عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
نستأنف الدرس بعد توقفٍ لمدة أسبوعٍ، مدة الإجازة.
ونبدأ أولًا بشرح (فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة) لابن عقيلٍ الحنبلي.
وكنا قد وصلنا إلى قول المؤلف رحمه الله:
“فصلٌ: والغِيبة حرامٌ في حق من لم ينكشف بالمعاصي والقبائح؛ لقوله تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات: 12]. ومن ذكر في فاسقٍ ما فيه ليُحذَر منه، أو سأل عنه من يريد تزويجه أو شركته أو معاملته لم يكن مغتابًا له، ولا عليه إثم الغيبة، وله ثواب النصيحة؛ لقول النبي : قولوا في الفاسق ما فيه يَحذرْه الناس [1].
ولا يُظن بعمر أنه أقدم على ما هو غيبةٌ عند نَصِّه على الستَّة وجعْل الشورى فيهم، وذِكْر عيب كل واحدٍ، بل قصَد بذلك النصح لله ولرسوله ولأهل الإسلام”.
الشرح:
“فصلٌ: والغِيبة حرامٌ في حق من لم ينكشف بالمعاصي؛ لقوله تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات: 12]”.
تعريف الغيبة
أحسنُ تعريفٍ للغِيبة هو تعريف النبي لها، وقد عرَّفها النبي بأنها: ذِكْرك أخاك بما يكره. يعني: في غَيبته، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته؛ وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه [2]. رواه مسلم.
أي: إن كان فيه ما تقول حقًّا فهذه هي الغيبة، ما دام أنه يكره هذا الكلام في غَيبته، وأما إن لم يكن فيه ما تقول: فقد جمعت مع الغِيبة البهتان، وهو الكذب، كذبت عليه واغتبته، فهذا التفسير، وهذا التعريف هو أحسن تعريفٍ للغِيبة، ولا تجد تعريفًا أفضل من تعريف النبي له، هو إذنْ: ذِكْرك أخاك بما يكره . يعني: أن تتكلم في عرض أخيك المسلم بما يكره ذلك لو بلغه؛ كأن تقول: فلان فيه كذا، وفيه كذا، وقال كذا، ونحو ذلك، فهي حرامٌ بإجماع العلماء.
الدليل على حُرمة الغيبة
وذكر المؤلف الدليل، وهو قول الله تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات: 12].
فشبَّه الله تعالى الغِيبة بهذا التشبيه الذي فيه تقبيحٌ لها: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا [الحجرات: 12]، فالذي يغتاب أخاه المسلم كأنما يأكل لحمه وهو ميتٌ، فكما أن الإنسان يَكره أكل لحم أخيه الميت؛ فكذلك أيضًا الغيبة، وإنما جعل الأخ ميتًا؛ لأن الميت هو الذي لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وهكذا المغتاب (من اغتيب)، لا يستطيع أن يدافع عن نفسه؛ لكونه لا يعلم بالغيبة، فهذا وجه تخصيص الميت.
فإذنْ: من اغتاب أخاه كأنما أكل لحمه، والغِيبة لها دافع من النفس؛ لأن من يغتاب غيره يجعل نفسه في مرتبةٍ أعلى من مرتبة من اغتابه، فكأنه بهذا ينتقص هذا الشخص الذي قد اغتابه، ولذلك؛ يجد من نفسه دافعًا للغيبة، فهي تحتاج إلى مجاهدةٍ عظيمةٍ؛ مجاهدةٍ للنفس، ومجاهدةٍ للشيطان.
وقد أصبحت الغيبة في وقتنا الحاضر فاكهةً لكثير من المجالس، حتى أصبحت كثيرٌ من المجالس لا تطيب إلا بالغيبة، بأن يقال: فلانٌ فيه كذا وفيه كذا، ومن جلس في مجلسٍ فيه غيبةٌ فيجب عليه أن يُنكِر، بأي أسلوبٍ؛ إما بأسلوبٍ مباشرٍ، أو بأسلوبٍ غير مباشرٍ؛ بأن يغير مجرى الحديث، ونحو ذلك، فإن عجَز فإنه يغادر ذلك المجلس، وإلا فإنه يكون شريكًا له في الإثم؛ لقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء: 140]. فقوله: إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ. دليلٌ على أن من جلس في مجلسٍ فيه معصيةٌ ولم يُنكِر، فإنه يكون مثل الواقِعِين في المعصية في الإثم.
