logo

(30) فصل في صلاة المسافر

مشاهدة من الموقع

فصلٌ: في صلاة المسافر

تعريف السفر

السفر في اللغة: هو مفارقة محل الإقامة، سمي بذلك؛ لأن الإنسان يُسفِر بذلك عن نفسه، فبدلًا من أن يكون مكنونًا في بيته أصبح بارزًا، ومنه قول الله تعالى: وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ [المدثر:34]، يعني: إذا تبين وظهر.

وقيل: إنما سمي السفر سفرًا؛ لأنه يُسفر عن أخلاق الرجال، يعني: يبينها ويوضحها؛ فإن كثيرًا من الناس لا تعرف أخلاقه ولا سيرته إلا بالسفر معه، وقد كان بعض القضاة من السلف إذا شهد شخصٌ بتزكية آخر سأله سؤالين:

السؤال الأول: هل سافرت معه؟

والسؤال الثاني: هل تعاملت معه بالدرهم والدينار؟

هذان السؤالان الحقيقةَ هما المحك، يختبر بها الإنسان، فإن قال: لا، قال: أنت لا تعرفه إذنْ.

فالسفر يبين أخلاق الرجال ومعادن الناس، كم من إنسانٍ تراه ولا تعرف عن أخلاقه ومعاملته حتى تسافر معه! لاسيما في الزمن الماضي لمَّا كان السفر على الإبل والرواحل يستغرق وقتًا طويلًا، وربما شهورًا، وربما أعوامًا، فتتبين أخلاق الرجال، لكن في وقتنا الحاضر ربما لا يتحقق مثل هذا كما كان عليه الأمر في السابق، ومع ذلك السفر في الوقت الحاضر خاصةً إذا كانت المدة طويلةً أيضًا يبين ويسفر عن أخلاق الرجال، وهكذا أيضًا التعامل بالدرهم والدينار، هذا أيضًا يبين أخلاق الرجال، وأمانتهم ونزاهتهم وعفتهم، والنبي سمى السفر قطعةً من العذاب، قال: السفر قطعةٌ من العذاب؛ يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى نَهْمته فليُعجِّل إلى أهله [1] متفقٌ عليه.

وذلك؛ لأن السفر مَظِنةٌ للمشقة، حتى في وقتنا الحاضر، تجد أن السفر حتى عن طريق الطائرة يتعرض الإنسان فيه لشيءٍ من المشقة والتعب.

قصر الصلاة الرباعية في السفر

قال:

قصر الصلاة.

يعني: مما يرخص للمسافر إذا سافر: قصر الصلاة الرباعية، وهي صلاة الظهر والعصر والعشاء، وكذلك أيضًا الفطر في نهار رمضان، وكذلك أيضًا الجمع بين الصلاتين، وكذلك أيضًا جعل مدة المسح على الخفين ثلاثة أيامٍ بلياليهن، فهي أربع رخصٍ: القصر، والجمع، والفطر في نهار رمضان، وجعل مدة المسح ثلاثة أيام بلياليهن.

لكن الذي يهمنا في هذا الفصل هو القصر، والأصل فيه: قول الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101].

وجاء في “صحيح مسلمٍ” عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقد أمن الناس، فقال عمر: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله فقال: هي رخصةٌ -أو قال: صدقةٌ- تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته [2].

وقد تواترت الأخبار أن النبي كان يَقصر في أسفاره، بل لم يرد عنه قط أنه سافر وأتم، ولهذا؛ فإن القصر في السفر أفضل من الإتمام.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: “صحبت رسول الله في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكرٍ، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله” [3].

لكن الإتمام جائزٌ في قول جمهور العلماء.

وقال بعضهم: إنه مكروهٌ؛ لكونه خلاف هدي النبي ، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

حكم الترخص برخص السفر في سفر المعصية

قال المؤلف:

لمن نوى سفرًا مباحًا.

لو قال المؤلف: من ابتداء السفر، لكان أجود في العبارة؛ لأن الإنسان قد ينوي السفر ولا يسافر، فلا يشرع له القصر.

