|categories

(1) فتاوى رمضان 1437هـ

مشاهدة من الموقع

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على النبي الأمين، وآله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا ومرحبًا بكم أحبتنا الكرام في أولى حلقات هذا البرنامج المبارك -بإذن الله – “فتاوى رمضان”.

نسأل الله العلي القدير أن نكون وإياكم ممن يصوم رمضان إيمانًا واحتسابًا، وأن نكون وإياكم فيه من المباركين المُوفَّقين.

ضيف حلقتنا في هذا اليوم فضيلة الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.

السلام عليكم شيخ سعد.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المقدم: حيَّاكم الله شيخنا، وحيَّا الله الإخوة المستمعين الكرام.

نحن في أولى حلقات هذا البرنامج والفتاوى التي خصصناها يوميًّا للرد على أسئلة الإخوة والأخوات في موضوع الصيام وغيره من المواضيع التي يحتاجها المسلم، فهل من كلمةٍ ونحن في أولى هذه الأيام المباركة من شهر رمضان؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنحن اليوم في غرة شهر رمضان، هذا الموسم العظيم من مواسم الطاعة، ومن مواسم التَّزود بزاد التقوى.

إن الله ​​​​​​​ من رحمته وفضله وكرمه جعل للمؤمنين مواسم يزيد فيها من أجورهم، ويُكفر فيها من سيئاتهم، ويكثر فيها العتق من النار.

وإذا كان أهل التجارة في الدنيا لهم مواسم يُضاعفون فيها من جهودهم؛ بُغية مزيدٍ من الكسب والأرباح، فهكذا أيضًا التجارة مع الله بالأعمال الصالحة لها مواسم، فالعبادة في رمضان ليست كالعبادة في غيره؛ العبادة في رمضان تشرف وتفضل، وقد ذكر أهل العلم أن العبادة تشرف وتفضل بشرف المكان، وبشرف الزمان.

فهذا الموسم موسمٌ تُضاعف فيه الحسنات، وتُرفع الدرجات، وتُكفر فيه الخطايا والسيئات، وتُعتق فيه الرقاب من النار.

فينبغي لك أخي المسلم، وينبغي لكِ أختي المسلمة الاجتهاد في هذا الموسم العظيم، فإن الله تعالى وصفه بقوله: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، فإذا كان أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فسرعان ما تنقضي، وسرعان ما تُطوى صحائفها، والسعيد مَن اغتنم أيام هذا الشهر ولياليه فيما يُقربه إلى الله تعالى، وفيما يزيد به من رصيد حسناته، فإن الإنسان لا يدري: ربما يكون أجله قريبًا، وربما يكون المُتبقي من العمر قصيرًا.

فينبغي لنا جميعًا أن نغتنم هذا الموسم العظيم، وأن نجتهد فيه بمزيدٍ من الطاعات، وأن نقتدي برسول الله الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان عليه الصلاة والسلام يتضاعف جوده في هذا الشهر المبارك.

وليس من اللائق أن يكون حال المسلم في رمضان كحاله قبل رمضان، بل ينبغي أن يظهر عليه أثر الجود والنشاط والتَّشمير إلى الطاعات، ومجالات الخير -ولله الحمد- كثيرةٌ ومتنوعةٌ، والمهم أن توجد الهمة العالية لدى المسلم في أن يتزود بزاد التقوى، نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم فضيلة الشيخ.

أولى الأسئلة في هذه الحلقة من الأخ عبدالملك.

تفضل يا عبدالملك.

السائل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

السائل: حفظكم الله، أنا أستخدم جهازًا اسمه …..، وقد صُرِفَ هذا الجهاز لي بعد اختبار النوم في مدينة فهد الطبية، وهذا الجهاز يُوضع فيه ماءٌ قبل أن تُشغل الجهاز، وقبل أن تُشبكه في الأنف والفم.