الحالات التي تجوز فيها الغِيبة
وهنا قيَّد المؤلف التحريم فقال: “في حق من لم يَنكشف بالمعاصي والقبائح”.
وهو يشير إلى حالةٍ من الحالات التي تجوز فيها الغيبة، وأيضًا ذكَر حالاتٍ أخرى، يعني: أولًا أكَّد هذه الحالة فقال: “ومن ذكَر في فاسقٍ ما فيه ليُحذَر منه، أو سأل عنه من يريد تزويجه أو شركته أو معاملته لم يكن مغتابًا له، ولا عليه إثم الغيبة، وله ثواب النصيحة”.
وسبق أن ذكرنا في درس سابق الحالات التي تجوز فيها الغِيبة، وجمعناها في بيتين، من يذكرنا بالبيتين؟ بيتي الناظم التي جمع فيها الأحوال الستة التي تجوز فيها الغيبة؟
والذم ليس بغيبة…
ينبغي -يا إخوة- حفظ هذين البيتين:
الذَّمُّ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ | مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرِ |
وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ | طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرِ |
طيب، هذه الأمور الستة:
- أولًا: الذم ليس بغيبة في ستة: متظلم. على سبيل التظلم تجوز الغيبة، يقول: فلانٌ ظلمني، وفعَل بي كذا وكذا، أو تكلم عليَّ بكلام فيه تعدٍّ، وفيه ظلمٌ، أو نحو ذلك، فهذا…
لا، عمومًا المتظلم له الحق في أن يتكلم في ظالمه بما ظلمه مطلقًا، وله الحق أيضًا أن يدعو على ظالمه، لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء: 148]. - الحالة الثانية: ومعرف. على سبيل التعريف، كأن تقول: فلانٌ الأعرج، أو الأعمى، أو مثلًا: إحدى عينيه، يبصر بواحدةٍ من عينيه، أو نحو ذلك مما فيه تعريفٌ، ولا تقصد الذم، هذا لا بأس به على سبيل التعريف، لهذا؛ قال الله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى [عبس: 1، 2].
- الحالة الثالثة: ومحذر. إذا كان على سبيل التحذير، كأن يكون إنسانٌ مبتدعٌ يضلل الناس ببدعته، فتجد أنه اتصل ببعض الناس، فتأتي لهؤلاء وتحذرهم منه، تقول: فلانٌ احذروا منه، فلانٌ هذا رجلٌ صاحب بدعةٍ، أو أن مثلًا ابنك أو قريبك أو أي شخص يجالس إنسانًا غير صالحٍ، تذهب وتحذره: يا فلان، لا تجالس فلانًا؛ فإن فلانًا رجل سوءٍ، فإنه يفعل كذا وكذا، على سبيل التحذير، هذا لا بأس به، ولا يعتبر هذا غيبةً.
- الحالة الرابعة: ولمُظهِرٍ فسقًا. وهذه التي نص عليها المؤلف “ولمظهر فسقًا”، فمن أظهر الفسق فليس لعِرضه حرمةٌ فيما أظهر فيه الفسق، ويدل لذلك عدة أدلة؛ منها: الحديث في “الصحيحين”، حديث عائشة رضي الله عنها، أن رجلًا استأذن على النبي فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة! أو قال: بئس ابن العشيرة!. وهذا ذمٌّ فيه غيبةٌ، فلما دخل ألان له النبي الكلام، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، كيف تقول: بئس أخو العشيرة. ثم لمَّا دخل ألَنْت له الكلام؟! فقال: إن شر الناس من تركه الناس؛ اتقاء فُحشه [3] يعني: من أظهر فسقًا؛ إما فسقًا بمعصيةٍ من المعاصي الظاهرة، أو فسقًا بفحشٍ، كإنسان سليطٍ فاحشٍ في كلامه، لا بأس بغيبته فيما أظهر فيه الفسق، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- ألان له الكلام، هذا ماذا يسميه العلماء؟ مُدَارَاةً، والمداراة لا بأس بها، المداراة: أن تلاطف إنسانًا سيئ الخلق ونحوه، بكلامٍ لينٍ؛ اتقاء شره، واتقاء فحشه، وليس معنى ذلك أنك تقره على المنكر، لكن تداريه مداراةً؛ لأن بعض الناس قد يكون سيئ الأخلاق، سليط اللسان، لو جابهته مباشرةً آذاك، فتداريه بكلامٍ لينٍ؛ اتقاءً لشره، فهذه مداراةٌ، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يستعملها، كما في هذه القصة وغيرها، والحكماء قديمًا وحديثًا اعتبروها من الأخلاق الكريمة، المداراة.
