بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان، السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
طيَّب الله أوقاتكم بكل خيرٍ، وجعلها عامرةً بذكر الله .
نحييكم مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم المباشر (فتاوى الحج).
مرحبين بضيفنا الكريم، فضيلة الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة، في جامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.
السلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته، وحياكم اللّه، وحيَّا اللّه الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم اللّه، وبارك اللّه فيكم.
وحياكم اللّه جميعًا، ولعلنا نبدأ أولى حلقات هذا البرنامج باتصالٍ من أم عبداللّه، تفضلي.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام، نعم.
المتصلة: لو سـمحت، رمي جمرة العقبة الذي هو اليوم العاشر، يبدأ تقريبًا من الساعة كم؟ ومتى آخر وقتٍ للرمي؟
المقدم: طيب، سؤالٌ ثانٍ؟
المتصلة: نعم، نفس الشيء، رمي الجمار، الذي هو أيام التشريق، أيضًا يبدأ تقريبًا من الساعة كم؟ ومتى آخر وقتٍ له؟
السؤال الثالث لو سمحت: هل تؤدَّى سنن الصلوات من اليوم الثامن إلى اليوم الثالث عشر، أو سيكون فقط الفرض وليس هناك سننٌ؟
المقدم: سنن الصلوات متى؟
المتصلة: من اليوم الثامن إلى اليوم الثالث عشر، هل توجد سننٌ في تلك الأيام، أو فقط الفرض؟
المقدم: شكرًا لكِ، في أمان الله.
أرحب بكَ مرةً أخرى فضيلة الدكتور، ولعلنا أيضًا قبل أن نبدأ بـهذه الأسئلة، يعني: الحكمة من رمي الجمار في أيام الحج؟
الشيخ: الحمد اللّه رب العالمين، وصلى اللّه وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن اللّه فرض الحجَّ لحكمٍ عظيمةٍ، ومنافع كبيرةٍ؛ ولذلك أشار إليها ربنا في قوله: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج:28].
ومن ذلك: ظهور أثر العبودية على الحاج، فالعبودية مقتضاها الاستسلام للّه ، فالحاج يُقَبِّل حجرًا بأمر اللّه تعالى، وهو الحجر الأسود، ويرمي حجرًا بأمر اللّه تعالى، وهي الجمرات، فيُقبِّل حجرًا، ويرمي حجرًا، ويظهر بذلك أثر العبودية والاستسلام لله .
وقد قال بعض أهل العلم: إن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لمَّا أُمِر بذبح ابنه الذي أتاه على كِبَـرٍ، وفرح به فرحًا عظيمًا، وبلغ أحسن سنٍّ يتعلق فيها الوالد بولده، وكان هذا الابن ليس ابنًا عاديًّا، وإنـما كان ابنًا بارًّا، عظيم البـرِّ بوالده، فأُمِر بذبح ابنه؛ اختبارًا وامتحانًا، قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102]، انظر ردَّ الابن، فلا أدري من أيهما نعجب؛ من استسلام الأب لأمر اللّه ، أم من استسلام الابن الذي أُمِر أبوه بأن يذبحه، وقال: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ؟! ويقال: إن إبراهيم الخليل لـمَّا أراد أن يذبح ابنه مر في أماكن هذه الجمرات؛ مر في مكان الجمرة الصغرى فتعرَّض له الشيطان وجعل يوسوس له: كيف تذبح ابنك هذا؟! فاستعاذ باللّه منه ورماه بسبع حصياتٍ، ثم تعرَّض له مرةً ثانيةً في مكان الجمرة الصغرى، ثم تعرَّض له في مكان الجمرة الكبرى، فكان إبراهيم يرميه، ذكر هذا بعض أهل العلم، واللّه تعالى أعلم بصحته، ولكن نحن إنما نفعل ذلك؛ لأن النبي فعله وأمرنا بفعله، فهو تعبُّدٌ لله ، سواءٌ عرفنا الحكمة منه أو لـم نعرفها.
