عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
باب قول الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ
قال المؤلف رحمه الله:
باب قول الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ [الأنعام:65].
صفة القدرة لله تعالى
ومراد المصنف -البخاري- لهذا الباب إثبات صفة القدرة لله تعالى، وأنها عامة لكل مقدور، والرد على القدرية نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم، الذين يقيدون قدرة الله بما اخترعوه من أنفسهم، فالله تعالى قدرته مطلقة، هو على كل شيء قدير.
قدرة الله عظيمة، له مطلق القدرة، وطلاقة القدرة، هو على كل شيء قدير، إذا أراد شيئًا فإنما يقول له: كن فيكون، بخلقه للبشر خلق البشر من ذكر وأنثى، وخلق بشرًا بدون أب ولا أم، وبشرًا من غير أم، وبشرًا من غير أب، فالبشر الذي من غير أب ولا أم هو أبونا آدم، والبشر الذي من غير أم حواء، خلقها الله تعالى من آدم، والبشر الذي من أم، وليس من أب هو عيسى؛ ليبين الله تعالى لنا عظيم قدرته، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء.
حديث الاستخارة
قال:
حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن بن عيسى، حدثني عبدالرحمن بن أبي الموالي، قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبدالله بن الحسن، يقول: أخبرني جابر بن عبدالله السلمي، قال: كان رسول الله يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلم السورة من القرآن [1].
هذا يسمى بحديث الاستخارة.
والاستخارة تكون في الأمور التي يتردد الإنسان فيها، ولا يعرف الصواب، فيستخير ربه فيها، فكان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلم السورة من القرآن، وهذا يدل على أهمية الاستخارة في حياة المسلم، وأنه ينبغي أن يحرص عليها، وأن يكون كثير الاستخارة لربه في الأمور التي يتردد فيها.
والمسلم مطلوب منه أمران:
- الأمر الأول: الاستشارة.
- الأمر الثاني: الاستخارة.
أما الاستشارة فيستشير ذوي الحكمة والعقول، لا يستشير كل من هبّ ودبّ، بعض الناس إذا تردد في شيء، كل من رآه استشاره، وهذا في الحقيقة يزيد الأمر ترددًا وتعقيدًا؛ لأن كل واحد يعطيه رأي، وهذا خطأ، إنما المطلوب أن يقصر الاستشارة على أهل الحكمة والعقل والرأي السديد.
كيفية الاستخارة
ثم يستخير ربه، وذلك بأن يصلي ركعتين، قال:
إذا همَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة
يصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم يأتي بدعاء الاستخارة.
قال:
فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل:
يعني يأتي بهذا الدعاء، طيب قوله: ثم ليقل هل هذا الدعاء دعاء الاستخارة يؤتى به قبل السلام، أو بعد السلام؟
هذا محل خلاف بين العلماء، والله تعالى يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]؛ فإذا رددنا هذه المسألة إلى ما قاله النبي ، نعود ونتأمل الحديث، قال: فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل لا يصدق عليه أنه ركع ركعتين إلا إذا سلّم، ومعنى ذلك أن دعاء الاستخارة يقال بعد السلام، وليس قبل السلام؛ لأنه قال: فليركع ركعتين، ثم ليقل فهو يقال بعد السلام، إذًا تصلي ركعتين، ثم ترفع يديك وتأتي بدعاء الاستخارة هذا، وهو:
اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنك تقدر ولا أقدر
وهذا هو موضع الشاهد، وهو الذي لأجله ساق المصنف “البخاري” هذا الحديث في هذا الباب؛ لإثبات القدرة.
فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر
ثم يسميه بعينه، مثلًا زواجي من فلانة، أو المرأة تقول: زواجي بفلان، أو سفري إلى كذا، أو دخولي في هذه التجارة، أو الطالب مثلًا دخولي في هذا التخصص، أو هذه الكلية، أو نحو ذلك، أي أمر يتردد فيه الإنسان يستخير ربه فيه.
