logo

(3) فتاوى الحج 1439هـ

مشاهدة من الموقع

المقدمة

بسم اللّـه الرحمن الرحيم

الحمد للّـه رب العالمين، وصلى اللّـه وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها الإخوة المستمعون الكرام، السلام عليكم ورحمة اللّـه وبركاته، وأسعد اللّـه أوقاتكم كلها بكل خيرٍ.

أهلًا ومرحبًا بكم -أيها الإخوة الكرام- في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإفتائي اليومي المباشر: (فتاوى الحج).

أهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة المستمعون الكرام، وحياكم اللّـه.

كما نرحب أيضًا بضيفنا الكريم في هذه الحلقات، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.

دكتور سعد، السلام عليكم ورحمة اللّـه.

الشيخ سعد معنا؟

حسنًا، سيكون معنا -بمشيئة الله تعالى- فضيلة الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بجامعة محمد بن سعودٍ الإسلامية، وسيُجيب -إن شاء الله- على أسئلتكم.

دكتور سعد معنا؟ السلام عليكم ورحمة الله.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة اللّـه وبركاته، وحياكم اللّـه وحيا اللّـه الإخوة المستمعين.

المقدم: أيضًا نرحب بكم -مستمعينا الكرام- ونسعد بتواصلكم عبر هاتف البرنامج لمن أراد الاتصال وسؤال فضيلة الشيخ.

نصائح وإرشادات في الحج

شيخ سعد، اللّـه يحفظك، ربما بعض من يستمع إلينا الآن عازمٌ -إن شاء اللّـه تعالى- على أداء فريضة الحج، سواءٌ  كان حجه حج فريضةٍ أو تطوعٍ، هل من نصائح وإرشاداتٍ لمن أراد التوجه لحج بيت اللّـه الحرام؟

الشيخ: الحمد للّـه رب العالمين، وصلى اللّـه وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأُوصي من أراد التوجه لبيت اللّـه الحرام لأداء هذه العبادة وهذه الشعيرة، أوصيه أولًا بتقوى اللّـه ، فإن هذه الوصية هي أعظم وصيةٍ، وهي وصية اللّـه للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[النساء:131].

وكذلك أيضًا أوصيه بأن يتفقَّه في مسائل وأحكام النُّسُك، خاصةً أنه في وقتنا الحاضر وسائل التفقُّه والتبصُّر أصبحت ميسورةً وسهلةً، ولذلك من أراد أن يحج أنصحه بأن يقرأ الكتيبات النافعة في الحج، ومن أبرز هذه الكتيبات: كتاب شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه اللّـه: “التحقيق والإيضاح لمسائل الحج والعمرة والزيارة”، وأيضًا كتاب الشيخ محمد بن عثيمين رحمه اللّـه: “المنهج لمريد العمرة والحج”، ونحو ذلك من الكتب المفيدة والنافعة، وأيضًا يـمكنه أن يستمع للأشرطة المفيدة في بيان صفة الحج، ويستمع أيضًا لفتاوى في الحج وفي العمرة، هذه كلها ستُعطيه حصيلةً علميةً، وتُنير له الطريق؛ حتى يأتي بـهذه العبادة كما أمر اللّـه  متابعًا لسنة النبي .

كذلك أيضًا: أوصيه بأن يختار الرفقة الصالحة، وفي وقتنا الحاضر أصبح الناس يحجون عن طريق الحملات والشركات، فيختار الحملة أو الشركة التي يكون فيها أناسٌ أخيارٌ يعينونه على الخير، ويبصِّرونه في أمور الدين، ويفقهونه في مسائل وأحكام الحج.