المقدم: إذنْ نعود إلى أسئلة أم عبدالله، سؤالها الأول: عن رمي جمرة العقبة يوم العيد؟
الشيخ: نعم، رمي جمرة العقبة يوم العيد: أولًا: لا يُرمَى إلا هي، فلا ترمى الجمرة الصغرى ولا الوسطى، وإنما جمرة العقبة فقط، التي هي الجمرة الكبرى، ويبتدئ وقت رميها من حين دفع الحاج من مزدلفة، ويبدأ وقت الدفع من مزدلفة من بعد منتصف الليل عند جمهور أهل العلم، فإذا دفع الحاج من مزدلفة، ووصل إلى مِنًى، فإنه يبدأ مِنًى برمي جمرة العقبة؛ ولهذا يقال: إن رمي الجمرة في ذلك اليوم هو تحية أهل مِنًى، ويستمر وقت الرمي إلى غروب الشمس، وفي الوقت الحاضر أجاز العلماء المعاصرون الرمي ليلًا، وعلى ذلك: فيستمر الرمي إلى فجر اليوم الحادي عشر.
وأما بالنسبة للرمي في أيام التشريق فيبتدئ من زوال الشمس، أي: من وقت أذان الظهر، ويمتد إلى طلوع الفجر، فالرمي ليوم الحادي عشر يبدأ من زوال شـمس ذلك اليوم، إلى فجر اليوم الثاني عشر، والرمي في اليوم الثاني عشر يبتدئ من زوال ذلك اليوم إلى فجر اليوم الثالث عشر، إلا المتعجل، فيلزمه أن يرمي وأن يغادر مِنًى قبل غروب الشمس، فإن غربت عليه الشمس في اليوم الثاني عشر وهو في مِنًى لزمه التأخُّر.
المقدم: لها سؤالٌ آخر، أو ثالثٌ، سألت عن سنن الصلوات من اليوم الثامن إلى يوم الثالث عشر: هل تتوقف؟
الشيخ: نعم، الحاج من اليوم الثامن إلى اليوم الثالث عشر، إذا لـم يكن من أهل مكة وما حولها -يعني: إذا كان من مسافة قصرٍ تزيد على (80 كيلومترًا) فأكثر- فالسنة في حقه أن يترك الرواتب، ما عدا سنة الفجر، فقد كان النبي لا يدعها سفرًا ولا حضرًا، وأما بقية السنن الرواتب، وأعني بـها سنة الظهر القبلية والبعدية، وسنة المغرب البعدية، وسنة العشاء البعدية، فهذه تترك في السفر، فالسنة تركها، وكذلك أيضًا تُقصر الصلوات الرباعية؛ صلاة الظهر والعصر والعشاء، تُقصَر إلى ركعتين طيلة هذه المدة، والأفضل أن تؤدَّى كل صلاةٍ في وقتها من غير جمعٍ، لكن مع ذلك لو أن الحاج أراد أن يجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، ولـم يكن من أهل مكة وما حولها، فلا بأس بذلك؛ لأنه يعتبر مسافرًا، والمسافر يجوز له القصر، ويجوز له الجمع، بل إن ذلك هو السنة في يوم عرفة.
فالسنة: أن يجمع الظهر والعصر مع القصر في وقت الظهر، يصلي الظهر ركعتين، ثم العصر ركعتين، وكذلك أيضًا في مزدلفة، السنة أن يجمع العشاء مع المغرب، فيصلي المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين.
وأما بقية السنن غير الرواتب فإنـها تُفعل في السفر؛ وذلك كصلاة الضحى، وكصلاة الوتر، وكذلك أيضًا النفل المطلق، ونحو ذلك، وقد كان النبي يُسبِّح على راحلته في سفره [1]، يعني: يتنفل، فيصلي مثنى مثنى، لكنه لا يصلي في أوقات النهي، فالسنن غير الرواتب تُفعَل في السفر، إنـما الذي لا يُفعل في السفر السنن الرواتب ما عدا سنة الفجر.
المقدم: نعم، بارك اللّه فيكم، متواصلون معكم -مستمعينا الكرام- على الهواء مباشرةً في إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية، في برنامج (فتاوى الحج).