وقد سألتُ الفني المُختص بالأجهزة فقلتُ: ما فائدة الماء الذي يُوضع في الجهاز؟ قال: فائدته أنه يطلع مع البخار كمُرطِّبٍ يُوصل للحلق وللأنف؛ حتى لا تصبح فيك تقرحاتٌ أو جفافٌ.

المقدم: تسأل عن استخدامه وقت الصيام؟

السائل: نعم.

الشيخ: هذا الجهاز لعلاج ماذا؟

السائل: انقطاع النفس أثناء النوم.

المقدم: البعض شيخنا لديه مشكلاتٌ في التنفس في النوم، فيحتاج إلى هذا الجهاز حتى يُنظم لديه التنفس.

الشيخ: يعني: هو مثل جهاز البخار.

السائل: لا.

المقدم: أخفُّ منه؟

السائل: لا، هذا يختلف اختلافًا كليًّا، ما هو نفس جهاز البخار هذا.

المقدم: طيب، نسبة الماء تقول: شيءٌ بسيطٌ جدًّا لترطيب الحلق.

السائل: تقريبًا لمدة ثماني ساعاتٍ علبة ماءٍ صغيرةٌ، أبو ريال.

المقدم: طيب.

السائل: يُوضع في الجهاز، وهذا يدفع هواءً. 

الشيخ: تستنشقه فقط استنشاقًا؟

السائل: يدخل مع الحلق والأنف، وطبعًا أنا نائمٌ، وقت النوم.

المقدم: لا يشعر بشيءٍ.

السائل: لا أشعر بشيءٍ؛ لأن الانقطاع -حسب كلام الدكتور- من ستين إلى سبعين مرة في الساعة، ومدة انقطاع النفس من عشر ثوانٍ إلى ثلاثين ثانية.

المقدم: طيب، أنت طبعًا مُضطرٌّ لذلك؟

السائل: حسب كلام الدكتور والأطباء.

الشيخ: لكن -بارك الله فيك- هو مجرد استنشاقٍ فقط؟

المقدم: هو يُوضع على الأنف والفم؟

السائل: نعم، أنا إذا قمتُ من النوم أحسّ برطوبةٍ في …

المقدم: في الحلق.

السائل: في الحلق.

الشيخ: طيب.

المقدم: طيب، تسمع إجابة الشيخ.

نسأل الله أن يشفيك وجميع مرضى المسلمين.

شكرًا جزيلًا لك يا عبدالملك.

هل لديك سؤالٌ آخر؟

السائل: سلامتك، الله يحفظك.

المقدم: الله يُسلمك، تسمع الإجابة.

تفضل فضيلة الشيخ.

الشيخ: نعم، هذا الجهاز هو يذهب فقط لمجرى النفس -الجهاز التنفسي- وقد قال العلماء أو معظم أهل العلم بالنسبة لبخاخ (الأكسجين)، وبخاخ الربو، ونحوها مما يجري مجرى النفس: بأن هذه لا تُفطر؛ وذلك لأنها ليست أكلًا ولا شُرْبًا، وليست في معنى الأكل والشرب، وإن كان قد ينفذ جزءٌ يسيرٌ منها للمعدة، ولكن هذا الجزء جزءٌ يسيرٌ جدًّا يُتسامح فيه ويُغتفر؛ لأنه أقلُّ مما يبقى من ملوحة الماء التي تختلط في الفم عند المضمضة، فإن الصائم عندما يتمضمض للوضوء لصلاة الظهر والعصر، فإنه تختلط ملوحة الماء بريقه، ويبتلع ريقه، والريق معفوٌّ عنه بالإجماع، لكن هذا القدر اليسير عفا عنه الشارع.

ومثل ذلك ما ذكره الأخ السائل من هذا الجهاز الذي يجري فقط مجرى النفس؛ لترطيب مجرى النفس؛ لأجل مشكلة انقطاع التنفس.