كذلك أيضًا: أوصيه بالصبر والتحمل، فإنه في سفرٍ، والمسافر قد يَعرِض له ما يعرض من الصعوبات ومن المتاعب؛ ولهذا قال النبي : السفر قطعةٌ من العذاب [1]، حتى في وقتنا الحاضر مع توفر وسائل المواصلات والاتصالات، لا يزال السفر قطعةً من العذاب، ويطرأ للإنسان طوارئ، وتعتريه مصاعب، فلا بد من توطين النفس على الصبر والتحمل، وهذه من منافع الحج: أن يتدرَّب الإنسان على الصبر وعلى التحمل؛ ولذلك نجد أن الحاج يخرج عن هيئته المعتادة، ويلبس إزارًا ورداءً على هيئةٍ مختلفةٍ عن هيئة اللباس المعتادة التي يلبسها، ويُـمنع من أشياء كانت مباحةً له؛ وذلك حتى يتمرن على الصبر وعلى التحمل، والصبر شأنه عظيمٌ، والنبي يقول: ما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر [2]، رواه مسلمٌ، فحتى يكتسب المسلم هذا الخلق الكريم؛ لا بد أن يُوطِّن نفسه على ذلك، وأن يحرص على اكتساب هذا الخلق.

كذلك أيضًا يُوطِّن نفسه على الحِلم، والحلم -كما يقال- هو سيِّد الأخلاق، فإنه قد تعتريه مصاعب، وتعتريه متاعب، فيوطِّن نفسه على أن يكتسب صفة الحلم، والحلم من الصفات التي يحبها اللّـه ورسوله.

وهكذا فهذه الرحلة الإيـمانية المباركة رحلة الحج، ينبغي أن يحرص الحاج على أن يستفيد من منافعها، فإن فيها منافع عظيمةً، اللّـه تعالى قال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ۝ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ[الحج:27-28]، وهذه المنافع منافع كثيرةٌ، ولذلك جاءت على صيغة منتهى الجموع: مَنَافِعَ، وفي هذا إشارةٌ لكثرتـها ولتعددها وتفاوُت الناس في الحصول عليها، فليحرص الحاج على أن يستفيد من منافع الحج العظيمة.

ومن أعظم هذه المنافع: أن يتوب إلى اللّـه تعالى توبةً نصوحًا، وأن يرجع بعد الحج خيرًا من حاله قبل الحج، وأن يعقد العزم على الإنابة إلى اللّـه سبحانه، والتوبة النصوح، وتدارك ما تبقى من العمر.

المقدم: بارك اللّـه فيكم دكتور سعد، أحسن اللّـه إليكم، معنا عبير.

حكم من زار مكة أثناء الحج ولم يحج

المتصل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: عندي سؤالٌ لو سـمحت.

المقدم: تفضلي.

المتصل: أنا خارج مكة، وأود أزور أختي في مكة، يجب عليَّ أن أحج؟

المقدم:  حسنًا، عندك سؤالٌ ثانٍ؟

المتصل: لا، فقط أنا أسأل: عليَّ حجٌّ، ولو مررت بمكة وما حججت ولا اعتمرت، هل عليَّ صيامٌ، هل عليَّ أي شيءٍ؟

المقدم: أنتِ قد حججت، أو ما حججت من قبل؟

المتصل: لا، قد حججت أنا من قبل.

الشيخ: ما اتضح سؤالها؟

المقدم: تقول: أختها في مكة، وهي تذهب إلى مكة أيام الحج، هل يجب عليَّ إذا ذهبت مكة أن أحج، أو لا يلزم؟

الشيخ: ما دامت قد حجَّت حج الفريضة؛ لا يجب عليها أن تحج عند ذهابـها لمكة، ولكن ما دام أن أختها في مكة، إن تيسَّر لها أن تحج فهذا أفضل؛ لأن الحج عملٌ صالحٌ عظيمٌ، والحج هو العبادة الوحيدة التي تُكفِّر جميع الذنوب الصغائر والكبائر، بينما بقية العبادات تُكفِّر الصغائر؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّراتٌ ما بينهن إذا اجتَنَب الكبائر[3]، فجعل النبي الصلاة، وصلاة الجمعة، والصيام، هذه تُكفِّر الصغائر ولا تكفِّر الكبائر، بينما الحج قال فيه عليه الصلاة والسلام: من حجَّ فلـم يرفث ولـم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه [4]، أي أنه يُكفِّر الصغائر والكبائر.

فإن تيسَّر لكِ، ما دمتـي ذاهبةً إلى بيت أختك في مكة، إن تيسَّر لك الحج؛ فهذا أفضل وأكمل، وهو حج نافلةٍ، وهو عملٌ صالحٌ عظيمٌ، لكنه ليس واجبًا عليكِ؛ باعتبار أنكِ قد حججت حج الفريضة.