عبدالعزيز حياك اللّه.
المتصل: اللّه يسلمك، كيف الحال يا دكتور؟
الشيخ: حياك الله، بخيرٍ ونعمةٍ، بارك الله فيك.
المتصل: الله يسلمك، عندي سؤالٌ يا شيخنا: أنا والوالدة سنحج هذه السنة إن شاء اللّه، ونحن من أهل الجنوب، وعندنا بيتٌ نقيم فيه في جدة، ولم نكن قد نوينا الحج، ما كنا متأكدين أنَّا سنحج هذه السنة أو لا نحج، ونحن في جدة هنا منذ شهرٍ ونصفٍ تقريبًا، والحمد لله تيسرت الآن، ونحن مشتركون في حملةٍ، فما أدري يا شيخ، هل يجب علينا الإحرام من ميقات يَلَمْلَم، أو ننوي الحج من هنا من جدة؟
الشيخ: لكن البيت الذي أنتم فيه في جدة هو بيتٌ مِلكٌ؟
المتصل: نعم، بيتٌ ملكٌ للوالد.
الشيخ: لكم أن تحرموا من جدة؛ لأنكم تعتبرون أصحاب إقامتين؛ عندكم إقامةٌ في الجنوب، وإقامةٌ في جدة، فأنتم بالخيار؛ إن شئتم أحرمتم من الميقات، وإن شئتم أحرمتم من جدة، فالأمر واسعٌ، اختاروا ما هو الأيسر والأرفق بكم.
المتصل: الله يطول في عمرك يا شيخ، الله يسلمك.
المقدم: إذنْ -بارك اللّه فيكم فضيلة الدكتور- هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهن يعني: من أي ميقاتٍ مرَّ به الحاج يحرم؟
الشيخ: نعم، النبي حدد المواقيت ثم قال: هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ مـمن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك أي: دون المواقيت؛ مثل من كان من أهل جدة، ومن أهل مكة، وكذلك القرى التي هي دون المواقيت، ومن كان دون ذلك فمِن حيث أنشأ [2]، أي: أنه يحرم من بيته، يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى أن يذهب إلى الميقات.
المقدم: نعم، بارك اللّه فيكم، والآفاقيُّ من أين يحرم يا شيخ؟
الشيخ: الآفاقيُّ يحرم من الميقات؛ لأنه سيأتي من الآفاق، وإذا أتى من الآفاق فلا بد أن يـمرَّ بأحد المواقيت، فيحرم من الميقات الذي يـمر به.
المقدم: نعم، بارك اللّه فيكم.
عودًا للمستمعين والمستمعات، معنا أم محمدٍ، تفضلي بالسؤال.
المتصلة: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضلي.
المتصلة: سؤالي -يا طويل العمر- عن الضحيَّة: أنا معي ولدٌ وحاله صعبةٌ، ما عنده شيءٌ يضحي به، وأنا آخذ له دائمًا ضحيَّةً، وتوفي لي واحدٌ، ويوم توفي في تلك الأيام… الضحية هذه التي أعطيك إياها لك أنت وأخوك المتوفَّى؛ الصدقة للمتوفَّى، وأنت لك ضحيةٌ، يجوز أو لا يجوز؟
المقدم: طيب، سؤالٌ آخر؟
المتصلة: السؤال الآخر: في الماضي لم يكن أحدٌ يرشدنا لقضاء أيام العادة، وعليَّ صامٌ، وأنا امرأةٌ كبيرةٌ وعليَّ صيامٌ، والحمد للّه صمت أيامًا كثيرةً، الحمد للّه قضيت خمسين منها، بقي عليَّ مئةٌ وعشرةٌ، أنا قضيتها كلها، صمتها يعني، هل عليَّ إطعامٌ عليها، أو ما عليَّ إطعامٌ، فقط عليَّ صيامٌ، أنا كنت جاهلةً ما أدري عن القضاء؟
المقدم: وصُمتِها كاملةً؟
المتصلة: الحمد اللّه.