فإذنْ: من أظهر فسقًا لا غيبة له فيما أظهر فيه الفسق.
لكن هل تجوز غيبته فيما لم يظهر فيه الفسق؟
لا، الأصل: حرمة عرض المسلم، لكن فيما أظهر فيه الفسق تجوز غيبته فيه، وأظهر الفسق؛ إما بأمرٍ بمعصيةٍ ظاهرةٍ كأن يكون مثلًا صاحب أغانٍ ولهوٍ وطَرَبٍ، أو يعني له علاقاتٌ محرمةٌ ويظهرها، أو كان حتى سيئ الخلق عنده فحشٌ في الكلام، تجوز غيبته؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر هذا الرجل بذلك، قال: بئس أخو العشيرة!؛ لأنه كان سيئ الخلق، كان هذا الرجل سيئ الخلق، فذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالذم في غَيبته؛ لسوء خلقه وفحشه.
فإذنْ: من ظهر منه معصيةٌ ظاهرةٌ يجوز غيبته في هذه المعصية التي ظهرت منه، ولهذا؛ قال الحسن: أترغبون عن ذكر الفاسق، اذكروه بما فيه؛ كي يحذره الناس. اعتبر الحسن أن غيبة الفاسق مرغَّبٌ فيها؛ لماذا؟ لأن هذا نوعٌ من التحذير منه.
- الحالة الخامسة: ومستفت. على سبيل استفتاء، أيضًا لا بأس، ويدل لذلك: ما جاء في “الصحيح” عن هندٍ امرأة أبي سفيان أنها أتت النبي قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني ما يكفيني وولدي. فقال لها النبي : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف [4]. كلمة: (رجلٌ شحيحٌ)، هذه أليست غيبةً؟ غيبةٌ لا شك، كونك تقول: فلانٌ بخيلٌ، فلانٌ شحيحٌ، هذه غيبةٌ، لكن أقرَّ النبي هذه المرأة عليها؛ لأنها في مقام الاستفتاء، فإذا كان في مقام الاستفتاء لا بأس، كأن يأتي إنسانٌ مثلًا لِمُفْتٍ، ويقول: إن والدي فيه كذا وكذا، أو أن زوجتي، أو أن ابني، أو نحو ذلك، أو أن فلانًا فعل فيَّ كذا وكذا، كيف أتصرف معه؟ كيف أتعامل معه؟ ونحو ذلك، فهذا يجوز؛ لأن الحاجة تدعو لهذا، في مقام الاستفتاء.