قال:
خيرًا لي، في عاجل أمري وآجله -قال: أو: في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري- فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به
وورد بصيغة مقاربة لهذا، هذا هو دعاء الاستخارة اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر ويسميه خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجل أمره وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به.
بعد ذلك يختار أحد الأمرين بحسب ما ظهر له أنه هو الصواب، فإن كان خيرًا، فسييسره الله، وإن كان الخير في الأمر الآخر، فلن يتيسر هذا الأمر، وسييسر الأمر الآخر له، وهذه هي علامة الاستخارة، انتبه، ليس علامة الاستخارة كما يعتقد بعض الناس، يقول: والله انشرح صدري لهذا الأمر، ولم ينشرح لهذا، لا، ليست هذه علامة الاستخارة، قد تميل نفسك لأمر بحسب خلفيتك الذهنية عنه، وانطباعك النفسي، هذا الأمر انطباعك عنه جيد، وهذا الأمر انطباعك عنه غير جيد، تجد نفسك تميل لهذا، تقول: والله أنا استخرت، وانشرح صدري لهذا، هذا غير صحيح.
ولذلك تجد بعض الناس ربما يرتب على هذا أمورًا كبيرة، خاصة في موضوع الزواج، يتقدم إنسان كفؤ، مرضي الدين والخلق لهذه الفتاة، ثم ترده؛ لماذا؟ قالت: أنا استخرت وما انشرح صدري، هذا غير صحيح، يسأل عنه، يؤخذ عنه معلومات، إذا كان مرضي الدين والخلق تقبل به، فإن كان خيرًا فسييسر الله إتمام هذا الزواج، وإن كان ليس بخير، فسيصرفك الله تعالى عنه؛ لأنه مجرد أني والله أجد ميلًا أو أجد عدم ميل، هذا ليست هي علامة الاستخارة، ميل أو عدم ميل بحسب انطباعك الذهني الذي في ذهنك، بحسب خلفيتك عن هذا الأمر.
علامة الاستخارة
فعلامة الاستخارة هي تيسر أحد الأمرين، وعدم تيسر الأمر الآخر، انتبه لهذه الفائدة، تيسر أحد الأمرين، وعدم تيسر الأمر الآخر.
باب مُقلّب القلوب
قال المصنف رحمه الله:
باب: مُقلّب القلوب، وقول الله تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ [الأنعام:110].
ومراد المصنف بهذا الباب: وصف الله تعالى بأنه المنفرد بالتصرف في خلقه، حتى في قلوب عباده، وهو بهذا يشير إلى تمام قدرة الله سبحانه.
قال:
حدثنا سعيد بن سليمان، عن ابن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن عبدالله، قال: أكثر ما كان النبي يحلف: لا، ومُقلّب القلوب [2].
تقليب القلوب قد دلت له النصوص، وأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء: ولهذا من أعظم الأدعية أن تسأل الله تعالى الثبات، وألا يزيغ قلبك، الله تعالى ذكر من دعاء أولي الألباب، قال: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:7-8] هذا من الأدعية العظيمة.
وكان من أكثر دعاء النبي : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك هذه الأدعية ينبغي أن تدعو بها كل يوم، كل يوم، قل: رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.
وإذا كان هذا هو من أكثر دعاء النبي ، فنحن في زمننا وقتنا الحاضر، الذي كثرت فيه فتن الشبهات والشهوات، نحن أشد حاجة إلى هذا الدعاء، ونحن نرى كثرة الانتكاسات، وكثرة المتساقطين، تسمع عن فلان ابن فلان رجل صالح مستقيم، من المحافظين على الصلوات، ربما أيضًا من المحافظين على الدروس العلمية، فجأة إذا به انتكس، سلك طريقًا، إما أنه سلك طريق التحلل، وترك الصلوات، وسلك طريق الشهوات، أو سلك طريق الشبهات؛ إما بالتكفير والغلو، أو في اتبع منهجًا من المناهج المنحرفة، هذا من الزيغ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران:8] فكم من إنسان كان مستقيمًا صالحًا، ثم زاغ قلبه، نسأل الله العافية.