حكم العمرة

المقدم: يا شيخ بالمناسبة، البعض ربـما يذهب إلى مكة ويجيء أكثر من مرةٍ ولـم يسبق له العمرة، ويذهب ربما ليصلي في الحرم ويعود إلى بلده، هل هذا عليه شيءٌ، أم الأمر على التراخي؟

الشيخ: العمرة واجبةٌ كالحج، العمرة والحج واجبان، فلا بد أن يأتي بـهما المسلم مرةً واحدةً على الأقل في العمر، ويلاحظ أن بعض الناس مُفرِّطٌ في هذا، تجد أنه لـم يحج ولـم يعتمر طيلة عمره، مع أن الأمور ميسورةٌ بالنسبة له، وهو قادرٌ على ذلك، ولكن كل مرةٍ يأتي بأعذارٍ واهيةٍ، بينما في أمور دنياه لا يعتذر بـهذه الأعذار، تجد أنه حتى في سفر النزهة يسافر كل عامٍ سفر النزهة، وربـما أكثر من مرةٍ يسافر، يسافر للتجارة، يسافر للدراسة، فإذا أتى الحج يتقاعس ويأتي بأعذارٍ، فنقول: إنه مقصرٌ تقصيرًا عظيمًا؛ لأنه قد ترك ركنًا من أركان الإسلام.

والإنسان لا يدري ما يعرض له، قد يعرض له الموت، قد يعرض له المرض، قد تعرض عوارض تُعيقه وتـمنعه من الحج مستقبلًا، فعلى من كان قادرًا مستطيعًا الحج أن يبادر لحج الفريضة.

المقدم: أحسن إليكم يا شيخ، معنا الأخ مصلح.

هل نية طواف الوداع تكفي عن طواف الإفاضة

المتصل: مرحبًا، عندي سؤالٌ فقط لو سـمحت.

المقدم: تفضل.

المتصل: أنا في حج 1436هـ حججت أنا والوالدة وإحدى أخواتي، يومَ رمينا العقبة الكبرى يوم العيد، قلت لهم: سنؤجل طواف الإفاضة مع طواف الوداع، لكننا يوم طفنا طواف الوداع ما نوينا مرةً أخرى أن يكون مع طواف الإفاضة، نسينا وطفنا طواف الوداع، فما الحكم في ذلك؟

المقدم: هذا الكلام تقول: من عام 1436هـ؟

المتصل: نعم، 36.

المقدم: حسنًا، إيش رأيكم شيخ سعد اللّـه يحفظكم؟

الشيخ: نعم، لا بأس بـما فعلتم، وحجكم صحيحٌ، وهذا الطواف يكفي عن الإفاضة وعن الوداع، حتى ولو كنتم ذهلتم في النية عن أن تنووا طواف الإفاضة، على القول الراجح من قولي الفقهاء، وذلك لأن نيَّة الحج كافيةٌ لجميع أجزائه، أشبه الصلاة؛ عندما تأتي وتصلي مثلًا صلاة الظهر أو العصر، فلا يحتاج إلى أن تنوي نيةً خاصةً للركوع، ولا نيةً خاصةً للسجود، ولا نيةً خاصةً لبقية الأركان، هكذا أيضًا الحج، نية الحج العامة تكفي.

وعلى هذا: فهذا الطواف يجزئ عن طواف الإفاضة وعن الوداع، في أرجح قولي الفقهاء.

المتصل:الحمد للّـه.

الحج المبرور

المقدم: شكرًا لك يا مصلح، يعطيك العافية، بارك اللّـه فيكم شيخ سعد، أخونا مازن حنتر من اليمن عبر (تويتر) شيخ يسأل يقول: ما هو الحج المبرور؟ ما المقصود به؟

الشيخ: الحج المبرور: أولًا ورد في فضله قول النبي : الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة [5]، وهذا جزاءٌ عظيمٌ؛ فإن الجنة تعني السعادة الأبدية للإنسان، واللّـه قال في محكم التنزيل: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى[البقرة:203]، فقوله تعالى: لِمَنِ اتَّقَى، أي: لمن اتقى اللّـه في حجه، فإنه يرجع ولا إثـم عليه، وهذا هو الحج المبرور.

