؤخرون الصلاة عن وقتها؟ أو: يُميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلتُ: فما تأمرني؟ قال: صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتَها معهم فَصَلِّ فإنها لك نافلةٌ [9].

فهذا معنى إعادة الجماعة، وهذا قد وقع في عهد بني أُمية، وقع ذلك في زمن الصحابة.

إذن يقولون: إن الجماعة تُعاد في وقت النهي لا بأس، فلو أن هناك تأخيرًا لصلاة العصر، وأتى أحدٌ يريد أن يصلي صلاة العصر في أول وقتها، ثم أُقيمتْ صلاة العصر، فيُعيدها في وقت النهي، ولا حرج.

أيضًا قال: “وركعتي الطواف بعده” يعني: بعد الطواف، ولو كان ذلك وقت نهيٍ، ولو أنك طُفْتَ -مثلًا- الآن، فتُصلي بعد الطواف ركعتي الطواف في وقت النهي، أو بعد صلاة الفجر -مثلًا-؛ لقول النبي : يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهارٍ [10].

أيضًا “والصلاة على الجنازة” فإنها تكون كذلك حتى في وقت النهي؛ لقول النبي : أسرعوا بالجنازة، فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تُقدمونها عليه، وإن تكن غير ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم [11].

“وقضاء السنن الرواتب” أي: تُقضى السنن الرواتب في وقت النهي؛ لأن النبي قضى سنة الظهر بعد العصر، وهذا أحد قولي العلماء في المسألة.

والقول الثاني: أنه لا تُقبل السنن الرواتب في أوقات النهي، وهذا هو القول الراجح؛ لعموم النهي عن الصلاة في أوقات النهي.

وأما قضاء النبي لسنة الظهر بعد العصر، فهو خاصٌّ به؛ ولهذا سألته أم سلمة رضي الله عنها: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا [12].

قال: “في وقتين منها، وهما: بعد الفجر، وبعد العصر”.

“ويجوز قضاء المفروضات” أيضًا قضاء الفريضة، لو أن رجلًا -مثلًا- نام ولم يستيقظ إلا قُبيل غروب الشمس، فهنا يقوم ويصلي، ولو كان وقت نهيٍ، أو نام عن صلاة الفجر، ولم يستيقظ إلا مع طلوع الشمس، يقوم ويصلي، ولو كان الوقت وقت نهيٍ.

هذه إذن هي المُستثنيات من صلاة التطوع التي تُفعل في وقت النهي.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز فعل ذوات الأسباب عمومًا في أوقات النهي، وهذا هو القول الراجح: أنه يجوز فعل ذوات الأسباب.

ومعنى “ذوات الأسباب” يعني: الصلوات المُرتبطة بسببٍ، وليست المُرتبطة بوقتٍ، وإنما بسببٍ: كتحية المسجد، وركعتي الطواف، وصلاة الكسوف، وذوات الأسباب عمومًا، هذا هو القول الراجح في المسألة.

لكن مع ذلك الخلاف القوي في هذه المسألة، أرى أنه تُفعل ذوات الأسباب في الأوقات التي النهي فيها من باب سدِّ الذريعة، فإن النهي فيها ليس شديدًا، وإنما من باب سدِّ الذريعة، وأما الأوقات التي النهي فيها شديدٌ فالذي أنصح به ألا تُفعل ذوات الأسباب، خاصةً أن وقتها قصيرٌ؛ وذلك لقوة الخلاف في المسألة، فإن الأحاديث التي فيها النهي عن الصلاة في هذه الأوقات أحاديث عامة.

ثم إن الوقت في هذه الأوقات الثلاث التي النهي فيها شديدٌ يسيرٌ، يعني: حين يقوم قائم الظهيرة، قلنا: في حدود خمس دقائق، ومن حين أن تطلع الشمس إلى أن ترتفع، يعني: في حدود عشر دقائق، وحين غروب الشمس أيضًا ما يتجاوز حدود ثلاث دقائق، فالوقت قصيرٌ، وليس طويلًا.

لو أنك دخلتَ -مثلًا- قُبيل أذان الظهر بنحو خمس دقائق، فالأحسن أنك تنتظر، لا تأتي بتحية المسجد حتى يُؤذن؛ خروجًا من الخلاف في هذه المسألة.