ذكر في ترجمة عمران بن حطان كان من السلف، وعقيدته كانت سلفية، وهو من أهل الحديث، رأى امرأة جميلة فأعجبته، لكن هذه المرأة خارجية من الخوارج، أراد أن يخطبها، قال: كيف تخطبها وهي من الخوارج؟ قال: لا، أنا أريد أن أخطبها، وسأؤثر عليها، وأحولها من كونها خارجية إلى سلفية، لكن الواقع أنه لما تزوجها هي التي أثرت عليه، وحولته إلى خارجي، سبحان الله!
فالإنسان يتأثر، الإنسان بشر، قد يتأثر بزوجته، بصديقه، قد يتأثر بأي شيء، المؤثرات كثيرة، والقلوب ضعيفة، والشبه خطافة، لا يغتر الإنسان بنفسه؛ ولذلك ينبغي أن يضرع المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى بأن يثبته، ويكثر من هذه الأدعية، اجعل هذه الأدعية كل يوم تدعو بها، كل يوم ادعو بهذه الأدعية، رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.
والإنسان إذا صدق مع الله ، فإن الله تعالى يحفظ عليه دينه، ويقيه من فتن الشبهات، ومن فتن الشهوات.
كان النبي أكثر ما كان يحلف يقول: لا، ومقلب القلوب ولما سئل، قال: إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء [3] فهو يتصرف في قلوب عباده جل وعلا؛ ولذلك فما دامت قلوب العباد بيد الله على المسلم أن يلجأ إلى الله في أن يثبت قلبه، وأن يصرف قلبه على دينه.
باب إن لله مائة اسم إلا واحدة
قال المصنف رحمه الله:
باب: إن لله مائة اسم إلا واحدة، قال ابن عباس: ذُو الْجَلَالِ: العظمة، الْبَرُّ: اللطيف.
حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة قال: أحصيناه: حفظناه [4].
مراد المصنف بهذا الباب إثبات أسماء الله تعالى على ما ورد في الكتاب والسنة، الله تعالى له الأسماء الحسنى، وله الصفات العلى، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بأسماء الله وصفاته، كما ورد في كتاب الله، وفي سنة رسوله ، من غير تحريف، ولا تأويل، ولا تعطيل، ولا تشبيه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
وفي هذا الحديث يخبر عليه الصلاة والسلام بأن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا، قال: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا يعني من باب التأكيد من أحصاها دخل الجنة.
معنى قوله: “من أحصاها”
والإحصاء قال المصنف معناه: أحصيناه: حفظناه، يعني الإحصاء يطلق على الحفظ، ولكن ما المقصود بهذا الحفظ؟ هل المقصود به الحفظ باللسان؟
قال أهل العلم: إن المقصود بهذا الحفظ: الحفظ باللسان وبالعمل، أما باللسان فأن يجمع أسماء الله هذه التسعة والتسعين، ويدعو الله تعالى بها، وبالعمل أنه يستقيم على طاعة الله ، ويؤمن بهذه الأسماء والصفات، ويقر بها، ويخضع عندها، ويقتدي بها في معانيها، فإذا كان من أسماء الله تعالى: الرحمن الرحيم، يحرص على رحمة البشر، ومن أسماء الله تعالى: الكريم، يكون كريمًا مع الناس، أو من أسماء الله العفو، يكون يعفو خاصة عند المقدرة.
والمطلوب من المسلم عند دعائه أن يدعو الله تعالى بهذه الأسماء وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] عندما تدعو الله سبحانه احرص على أن تدعو الله، وتتوسل إليه بأسمائه الحسنى، وخاصة أن تختار الاسم المناسب للدعاء، فمثلًا عندما تدعو بالمغفرة، تقول: اللهم إني أسألك أن تغفر لي يا غفور، يا غفار، يا واسع المغفرة، يا غافر الذنب، تتوسل إلى الله تعالى بهذا، تقول: اللهم إني أسألك أن ترحمني يا رحمن، يا رحيم، يا أرحم الراحمين، يا من رحمته وسعت كل شيء، وهكذا وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى من أسباب إجابة الدعاء.
باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها
قال المصنف رحمه الله:
باب: السؤال بأسماء الله تعالى، والاستعاذة بها.
مراد المصنف بهذا أن المسلم يسأل الله تعالى باسمه: يا غفور اغفر لي، يا رحمن ارحمني، والاستعاذة بها: أن المسلم يستعيذ بأسماء الله تعالى بأن يقول: أعيذ بك يا حي يا قيوم، باسمك أموت وأحيا، أعوذ بكلمات الله التامة، ونحو ذلك، والمؤلف ذكر أحاديث في هذا الباب:
الحديث الأول:
حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله، حدثني مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي قال: إذا جاء أحدكم فراشه، فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات [5].
ومعنى بصنفة ثوبه، يعني: بطرف ثوبه من الداخل، وجاء في رواية: بداخلة إزاره ينفض فراشه، يعني إما بطرف ثوبه، أو بأي شيء ثلاث مرات.
فوائد نفض الفراش قبل النوم
وهذا النفض للفراش له عدة فوائد:
- من طرد الهوام، والحشرات، فإنه قد يكون في فراشه مثلًا عقرب، أو يكون فيه حشرات فيطردها.
- وأيضًا كذلك طرد ما قد يكون في هذا الفراش من الشياطين ونحوها.
فإذن هذا من السنة، إذا أتيت إلى فراشك فانفضه ثلاث مرات بأي شيء، هنا قال: بصنفة ثوبه يعني بطرف ثوبه، ولا يلزم أن يكون بطرف الثوب، بأي شيء، بأي شيء انفضه ثلاث مرات.
قال:
وليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه
باسمك ربي، هذا موضع الشاهد: أنه استعاذ باسم الله سبحانه.
دعاء قبل النوم
باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين
وهذه من الأدعية التي تقال قبل النوم باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين لأن النوم يعتبر موتة، الموتة الصغرى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42] فالنوم سبحان الله! شبيه بالموت؛ ولذلك سماه الله تعالى وفاة: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42].
فهناك تشابه بين الموت والنوم، وأنت نائم ترى في نومك ما يسرك، وما يحزنك، قد ترى في نومك ما يسرك وما يحزنك، هكذا أيضًا الميت، إما أن يكون في نعيم القبر، أو في عذابه.
طيب النائم هل يشعر بمرور الزمن أو لا يشعر؟ ما الجواب؟ لا يشعر، حتى لو نام يوم يومين ثلاثة ما يشعر؛ لأن مرور الزمن إنما يشعر به الإنسان عند توالي الأحداث؛ ولذلك تجد أنه إذا توالت الأحداث كثيرًا، تشعر بطول الزمن، وإذا كانت الأحداث قليلة تشعر بقصر الزمن.
فالنائم ما في أحداث تمر عليه، فلا يشعر بمرور الزمن، هكذا الميت أيضًا، الميت ما يشعر بمرور الزمن، ظاهر الأدلة أنه لا يشعر بمرور الزمن؛ ولذلك يعني القيامة قريبة يا إخوة، بمجرد الإنسان يموت يتفاجأ بقيام الساعة؛ لأنه إذا مات قد يكون في نعيم القبر أو في عذابه، وهذا قد تواترت به الأدلة، لكنه لا يشعر بالزمن، فسرعان ما تقوم الساعة، يعني ما بينه وبين القيامة إلا فقط تموت، ثم تقوم القيامة، والإنسان مغيب عن الأجل، فالساعة قريبة جدًّا؛ لهذا قال : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1] اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1].
فعندما تنام تدعو بهذا الدعاء، تقول: اللهم باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، احفظوا هذا الدعاء، هذا من الأدعية التي تقال قبل النوم، باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.
