logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(184) أحكام الزكاة- الأموال التي تجب فيها الزكاة

(184) أحكام الزكاة- الأموال التي تجب فيها الزكاة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

تحدثت معكم في حلقاتٍ سابقة عن جملة من المسائل المتعلقة بالزكاة، وأنتقل في هذه الحلقة للحديث عن الأموال التي تجب فيها الزكاة.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

الأموال التي تجب فيها الزكاة، وهي أربعة أصناف:

  • السائمة من بهيمة الأنعام.
  • والنقدان؛ وهما: الذهب والفضة، وما في حكمهما كالأوراق النقدية.
  • والخارج من الأرض من الحبوب والثمار.
  • وعروض التجارة.

زكاة بهيمة الأنعام

وبهيمة الأنعام هي: الإبل والبقر والغنم؛ كما قال الله تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ [المائدة:1].

وتنقسم بهيمة الأنعام من حيث وجوب الزكاة فيها إلى أربعة أقسام:

  • الأول: المعلوفة المتخذة للدر والنسل. وهي التي يشتري صاحبها لها العلف أو يحصده أو يحشُّه لها، فهذه ليس فيها زكاة مطلقًا، ولو بلغت ما بلغت؛ لأنها ليست من عروض التجارة، ولا من السوائم.
  • الثاني: العوامل، وهي التي يُعمل عليها إما في استخراج الماء أو في الحرث أو في الحمل عليها أو في تأجيرها للحمل عليها مثلًا، فهذه لا زكاة فيها، وهذا القسم قد كان موجودٌ قديمًا، ولا يوجد في بلادنا في الوقت الحاضر مع وجود وسائل التقنية من السيارات والحرّاثات والرافعات للماء، ونحو ذلك.
  • الثالث: أن يُراد ببهيمة الأنعام التجارة، فتُزكّى زكاة عروض التجارة، فمن كان عنده إبلٌ أو بقرٌ أو غنمٌ وقد قصد بها التجارة وهو يبيع فيها ويشتري، فتُعتبر عروض تجارة وتُزكى زكاة عروض التجارة؛ ومن هنا فقد تجب الزكاة في بعيرٍ واحد أو في بقرة واحدة أو في شاة واحدة إذا كانت قيمتها قد بلغت النصاب في عروض التجارة.
    ولا يُنظر لكون بهيمة الأنعام في هذا القسم سائمة أو معلوفة، بل تجب فيها الزكاة بكل حال حتى ولو كانت معلوفة؛ لأنها من عروض التجارة فتُزكى زكاة عروض التجارة.
  • الرابع: السائمة، والسائمة هي الراعية، ومنه قول الله تعالى: وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [النحل:10]، أيْ ترعون دوابّكم، والمراد بالسائمة هنا التي ترعى العُشب والكلأ أكثر الحول؛ فتجب فيها الزكاة؛ لما جاء في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: في كل إبلٍ سائمة في أربعين بنت لبون [1]، أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه الإمام أحمد.
    ولما جاء في كتاب أبي بكر الذي كتبه لأنس : “وفي الغنم في سائمتها في كل أربعين شاة شاة” [2]، أخرجه البخاري في صحيحه.
    ولا بد في اعتبار السائمة أن ترعى العشب والكلأ ونحو ذلك مما ينبت من غير زرع آدمي أكثر الحول، أما ما يزرعه الآدمي فلا تُعتبر البهيمة سائمة إذا رعت فيه ولو رعت فيه أكثر الحول أو رعت فيه جميع الحول.
    ولا بد كذلك من أن ترعى العشب والكلأ الذي لا يزرعه الآدمي أكثر الحول، فلو رعت أقل الحول فليس فيها زكاة، كما لو كانت ترعى خمسة أشهر مثلًا، ويعلفها صاحبها سبعة أشهر فلا زكاة فيها.

والحاصل مما سبق أيها الإخوة:

أن ما كانت بهيمة الأنعام معلوفة أكثر الحول أو جميع الحول أو كانت من العوامل فلا زكاة فيها، وإنما تجب الزكاة في السائمة التي ترعى أكثر الحول، وفيما أُعِدَّ للتجارة من بهيمة الأنعام مطلقًا.

نصاب الزكاة في الإبل

وننتقل بعد ذلك للحديث عن أنصاب الزكاة في بهيمة الأنعام، وأبتدئ بالإبل؛ ونصاب الزكاة فيها خمس، أما ما دون الخمس فلا زكاة فيه إلا أن يُعدِّها صاحبها للتجارة فتُزكى زكاة عروض التجارة، فإذا بلغت الإبل خمسًا ففيها شاة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض.