قال: “لمن نوى سفرًا مباحًا”، أفادنا المؤلف بأن القصر إنما يكون في السفر المباح، ومراد المؤلف بالمباح يعني: ليس حرامًا ولا مكروهًا، والذي ليس حرامًا ولا مكروهًا؛ إما أن يكون واجبًا، أو مستحبًّا، أو مباحًا مستويَ الطرفين، فالسفر الواجب..، من يمثل لنا السفر الواجب؟

سفر الحج والعمرة واجبٌ، والسفر المستحب: لعمرةٍ مثلًا غير واجبةٍ عليه، أو لصلة رحمٍ مثلًا، أو نحو ذلك.

والسفر المباح المستوي الطرفين: كالسفر للتجارة مثلًا.

فالمؤلف يقول: إن القصر إنما يكون لمن نوى سفرًا مباحًا، ويفهم من كلام المؤلف أن سفر المعصية لا يشرع فيه القصر، ولا الترخص برخص السفر عمومًا، وهذه مسألةٌ اختلف فيها العلماء:

فذهب الجمهور إلى أن المسافر سفر معصيةٍ ليس له الترخص برخص السفر، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، قالوا: لأن الترخص إنما شرع للإعانة على المقصود المباح، ولو رخص للمسافر سفر معصيةٍ برخص السفر لكان في ذلك إعانةٌ له على المعصية.

والقول الثاني في المسألة: أنه يشرع الترخص برخص السفر في كل سفرٍ، سواءٌ كان سفر طاعةٍ، أو سفر معصيةٍ، أو سفرًا مباحًا، وهذا هو مذهب الحنفية وروايةٌ عند الحنابلة، وهذا القول هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وذلك؛ لعموم الأدلة الدالة على مشروعية الترخص برخص السفر من غير تفريقٍ بين سفرٍ وسفرٍ؛ ولأن صلاة الركعتين في السفر هي الأصل في فرضية الصلاة، ثم زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر؛ كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها [4].

فإذن الصواب: أنه يشرع الترخص برخص السفر في كل سفرٍ، سواءٌ كان سفر طاعةٍ، أو سفر معصيةٍ، أو سفرًا مباحًا، ومن ذلك أيضًا: السفر لأجل نزهةٍ، فلا بأس بالترخص برخص السفر فيه من باب أولى، إذا قلنا: إنه يترخص برخص السفر في سفر المعصية، ففي سفر النزهة من باب أولى.

سفر القصر لمحلٍّ معينٍ

قال:

لمحلٍّ معينٍ.

يعني: لا بد أن يقصد المسافر وجهةً معينةً، فإن خرج هائمًا لا يدري أو ضائعًا، يقولون: ليس له أن يترخص برخص السفر؛ لأنه لم ينوِ السفر، ولم يقصد أن يسافر.

مسافة قصر الصلاة في السفر

قال:

يبلغ ستة عشر فرسخًا.

يعني: مسافة السفر.

وهذه المسألة -مسألة أقل مسافةٍ للسفر- اختلف فيها العلماء اختلافًا كثيرًا، حتى قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله في “فتح الباري” قال: هذه المسألة من المواضع التي انتشر فيها الخلاف جدًّا، وقد حكى ابن المنذر وغيره فيها نحوًا من عشرين قولًا.

لو رجعت لكتب الفقه وشروح الأحاديث تجد الأقوال كثيرةً في هذه المسألة، لكن حاصل هذه الأقوال يرجع إلى قولين:

القول الأول: عدم تحديد السفر بمسافةٍ معينةٍ، وإنما المرجع في ذلك للعرف، وما عده الناس في عرفهم سفرًا فهو سفرٌ، وما لم يعدوه سفرًا فليس بسفرٍ، قالوا: لأنه لم يرد في النصوص ما يدل على تحديد مسافة السفر بحدٍّ معينٍ، والتحديد بابه التوقيف، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وأيضًا قبله الموفق بن قدامة، وجمعٍ من أهل العلم، رحمة الله عليهم أجمعين.

القول الثاني في المسألة: التحديد بمسافةٍ معينةٍ، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم، ثم اختلفوا في هذا التحديد؛ أقل ما قيل في ذلك: يومٌ وليلةٌ، وأكثره ما دام غائبًا عن بلده.

وهذا القول هو الذي عليه المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، يرون التحديد، لكنهم يختلفون في التحديد؛ فالحنفية يرون أن مسافة السفر مسيرة ثلاثة أيامٍ، والجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أنها مسيرة يومٍ وليلةٍ، وبعضهم يعبر -كما عبر المؤلف- بيومين قاصِدَين.

