logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري/(12) باب قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن}- من حديث “كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم..”

(12) باب قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن}- من حديث “كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، نسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

بابٌ: قول الله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ

ثم قال المصنف -رحمه الله-:

بابٌ: قول الله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29].

ومراده بهذا الباب بيان أن الله يحدث ما يريد إحداثه في أي وقت أراد، وأن إحداثه ذلك من أفعاله التي هي  أوصاف له، والكلام يطلق عليه أنه حَدَثٌ ومُحْدَثٌ وحادِثٌ؛ لأنه وجد بعد ما قبله؛ ولهذا قال المصنف رحمه الله بعد هذا:

وقوله تعالى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، قال: وأن حَدَثَه لا يشبه حَدَثَ المخلوقين.

وقال:

لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، جاء في البخاري مجزومًا به في رواية أخرى: قلنا: يا رسول الله، وما الشأن؟ قال: أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين [1].

فمن شأنه أن يجيب داعيًا، وأن يعطي سائلًا، وأن يفك عانيًا، وأن يشفي مريضًا كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] جل وعلا.

وقال ابن مسعود: “إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة” [2]، فالله تعالى يحدث ما يريد إحداثه جل وعلا.

ثم ساق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما:

“كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم، وعندكم كتاب الله؟ أقرب الكتب عهدًا بالله، تقرؤونه محضًا لم يشب”.

أي: لم يخالطه شيء من غيره.

ثم ساق المصنف رحمه الله حديث ابن عباس:

قال: “يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء؟ وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم أحدث الأخبار بالله محضًا لم يشب، فقد حدثكم أن أهل الكتاب قد بدَّلوا من كتب الله وغيَّروا، فكتبوا بأيديهم، قالوا: هو من عند الله؛ ليشتروا بذلك ثمنًا قليلًا، أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، فلا والله ما رأينا رجلًا منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم”.

حفظ الله للقرآن الكريم

هذا القرآن حفظه الله ​​​​​​​، تكلم به بالحرف والصوت، وأنزله على نبيه ، وتكفل الله بحفظه، قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، بينما الكتب السماوية الأخرى، هل تكفل الله بحفظها؟ الجواب: لا، لم يتكفل الله بحفظها، وإنما قال: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [المائدة:44]، فاستحفظهم الله فلم يحفظوها، ووقع فيها التحريف والتبديل.

بينما القرآن لم يوكل الله حفظه للبشر، وإنما تكفل بحفظه فلم يتغير فيه حرف واحد، سبحان الله! هذا من عظمة القرآن وإعجازه، حرف واحد لم يتغير، من أكثر من أربعة عشر قرنًا، نقرأ القرآن الآن غضًّا طريًّا كما نزل، وكما كان يقرأه رسول الله ويقرأه الصحابة، آية من آيات الله.

رغم ما اعترى الأمة الإسلامية من حروب، ومن حوادث، وأمور عظيمة جدًّا، الأمة الإسلامية تعرضت لحملات شرسة من الأعداء، أعداء الإسلام من الصليبيين ومن التتر، ومن غيرهم، ومن الفرق الباطنية، خاصة في القرن الرابع، في القرن الرابع انتشروا في معظم أنحاء العالم الإسلامي، حتى أتوا إلى مكة، وقلعوا الحجر الأسود، وأخذوه، وذهبوا به اثنين وعشرين عامًا.

والتتر أيضًا لما أتوا سنة ستمائة وسبعة عشر، فعلوا الأفاعيل في بلاد المسلمين، حتى إن ابن الأثير المؤرخ المشهور، يقول: والله بقيت مدة طويلة لا أريد أن أكتب، ما أستطيع أن أكتب، يا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني لم أعاصر ذلك الحدث، بل يحلف ويجزم، يقول: إن هذا شيء لم يحدث مثله منذ خلق الله آدم، بل يقول: إن ما فعله التتار أعظم من فعل المسيح الدجال، ويعلل ذلك، يقول: المسيح الدجال إنما يقتل من خالفه، أما هؤلاء فيقتلون من خالفهم ومن وافقهم، همج، أمة همجية، حتى قالوا: إنه ما عندهم شيء اسمه زواج، الرجل يطأ المرأة، وعندهم همج يقتلون من رأوه، فيقال: إنهم قتلوا في بغداد فقط مليون، وابن الأثير بقي مدة يقول: أردت أن لا أكتب، حتى أشار إليَّ بعض الناس، وقال: لا فائدة من إحجامك عن الكتابة.