فالحج المبرور: هو الحج الذي قد اتقى اللّـه تعالى فيه الحاج، اتقى اللّـه تعالى في حجِّه، فلم يقع منه فيه إثـمٌ ولا معصيةٌ، ولـم يحصل فيه منه رفثٌ؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من حج فلم يرفث ولـم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه [6]، فقوله : فلم يرفث ولـم يفسق، هو في معنى الحج، فهذه النصوص يُفسِّر بعضها بعضًا، ففي آية البقرة اللّـه تعالى قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى، فشرط اللّـه لِحَطِّ الآثام التقوى، وفي حديث أبي هريرة : من حج فلم يرفث ولـم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فشرط لذلك: عدم الرفث وعدم الفسوق، وفي الحديث الآخر: الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة، هذه النصوص هي بـمعنًى واحد، يُفسِّر بعضها بعضًا.

وعلى هذا فالحج المبرور: هو الحج الذي قد اتقى اللّـه تعالى فيه الحاج، فلم يقع منه فيه إثـمٌ ولا معصيةٌ، وأتى به صاحبه على الوجه الأكمل، حرص فيه على اتباع السنة، ولـم يقع فيه منه آثامٌ ولا معاصٍ ولا رفثٌ.

المقدم: أحسن اللّـه إليكم، معنا عبداللّـه من جدة، تفضل يا عبدالله.

حكم الحج في حملة مجانية للمقتدر

المتصل: السلام عليكم، يا شيخ أنا عندي أكثر من سؤال أسألك إياها، فقط إذا كان هناك وقتٌ يـمكن تستقبل الأسئلة كلها أم لا؟

المقدم: إي، كم سؤالًا هي؟ ثلاثة؟

المتصل: ربما حوالي أربعةٌ، كذا، وكلها أسئلةٌ تخص جهة عملي.

المقدم: لا يوجد مشكلةٌ، تفضل.

المتصل: يا شيخ، أنا أسألك أول سؤالٍ: الآن.. إذا كان الشخص مثلًا عنده القدرة المالية أن يحج على حسابه، ولن يؤثر ذلك عليه، لكن جاءته فرصة أن يحج عن طريق حملةٍ مجانيةٍ، فإيش الأفضل، وهل يجوز هذا الشيءأم لا؟

المقدم: السؤال الثاني يا أخي الفاضل.

المتصل: أنا موظف بنكٍ، فهل أذهب لأحج بمالي، حلالٌ أم فيها شبهةٌ؟

الشيخ: لكن ما طبيعة عملك في البنك؟

المتصل: تحصيل الديون.

الشيخ: أي بنكٍ؟

المتصل: البنك الأهلي، وآخذ نسبة مكافأة إذا حصَّلت معي.

الشيخ: يعني: مـجرَّد تحصيل ديونٍ فقط؟ ليس لك علاقة بالقروض؟

المتصل: لا، هو أنا أحصِّل الديون، والديون هذه قروضٌ.

الشيخ: تـمويلات فقط، قصدي: ما فيها قروضٌ بفائدةٍ يعني؟

المتصل: لا، هو القرض، يعني -يا شيخ- أنا العميل إذا أخذ قرضًا وما سدَّد؛ أنا أطالبه بالقرض مع الفائدة التي تخصه كاملةً.

الشيخ: حسنًا، حسنًا.

المقدم: تسمع الجواب إن شاء اللّـه.

المتصل: بقي سؤالٌ: الآن العميل هذا الذي عليه قرضٌ وما سدده ويريد أن يذهب للحج، فهل يجوز حجه مع أنه عليه دينٌ؟ ودينه للبنك الأهلي؟

بقي سؤالٌ أيضًا: مثلًا شخصٌ عنده القدرة المالية والصحية وما حجَّ، فهل الحج واجبٌ عليه إلزاميًّا في هذه الحالة؟

الشيخ: ما حجَّ حجَّ الفريضة؟

المتصل: لا، ما حجَّ ولا مرةً.

المقدم: ومقتدرٌ؟

المتصل: إي، مقتدرٌ صحيًّا وماديًّا.

المقدم: تسمع الإجابة.