والأصل هو صحة الصيام، وهذا أصلٌ مُحكمٌ، لا نقول بإفساد الصوم وبالتَّفطير إلا بأمرٍ واضحٍ، ولم يتضح أن هذا الذي ذكره الأخ السائل يُفطر الصائم، فليس أكلًا ولا شُرْبًا، وليس في معنى الأكل والشرب، وإن كان قد ينفذ من هذا الجهاز جزءٌ يسيرٌ جدًّا للمعدة، لكنه معفوٌّ عنه؛ لأنه أقلُّ مما يتبقى من ملوحة الماء التي تختلط مع الريق أثناء المضمضة، والله أعلم.

المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم.

نستقبل اتصالًا من الأخ محمد من الرياض.

السائل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل بسؤالك.

السائل: يا أستاذ، أنا أستفسر عن حكم مَن يتهرب من كفيله ويعمل مع كفيلٍ آخر.

أنا أسأل عن أجر العمل مع الكفيل الآخر، وهو مُتهربٌ، هل …؟

هذا سؤالي هنا.

المقدم: طيب، سؤالٌ آخر؟

السائل: الله يكرمك.

المقدم: وإياك، حيَّاك الله أخ محمد.

شيخنا، يسأل: إذا كان الإنسان عاملًا لدى الكفيل، ثم هرب من هذا الكفيل، وعمل لدى شخصٍ آخر، يقول: الأجر الذي يتقاضاه الآن هل يُعتبر حلالًا أو فيه شُبهةٌ؟

الشيخ: هذا التصرف منه مُحرمٌ؛ وذلك لأنه إخلالٌ بالعقد، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وهو إنما قدم لهذه البلاد للعمل عند كفيلٍ معينٍ، وأبلغ الدولة والجهات المُختصة فيها بأنه يعمل عند الكفيل الفلاني، وكونه يهرب من كفيله، ويعمل عند كفيلٍ آخر هذا فيه تجاوز الأنظمة التي وُضعتْ للمصلحة العامة، وفيه إخلالٌ بالعقد الذي بينه وبين كفيله، وتترتب على هذا مفاسد كثيرةٌ؛ ولهذا فعمله هذا عملٌ مُحرمٌ، ولا يجوز، وعليه أن يتوب إلى الله ، وأن يعود إلى كفيله.

وإذا أراد أن يعمل عند كفيلٍ آخر فيتبع الطرق النظامية؛ يطلب من كفيله نقل الكفالة، ويتبع الطرق النظامية.

أما أن يهرب من كفيله، ويحتال ويذهب لشخصٍ آخر يعمل عنده، فهذا تترتب عليه محاذير شرعيةٌ، ولكن هو يأثم بهذا.

وأما الأجر: فالأجر هو على العمل، الأجر إنما يكون على العمل الذي يعمله، لا علاقة له بهذه المسألة، إنما الإثم على التصرف؛ على هروبه وانتقاله من الكفيل إلى رجلٍ آخر، ويأثم بهذا.

وعليه إذا أراد أن تبرأ ذمَّته أن يرجع لكفيله الأول، وأن يستسمحه، وإذا لم يرغب في العمل عنده يطلب نقل الكفالة إلى غيره، نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، وبارك في علمكم.

المتصل الثالث من جدة الأخ إسماعيل، تفضل.

السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل بسؤالك.

السائل: كيف حال الشيخ؟ نُهنئكم أول شيءٍ بشهر رمضان المبارك.

الشيخ: وأنتم، أسأل الله تعالى أن يُبارك في الجميع، ويُوفقنا جميعًا للعمل الصالح.

السائل: الله يُسعدكم يا شيخ.

أقول: يا شيخ، في الأوقات المُستجاب فيها الدعاء، وهي التي بين الأذان والإقامة في هذا الشهر الفضيل -شهر رمضان المبارك- هل الأفضل قراءة القرآن بين الأذان والإقامة واستغلال هذا الوقت، أو أستغله في الدعاء؟

المقدم: طيب، سؤالٌ آخر؟

السائل: لا يُوجد، شكرًا لكم.

المقدم: شكرًا للأخ إسماعيل.