وأيضًا يدخل في مقام الاستفتاء: إذا كان على سبيل النصيحة، وهذه ندخلها تحت أي موضعٍ؟ نصيحة الخاطب، نعم مُعرِّفٍ، إنسانٌ تقدم لخطبة امرأةٍ، قام أهل المرأة يسألون عنه، أتوا إليك يسألونك عنه، لا بأس أن تذكر عيوبه لهم، وتقول: إن فيه كذا وكذا وكذا، من العيوب التي يكرهها لو بلغته، لكن هذا موضعٌ تجوز فيه الغيبة، والدليل لذلك: أن فاطمة بنت قيسٍ خطبها معاوية وأبو جَهْمٍ، فذهبت للنبي تستشيره، فذكر في كل منهما عيبًا، فقال: أما معاوية فصُعلوكٌ لا مال له. يعني: فقيرٌ، هذا نوعٌ أيضًا من الذم، لو كان في غير هذا الموضع يكون هذا غيبةً، وأما أبو جَهْمٍ فلا يضع العصا عن عاتقه [5]. قيل: إنه ضَرَّابٌ للنساء، وقيل: إنه كثير الأسفار، وكلاهما عيبٌ في الإنسان، فذكر النبي في كل منهما العيب الذي فيه، وذلك؛ لأن المقام يقتضي هذا، فإذا كان على سبيل التعريف، أو طلب النصيحة لا بأس؛ ولهذا أشار المؤلف إلى هذا، فقال: “أو سأل عنه من يريد تزويجه أو شركته أو معاملته”. إذا كان يريد تزويجه وسأل عنه، أو يريد أن يكون شريكًا له، أو يتعامل معه، أو يريد ترشيحه لشيءٍ معيَّنٍ، طُلب منه الترشيح لمنصبٍ أو لولايةٍ أو لمكانٍ معينٍ، فأراد أن يسأل عن شخصية هذا الرجل، فأتى لأحد زملائه يسأل عنه، أو أحد أقاربه أو أصدقائه يسأل عنه، فهنا لا بأس أن تذكر ما تعرفه فيه من العيوب، لكن تذكره بما فيه، ولا تبالغ في ذلك، وإنما تذكره بما فيه، ولهذا؛ ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- ما في معاوية، وما في أبي الجهم من العيوب. - الحالة السادسة: ومن طلب الإعانة في إزالة منكرٍ. كذلك هذه الحالة السادسة، من طلب الإعانة في إزالة المنكر، يعني يذكر أن فلانًا فيه كذا وكذا؛ لكي يزيل هذا المنكر الموجود، فهذه لا بأس بها، هذه أيضًا من الحالات التي تجوز فيها الغيبة، فتجوز إذنْ الغيبة في هذه المواضع الستة؛ لأدلةٍ دلت على هذا، وما عدا ذلك، فالأصل: أنه لا تجوز الغيبة فيما عدا هذه المواضع الستة.
قال: “ولا عليه إثم الغيبة، وله ثواب النصيحة”. يقول: حتى إذا كان المَقام مقام نصيحةٍ، ليس فقط هو مغتابًا، بل مأجورٌ؛ لكونه قد بذل النصيحة.
طيب، لو بذل النصيحة من غير طلبٍ، وجدت إنسانًا يخالط رجلًا، وتخشى عليه أن يؤثِّر عليه، فذكرت، قلت: فلانٌ ترى فيه كذا وكذا وكذا، احذره. لا بأس بذلك، هذا يعتبر من مقام النصيحة للمسلمين.
قال: “لقول النبي : قولوا في الفاسق ما فيه يحذره الناس.
وهذا لا يصح عن النبي بهذا اللفظ، وإنما هو مرويٌّ عن الحسن البصري من كلام الحسن رحمه الله، لكنه لا يصح عن النبي ، والمؤلف رحمه الله عنده تساهلٌ في عزو الأحاديث، ليس عنده عنايةٌ كبيرةٌ بالأحاديث، وكان ينبغي على الأقل أن يقول: رُوي. ولا يجزم، يقول: “لقول النبي “. فهذا مما يؤخذ على المؤلف رحمه الله.
قال: “ولا يُظن بعمر أنه أقدم على ما هو غيبةٌ عند نصِّه على الستة، وجعْل الشورى فيهم؛ حيث ذكَر عيب كل واحدٍ، بل قصد بذلك النصح لله ولرسوله ولأهل الإسلام”.
وهذه القصة ذكرها البَلاذُرِيُّ في (الأنساب): أن عمر لما جعل الخلافة من بعده في ستةٍ من الصحابة، قام وذكر عيب كل واحدٍ من هؤلاء الستة، ولكن هذه القصة لا تصح من جهة الإسناد، وفيها نكارةٌ لا تصح عن عمر ، وقد ذكرها بدون إسنادٍ، أو أنه ذكرها بإسناده، ذكرها البَلَاذُرِي في (الأنساب)، من طريق الواقدي، والواقدي متروكٌ؛ فالقصة لا تصح.