وبنت المخاض هي التي تم لها سنة، ودخلت في الثانية، وسُمّيت بذلك؛ لأن أمها في الغالب قد حملت فهي ماخض، والماخض الحامل.

فإذا بلغت ستًا وثلاثين ففيها بنت لبون؛ وبنت اللبون هي التي تمَّ لها سنتان، ودخلت في الثالثة، وسُمّيت بذلك؛ لأن أمها قد وضعت في الغالب فهي ذات لبن، وأما ما بين الفرضين خمسٍ وعشرين وستٍ وثلاثين فليس فيه شيء، وهو ما يسميه الفقهاء بالوقص؛ رفقًا بالمالك، بمعنى أن في خمسٍ وعشرين بنت مخاض، وكذا في ستٍ وعشرين بنت مخاض، وكذا في سبع وعشرين بنت مخاض، إلى أن تصل إلى ستٍ وثلاثين ففيها بنت لبون.

وهذا خاصٌ ببهيمة الأنعام، أما في غيرها كالذهب والفضة والحبوب والثمار فإن الزكاة تزيد بزيادة المال، ولعل الحكمة في هذا والله أعلم هو أن بهيمة الأنعام تحتاج إلى مؤونة كثيرة، من رعي وحلب وسقي وغير ذلك، فجعل الشارع هذه الأوقاص وهي ما بين الفروض لا زكاة فيها.

فإذا بلغت الإبل ستًا وأربعين ففيها حِقّة، والحقّة هي ما لها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة، سُمّيت بذلك؛ لأنها استحقت أن يطرقها الفحل، ولهذا جاء في كتاب أبي بكر الصديق: “حِقّةٌ طروقةُ الفحل”، واستحقت كذلك أن تُركب، وأن يُحمل عليها.

فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي التي لها أربع سنين، ودخلت في الخامسة، سُمّيت بذلك؛ لأنها تجذع إذا سقط سنها، والجذعة هي أعلى سنٍ يجب في الزكاة.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “وإن رضي ربُّ المال أن يُخرج مكانها ثنية جاز”.

والثنية: هي التي تمّ لها خمس سنين، ودخلت في السادسة، سُمّيت بذلك؛ لأنها قد ألقت ثنيتها.

وننبِّه هنا أيها الإخوة إلى أن كل هذه السن بنت مخاض، وبنت لبون، وحِقّة، وجذعة لا تجزئ في الهدي ولا في الأضحية، وإنما الذي يجزئ الثنيّة وهي التي تمّ لها خمس سنين، فباب زكاة الإبل يختلف عن باب الهدي والأضحية.

فإذا بلغت ستًا وسبعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حِقّتان، فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون.

ثم بعد ذلك تستقر الفريضة في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حِقّة، أي أنها كلما زادت عشرًا تتغيَّر الفريضة، ففي مائة وثلاثين حِقة وبنتا لبون؛ حقة عن خمسين وبنتا لبون عن ثمانين، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وفي مائة وثمانين حقتان وبنتا لبون، وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي مائتين خمس بنات لبون أو أربع حقاق، وهكذا..

وجاء في صحيح البخاري في كتاب أبي بكر الصديق الذي كتبه لأنس رضي الله عنه: “ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنها تُقبل منه الحقة، ويَجْعَل (أيْ الساعي) معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحِقة وليس عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تُقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين” [3].

وهذا ما يسميه الفقهاء بالجبران، وهو يعني أن من وجبت عليه سنٌ فعدمها أخرج سنًّا أقل منها وأخرج معها شاتين أو عشرين درهمًا، وإن وجبت عليه سنٌ فعدمها ووجد سنًا أعلى منها أخرجها وأخذ من الساعي شاتين أو عشرين درهمًا.

وأخذ الشاتين هنا ظاهر، أما عشرون درهمًا، فالظاهر أن قيمة الشاتين في عهد النبي كانت عشرين درهمًا، فتكون العشرون درهمًا المذكورة في هذا الحديث قد ذُكِرت على سبيل التقويم وليست على سبيل التعيين، ولهذا نقول في وقتنا الحاضر: إنه في الجبران في زكاة الإبل يدفع أو يأخذ شاتين أو ما يعادل قيمة الشاتين، والجبران إنما ورد في زكاة الإبل خاصة، وأما غير الإبل فليس فيها جبران.

هذه الأنصباء والتقديرات قد وردت بها السنة، وهي محل اتفاق بين العلماء في الجملة، وقد عمل بها المسلمون قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يوفقنا لصالح القول والعمل.

وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 1575، والنسائي: 2444، وأحمد: 20016.
^2 رواه البخاري: 1454.
^3 رواه البخاري: 1453.
مواد ذات صلة
zh