وهنا وضح المؤلف المقصود بقوله: يومان قاصدان، قال:

وهي يومان قاصدان في زمنٍ معتدلٍ بسير الأثقال ودبيب الأقدام.

يعني: لا يسير الإنسان فيهما سيرًا ليلًا ونهارًا، ولا يكون أيضًا كثير النزول والإقامة، وإنما يكون معتدلًا كما قال في زمنٍ معتدلٍ.

“بسير الأثقال” يعني: الإبل المحملة عليها الأثقال، “ودبيب الأقدام”، هذا المقصود بقوله: “يومين قاصدين”.

ومسافتها حددها المؤلف بستة عشر فرسخًا، وقد اختار هذا القول البخاري في “صحيحه”، فقال في “صحيحه”: باب في كم تقصر الصلاة، وسمى النبي يوم وليلة سفرًا، وكان ابن عمر وابن عباس  يقصران ويفطران في أربعة بُرُدٍ، هذا كلام البخاري، وهي ستة عشر فرسخًا، ثم ساق بسنده عن أبي هريرة قال: قال النبي : لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ ليس معها حرمةٌ [5]، يعني: محرمٌ، قالوا: وهذا أقل ما يُسمَّى سفرًا، ولو كان هناك أقل منه لذكره النبي ؛ إذ إن السياق يقتضي ذلك، فكأن النبي يقول: لا يحل لامرأةٍ أن تسافر أدنى مسافة سفرٍ إلا معها ذو محرمٍ، لكن النبي عدل عن هذا وعبر بذلك، فقال: لا يحل لامرأةٍ أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ.

فتكون إذنْ مسافة السفر محددةً؛ لهذا الحديث، وهذا القول الراجح والله أعلم، فالنبي حدد لنا مسافة السفر بيومٍ وليلةٍ؛ لهذا الحديث، كما أشار البخاري لهذا.

وأما ما ذكر أصحاب القول الأول من أنه لم يرد، نقول: ورد في هذا الحديث التحديد بيومٍ وليلةٍ، لو كان هناك مسافةٌ للسفر أقل من يومٍ وليلةٍ لذكرها النبي ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كأنه يقول: لا يحل لامرأةٍ تسافر أدنى ما يسمى سفرًا، لكنه عدل عن ذلك، وقال: يومٍ وليلةٍ، استفدنا من ذلك: أن أقل ما يسمى سفرًا يومٌ وليلةٌ، ويومٌ وليلةٌ هما يومان قاصدان، فبعضهم يعبر بيومين قاصدين، وبعضهم يعبر بيومٍ وليلةٍ، والمعنى واحدٌ، وهي ستة عشر فرسخًا الذي ذكرها، هذا هو القول الراجح، والله أعلم.

وستة عشر فرسخًا هي أربعة بُرُدٍ كما رُوي ذلك عن ابن عباسٍ، وكذلك أيضًا روي عن ابن عمر  كما قال البخاري: وكان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة بردٍ، ولا شك أن ابن عمر وابن عباس  من أعلم الناس بلغة العرب وبالشرع، فنرجع لفهمهم لأقل مسافةٍ للسفر، قد فهموا هذا الفهم، فلولا أن لغة العرب تقتضي هذا لما قالوا به، وهذا أيضًا اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله.

نريد الآن التحديد بالأرقام: أربعة بردٍ تعادل: البريد أربعة فراسخ، فأربعة بردٍ كم فرسخٍ؟ ستة عشر فرسخًا كما قال المؤلف.

الفرسخ: ثلاثة أميالٍ، فستة عشر فرسخًا، كم تعادل بالميل؟ اضرب (16×3=48 ميلًا)، الميل يعادل (1680 مترًا)، فنضرب الآن (1680×48)، كم؟ (80,640)، فتكون إذنْ مسافة السفر (80 كيلومترًا و640 مترًا)، احفظوا هذا الرقم.

نعيدها مرةً ثانيةً: أربعة بردٍ، البريد أربعة فراسخ، فتكون ستة عشر فرسخًا، الفرسخ ثلاثة أميالٍ، فتكون ثمانيةً وأربعين ميلًا، الميل ألفٌ وستمئةٍ وثمانون مترًا، فتكون النتيجة النهائية هي ثمانون كيلومترًا وستمئةٍ وأربعون مترًا.