هذه الأحداث يا إخوان أحداث عظيمة مرت على الأمة الإسلامية، أكثر بكثير من واقع المسلمين اليوم، لكن سبحان الله! حفظ الله تعالى كتابه، وسنة نبيه ، حفظها الله تعالى، لم يتغير حرف واحد من القرآن، فرغم هذه الأحداث العظيمة الجسام التي مرت بها الأمة الإسلامية، إلا أن الله حفظ دينها، وحفظ كتابها، وسنة نبيها ؛ لأن الله تكفل بذلك: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

بل إن الله تعالى وعد بإظهار دين الإسلام على سائر الأديان، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]، طيب، إذا أردنا نطبق هذا على الواقع، الله تعالى وعد بإظهار دين الإسلام على الدين كله، ونرى الآن ضعف المسلمين، فكيف نوفق بين ما وعد الله به، وبين واقع المسلمين اليوم، وأيضًا واقع المسلمين في عصور مضت، عصور الضعف، ما الجواب عن هذا؟ نقول: إن المقصود بالظهور ظهور الإسلام بالحجة والبرهان، وهذا أمر واقع، ولا أحد ينكره كالشمس في رابعة النهار، الإسلام ظاهر بالحجة والبرهان.

ولذلك هو أسرع الأديان انتشارًا، فقط يريد من يعرِّف الناس به فقط، وإلا حجته ظاهرة، أسرع الأديان انتشارًا، وأعظمها انتشارًا.

أحد الدعاة إلى الله تعالى يقول: كنا في إحدى البلدان الإفريقية، ودعونا قبيلة من القبائل، كان أعدادها عدد القبيلة يزيد على الألف، يقول: قابلنا أمير القبيلة، وقال: والله يا أخي أنتم المسلمون تقولون: نحن على الحق، عندنا قساوسة هنا يقولون: نحن على الحق، ونحن لا نكذب، كل منكم يدعي أنه على الحق، وهؤلاء كانوا وثنيين، يقول: فألهمني الله حجة أسلموا جميعًا لما سمعوها، قلت لهم: هل تجدون عالمًا مسلمًا – ليس عاميًّا – ترك الإسلام واعتنق دينًا آخر؟ قالوا: أبدًا ما سمعنا بهذا، قال: قلت: هل تجدون قساوسة تركوا دينهم، واعتنقوا دينًا آخر؟ قالوا: هذا كثير، قلت: هذا هو البرهان، فأسلموا جميعًا؛ لأن هذا الدين دين عظيم، دين يوافق الفطرة، ودين حجته ظاهرة، فإذن نقول: ظهور الدين المقصود به: ظهوره بالحجة والبرهان، فالله تعالى تكفل بحفظ هذا الدين.

بابٌ: قول الله تعالى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ

ثم قال المصنف رحمه الله:

بابٌ: قول الله تعالى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ [القيامة:16].

ومراده التمييز بين فعل الرب وصفاته، وفعل العبد، فتحريك النبي لسانه بالوحي هو من فعله الممكن المحرك به اللسان، وقال: وفعل النبي حين ينزل عليه الوحي، وقال أبو هريرة، عن النبي : قال الله تعالى: أنا مع عبدي إذا ذكرني، وتحركت بي شفتاه.

ثم ساق بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ [القيامة:16] قال: كان النبي يعالج من التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه، فقال لي ابن عباس: أحركهما لك كما كان رسول الله يحركهما، قال سعيد: أنا أحركها كما كان ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه، فأنزل الله: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ۝إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [القيامة:16، 17]، قال: جمعه في صدرك، ثم تقرؤه فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:18]، قال: فاستمع له وأنصت، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا [القيامة:19]، أن تقرأه، قال: فكان رسول الله إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي كما أقرأه.

في أول الأمر كان عليه الصلاة والسلام حريصًا على أن يقرأ خلف جبريل مباشرة، يحرك لسانه وشفتيه، فالله تعالى طمأنه، قال: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ۝إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [القيامة:16، 17]، الله تعالى سيمكنك من حفظه من غير حاجة لأن تحرك لسانك وشفتيك، فاطمأن عليه الصلاة والسلام، وكان يقرأه كما كان يلقيه عليه جبريل .