شيخنا، بين الأذان والإقامة عمومًا -حتى في غير شهر رمضان- هل الأفضل فيه الدعاء بحكم أنه وقت استجابةٍ، أو الأفضل فيه قراءة القرآن؟

الشيخ: طرق الخير كثيرةٌ ومتنوعةٌ، والأفضل أن يختار المسلم منها من النوافل ما هو الأصلح لقلبه، فإن كان الأصلح لقلبه أن يشتغل بالصلاة فعل، وإذا كان يرى أن الأصلح لقلبه أن يشتغل بتلاوة القرآن فعل، وإذا رأى أن الأصلح لقلبه أن يشتغل بالدعاء فعل، فيختار ما هو أصلح لقلبه؛ لأنها كلها فضائل.

فلا يُقال: أن يتوجه جميع الناس لهذه الفضيلة ولهذه النافلة دون النوافل الأخرى، فكلها لها فضلٌ، فهي تختلف باختلاف الأشخاص؛ ولهذا فالأقرب في مثل هذه المسائل أن يقال: إن الإنسان يختار ما يرى أنه الأصلح لقلبه، لكن لا ينحصر العمل الصالح بين الأذان والإقامة في تلاوة القرآن.

وبعض الناس لا يعرف من الأعمال الصالحة سوى تلاوة القرآن، وتلاوة القرآن عملٌ صالحٌ، لكن هناك أعمالٌ صالحةٌ أخرى، منها ما ذكره الأخ السائل من الدعاء، فإنه قد ورد عن النبي : الدعاء لا يُردُّ بين الأذان والإقامة [1].

ومنها الاشتغال بالصلاة مَثْنَى مَثْنَى، ركعتين ركعتين، ما لم يكن وقت نهيٍ، فالصلاة هي أحبُّ العمل إلى الله .

ومن ذلك الاشتغال بالذكر والتَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير، ومجالات الخير كثيرةٌ ومتنوعةٌ، ويختار المسلم ما يرى أنه الأصلح لقلبه.

المقدم: يسأل يا شيخنا عن أفضلية قراءة القرآن في رمضان، هل بين الأذان والإقامة يجعل القراءة أكثر ويستغل الوقت أكثر من الدعاء وغيره؟

الشيخ: قراءة القرآن في رمضان لها فضلٌ، والدعاء أيضًا له فضلٌ، فشهر رمضان هو شهر القرآن، ولا شكَّ أن تلاوة القرآن لها مزيةٌ في شهر رمضان، فشهر رمضان أُنزل فيه القرآن.

وقد كان بعض السلف يشتغل بالعلم، فإذا دخل شهر رمضان توقفت دروسه، وأقبل على تلاوة القرآن، وممن اشتهر عنه هذا الإمام مالك رحمه الله، فكان إذا دخل رمضان قال: “شهر رمضان شهر القرآن”، وأقبل على تلاوة القرآن.

أيضًا شهر رمضان الدعاء فيه له فضلٌ؛ ولهذا لما ذكر الله تعالى آيات الصيام في سورة البقرة، أول آيةٍ من آيات الصيام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، وبعدها: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، وبعدها: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، وبعدها: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187].

لاحظ أن آية الدعاء: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ وقعتْ بين آيات الصيام، وهذا لا شكَّ أن له معنًى ومَغْزًى؛ والمعنى هو حثُّ المسلم على الاجتهاد في الدعاء في شهر الصيام، وكأنه يُقال: إنه ينبغي لك أيها الصائم أن تُكثر من الدعاء، وينبغي لك أن تُكثر من الدعاء في شهر رمضان، فإنه أحرى بالقبول، وأحرى بالإجابة.

فكلٌّ من تلاوة القرآن والدعاء له مزيةٌ في شهر رمضان، والأفضل أن يُنوع المسلم بينهما، ويختار في كل وقتٍ ما يرى أنه الأصلح لقلبه.

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، وبارك في علمكم.

نستقبل اتصالًا من عسير، الأخ محمد تفضل.

السائل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل بسؤالك.

السائل: شهرٌ مباركٌ عليكم وعلى جميع المسلمين.