هذه هي مسافة السفر، وقد وردت من النبي على وجه التحديد، ولهذا؛ من سافر هذه المسافة فهو مسافرٌ، إذا كان أقل من ذلك ولو بمترٍ نقول: إنه ليس مسافرًا، هذا هو الأظهر، والله أعلم؛ لأن النبي حددها بهذا.

مداخلة:

الشيخ: هو حددها النبي بهذا، بيومٍ وليلةٍ، واليوم والليلة أربعة بردٍ، والبريد -كما ذكرنا- أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميالٍ، قد قال: إن سير الإبل قد يختلف، ليس هنا التحديد دقيقًا، هذا صحيحٌ، هذا قولٌ متجهٌ، لو مثلًا نقص مترًا أو زاد مترًا، قد يقال بهذا.

الذي أردت أن أبينه أن أقول: إن هذا ورد من النبي على وجه التحديد، يعني: حدد النبي أقل مسافةٍ للسفر، فانتبه لهذه الفائدة، أو الاستدلال بهذا الحديث؛ قد لا تجده في كتابٍ، هذا من فقه البخاري رحمه الله، أنه استدل بهذا الحديث على أقل مسافة السفر، وهذا في الحقيقة هذا القول يقطع النزاع؛ لأن العرف لا ينضبط، خاصةً في وقتنا الحاضر لا ينضبط، تجد طلاب علمٍ يسافرون، ثم يختلفون هل هم في العرف مسافرون أم لا؟ العرف مضطربٌ في الحقيقة فيما يتعلق بالسفر، خاصةً في وقتنا الحاضر، ما الذي يحدد العرف؟ ولهذا إذا ضبطناه بالمسافة هذا أضبط، فنحدده بهذه المسافة، لكن كيف تحسب هذه المسافة؟

بداية حساب مسافة السفر

قال المؤلف:

إذا فارق بيوت قريته العامرة.

يعني: من مفارقة العمران، وذلك؛ لأنه قبل ذلك لا يكون ضاربًا في الأرض، وهذا هو قول مالكٍ والشافعي والأوزاعي وإسحاق وغيرهم؛ لقول الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101]، ولا يكون ضاربًا في الأرض حتى يَخرج، ولهذا؛ النبي في حجة الوداع صلى بالمدينة صلاة الظهر أربعًا، وبذي الحُليفة صلى العصر ركعتين، فإذا كان الإنسان في البلد لم يسافر بعدُ فيتم، لكن متى يبدأ بالترخص؟ إذا فارق العمران.

قال بعض الفقهاء: إنه إذا خرج من البلد وصار بين حيطان بساتينه فله القصر؛ لأنه قد ترك البيوت وراء ظهره، حتى وإن كان حول البلد خرابٌ قد تهدم وصار فضاءً، أبيح القصر له.

أنبه هنا إلى مسألةٍ: وهي أن بعض الناس يعتمد في حساب مسافة السفر على اللوحات الموجودة في الشوارع، يا إخواني، اللوحات الموجودة في الشوارع حسب التتبع تحسب المسافة من وسط المدينة ولا تحسبه من مفارقة العمران، خذ أي لوحةٍ واحسبها بالسيارة، وأنا قد حسبتها على أكثر من لوحةٍ فوجدتهم يحسبونها من وسط المدينة، وهذه الطريقة غير دقيقةٍ، غير معتبرةٍ شرعًا، الحساب يكون من مفارقة العمران، فمدينة متسعةٌ؛ كمدينة الرياض مثلًا، بين وسط المدينة وبين مفارقة العمران مسافةٌ طويلةٌ -في الحقيقة- قد تكون مؤثرةً، خاصةً إذا كانت المسافة حول (80 أو 90 كيلومترًا)، فهنا تؤثر هذه المسافة، فانتبهوا لهذه المسألة.

هنا أيضًا يَرِد إشكالٌ: بعض البلدان قد اتصل بعضها ببعضٍ، وأصبحت كالبلد الواحد، فكيف تكون مفارقة العمران؟ قال الفقهاء: إن المعتبر إذا فارق مسمى ذلك البلد، يعني: مفارقة عمران البلد الذي هو مقيمٌ فيه؛ ولهذا قال المَرْداوي في “الإنصاف”: الظاهر جواز القصر إذا فارق بيوت قريته، سواءٌ اتصل به بلدٌ آخر أو لا.