بابٌ: قول الله تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ..

ثم قال المصنف رحمه الله:

بابٌ: قول الله تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ۝أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:13، 14]، قال: يتخافتون: يتسارون.

ثم ساق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110]، هذه سبق الكلام عن هذا الحديث.

ثم ساق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: نزلت هذه الآية: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110] في الدعاء.

والرواية الأولى أشهر وأظهر، وأنها كانت في صلاة النبي ، وأن المقصود لا تجهر بقراءتك فيسمع ذلك المشركون، فيسبوا القرآن، ولا تسر بها عن أصحابك فلا يسمعوك.

ثم ساق بسنده عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : ليس مِنَّا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن، وزاد غيره: يجهر به [3].

أيهما أفضل الجهر بالتلاوة أم الإسرار بها؟

ليس منا من لم يتغن بالقرآن، يعني: يحسن صوته بالقرآن؛ ليجهر به، وهذا يدل على أن الجهر بتلاوة القرآن أفضل من الإسرار، وبعض أهل العلم قال: يتغنَّى، يعني: يستغني بالقرآن، ولكن الذي يظهر أن المقصود بالتغنِّي هنا تحسين الصوت، والترتيل للقرآن، فالقرآن يقرأ بطريقة معينة، يعني: لا يُقرأ كما يُقرأ الشعر، أو تقرأ الأمور الأخرى، يقرأ بترتيل، وتحسين صوت وتغنِّي، هكذا يقرأ القرآن.

وأيضًا يجهر به الإنسان جهرًا لا يؤذي من حوله، وكما ذكرنا في درس سابق، لاحظت أن بعض الناس يأخذ المصحف، ويبدأ يقرأ في نفسه، إن لم يحرك لسانه لا تعتبر قراءة، إن حرك لسانه يؤجر، لكن كونه يجهر قليلًا بقراءة القرآن هذا أفضل، يجهر، ويتغنَّى به، يحسِّن صوته بتلاوة القرآن.

وكما ذكرنا أن الله تعالى يستمع لقارئ القرآن إذا كان صوته حسنًا، ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنَّى بالقرآن [4]، وهكذا أيضًا الملائكة تستمع لقارئ القرآن؛ ولذلك ينبغي أن يحرص على تحسين صوته بالتلاوة.

بابٌ: قول النبي : رجل آتاه الله القرآن..

قال:

بابٌ: قول النبي : رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا فعلت كما يفعل.

فبين الله أن قيامه بالكتاب هو فعله، والمؤلف يريد أن يقرر هذا المعنى، وهو فعل العبد، والتفريق بينه وبين فعل الله ​​​​​​​.

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22]، وقال: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77].

ثم ساق بسنده حديث أبي هريرة ، قال:

قال رسول الله : لا تحاسد إلا في اثنتين، والمقصود بالتحاسد هنا الغبطة، رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النهار، يعني: ساعات الليل، وساعات النهار، فهو يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا، لفعلت كما يفعل، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه في حقه، فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتي عملت فيه مثل ما يعمل [5].

ثم ساق أيضًا الحديث الآخر بمعناه:

ولا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه القرآن فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار.

لا غبطة، أي: ينبغي أن لا يغبط أحد على شيء إلا على إحدى هاتين الخصلتين:

  • الخصلة الأولى: رجل أعطاه الله القرآن فهو يتلوه ساعات الليل، وساعات النهار، دائمًا يقرأ القرآن، من أهل القرآن، هذا ينبغي أن يغبط.
  • الرجل الثاني: رجل أعطاه الله أموالًا، ووفقه للإنفاق منه في سبيل الخير، فهو ينفق منه آناء الليل، وآناء النهار، هذا ينبغي أن يغبط. وما عداهما لا ينبغي أن يغبط.

والمسألة يا إخوان هي مسألة توفيق من الله، الذي يقوم بالقرآن آناء الليل، وآناء النهار؛ هذا من توفيق الله له، هنا أناس يا إخوان الآن أحياء يرزقون، يختمون القرآن في اليوم، كل يوم يختمون القرآن، سبحان الله! يصدق عليهم هذا المذكور في الحديث، يقومون بالقرآن آناء الليل، وآناء النهار.