نعم، ننتقل إلى باب الإمامة.

بابٌ: الإمامة

بابٌ: الإمامة

روى أبو مسعودٍ البدري : أن رسول الله قال: يَؤُمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواء فليَؤُمَّهم أكبرهم سِنًّا، ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في بيته، ولا في سلطانه، ولا يجلس على تَكْرِمَته إلا بإذنه [13].

وقال لمالك بن الحُوَيرث وصاحبه: إذا حضرت الصلاة فَلْيُؤَذِّنْ أحدكما، وَلْيَؤُمَّكُما أكبركما [14]، وكانت قراءتهما مُتقاربةً.

ولا تصح الصلاة خلف مَن صلاته فاسدةٌ إلا لمَن لم يعلم بحدث نفسه، ولم يعلمه المأموم حتى سلَّم، فإنه يُعيد وحده.

ولا تصح خلف تارك ركنٍ إلا إمام الحي إذا صلى جالسًا لمرضٍ يُرْجَى بُرْؤُه، فإنهم يصلون وراءه جلوسًا إلا أن يبتدئها قائمًا، ثم يَعْتَلُّ فيجلس، فإنهم يأتَمُّون معه قيامًا.

“بابٌ: الإمامة”، والمقصود هنا: الإمامة في الصلاة، والإمامة تُطلق على الإمامة الكبرى، والإمامة الصغرى؛ فالإمامة الكبرى والإمام الأكبر هو مَن له السلطة الأعلى في الدولة، وهذا يُسميه الفقهاء: الإمام، والحاكم يُطلقونه على القاضي، وأما الإمامة الصغرى فإمامة المصلين.

المقصود هنا الإمامة الصغرى التي هي إمامة المصلين.

أيُّهما أفضل: الإمامة أو الأذان؟

محل خلافٍ بين أهل العلم؛ فمنهم مَن قال: إن الإمامة أفضل؛ لأن النبي وخلفاءه الراشدين كانوا أئمةً، ولم يكونوا مُؤذنين.

والقول الثاني: أن الأذان أفضل؛ لأن الأحاديث الواردة في فضل الأذان أكثر وأشهر من الأحاديث الواردة في فضل الإمامة، فإنه قد وردتْ في فضل الأذان أحاديث كثيرةٌ، منها: قول النبي : المُؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة [15] رواه مسلمٌ.

وقوله: لا يسمع مدى صوت المُؤذن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة [16].

وأيضًا قول النبي : لو يعلم الناس ما في النداء يعني: الأذان والصفِّ الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لاستهموا [17]، ثم لم يجدوا إلا أن يُجروا القُرعة من شدة تنافسهم فيه؛ لفعلوا ذلك.

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على فضل الأذان.

والقول الراجح في المسألة -والله أعلم-: أن الأذان أفضل من الإمامة إلا في حقِّ الإمام الأعظم، فالإمامة بحقِّه أفضل.

وبهذا تجتمع الأدلة الواردة في المسألة، ومن حيث الأصل الأذان أفضل؛ لأنه قد ورد في فضله ما لم يرد في فضل الإمامة من الأحاديث التي أشرتُ إليها.

وأما الإمام الأعظم فالإمامة بحقِّه أفضل؛ لأن النبي وخلفاءه الراشدين كانوا أئمةً، ولم يكونوا مُؤذنين، وقد قال عمر : “لولا الخلافة لأَذَّنْتُ” [18].

وبهذا تجتمع الأحاديث الواردة في هذه المسألة.

مَن الأولى والأحق بالإمامة؟

إذا اجتمع أناسٌ مَن الأولى بإمامتهم؟

رتَّب النبي الأولى والأحق بالإمامة في حديث أبي مسعودٍ الذي ساقه المُصنف، قال: يَؤُمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فالأحق بالإمامة إذن الأقرأ.

ما المراد بالأقرأ؟

هل المراد الأكثر حفظًا، أو المراد الأعلم؟

طالب: ………..

الشيخ: الأصح قراءةً.

طالب: ………..

الشيخ: الأعلم.

طيب، إذا قلنا: الأعلم، يرد عليه أنه قال بعد ذلك: فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة.

طالب: ………..