فما دام مثلًا مدينة الرياض يُسمَّى مدينة الرياض، لو افترض أنها اتصلت بالخَرْج من جهة الجنوب، فنقول: إذا انتهى آخر حيٍّ من أحياء الرياض نقول: فارقت العمران؛ لأن بعض المدن متصلةٌ بعضها ببعضٍ، مثلًا مدينة الدمام والظَّهْران متصلةٌ بعضها ببعضٍ، الدمام والخُبَر هذه نقول: إذا فارقت مسمَّى هذه المدينة، فارقت مسمَّى مدينة الدمام، فارقت مسمَّى مدينة الخبر، فهنا نقول: فارقت العمران.

لا يعيد مَن قصَر ثم رجع قبل استكمال مسافة القصر

قال:

ولا يعيد من قَصَر ثم رجع قبل استكماله المسافة.

لأن المعتبر هو نية المسافة لا حقيقتها، يعني: الإنسان مثلًا سافر، ولما سار (10 كيلومتراتٍ) رجع قرَّر أنه يلغي سفره ورجع، وكان لما فارق العمران قصر، فنقول: صلاته صحيحةٌ ولا يعيدها.

يجب إتمام الصلاة إن دخل وقتها وهو في الحضر

قال:

ويلزمه إتمام الصلاة إن دخل وقتها وهو في الحضر.

يعني: هذا إنسانٌ أذَّن المؤذن وهو في مدينة الرياض، ثم سافر، وأراد في سفره أن يصلي، فهل يتم أو يقصر؟ يقول المؤلف: إنه يتم؛ لأنه دخل عليه الوقت وهو في الحضر، وعند الحنابلة ضابطٌ أو قاعدةٌ: وهي أنه إذا اجتمع السفر والحضر يغلب دائمًا جانب الحضر، ولهذا قالوا في هذه الحالة: إنه يتم، وهذه مسألةٌ اختلف فيها العلماء على قولين:

القول الأول: أنه يلزم الإتمام؛ لأنها وجبت عليه في الحضر، فلزمه إتمامها.

والقول الثاني: ذهب أكثر أهل العلماء إلى أن له القصر، وهذا هو قول الجمهور؛ من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو روايةٌ عند الحنابلة، وذلك؛ لأنه سافر قبل خروج وقتها، فأشبه ما لو سافر قبل وجوبها، ولأنه حين أداء الصلاة مسافرٌ يصدق عليه أنه مسافرٌ، فله الترخص برخص السفر، ومنها القصر.

وهذا القول هو الراجح، قول الجمهور هو الراجح: أن له أن يترخص برخص السفر ولو كان قد دخل عليه الوقت في حال الحضر، وقد حكاه ابن المنذر إجماعًا، لكن هذا منقوضٌ بخلاف الحنابلة، لكن هذا يعطيك أن هذا هو قول أكثر علماء الأمة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي يفتي به الشيخ ابن باز والشيخ محمد بن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

إذنْ: إذا دخل عليك وقت الصلاة وأنت في الحضر، ثم صليت الصلاة في السفر، فالقول الراجح: أنك تقصر، هذا هو القول الراجح في المسألة، فيكون الراجح هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف.

لو كان العكس: دخل عليه الوقت في السفر، ثم أقام، فإنه يتم عند جميع العلماء، يتم عند الجميع؛ لأنه حين الأداء مقيمٌ وليس مسافرًا، وهذا مما يؤيد رجحان قول الجمهور في المسألة السابقة، فنقول للحنابلة: لماذا فرقتم بين مسألتين؟ ولهذا؛ فالصواب: أن العبرة بحال الأداء، فإذا كان حال الأداء أنه مسافر إذنْ يقصر، بغض النظر عن كون وقت الصلاة دخل عليه وهو في الحضر أم لا.

إذا كان حال الأداء مقيمًا يتم، وهذه أيضًا مسألةٌ أنبه عليها، تجد بعض الناس يكون مسافرًا، ثم يصل إلى بلده، ومع ذلك يقصر الصلاة، وهذا لا تصح صلاته بإجماع العلماء، المسألة ليس فيها خلافٌ، إذا كان مسافرًا دخل عليه الوقت في السفر ثم أقام، فيجب عليه الإتمام، وليس له الترخص.