المقدم: يعني: تسألين عن الكفارة بسبب التأخير؟
المتصلة: نعم، بسبب التأخير، عليَّ إطعامٌ بسبب التأخير أو لا؟
المقدم: جزاك الله خيرًا، تسمعين الإجابة.
المتصلة: والسؤال الثالث طول اللّه عمرك: لي زميلةٌ في المدرسة، قلت لها: واللّه إن جاءك نصيبٌ سآتيك بذبيحةٍ، واليوم مر سبع سنواتٍ ما تحسنت ظروفي لآتيها بذبيحةٍ، هل عليَّ ذبيحةٌ أو عليَّ كفارةٌ، وجزاكم اللّه ألف خيرٍ؟
المقدم: هذا نذرٌ، أليس كذلك؟
المتصلة: لا، ما قلت: نذر، قلت: واللّه لها، يعني كلامًا.
المقدم: وعدٌ، فقط وعدٌ يعني؟
المتصلة: نعم، وعدٌ.
الشيخ: أنتِ حلفت قلت: إن جاءك نصيبٌ، تأتين لها بذبيحةٍ، وجاء لها نصيبٌ؟
المتصلة: نعم، وجاء لها نصيبٌ، وما تحسنت ظروفي لآتيها.
المقدم: شكرًا، جزاك اللّه خيرًا يا أم محمدٍ.
السؤال الأول عن الأضحية: كانت تضحِّي لابنٍ، وبعد ذلك تعطيه أضحيته، وتوفي لها ولدٌ آخر، ثم أشركتهما جميعًا في الأضحية، ما صحة ذلك؟
الشيخ: لا بأس بهذا، الاشتراك في الثواب لا حدَّ له، فالاشتراك في الأضحية ينقسم إلى قسمين:
- اشتراكٌ في المِلك: بأن يشتري الإنسان أضحيةً، فهذا في الإبل والبقر إلى سبعة أشخاصٍ، وأما الغنم فلا يصح الاشتراك فيها، لا بد أن يكون المالك للأضحية أو المشتري لها واحدًا، ولا يصح أن يشترك اثنان في شراء أضحيةٍ من الغنم، ويصح ذلك في الإبل والبقر إلى سبعة أشخاصٍ.
- والقسم الثاني: الاشتراك في الثواب، ومعنى ذلك: أن مالك الأضحية يشرك معه في ثوابـها من أراد، هذا لا بأس به، ولا حدَّ لهذا الاشتراك، فللإنسان أن يشرك معه في الثواب من أراد من الأحياء والأموات من غير أن يَحُدَّ ذلك بعددٍ معينٍ.
فكونـها أشركت ابنها وابنها الثاني، وأيضًا إذا أرادت أن تشرك بقية أولادها، وأيضًا إذا أرادت أن تشرك زوجها ووالديها، الأمر في هذا واسعٌ، وفضل الله تعالى واسعٌ.
المقدم: دكتور سعد، لها أسئلةٌ، لكن نتوقف لنستقبل اتصالًا من حسينٍ من جدة، تفضل، حياك اللّه.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل.
المتصل: لدي سؤالٌ بخصوص الأضاحي أو الهدي، الهدي -فضيلة الشيخ- هناك أناسٌ مثلًا غير “البنك الإسلامي” و”بنك الراجحي”، يأتون فيبيعون على الحُجَّاج أضاحي، ومن ثم يأتون بألف ذبيحةٍ -يعني: خروفٍ- أو ألفين، ويذبحونها أمام الحجاج، ويذبحون بقية الهدي في الصومال وفي السودان، هل هذا جائزٌ؟
المقدم: طيب، هل هناك سؤالٌ آخر؟
المتصل: لا، فقط هذا السؤال.
المقدم: تسمع الجواب الآن من الشيخ، تفضل يا شيخ.