وهناك أناس أعطاهم الله أموالًا فهم يبذلونها في سبل الخير، وليس العبرة أن الله يعطي الإنسان المال، لكن العبرة أن الله يوفقه لبذله في سبل الخير، وإلا كم هناك من الأغنياء والأثرياء عندهم أموال عظيمة، لكنهم لم يُوَفَّقوا في بذلها في سبل الخير.

بابٌ: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ..

قال:

بابٌ: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67]، قال الزهري: من الله الرسالة، وعلى رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم.

هذه كلمة عظيمة ينبغي أن تحفظ، من الله الرسالة، الله يرسل الرسل، وعلى رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم، وهذا هو مقتضى العبودية.

وقال: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ [الجن:28]، وقال تعالى: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي [الأعراف:62]، وقال كعب بن مالك حين تخلف عن النبي : وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التوبة:94]، وقالت عائشة: إذا أعجبك حسن عمل امرئ، فقل: اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] ولا يستخفنك أحد.

سيرى الله عملكم ورسوله، طبعًا وَرَسُولُهُ وقت حياة النبي ، أما بعد وفاته فهو لا يعلم الغيب.

والمؤمنون إذا عمل الإنسان أعمالًا صالحة، فإن الله يلقي في قلوب المؤمنين محبته؛ وذلك من عاجل بشرى المؤمن، قال معمر: ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:2] هو القرآن، وهُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] بيان ودلالة، هذا توضيح من المؤلف لبعض المفردات؛ لقوله تعالى: ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ [الممتحنة:10] هذا حكم الله، لَا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] لا شك فيه، وتِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ [البقرة:252]، يعني هذه أعلام القرآن، حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [يونس:22] يعني: بكم.

قال أنس: “بعث النبي خاله حرامًا –يعني حرام بن مِلْحَان الأنصاري– إلى قوم، وقال: أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله فجعل يحدثهم” [6]، وغرض المؤلف في هذا إثبات أفعال العباد، وأن فعل العبد يختلف عن فعل الله .

ثم ساق بسنده حديث المغيرة، قال: “أخبر نبينا عن رسالة ربه أنه من قتل منا صار إلى الجنة”.

ثم ساق بسنده حديث عائشة: “من حدثك أن محمدًا كتم شيئًا…”، ثم ساقه برواية أخرى، قال: قالت: “من حدثك أن النبي كتم شيئًا من الوحي فلا تصدقه، إن الله يقول: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67]”.

ثم ساق المصنف حديث أبي مسعود الذي سبق التعليق عليه قبل قليل.

بابٌ: قول الله تعالى: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:

بابٌ: قول الله تعالى: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا [آل عمران:93]، لقول النبي : أُعطي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها

وهذا الحديث سبق أيضًا التعليق عليه في درس سابق.

وأيضًا حديث ابن عمر: إنما بقاؤكم فيمن سلف بين الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس [7] سبق التعليق عليه أيضًا في درس سابق بالتفصيل، فلا نعيد ما سبق الكلام عنه.

بابٌ: وسمَّى النبي الصلاة عملًا

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:

بابٌ: وسمَّى النبي الصلاة عملًا، وقال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

وأراد المؤلف رحمه الله بهذا أن يبين أن الإيمان عمل، لا كما يقول المرجئة، وهو يريد بذلك أن يرد على المرجئة، الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، ويقولون: إن الإيمان قول وليس بعمل، فقال: سمَّى النبي الصلاة عملًا.

وساق بسنده عن ابن مسعود: أن رجلًا سأل النبي : أي الأعمال أفضل؟ فجعلها أعمالًا، قال: الصلاة في وقتها، وبر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله [8].

بابٌ: قول الله تعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا..

بابٌ: قول الله تعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19 – 21]، قال: هلوعًا: ضجورًا.

ويعني: إذا حصلت له نعمة بخل بها على غيره، ومنع حق الله فيها، وأما إذا أصابه الضر، فزع وجزع وأيس إلى أن يحصل له بعد ذلك خير.

وقد جاء في حديث أبي هريرة: أن النبي قال: شر ما في الرجل شُحٌّ هالعٌ، وجُبْنٌ خالعٌ [9]، أخرجه: أبو داود، وابن حبان، وأحمد بسند صحيح.