إذنْ بناءً على القول الراجح: إذا أردنا أن نضع ضابطًا لهذه المسألة؛ بحيث إن الإنسان لا ينسى هذه المسألة، نقول: انظر إلى حالك في وقت الأداء، هل أنت مسافرٌ أو مقيمٌ؟ إذا قلت: مسافرٌ، إذنْ اقصُر، بغض النظر عن دخول وقت الصلاة، هل دخل عليك السفر والحضر، إذا كنت مقيمًا فأتم الصلاة، بغض النظر عن وقت دخول الصلاة.

إذا ائتمَّ مسافرٌ بمقيمٍ وجَبَ عليه الإتمام

قال:

أو صلى خلف من يتم.

يعني: إذا ائتم مسافرٌ بمقيمٍ فيلزمه الإتمام، سواءٌ أدرك جميع الصلاة أو بعضها، ويدل لذلك: قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: لما سُئل ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد، وأربعًا إذا أتم بمقيمٍ؟ فقال: “تلك السنة” [6]، وهذا ينصرف إلى سنة النبي ، ورُوي كذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال الموفق بن قدامة رحمه الله: ولا يعرف لهما مخالفٌ؛ فكان إجماعًا، حتى لو لم يدرك المسافر إلا التشهد الأخير، فإنه يتم أربعًا.

قال الأثرم: سألت أبا عبدالله -يعني الإمام أحمد- عن المسافر يدخل في تشهد المقيمين؟ قال: يصلي أربعًا.

نية قصر الصلاة

قال المؤلف رحمه الله:

أو لم ينوِ القصر عند الإحرام.

يعني: لم ينو قصر الصلاة عند تكبيرة الإحرام، فيقول: إنه يتم، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل تشترط نية القصر والجمع عند تكبيرة الإحرام؟ من أراد أن يقصر هل يشترط له أن ينوي القصر، ومن أراد أن يجمع هل يشترط أن ينوي الجمع؟

المذهب عند الحنابلة أنها تشترط نية القصر، ونية الجمع، وذلك؛ لأن الأصل إتمام الصلاة، قالوا: فإطلاق النية ينصرف إليه، فإذا لم ينو القصر، فلا بد أن يتم؛ لأن الأصل إتمام الصلاة، فإطلاق النية ينصرف إليه.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا تشترط نية القصر، ولا نية الجمع، وهذا قولٌ عند الحنابلة، واختاره أبو بكر عبدالعزيز غلام الخَلَّال، واختاره أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا هو القول الراجح في المسألة، والله أعلم: أنه لا تشترط نية القصر، ولا نية الجمع، وذلك؛ لأن من خُيِّر في العبادة قبل الدخول فيها، خير بعد الدخول فيها؛ كالصوم، ولأن القصر هو الأصل، فليس الإتمام هو الأصل، القصر في الصلاة في السفر هو الأصل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: “أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر [7].

ولأنه لا دليل يدل على اشتراط نية القصر ونية الجمع، فالأقرب -والله أعلم- إذنْ أنه لا تشترط لا نية القصر، ولا نية الجمع، هذه المسألة ربما يحتاج لها الناس عندما يجمعون بين الصلاتين، عند وجود المطر مع المشقة، فيصلون المغرب، ثم يقترح المأمومون على الإمام أن يصلي العشاء بعد هذا.

على المذهب عند الحنابلة يصح الجمع أو لا يصح؟ لا يصح، لكن على القول الراجح يصح.

إذنْ القول الراجح: لا تشترط نية القصر ولا نية الجمع، وبهذا يكون الصواب خلاف ما ذهب إليه المؤلف.

الحالات التي يجب على المسافر فيها إتمام الصلاة

قال:

أو نوى إقامةً مطلقةً.

يعني: إذا نوى المسافر إقامةً مطلقةً، أو أكثر من أربعة أيامٍ فإنه يتم.

أو أقام لحاجةٍ وظن ألا تنقضي إلا بعد الأربعة فإنه يتم.

ثم بعد ذلك في المسألة الثانية: أريد أن أربط بين مسألتين.

هل يقصر من نوى الإقامة؟

قال:

ويقصر إذا قام لحاجةٍ بلا نية الإقامة فوق أربعةٍ، ولا يدري متى تنقضي، أو حُبس ظلمًا، أو بمطرٍ، ولو أقام سنين.