الشيخ: وعلى جميع المسلمين، الله يحفظك.

المقدم: وعليك.

السائل: أسأل فضيلة الشيخ: هل يجوز للمُؤذن بعد الأذان أن يخرج من المسجد للوضوء، أو لغيار ملابسه؟

المقدم: نعم، طيب، سؤالٌ آخر؟

السائل: أيضًا هل يجوز أن يُقيم أحد المأمومين؟ أي: غير المؤذن يعني.

الشيخ: لماذا؟

المقدم: يُقيم الصلاة قصدك؟

السائل: نعم، يعني: أحدًا غير الشخص الذي أذَّن.

المقدم: طيب.

الشيخ: طيب، دائمًا أو أحيانًا؟

السائل: نعم، هذا ليس دائمًا، يعني: أحيانًا.

المقدم: طيب، تسمع إجابة الشيخ.

شكرًا جزيلًا للأخ محمد.

طبعًا سُؤالاه كلاهما في الأذان، يقول: المُؤذن هل يجوز له أن يخرج من المسجد ثم يعود للإقامة لأي غرضٍ أراد؟

الشيخ: نعم، لا بأس، إذا عرض للمُؤذن عارضٌ بعدما أذَّن وذهب، ثم رجع وأقام الصلاة؛ فلا بأس، لكن ينبغي ألا يُكثر من هذا، والأصل أن المُؤذن إذا أذَّن يبقى في المسجد إلى أن تُقام الصلاة، لكن إذا كان أحيانًا تحدث له عوارض، فيذهب لهذا العارض، ثم يرجع بعد ذلك فلا بأس.

وربما أن الأخ السائل أشكل عليه حديث أبي هريرة لما رأى رجلًا خرج من المسجد، وقال: “أما هذا فقد عصى أبا القاسم [2]، عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث حديثٌ صحيحٌ؛ أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”.

ولكن المقصود بالخروج من المسجد هنا الخروج الذي تفوته بسببه الصلاة مع الجماعة، فكان بعض المنافقين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يخرجون من المسجد ولا يُصلون مع الجماعة، فهذا هو المقصود بالذنب.

أما مَن خرج من المسجد وفي نيته أن يرجع -كمُؤذنٍ مثلًا أذَّن ثم ذهب لعارضٍ ورجع- فلا حرج، وهكذا لو كان إمام مسجدٍ، أو مُؤذنًا، أو شخصًا له غرضٌ، فخرج من المسجد وصلى الجماعة في مسجدٍ آخر؛ فلا بأس.

محل الذَّم إنما هو خاصٌّ بمَن خرج من المسجد وتسبب خروجه هذا في تفويت الصلاة مع الجماعة، وأما مَن كان خروجه من المسجد لا يتسبب في تفويت الصلاة مع الجماعة فلا حرج عليه.

المقدم: هل يُشترط يا شيخنا في الأذان -صحة الأذان- أن يكون المؤذن مُتوضئًا؟

الشيخ: لا يُشترط، وإنما يُستحب أن يكون على وضوءٍ وقت الأذان، لكنه ليس بواجبٍ، فلو أنه ضاق به الوقت فلا بأس أن يأتي ويُؤذن، ثم يتوضأ بعد ذلك.

المقدم: يسأل يقول: هل يجوز أن يُقيم غير المُؤذن؟

الشيخ: الأفضل أن الذي يُقيم هو المؤذن؛ لأن هذا هو الذي عليه العمل في عهد النبي ، فكان مُؤذن النبي كبلالٍ وابن أم مكتوم، كانوا هم الذين يُؤذنون، ثم يُقيمون، لكن مع ذلك لو أقام غير المؤذن فلا بأس، يعني: ينبغي أن يكون الغالب هو أن المؤذن هو الذي يُقيم، لكن لو عرض عارضٌ للمؤذن فأقام غيره فلا بأس.

المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم.

نستقبل اتصالًا من تبوك، الأخ أبو عبدالملك، تفضل.

السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل بسؤالك يا أبا عبدالملك.

السائل: الله يُسعدك.

السؤال الأول شيخنا: مَن قدم من سفرٍ في أول النهار في رمضان وأفطر، يعني مثلًا: قدم الضحى، أو قبل الظهر، وأفطر في الطريق.

المقدم: طيب.

السائل: هل يجب عليه الإمساك بقية اليوم؟ ومَن قال بذلك؟ والخلاف في هذه المسألة يا شيخنا.

يعني: إذا أخذ الإنسان لنفسه في هذه الفتوى أنه يجب الإمساك، هل يقول للناس: إن هذا الفعل خطأٌ، أم أن الإنسان يأخذ بها لنفسه؟

المقدم: طيب، السؤال الثاني.

السائل: السؤال الثاني يا شيخ: هل هناك فرقٌ بين لفظة “الصوم” و”الصيام”، أم كلاهما واحدٌ؟

المقدم: طيب، شكرًا جزيلًا يا أبا عبدالملك، تسمع إجابة الشيخ.

أولًا: شيخنا، “الصوم” و”الصيام” هل بينهما فرقٌ، أو تنوع كلمات لغوية بمعنًى واحدٍ؟

الشيخ: نعم، الذي يظهر أنه ليس هناك فرقٌ بين الصوم والصيام من حيث المعنى، فالصيام ورد في الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، والصوم ورد في أحاديث كثيرةٍ عن النبي ، منها: بُنِيَ الإسلام على خمسٍ، وذكر منها: وصوم رمضان [3].

وأيضًا في عدة أحاديث ورد لفظ “الصوم”، فمن جهة المعنى ليس بينهما فرقٌ، نعم.

المقدم: طيب، نستأذنكم يا شيخنا قبل الإجابة عن السؤال الثاني نستقبل اتصالًا من المدينة: أبو محمد.

تفضل يا أبا محمد.

السائل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل.

السائل: بارك الله فيكم يا شيخ، عندي استفسارٌ.

المقدم: تفضل.

السائل: ذهبتُ إلى لجنة الإفتاء في مدينتي في مصر بخصوص مسألةٍ فقهيةٍ في موضوع الطلاق أنا وزوجتي، وأفتاني حوالي خمسة شيوخ كانوا موجودين، ولكن بعد فترةٍ جاءني وسواسٌ أنني أسأل شيخًا آخر، أو أسأل أحدًا آخر، وألا أسير على فتواهم، فهل يجوز لي ذلك، أم أكتفي بفتواهم وأسير عليها؟

الشيخ: أفتوك بوقوع الطلاق أو بعدم وقوعه؟

السائل: بعد وقوعه.

الشيخ: لكن أفتوك بأنه وقع أو ما وقع؟

السائل: أفتوني بأنه تسقط عني واحدةٌ؛ لأني شرحتُ كامل الظروف التي كنتُ فيها، وكامل الوضع الذي كنتُ فيه، وأفتوني بأنه تسقط واحدةٌ، وإن فعلتُها مرةً أخرى تحرم عليَّ زوجتي.

الشيخ: نعم.

المقدم: طيب، تسمع إجابة الشيخ.

السائل: شكرًا.

المقدم: شكرًا جزيلًا للأخ أبي محمد.

ما توجيهكم شيخنا للأخ أبي محمد؟

الشيخ: نعم، ما دام أنه قد أُفتي من قِبَل علماء نقول: خُذْ بفتواهم، ودَعْ عنك الوساوس، فإن الشيطان للإنسان بالمرصاد، وربما أن كثرة التفكير في هذه المسألة وهذه القضية تُسبِّب لك وسواسًا، وتحول هذا الوسواس إلى وسواسٍ قهريٍّ فيما بعد، وهذا قد حصل لأناسٍ -يعني- مُستفتين في هذا البرنامج وغيره: أنه بدأ عندهم الوسواس بكثرة التفكير في مثل تلك القضية.