ثم أيضًا متنها فيه نكارةٌ، فكيف أن عمر يجعل الشورى فيهم، ثم يقوم ويذكر ما فيهم من العيوب؟! فهذا غير لائقٍ بمقام عمر ، ولذلك؛ فالأحسن ألا نذكر هذه القصة؛ لأن ذكرها فيه شيءٌ من ذكر العيوب في كل واحد من هؤلاء الستة، وليس ذكر القصة مناسبًا، لكن فقط نشير لها إشارةً، فهذه القصة ذكر فيها عيب كل واحدٍ منهم، وهي منكرةٌ سندًا ومتنًا، ولا تصح عن عمر ، وكما ذكرنا، أن المؤلف عنده تساهلٌ فيما يتعلق بصحة الأحاديث والآثار.
“فصلٌ: فصارت الغيبة ما يُذكر من النقص والعيب، لا يُقصد به إلا الإزراء على المذكور والطعن فيه.
ويستحب ضبط الألسنة وحفظها، والإقلال من الكلام إلا فيما يَعني ولا بد منه، وأفضل من الصمت: إجراء الألسنة بما فيه النفع لغيره والانتفاع لنفسه؛ مثل: قراءة القرآن، وتدريس العلم، وذكر الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس”.
الشرح:
قال: فصلٌ: فصارت الغيبة ما يذكر من النقص والعيب لا يقصد به إلا الازدراء على المذكور، والطعن فيه.
ذكر المؤلف رحمه الله: أن الغيبة ما اجتمع فيها وصفان:
- الأول: ذكر النقص والعيب في الإنسان، سواءٌ كان في خَلقه، أو في خُلقه، ونحو ذلك.
- والثاني: أن يكون ذلك على وجه الازدراء والانتقاص، وليس على سبيل النصيحة، أو على سبيل التعريف، أو نحو ذلك مما ذكرناه.
قال: “ويستحب ضبط الألسنة وحفظها”.
كفارة الغيبة
قبل أن نشير لهذا، يذكر العلماء مسألةً، وهي كفارة الغيبة، إنسانٌ وقع في غيبة شخصٍ، فهل لهذه الغيبة كفارةٌ؟
قال بعض العلماء: إن كفارتها أن تذهب لمن اغتبته وتستبيحه، تقول: إنني قد اغتبتك، فحلِّلْني، أو أبِحْني.
والقول الثاني في المسألة: أنك لا تذهب إليه وتستبيحه؛ لأن المفسدة المترتبة على ذلك أكبر غالبًا مما لو لم تستبحه، وإنما تَذكُره بما تعرفه عنه من الخصال الحسنة، في المكان الذي اغتبته فيه، وتدعو له، وتستغفر له، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
وقد رُوي في هذا حديثٌ عن النبي : كفارة الاغتياب: أن تستغفر لمن اغتبته [6]. لكنه لا يصح عن النبي ، ولكن معناه معوَّلٌ عليه عند أهل العلم، فقد اختار هذا القول أبو العباس ابن تيمية وابن القيم، وكذلك أيضًا ابن مفلحٍ، وجمعٌ من المحققين من أهل العلم.
والظاهر: أن مثل هذا لا يكفي في التحلل من الغيبة، لكنه يخفف من الإثم، والقول الراجح هو القول الثاني: وهو أنك لا تذهب وتستبيحه وتتحلل منه؛ وإنما تذكره بأحسن ما تعرفه في المكان الذي اغتبته فيه، وتستغفر له وتدعو له، وذلك؛ لأنك لو ذهبت لشخصٍ وذكرت له أنك قد اغتبته، وطلبت منه أن يحللك، فإنه لا بد أن يبقى في نفسه شيءٌ غالبًا، وحتى لو حلَّلك في الظاهر، فإن الشيطان حريصٌ على النزغ بينك وبينه، ففي الغالب أنه لا بد أن يبقى في نفسه شيءٌ، فما دام أنه لم يعلم بغيبتك له، فالأحسن ألا تذكر له أنك اغتبته، ولا تطلب منه أن يبيحك، وربما أنه لا يبيحك؛ لأنك لا تضمن هذا.