أنا أريد أن أربط بين هاتين المسألتين، فأقول: إن المسافر إذا أقام ببلدٍ فلا تخلو حاله من أمرين: انتبه لهذه المسألة، هذه المسألة أقوال العلماء فيها كثيرةٌ جدًّا، ومسألةٌ من المسائل الشائكة، بل من أشكل مسائل الفقه، لكن نلخص الكلام فيها، أقول: المسافر إذا أقام ببلدٍ فلا تخلو حاله من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون له حاجةٌ لا يدري متى تنقضي، وهذا أشار إليه المؤلف بقوله: “ويقصر إذا قام لحاجةٍ بلا نية الإقامة فوق أربعةٍ ولا يدري متى تنقضي”.

أن يكون له حاجةٌ لا يدري متى تنقضي، بل يقول: اليوم أرجع، غدًا أرجع، وكذا لو مرض أو حبس، ولا يدري متى يزول المانع ويرجع إلى بلده، كما قال المؤلف: حبس ظلمًا، أو حجز بمطرٍ، أو حبس بمطرٍ ولا يدري متى يتوقف المطر، أو حبس بثلجٍ ولا يدري متى يزول الثلج، أو نحو ذلك، يعني: أقام بالبلد لحاجةٍ ولا يدري متى تنقضي، أو لمانعٍ ولا يدري متى يزول، فهذا له الترخص برخص السفر، وإن طالت المدة وإن بقي سنين.

ولهذا قال المؤلف:

ولو أقام سنين في قول عامة العلماء.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يُجمِع إقامةً، ولو أتى عليه سنون، ويدل لذلك ما جاء في “صحيح البخاري” وغيره عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن النبي أقام بتبوك تسعة عشرة يومًا يقصر الصلاة [8]، وهنا إقامة النبي عليه الصلاة والسلام لا يدري متى يرجع؛ لأنه كان في حالة حربٍ، فلا يدري متى يرجع؛ ولذلك كان يقصر الصلاة.

أيضًا وردت آثارٌ عن عديد من الصحابة  أنهم كانوا يترخصون برخص السفر في هذه الحال مع طول المدة، ومن ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قام بأذربيجان ستة أشهرٍ يقصر الصلاة، وقد حبسه الثلج بأذربيجان.

وقال أنسٌ : أقام أصحاب رسول الله برامَهُرْمُزَ سبعة أشهرٍ يقصرون الصلاة.

إذنْ هذه المسألة محل اتفاقٍ: إذا كان له حاجة لا يدري متى تنقضي؟ أو مانع لا يدري متى يزول؟ يترخص برخص السفر، ولو أقام سنين.

حكم من نوى الإقامة أكثر من أربعة أيامٍ

الحالة الثانية: أن ينوي الإقامة مدةً معينةً، وهي التي أشار إليها المؤلف بقوله:

أو نوى إقامةً مطلقةً أكثر من أربعة أيامٍ، أو أقام لحاجةٍ وظن ألا تنقضي إلا بعد الأربعة.

أن ينوي الإقامة مدةً معينةً؛ كأن ينوي الإقامة في بلدٍ عشرة أيامٍ، أو شهرًا أو شهرين، أو سنةً أو سنتين، ونحو ذلك، هل له الترخص برخص السفر أم لا؟

اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافًا كثيرًا على أقوالٍ كثيرةٍ، أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين قولًا:

فمن العلماء من قال: إنه يترخص برخص السفر، ولو طالت المدة، ومن أشهر من قال بهذا القول: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.

ولكن أكثر أهل العلم على أنه إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيامٍ فليس له الترخص برخص السفر، أما إذا نوى الإقامة أربعة أيامٍ فأقل، فله الترخص برخص السفر، وهذا هو قول الجمهور، هذا هو قول جماهير العلماء، وهذا المذهب عند الحنابلة، وهو قول جماهير العلماء، وذلك؛ لأن النبي في حجة الوداع أقام بمكة أربعة أيامٍ، وكان يقصر الصلاة [9].

ولأن من قاعدة الشريعة التسامح في الشيء اليسير، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: لا يبقى المهاجر بعد طواف الصَّدَر أكثر من ثلاثة أيامٍ [10] لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ [11]، لا يحل لامرأةٍ أن تحد على غير زوجها أكثر من ثلاثٍ [12].

تجد الثلاث يُرخص فيها وتَتسامح فيها الشريعة، والثلاث مع يومي الدخول والخروج تكون في حدود أربعة أيامٍ، ويؤيد هذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، هذا هو الأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة.