والذي ننصحك به أن تلتزم بفتوى هؤلاء، وهم قد أفتوك بأن زوجتك باقيةٌ في عصمتك، وأنه بقيت لك طلقةٌ، يعني: وقعت عليك طلقتان، وبقيت لك واحدةٌ، فالتزم بفتواهم.

وأنت ذكرتَ أنهم أيضًا مجموعةٌ، وليس واحدًا، خمسة أشخاصٍ من أهل العلم، ومن أهل الفتوى، فتلتزم بفتواهم، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتدع عنك الوساوس، وتُعرض أيضًا عن هذا الموضوع، ولا تُفكر فيه؛ لأنك إذا فكرتَ فيه جلب لك الوسواس.

المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم.

سؤال الأخ أبي عبدالملك -ولعله السؤال الأخير معنا في هذه الحلقة فضيلة الشيخ-: مَن قدم من سفرٍ في أول النهار وهو قد أفطر، وأخذ برخصة الإفطار في السفر، هل يُمْسِك، أو يستمر على إفطاره؟

الشيخ: نعم، هذه المسألة -كما أشار إليها الأخ الكريم- هي محل خلافٍ بين العلماء، وأكثر أهل العلم على أنه يجب عليه الإمساك، بل قد حُكي إجماعًا، وهذا هو الراجح: أنه يجب عليه أن يُمسك؛ لأن رمضان زمنٌ مُحترمٌ، فيجب الإمساك فيه.

وأما مَن أجاز ذلك بقول: إنه مَن أفطر في أول النهار فليُفطر في آخره، فهذا قولٌ مرجوحٌ.

فالصواب: أنه يجب عليه أن يُمسك، لكن مع ذلك المسألة ليست محل إجماعٍ، وإنما هي خلافيةٌ بين أهل العلم، والمُستفتي يجب عليه أن يلتزم بفتوى مَن يثق فيه، فتوى مَن يرى أنه أوثق الناس لديه في علمه ودينه وأمانته، فيلتزم بفتواه، فإذا استفتى وأُفتي يلتزم بتلك الفتوى، لكن الذي أراه راجحًا -وهو الذي عليه أكثر أهل العلم- أن المُسافر إذا قدم يجب عليه أن يُمسك بقية النهار.

المقدم: في مثل هذه المسائل يا شيخنا إذا كان الأغلب -أغلب العلماء- على قولٍ، والقول الآخر ليس عليه، ولو كان فيه خلافٌ مُعتبرٌ، هل الأفضل أن الإنسان يقول بهذا القول إذا كان طالب علمٍ، أو يأخذ بهذا القول ويقول للناس، أو أنه يعمل بهذه الفتوى لنفسه فقط؟

الشيخ: هذا فيه تفصيلٌ: إذا كان -يعني- عالمًا كبيرًا، وترجح عنده القول الآخر -ولو كان القول الأقل- فإنه لا يُفتي الناس إلا بما يدين الله به، ولو كان قول الأقل، فإن الكثرة ليست بدليلٍ على الحق، وقد يكون الحق مع القلة، المهم ألا تكون المسألة محل إجماعٍ.

ولكن بالنسبة للمُقلد فيتبع ما عليه فتوى العامة في البلد، فمثلًا: في هذه المسألة الفتوى العامة عندنا في المملكة هي ما عليه أكثر أهل العلم من وجوب الإمساك، فلا يُشيع الفتوى الأخرى بعدم وجوب الإمساك؛ لأن هذا يُسبب تشويشًا على العامة.

فالمُقلد يتبع ما عليه الفتوى العامة لأهل البلد، وأما العالِم الذي -يعني- بلغ الاجتهاد فيختار ما يراه راجحًا، وما يدين الله تعالى به، ولو كان قول الأقلّ.

المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم.

نشكركم فضيلة الشيخ أن كنتم معنا في هذه الحلقة، وأجبتم عن أسئلة الإخوة.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أحمد: 12200، والترمذي: 212.
^2 رواه مسلم: 655.
^3 رواه البخاري: 8، ومسلم: 16.