وأذكر قصة رجلٍ ذهب لآخر، وقال: إني قد اغتبتك البارحة، فحللني. فقال: الله لا يحللك، ولا يبيحك. وحصل بينهما قطيعةٌ مدةً طويلةً، فقلت لهذا الرجل: قد كان ينبغي لك ألا تذهب إليه. قال: أنا أريد كفارة هذه الغيبة. قلت: كفارة الغيبة أن تذكره بأحسن ما تعرفه من صفاته، وتدعو له وتستغفر له، ولعل هذا أن يخفف من الإثم، وهذا يدلك على خطورة المسألة؛ لأنك إن ذهبت إليه فلا يخلو؛ إما أن يحللك أو لا؛ فإن لم يحللك ازداد الأمر سوءًا، وربما وقع في قطيعةٍ، والغالب أن هذا يترتب عليه شحناء، قطيعةٌ وهَجرٌ، وإن حللك فقد يحللك من غير طيب نفسٍ في الغالب؛ لأن الشيطان حريصٌ على الإيقاع بين المسلمين، كما قال الله تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53].
ولذلك؛ فالقول الراجح: هو القول الثاني: وهو ألا تطلب منه أن يحللك؛ وإنما تثني عليه وتستغفر له، وتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وتدعو له، وتذكره بأحسن ما تعرفه فيه من الصفات، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
ضبط الألسنة وحفظها
قال: “ويستحب ضبط الألسنة وحفظها، والإقلال من الكلام إلا فيما يَعني ولا بد منه، وأفضل من الصمت: إجراء الألسنة بما فيه النفع لغيره والانتفاع لنفسه؛ مثل: قراءة القرآن، وتدريس العلم، وذكر الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس”.
ويدل لهذا: قول النبي : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت [7].
وإذا تكلم الإنسان بالكلمة مَلَكَتْه، وقبل أن يتكلم بها فإنه يملكها، ولذلك؛ ينبغي أن يُعوِّد الإنسان نفسه على أن يتبين في الكلام قبل أن يتكلم به، فإن كان خيرًا تكلم، وإن كان شرًّا أمسك.
ولهذا جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة أن النبي قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم [8]. رواه البخاري بهذا اللفظ، وفي روايةٍ: يَزِلُّ بها في النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب [9]. كلمةٌ واحدةٌ يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكلمة يكتب الله تعالى بها رضوانه، أو يرفعه بها درجاتٍ.
قال بعض أهل العلم: إن الكلمة التي يكتب الله تعالى له بها رضوانه أو يرفعه بها درجاتٍ، هي الكلمة التي يذب بها عن عرض مسلمٍ في مجلس السلطان، قال هذا بعض أهل العلم، والصحيح: أن هذا من الكلام الذي يرفع صاحبه درجاتٍ، لكنها لا تنحصر في هذه الصورة.
فإذنْ نقول: إن هذا المَقام مقامٌ عظيمٌ، إذا كان هناك وقيعةٌ في عرض أخٍ لك مسلمٍ في مجلس سلطانٍ، وقمت ودافعت عن عرضه تبتغى بذلك مرضات الله تعالى، فإن أجر هذا عند الله عظيمٌ جدًّا، فسر ذلك بعض أهل العلم بأنها هذه المراد في الحديث: أنها الكلمة التي لا يُلقي لها بالًا، يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، أو يرفعه الله بها درجاتٍ.
ولكن الصحيح: أن هذه صورةٌ من الصور، وأنها قد تكون كلمةً في غير هذا، لكن لا شك أن الذَّبَّ عن عرض أخيك المسلم من العمل الصالح العظيم، خاصةً إذا كان أخوك المسلم ليس بينك وبينه مصلحةٌ، وتذب عن عرضه لله ، هذا أجره عند الله عظيمٌ جدًّا.
والكلمة التي يتكلم بها من سخط الله تعالى يعني هذه صورها كثيرةٌ، خاصةً إذا كان يريد بهذه الكلمة تحصيل مصلحةٍ دنيويةٍ، فيريد أن يقع في عرض فلانٍ؛ لأجل أن يرتفع على حسابه، ونحو ذلك.