الشيخ: يعني: لو قلنا: إنه الأكثر حفظًا، وأتى إنسانٌ أكثر حفظًا، أو حافظٌ مع عالمٍ كبيرٍ عنده علمٌ غزيرٌ في أمور الشريعة وأمور الدين، لكن هذا أتقن منه في الحفظ.

هذه المسألة محل خلافٍ بين العلماء، لكن القول الراجح: أن المراد بالأقرأ: الأعلم، وإنما عبَّر بالأقرأ لأن القُرَّاء في عهد النبي كانوا كلهم علماء، فكان القُرَّاء كلهم علماء وفقهاء، يعني: انفصال القارئ عن العالِم هذا حدث بعد زمن الصحابة، وإلا ففي زمن الصحابة ما كانوا يتجاوزون عشر آياتٍ حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فكان إذا قيل: قارئ، فهو العالِم، وما كان هناك انفصالٌ، فالانفصال بين القارئ والعالِم حصل فيما بعد.

إذن يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح: أن الأقرأ المقصود به الأعلم؛ الأعلم بالشريعة، فهو الأحق بالإمامة، فإن تساووا فأعلمهم بالسنة يعني: إن تقاربوا في العلم بهذا يُنْظَر: مَن أكثر حفظًا للنصوص من القرآن والسنة؟ فيُقدم.

فإن كانوا في السنة سواء كانوا في العلم مُتقاربين، وفي الحفظ مُتقاربين، فأقدمهم هجرةً، والهجرة هي: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وتجب إذا كان الإنسان في بلدٍ لا يستطيع أن يُظهر فيه شعائر دينه، أما إذا كان يستطيع أن يُظهر شعائر الدين، فإنها لا تجب.

فإن كانوا في الهجرة سواء، فأكبرهم سِنًّا، فالسن له اعتباره أيضًا، لكن بعد الاعتبارات السابقة.

ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في بيته، ولا في سلطانه صاحب البيت أحق بالإمامة حتى لو كان مَن معه أعلم وأقرأ منه، حتى لو كان صاحب البيت عاميًّا، وقد دعا علماء لديه في البيت، فهو أحق بأن يَؤُمَّهم من هؤلاء العلماء؛ احترامًا لصاحب البيت؛ لأن صاحب البيت له خصوصيةٌ، وله سلطانٌ على هذا البيت.

وهكذا أيضًا: ولا في سلطانه يعني: صاحب السلطان أحق، وسلطان الرجل هو: ما له ولايةٌ عليه، كالإمام الأعظم الحاكم في بلده، وهكذا أيضًا الرجل في بيته، فإن الرجل سلطانه في بيته، وأيضًا إمام المسجد في مسجده يُعتبر سلطانًا فيه، فإمام المسجد في مسجده هو كالسلطان في مملكته.

وعلى ذلك فإذا أتى المسجد علماء كبار، وقُرَّاء وحفظة، وإمام المسجد رجلٌ عاميٌّ، لكنه يُحْسِن قراءة الفاتحة وقِصار السور، فأيُّهم أولى بالإمامة: إمام المسجد أم هؤلاء العلماء القُرَّاء؟

إمام المسجد، إلا أن يأذن أو يُقدم غيره، فهذا لا بأس به، لكن من حيث الأحقية إمام المسجد أحقُّ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 881، ومسلم: 850.
^2 روى البخاري: 527، ومسلم: 85 من حديث عبدالله بن مسعود قال: سألتُ النبيَّ : أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها.
^3 رواه عبدالرزاق في “مصنفه”: 4757، والبيهقي في “السنن الكبرى”: 4128.
^4 رواه البخاري: 586، ومسلم: 827.
^5 رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758.
^6 سبق تخريجه.
^7 رواه البخاري: 588، ومسلم: 825.
^8 رواه مسلم: 831.
^9 رواه مسلم: 648.
^10 رواه أبو داود: 1894، والترمذي: 868، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^11 رواه البخاري: 1315، ومسلم: 944.
^12 رواه أحمد: 26678، وابن حبان: 2653.
^13 رواه مسلم: 673.
^14 رواه البخاري: 2848، ومسلم: 674.
^15 رواه مسلم: 387.
^16 رواه البخاري: 609.
^17 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437.
^18 رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 2002 بلفظ: “لو أَطَقْتُ الأذان مع الخلافة لأَذَّنْتُ”.