قال:
حدثنا مسلم، حدثنا شعبة، عن عبدالملك، عن ربعي، عن حذيفة قال: كان النبي إذا أوى إلى فراشه، قال: اللهم باسمك أحيا وأموت وإذا أصبح قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور [6].
وهذا أيضًا من الأدعية التي تقال عند النوم: اللهم باسمك أحيا وأموت وهذا أيضًا ينبغي أن يحفظ هذا الدعاء، قولك عندما تنام: اللهم باسمك أحيا وأموت؛ لأنه كما قلنا: النوم يعتبر موتة صغرى، ويشرع بعد القيام من النوم، من أي نوم، نوم الليل أو نوم النهار، أي نوم، أن تقول أول ما تستيقظ: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور، هذا دعاء الاستيقاظ من النوم.
حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر قال: كان النبي إذا أخذ مضجعه من الليل، قال: باسمك نموت ونحيا وإذا استيقظ قال: الحمد لله، الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور [7].
وهو بمعنى الحديث السابق، لكن أورده المصنف من طريق آخر.
الذكر الذي يؤتى به عند الجماع
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدًا [8].
هذا أورده المصنف لقوله: باسم الله.
وهذا الذكر هو الذكر الذي يؤتى به عند الجماع، يقول: باسم الله، حتى لا يشاركه الشيطان في جماع أهله، ثم يقول: اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا وهذا يشرع للرجل، لكن هل يشرع أن تقوله المرأة؟
هذا محل خلاف بين العلماء، فمن أهل العلم من قال: إنه خاص بالرجل فقط؛ لأنه ظاهر الحديث؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله.
وقال بعض أهل العلم: أنه يشمل المرأة؛ لأن المرأة تشترك مع الرجل في تقدير الولد؛ لأنه قال: فإنه إن يقدر بينهما ولد وذلك أن الولد إنما يكون من اجتماع ماء الرجل بماء المرأة وهو البويضة، فيخلق الولد من اجتماعهما جميعًا، وهذا هو الأقرب أنه يقوله الرجل والمرأة.
ما هي فائدة هذا الذكر؟ أنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبدًا، فلا يصاب مثلًا بالمس، ولا أيضًا يضله الشيطان، فيكون هذا من أسباب صلاح الولد، ولكن هذا يبقى سببًا، قد يفيد السبب، وقد لا يفيد، لكنه من الأسباب، يعني وأنت تدعو الله تعالى قد تستجاب دعوتك، وقد لا تستجاب.
قال:
حدثنا عبدالله بن مسلمة، حدثنا فضيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام، عن عدي بن حاتم قال: سألت النبي قلت: أرسل كلابي المعلَّمة؟ قال: إذا أرسلت كلابك المعلَّمة وذكرت اسم الله، فأمسكن فكُل، وإذا رميت بالمعراض فخزق فكُل [9].
عدي بن حاتم كان مشتهرًا بالصيد، كانت أكثر أسئلته للنبي فيما يتعلق بالصيد، ويعني كل الصحابة كل منهم له اهتمام، مثلًا: حذيفة يهتم بالفتن، وأشراط الساعة، وما يتعلق بها، وجابر اهتم بضبط حجة النبي عليه الصلاة والسلام.
وهنا عدي بن حاتم اهتم بما يتعلق بالصيد، فسأل النبي عدة أسئلة، منها هذا السؤال، قال: إني أرسل كلابي المعلَّمة، يعني ماذا أقول؟ قال: إذا أرسلت كلابك المعلمة الكلب المعلَّم هو الكلب الذي علمه صاحبه على الصيد، والكلاب سبحان الله! من أسرع الحيوانات تعلمًا، فبالإمكان تعليمها الصيد أنها تصطاد للإنسان يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ [المائدة:4].
حكم صيد الكلب المعلَّم
وصيد الكلب المعلَّم حلال، لكن بهذا الشرط المذكور، وهو أن تذكر اسم الله عليه، يعني عندما تطلقه تقول: بسم الله، فإذا أتى لك بصيد يكون حلالًا.