الشيخ: الذبح لا بد أن يكون في الحرم، ولا يصح أن يُـخرَج خارج الحرم، والأصل أنه يُوزَّع على فقراء الحرم، ولا ينقل إلا عندما لا يوجد فقراء للحرم، فهنا -على القول الراجح- أنه لا بأس بنقله إلى أماكن أخرى، أما أن يُنقل ابتداءً خارج الحرم، فهذا الأصل أنه غير مشروعٍ؛ لحوم الهدايا في الأصل أنـها توزع على فقراء الحرم.
وعلى ذلك نقول للأخ الكريم: أولًا: هؤلاء الذين يأتونكم ويطلبون أن توكلوهم في ذبح الهدي، لا بد أن يكونوا ثقاتٍ، فلا توكلوا إنسانًا غير ثقةٍ، أو أناسًا مجهولين؛ لأنه قد يأتي أناسٌ ويستغلون موسم الحج في النصب والاحتيال على الحجاج؛ فينبغي أن تكونوا حذرين، وأن يرتفع مستوى الوعي لدى الحُجَّاج، فلا توكِّلوا إلا من كان ثقةً.
ثم أيضًا: لا بد أن يكون الذبح في الحرم، وتوزع لحوم هذه الهدايا على فقراء الحرم.
المقدم: نعود إذنْ لأسئلة أم محمدٍ.
السؤال الثاني تقول: إني سابقًا كان عليَّ أيامٌ بسبب العذر الشرعي، ولا تعلم أنـها تُقضَى، تقول: الآن منَّ اللّه عليَّ بالقضاء، لكن لـم تُكفِّر، هل عليها كفارةٌ لتأخرها؟
الشيخ: ليس عليها كفارةٌ على القول الراجح، وإيجاب الإطعام مع القضاء لمن أخَّر القضاء ليس عليه دليلٌ ظاهرٌ، واللّه تعالى يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فذكر اللّـه تعالى القضاء فقط، ولـم يذكر الإطعام، ولا أعلم أنه ورد في السنة ما يدل على إيجاب الإطعام على من أخَّر القضاء، وإنـما رُوي في ذلك آثارٌ عن بعض الصحابة؛ كابن عباسٍ وأبي هريرة ، وحملها بعض أهل العلم على الاستحباب، وحتى لو قُدِّر حملها على الوجوب فهي اجتهادٌ من بعض الصحابة ، ولا يَقوَى لإيجاب الإطعام على من أخَّر القضاء؛ لأن إيجاب الإطعام يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ؛ لأنه يترتَّب عليه نقل هذا المكلَّف عن براءة ذمَّته، والأصل أن ذمَّته بريئةٌ، وأن أمواله معصومةٌ، وهذا أمرٌ مُـحْكَمٌ، ومعروفٌ بالنصوص المـُحكَمَة، فالأثر عن الصحابي لا يقوى لنقل ذلك وإيجاب الكفارة على الناس، ولا نستطيع أن نُلزِم عباد اللّه بـما لـم يلزمهم به الله ، لكن مع ذلك قد نقول: إنه مستحبٌّ؛ باعتبار هذه الآثار.
وعلى ذلك نقول للأخت الكريـمة: لا يجب عليك الإطعام، لكن إن تيسَّر لك -على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب- أن تطعمي عن كل يومٍ مسكينًا، فذلك حسنٌ.
المقدم: نعم، بارك اللّه فيكم، لها سؤالٌ آخر، لكن نأخذ ربيعًا من مكة المكرمة ثم نعود لبقية الأسئلة، تفضل يا أخ ربيع.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: يا شيخ سعد، عندي سؤالٌ يتعلق بالحج: أنا عام (1398) أو (1399) حججنا، أنا ومجموعةٌ معي، وتعجلنا -يا شيخ- من مزدلفة، ورمينا جمرة العقبة، ولم يكن معنا أحدٌ، وتعجبت أنا! وبعد ذلك أتينا الحرم، وطفنا الشوط الرابع، وأُذِّن للعشاء علينا…
الشيخ: العشاء؟
المتصل: نعم، أذن علينا للعشاء ونحن في الطواف الرابع، الشوط الرابع؟
المقدم: متى هذا؟ ليلة مزدلفة؟
المتصل: ليلة مزدلفة، المبيت ما بتنا فيها.