وأيضًا: إذا قال ذلك على سبيل العُجب، واحتقار الآخرين، ومن ذلك حديث جندب بن عبدالله أن النبي قال: قال رجلٌ: والله لا يغفر الله لفلانٍ. قال الله: من ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفر لفلانٍ؟! لقد غفرت له، وأحبطت عملك [10]. رواه مسلمٌ، قال أبو هريرة : تكلم بكلمةٍ أَوْبَقَت دنياه وآخرته.
لاحِظْ أن هذا الذي قال: والله لا يغفر الله لفلان. يعني على سبيل الغيرة وإنكار المنكر، كأنه رأى فلانًا منكبًّا على المعاصي، فقال يعني على سبيل العُجب بنفسه، واحتقار غيره: والله لا يغفر الله لفلانٍ. هذا يدل على أن الإنسان لا يحتقر الآخرين، حتى وإن كانوا أصحاب معاصٍ لا يحتقرهم، ويدعو لهم بالهداية، ولكن لا يحتقرهم، ويتألى على الله، والله لا يغفر الله لفلانٍ، أو فلانٌ والله ما يحصِّل خيرًا، أو نحو ذلك، هذا من التألِّي على الله تعالى، وهذه قد تدخل في الكلمة التي يتكلم بها الإنسان لا يُلقِي لها بالًا، يهوي بها في جهنم.
فلاحِظْ: هذا الرجل، قال الله: من ذا الذي يتألَّى علي ألا أغفر لفلانٍ؟ غفرت لفلانٍ، وأحبطت عملك. تسببت كلمةٌ واحدةٌ في حبوط عمله، هذا يدل على خطورة الكلمة التي يتكلم بها الإنسان.
وجاء في حديث أبي هريرة أن النبي قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب [11].
قوله: ما يتبين فيها يعني: ما يَتَأمل، ولذلك؛ ينبغي أن يُعوِّد المسلم نفسه على التأمل في الكلام قبل أن يُطلقه، قبل أن يتكلم، خاصةً ما كان متعلقًا بحقوق العباد؛ لأن حقوق العباد أمرها عند الله عظيمٌ جدًّا، كما قال النبي : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا [12].
أما ما كان حقًّا لله تعالى: فحقوق الله مبناها على المسامحة، إذا تبت إلى الله، فالله تعالى يتوب على من تاب، لكن حق الإنسان يبقى له يوم القيامة.
والمفلس حقيقةً: من يجمع حسناتٍ كل يومٍ؛ من صلاةٍ وصيامٍ وصدقاتٍ، ثم إذا أصبح بدأ يوزع حسناته على الناس بسوء خلقه؛ يقذف هذا، ويقع في عرض هذا، ويسخر من هذا، ويستهزئ بهذا، هذا هو المفلس حقيقةً الذي وصفه النبي قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ، ويأتي وقد ضرب هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وقذف هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، أخذت من سيئاتهم، وطرحت عليه، ثم طرح في النار [13].
هل الكتابة تأخذ حكم الكلام؟
طيب، هذا ظاهرٌ في الكلام، لكن الكتابة هل تأخذ حكم الكلام؟
نعم، الكتابة تأخذ حكم الكلام، ولذلك؛ لو كتب رجلٌ طلاق امرأته ناويًا طلاقها، وقع عند عامة أهل العلم.
والخطاب كالجواب، هذه قاعدة فقهية عند العلماء: أن الخطاب كالجواب، أن الكتاب كالجواب، يعني: أن الكتابة تأخذ حكم الخطاب والكلام.
وعلى ذلك فما يكتبه الإنسان أيضًا هو مؤاخذٌ به، فالذين يكتبون الآن خاصةً على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، على وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر)، و(فيسبوك)، وكذلك أيضًا (الواتساب)، وغيرها، فهم مؤاخذون بما يكتبون، وإنك لتعجب عندما تدخل حسابات على (تويتر) لبعض الناس، وبعضهم مع الأسف تجد أن ظاهره وسيماه سيمى أهل الخير، ربما تجده طالب علمٍ، لكن إذا دخلت على موقعه وجدته مليئًا بالسِّبَاب والسخرية والقذف والشتم، هل هذه أخلاق مسلمين؟! تجد (التغريدات) التي يكتبها، معظمها في سبابٍ وسخريةٍ وقذفٍ، ووقوعٍ في أعراض المسلمين، هذا لا يجوز، ولا يحل مثل هذا.