وأما القول: بأنه يترخص ولو طالت المدة فيَرِد عليه إشكالاتٌ كثيرةٌ:

لو قلنا بهذا القول: إنه يترخص ولو طالت المدة، عندنا في المملكة الآن كم مقيمٍ؟ أكثر من سبعة ملايين، فهل نقول: إن هؤلاء يفطرون في نهار رمضان؟ هذا من لوازم هذا القول.

بل إن في بعض دول الخليج غير المواطنين يصلون إلى (90%)، هل نقول: إن هؤلاء يفطرون في نهار رمضان؟ وهل تأتي بهذا الشريعة؛ يقصرون ويجمعون ويفطرون في نهار رمضان؟ هذا في الحقيقة فيه إشكالاتٌ كثيرةٌ، هذا من اللوازم التي تلزم على هذا القول، ولهذا؛ فالأقرب والله أعلم: هو ما ذهب إليه جماهير أهل العلم، وإن كان رجحانه ليس بيِّنًا، قلت لكم: إن هذه المسألة من أشكل مسائل الفقه، لكن هذا هو الأقرب، والأحوط، والأبرأ للذمة.

والقائلون بعدم التحديد يقولوا: ما الدليل؟ لماذا إذا تمت أربعة أيامٍ، بعد أربعة أيامٍ بدقيقةٍ ما تترخص برخص السفر، قبلها بدقيقة تترخص برخص السفر، ما الدليل على هذا التحديد؟

وهذا حقيقةً إيرادٌ قويٌّ، لكن نقول: المسألة هذه فيها إشكالٌ، فنقول: إن هذا هو الأقرب، ولهذا؛ كان شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله عندما يذكر هذه المسألة يقول: هذا هو أقرب ما قيل وأحوط، ولا يقول: هذا هو الراجح؛ لأن الرجحان ليس بينًا واضحًا.

فنقول: الأقرب: هو ما عليه أكثر العلماء، وهو الأحوط والأبرأ للذمة، وهو الذي قد ورد فيه النص.

أما القول بإطلاق المدة: فيرد عليه الإشكالات التي ذكرت، ومن الصعب جدًّا أن نقول: أن عددًا كبيرًا من الناس يفطرون في نهار رمضان؛ لأن في بعض الدول مثلًا (90%) من الناس يفطرون في نهار رمضان ويقصرون ويجمعون؟ مثل هذا، الذي يظهر -والله أعلم- أنه لا تأتي بمثل هذا الشريعة.

هذا هو خلاصة كلام أهل العلم في هذه المسألة.

بقي مسألةٌ أخيرةٌ أشار لها المؤلف لما قال: “أو نوى إقامةً مطلقةً، أو أكثر من أربعة أيامٍ أو قبله”، هذه كلها تكلمنا عنها في القسم الثاني.

أو أخر الصلاة بلا عذرٍ حتى ضاق وقتها عنها.

فهذا يقول: إنه يتم، وعللوا لذلك قالوا: لأنه صار عاصيًا بتأخيرها عمدًا بلا عذرٍ، وعندهم أن العاصي لا يترخص برخص السفر، وسبق القول: إنه لما سافر سفر معصيةٍ له الترخص برخص السفر.

وبناءً على القول الراجح إذنْ: له أن يقصر مَن أخر الصلاة بلا عذرٍ، حتى ضاق وقتها عنها، بناءً على القول الراجح، وهو أنه يجوز الترخص برخص السفر في سفر المعصية، يجوز إذنْ كذلك القصر لمن أخر الصلاة بلا عذرٍ حتى ضاق وقتها عنها.

وهذه أبرز المسائل المتعلقة بصلاة المسافر، ونقف عند أحكام الجمع.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1804، ومسلم: 1927.
^2 رواه مسلم: 686.
^3 رواه مسلم: 689.
^4 رواه البخاري: 350، ومسلم: 685.
^5 رواه البخاري: 1088، ومسلم: 1339.
^6 رواه أحمد: 1862.
^7 سبق تخريجه.
^8 رواه البخاري: 4298.
^9 رواه البخاري: 1081، ومسلم: 693.
^10 رواه البخاري: 3933، ومسلم: 1352 بنحوه.
^11 رواه البخاري: 6076، ومسلم: 2558.
^12 رواه البخاري: 1280، ومسلم: 1486 بنحوه.
zh