فهنا لطيفة من اللطائف يقول ابن القيم: انظر حتى الكلاب تشرف بالعلم، صيد الكلب المعلم حلال، صيد الكلب غير المعلم حرام، حتى الكلاب تشرف بالعلم، ما بالك ببني آدم؟
حكم تربية الكلاب
فإذن الكلاب المعلَّمة صيدها حلال، يجوز تربية الكلاب لأجل الصيد، وهذه إحدى الحالات الثلاث التي يجوز فيها تربية الكلاب، والحالة الثانية: لحراسة الحرث، يعني عنده مزرعة مثلًا، فيجعل فيها كلبًا للحراسة، والحالة الثالثة: لحراسة الماشية، وما عدا ذلك لا يجوز تربية الكلاب؛ لقول النبي : من اقتنى كلبًا غير كلب صيد، أو حرث، أو ماشية، فإنه ينقص من عمله، أو قال: من أجره كل يوم قيراطان [10]، متفق عليه.
فالذي يربي كلبًا لغير هذه الأغراض الثلاثة؛ كلب الصيد والحرث والماشية، ينقص كل يوم من أجره قيراطان، سبحان الله! يعني يجمع الحسنات من صلاة، ومن صيام، ومن زكوات، وبسبب وجود هذه الكلاب كل يوم ينقص من أجره قيراطان، جاء في تفسير القيراط في حديث الجنازة بأن كل قيراط مثل جبل أحد، لكن بعض الناس يؤتى من جهة التقليد والتشبه بالنصارى، ومع الأسف نرى بعض أبناء المسلمين يربون الكلاب في بيوتهم، كل ذلك تشبه بالنصارى، هذا لا يجوز، بل ظاهر الأحاديث أنها من كبائر الذنوب، يعني كل يوم ينقص قيراطان من عملك.
ثم أيضًا وجود الكلب في البيت يمنع دخول الملائكة، لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب [11]، وإذا لم تدخل البيت الملائكة دخلته الشياطين، فيكثر السحر، يعني يكون من السهل سحر هذا الإنسان، ما دام البيت ما تدخل فيه الملائكة تدخله الشياطين، من السهل أن يسحر صاحب البيت، أو أحد أهل البيت، أو يصاب بالمس، أو تتسلط عليه الشياطين.
فحتى يكون بيتك محصنًا تدخله الملائكة، وتبتعد عنه الشياطين، ابتعد عن الكلاب، فلا يجوز إذًا اقتناء الكلاب إلا لهذه الأغراض الثلاثة.
من هذه الأغراض الكلب كلب الصيد، هنا يقول عليه الصلاة والسلام: إذا أرسلت كلابك المعلَّمة، وذكرت اسم الله، فأمسكن فكُل بشرط أن تذكر اسم الله عند إطلاقك له.
حكم الصيد بالمعراض والبندقية
وإذا رميت بالمعراض فخزق فكُل المعراض: هو آلة من آلات الصيد كانوا يصطادون به، وسأل عدي النبي عن الصيد به، فقال: إن خزق أي: خرق الصيد، وسال الدم فكل أما إن قتل بعرضه من غير أن يخزق أو يخرق، فلا يجوز الأكل؛ لأنه يكون حينئذٍ موقوذة؛ فلا بد من إنهار الدم، لا بد من الذبح إما بسكين أو بآلة حادة يكون فيها إنهار الدم، ومن ذلك أيضًا الرمي بالبندقية ونحوها، هذه يحل بها الصيد، أما الرمي بالثقل الشيء المثقل، هذا يعتبر موقوذة؛ ولذلك لو مثلًا وجدت صيدًا، وجدت أرنب مثلًا، أو أي صيد لحقته بالسيارة وصدمته، هل يحل؟ لا يحل يكون موقوذة، إلا إن صدمته ثم نزلت من السيارة وذكيته فيحل، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3].
والموقوذة المحرمة هي التي تموت بضربها، لكن الله قال: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3] لو أنه صدم الصيد بالسيارة، ثم نزل وذكاه وهو حي لم يمت، فإنه يحل.
الحاشية السفلية