وأسوأ من ذلك: أن بعض الناس يفعل هذا ويقول: أنا أريد التقرب إلى الله تعالى بذلك. ويقصد التحذير من فلانٍ، وفلانٌ لم تتبيَّن بدعته، والتأول في حقوق العباد لا ينفع صاحبه، كما هو مقررٌ عند أهل العلم، التأول في حقوق العباد لا ينفع صاحبه، ودليل هذا عدة أدلةٍ؛ منها: خالد بن الوليد لما أمر أن يُقتل كل رجلٍ أسيرٍ، قال النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالدٌ [14]. ومنها: قصة أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما لما قتَل الرجل الذي أوجع في المسلمين ولاذ بشجرةٍ؛ ولما رفع عليه أسامة السيف قال: لا إله إلا الله. فقتله أسامة ، فعاتبه النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟!. أسامة قتله متأولًا، قال: يا رسول الله، إنه أوجع في المسلمين، وإنه قال ذلك خوفًا من السلاح، قال ذلك متعوِّذًا، قال: هلَّا شَقَقْت عن قلبه؛ حتى تعلم أقالها كذلك أم لا؟! [15]. فجعل أسامة يعتذر، والنبي لم يقبل منه أي اعتذارٍ.
أخذ العلماء من هذا فائدةً، وهي: أن التأوُّل في حقوق العباد لا ينفع صاحبه، لو كان ينفع أحدًا لنفع أسامة ، الذي هو في معركةٍ، في جهادٍ في سبيل الله، ذهب يقاتل بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك تأوُّله في هذا الأمر لم ينفعه؛ فالتأول في حقوق العباد لا ينفع صاحبه، حقوق العباد أمرها عند الله تعالى عظيمٌ جدًّا.
ولذلك؛ لما سأل ابن الإمام أحمد أباه، فقال: هل تحب يزيد؟ يعني: يزيد بن معاوية، قال: وهل يحبه من يؤمن بالله واليوم الآخر؟! قال: وهل تلعنه؟ قال: ومتى رأيت أباك يلعن أحدًا؟! فهذه أخلاق العظماء، أخلاق الأئمة، عفةٌ في اللسان، فالإنسان ينبغي أن يكون عفيفًا في لسانه، بعيدًا عن الفحش والسباب، وعن الشتم والوقوع في أعراض الناس.
قال: “وأفضل من الصمت: إجراء الألسنة فيما فيه النفع”. كما يقول ابن القيم رحمه الله: إن اللسان لا بد أن يتكلم، فإن تكلم في الخير وإلا تكلم في الشر. والغالب أنه لا يبقى الإنسان صامتًا، فلذلك؛ ينبغي أن تشغل لسانك بما ينفعك؛ من قراءة القرآن، وذكر الله تعالى، ومن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وكل ما فيه نفعٌ وفائدةٌ.
فإذا أشغلت نفسك بذكر الله انشغلت عن الكلام المحرم.
ونكتفي بهذا القدر في فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة.
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا للصواب والهداية، وللخير والفلاح.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الحاشية السفلية
^1 | رواه الطبراني: 1010 بلفظ: أترعون عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه يعرفه الناس. |
---|---|
^2 | رواه مسلم: 2589. |
^3 | رواه البخاري: 6032، ومسلم: 2591. |
^4 | رواه البخاري: 5364. |
^5 | رواه مسلم: 1480. |
^6 | رواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق: 206، والبيهقي في الدعوات الكبير: 575، وفي شعب الإيمان: 6367. |
^7 | رواه البخاري: 6018، ومسلم: 47. |
^8 | رواه البخاري: 6478. |
^9 | رواه البخاري: 6477، ومسلم: 2988. |
^10 | رواه مسلم: 2621. |
^11 | سبق تخريجه. |
^12 | رواه البخاري: 1741، ومسلم: 1679. |
^13 | رواه مسلم: 2581. |
^14 | رواه البخاري: 4339. |
^15 | رواه البخاري: 4269، ومسلم: 96. |