المقدم: مباشرةً إلى مِنًى ذهبتم؟
المتصل: مكثنا في مزدلفة ربما نصف ساعةٍ أو ساعةً إلا ربعًا وذهبنا، وأتينا عند جمرة العقبة الأولى ورميناها، ثم أتينا إلى الحرم وطفنا، وفي الشوط الرابع في الطواف -يا شيخ- أُذن علينا للعشاء، وأنهينا عمرتنا، ورجعنا من الساعة العاشرة، ما أدري هل عليَّ شيءٌ، اللّه أعلم؟
الشيخ: لماذا لـم تبيتوا في مزدلفة؟
المتصل: واللّه -يا شيخ- ما أدري، كان معي أخي وذهبوا، وكان جهلًا مني، أنا حتى تعجبت! ما أدري، وقلت: أنا سأسأل الآن، وليس هناك حاجةٌ تجعلنا نستعجل، لكن هكذا حصل، استعجلنا نحن؟
الشيخ: نعم، وكم لكم الآن من سنةٍ، أربعون سنةً؟
المتصل: واللّه تقريبًا -يا شيخ- من ثمانيةٍ وثلاثين لأربعين، في هذه الحدود.
الشيخ: ولا سألتم طيلة هذه المدة؟
المتصل: واللّه ما سألت يا شيخ، الحمد لله، حججت حجةً هكذا، هذه أول حجةٍ، كان عمري أربعة عشر، أو خمسة عشر ذاك الوقت.
الشيخ: لكن كنت متأكدًا من هذا، يعني: ليس مـجرَّد شكٍّ؟
المتصل: لا -يا شيخ- متأكدٌ منه أنا، متأكد أنه مرةً تعجَّلنا، وكنت متعجبًا، يعني: عند العقبة لا يوجد شخصٌ معنا، إلا نحن، فما أدري، فقط أسأل الشيخ ماذا سيجيب؟
الشيخ: أنتم يعني: دفعتم من عرفات، وذهبتم إلى مزدلفة، ثم إلى مِنًى، ثم ذهبتم إلى الحرم، هكذا؟
المتصل: إي نعم.
الشيخ: طيب، يعني: حتى الرمي رميتم بعد المغرب؟
المتصل: نعم، بعد المغرب يا شيخ، يعني: قرب العشاء؟
الشيخ: كنتم مستعجلين في هذه الحجة؟
المتصل: واللّه -يا شيخ- أنا بجهلٍ مني، يعني: أنا كنت ذاك الوقت غير متأكدٍ منها، ولا عندي تلك الخلفية، حتى أنا تعجبت، أقول: يا جماعة الخير، ليس هنا غيرنا نحن، ما معنا حُجَّاجٌ! ولكن قلت: سأسأل؛ لأرى ماذا عليَّ، ونسأل الله يبرئ ذمَّتنا، وجزاكم اللّه خيرًا.
الشيخ: طيب، عليكم عن ترك المبيت بمزدلفة دمٌ، على كل واحدٍ منكم دمٌ؛ لأنكم تركتم المبيت بـمزدلفة، وأيضًا حتى الرمي رميتموه قبل الوقت، الرمي يبدأ من بعد منتصف الليل، وأنتم رميتم قبل منتصف الليل.
المتصل: نعم، قبل يا شيخ واللّه.
الشيخ: إي نعم، فعليكم أيضًا دمٌ آخر، على كل واحدٍ منكم دمان، وهذا تصرُّف فيه نوعٌ من التلاعب بالعبادة، ما ينبغي مثل هذه العجلة، هذه العجلة فيها نوعٌ من التلاعب، من أراد أن يأتي بهذه العبادة يأتي بـها كما أمر اللّه تعالى، وكما جاءت بـها السنة، أما أن تكون بـهذه الطريقة التي ذكرت، فهذا أمرٌ مؤسفٌ!
عليكم أولًا: التوبة إلى اللّه مـمَّا حصل.