ثم ساق المصنف حديث عمرو بن تغلب:

أتى النبي مال، فأعطى قومًا، ومنع آخرين، فبلغه أنهم عتبوا، فقال: إني أعطي الرجل، وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي أقوامًا لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب، وعمرو بن تغلب هو من بني عبد القيس، من أهل حوث بالبحرين، يعني: بالأحساء، قال عمرو: ما أحب أن لي بكلمة رسول حُمُرَ النَّعَمِ [10].

مراد المصنف من هذا الباب: إثبات خلق الله تعالى للإنسان، بأخلاقه من الهلع والصبر والمنع والإعطاء، هذا هو مراد المؤلف من هذا الباب، وأن هذه الصفات المذكورة يخلقها الله تعالى في الإنسان، لا أن الإنسان يخلقها بفعله، كما تقول المعتزلة.

وهذا الحديث يدل على أن البشر جُبلوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل التفكر في عاقبته، فالنبي أعطى أقوامًا، ومنع آخرين، الذين منعوا تضايقوا، وقالوا: كيف يمنعنا؟ مع أن في ذلك المنع خير؛ ولذلك قال: أعطي أقوامًا، وأوكل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير.

بابٌ: ذكر النبي وروايته عن ربه

ثم قال المصنف رحمه الله:

بابٌ: ذكر النبي وروايته عن ربه.

وساق بسنده عن أنس :

عن النبي يرويه عن ربه ​​​​​​​: قال: إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا [11].

ومقصود المؤلف بذلك: إثبات فعل العبد، وأنه مخلوق لله  وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، هذا الحديث سبق الكلام عنه، والتعقيب عليه برواياته.

ثم ساق أيضًا:

حديث أبي هريرة : لكل عمل كفارة، والصوم لي، وأنا أجزي به [12].

أيضًا سبق الكلام عنه.

ثم ساق حديث ابن عباس:

فيما يرويه عن ربه: لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه.

وهذا قاله عليه الصلاة والسلام لما يخشى على من سمع قصة نبي الله يونس أن يقع في نفسه تَنَقُّصٌ له، قاله على سبيل التواضع، وإلا فإن نبينا محمد هو أفضل من يونس، وأفضل من جميع الأنبياء، هو أفضل الأنبياء والرسل.

ثم ساق بسنده عن عبدالله بن مُغفَّل المُزني:

رأيتُ رسول الله يوم الفتح على ناقة له، يقرأ سورة الفتح، أو من سورة الفتح، قال: فرجَّع فيها، قال: ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مُغفَّل، وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجَّعت، كما رجَّع ابن مُغفَّل يحكي النبي ، فقلت لمعاوية: كيف كان ترجيعه؟ قال: يقول آآ آثلاث مرت [13].

معنى الترجيع

الترجيع معناه: ترديد الصوت في الحلق، وهو قدر زائد على الترتيل، وهو من حسن التلاوة، الترتيل أن الإنسان يأتي بقراءة بحُسن صوت مراعيًا أحكام التجويد ما أمكن، الترجيع معناه: الترديد التلاوة في الحلق، فمثلًا يقول: إنه يقرأ من سورة الفتح: إِنَّا [الفتح:1] هكذا، فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، إِنَّا [الفتح:1] يردد الكلمة في الحلق…، وهذا قال: آ ثلاث مرات، فترديد الكلام في الحلق هذا هو الترجيع إِنَّا [الفتح:1] هكذا، يعني ما يقول: إِنَّا فَتَحْنَا [الفتح:1] لا، إِنَّا [الفتح:1] فيردد الكلام في الحلق، هذا من حسن التلاوة، والنبي كان يرجع في تلاوته، والترجيع قدر زائد على الترتيل، لكن فرق بين الترجيع وبين التمطيط، الترجيع يعني يزيد من حسن التلاوة، بخلاف التمطيط يعني الذي أنكره العلماء.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 12/ 165.
^2 رواه البخاري: 18/ 572.
^3 رواه البخاري: 7527.
^4 رواه مسلم: 792.
^5 رواه البخاري: 7528.
^6 رواه البخاري: 4091.
^7 رواه البخاري: 557.
^8 رواه البخاري: 7534، ومسلم: 85.
^9 رواه أبو داود: 2511، وابن حبان: 3250، وأحمد: 8010.
^10 رواه البخاري: 7535.
^11 رواه البخاري: 7536.
^12 رواه البخاري: 7538.
^13 رواه البخاري: 7540.
zh