ثانيًا: أن يأتي كلٌ منكم بدمٍ عن ترك المبيت بمزدلفة، ودمٍ آخر عن الرمي؛ لكونه وقع في غير محله.
المقدم: ربيع، حججتم بعدها؟
المتصل: حججت والحمد للّـه، ربما سبع أو عشر مرات.
المقدم: ما شاء اللّه، سمعت كلام الشيخ، جزاك اللّه خيرًا، وبارك اللّه فيك، شكرًا يا ربيع.
طيب، شيخ سعد حفظكم اللّه، نعود إلى سؤالٍ أخيرٍ من أم محمدٍ، قالت: إنها قالت لزميلتها: واللّه إذا جاءكِ نصيبٌ سأعطيك ذبيحةً، أو شيئًا من هذا القبيل، هل هذا وعدٌ، هل هو يـمينٌ، هل هو نذرٌ؟
الشيخ: هذا يعتبر يـمينًا؛ لأنـها قالت: واللّه، فأتت بصيغة القسم، وعلى هذا: فإذا لـم تَفِ بـهذه اليمين، عليها أن تكفر كفارة يـمينٍ، فإما أن تفي بـها، تفي بـما حلفت عليه، وليس عليها شيءٌ، وإذا لـم تتمكن من ذلك، فإنـها تكفر كفارة يـمينٍ، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتـهم، أو تحرير رقبةٍ، ولا يوجد رقابٌ الآن، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89].
فنقول للأخت الكريـمة: تطعمين عشرة مساكين، إذا لـم يتحقق ما حلفتِ عليه، إذا لـم تَفي بـما حلفتِ عليه فإنك تطعمين عشرة مساكين.
المقدم: الاتصال الأخير في هذه الحلقة: المتصل أبو فهد.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
استفسارٌ يا شيخ: أنا نازلٌ لمهمة حجٍّ للعمل، ومُدَرَائي سمحوا لي أن أحج، هذا الشيء الأول.
الجزء الثاني من السؤال: هل يجوز لي أن أدخل مكة بغير إحرامٍ وأحرم يوم الوقفة؟
الشيخ: لكن أنت الآن جازمٌ بالنية، أو أنت مترددٌ وتقول: على حسب ظروف العمل؟
المتصل: على حسب ظروف العمل، بصراحةٍ.
الشيخ: يعني: لست بجازمٍ (100%)؟
المتصل: لا.
الشيخ: إي نعم، طيب، على هذا: متى ما جزمت بنيَّة الإحرام، تحرم من مكانك، وليس عليك شيءٌ؛ لأنك مترددٌ في النية؛ لست بجازمٍ، أما لو كنت جازمًا بالنية فيكون عليك دمٌ، لكن إذا كنت مترددًا وتقول: على حسب ظروف العمل، وربما أحج وربما لا أحج، ثم بعد ذلك عزمت على الحج، فتُحرِم من مكانك ولا شيء عليك، وأنت أدرى بنيتك في هذا.
المتصل: جزاك الله خيرًا، بارك الله فيك.
المقدم: حياك الله، وبارك الله فيك، شكرًا.
جزاك اللّه خيرًا يا شيخ سعد، وبارك اللّه فيكم.
الشيخ: بارك اللّه فيكم، وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: أيها الإخوة والأخوات، إلى هنا نأتي إلى ختام حلقة هذا اليوم من برنامج (فتاوى الحج)، وقد أجاب عن أسئلتكم فضيلة الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.
شكرًا له، وشكرًا لكم أيها الأحبة، ونسأل اللّه أن ينفعنا جميعًا بـما سمعنا.
كما أسأل اللّـه العلي القدير أن يُسلِّم الحُجَّاج والمعتمرين في برهم وبحرهم وجوهم، وأن يجعله حجًّا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا.
كما أسأل اللّه العلي القدير أن يحفظ هذه البلاد المباركة، وأن يجعلها عامرةً بالخير، وأن يرد كيد الكائدين، وأن ينصر جنودنا المرابطين في الحد الجنوبي وفي كل مكانٍ.
أستودعكم اللّه، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.