أحسن اللّـه إليكم شيخ سعد، السؤال الأول يقول: شخصٌ عنده قدرةٌ ماليةٌ، ولكن تـهيَّأت له حملةٌ مجَّانيةٌ، الأفضل أن يحج مع المـجَّانية، أم يحج على نفقته؟ وهل يجوز أصلًا إن كان عنده نفقه وتـهيَّأت حجةٌ مـجانيةٌ أن يحج معهم؟

الشيخ: الأمر في هذا واسعٌ، معنى الحجة المـجانية: أن القائمين على الحملة وهبوا له أجرة الحج، فإذا حج معهم فلا بأس، النبي يقول: ما أتاك من المال وأنت غير سائلٍ ولا مُشرفٍ؛ فخذه، وما لا؛ فلا تُتْبِعه نفسك [7]، فإذا حج مع هذه الحملة فلا بأس، وإن أراد أن يحج من ماله فلا بأس، الأمر في هذا واسعٌ، وإذا حج مع الحملة المـجانية، وأخذ المبلغ الآخر وتصدَّق به، أو حجَّج به من لـم يستطع الحج، ربـما يكون هذا هو الأفضل والأكمل.

حكم الحج بالمال المختلط

المقدم: نستأذن منك شيخ سعد، ونأخذ الأخ عبدالرحمن، ثم نعود إلى أسئلة عبداللّـه.

المتصل: السلام عليكم ورحمة اللّـه وبركاته، حفظكم اللّـه جميعًا، أنا عندي سؤالان اللّـه يحسن إليك:

السؤال الأول: أنا -إن شاء اللّـه- أحج نيابةً عن أحد الإخوة، وطبعًا أنا من سكان مكة، والرجل يريدني أن أحج متمتعًا، فهل عليَّ عمرةٌ وعليَّ هديٌ؛ بـما أني من أهل مكة؟ أم ليس عليَّ هذا الشيء، فقط هو خصص الشيء هذا، قال لي: أو أن تعتمر وتـهدي.

الشيخ: هو شَرَطَ عليك أن تكون متمتعًا؟

المتصل: إي نعم، شرط عليَّ التمتُّع بأداء عمرةٍ والهدي، أن أهدي.

السؤال الثاني: أنا عندي خالتي خارج المملكة، وحاليًّا هي موجودةٌ وحدها، ما عندها أحدٌ، وكبيرةٌ في السن، يعني: فوق الستين، فما أدري، هل يجب عليَّ أن أذهب وأقيم معها، بـما أن الخالة في منزلة الأم، أم لا يجب علي هذا الشيء، مع أنها ما عندها أحدٌ هناك، يعني: وحدها هي؟

المقدم: عبداللّـه -شيخ سعد اللّـه يحفظك- يقول: إنه موظف بنكٍ ويريد أن يحج، وهو يخشى أن يكون ماله مثلًا سحتًا أو حرامًا، ثم يحج فلا يُقبل منه، يعني: لو أردنا أن نؤصِّل هذه المسألة شيخ سعد، من كان ماله مختلطًا، مثلًا فيه حلالٌ وفيه حرامٌ، وأراد أن يحج، ماذا يفعل؟

الشيخ: أولًا: نشكر الأخ عبداللّـه على هذا السؤال، وعلى حرصه على الحلال، وأريد أن أصحح فهمًا لديه، فهو يقول: إنه يتعامل بتحصيل القروض، وإن هؤلاء العملاء يأخذون قروضًا، هذه تسمى قروضًا، لكنها بالمعنى الفقهي هي ليست قروضًا، هي مـجرد تـمويلاتٍ بطريق المرابحة، أو بطريق التورُّق، أو بطريق التأجير مع الوعد بالتمليك، وهذه كلها صيغٌ جائزةٌ، وتعاملات الفروع بالنسبة للبنك الأهلي كلها ليس فيها إشكالاتٌ شرعيةٌ، ما دام أنه بعيدٌ عن الخزينة، وهو فقط في الفروع، وفي تحصيل الديون.

فنقول للأخ الكريم: اطمئن، عملك ليس فيه بأسٌ، وليس عليك حرجٌ، ولا يكون هذا عائقًا لك عن الحج؛ لأني كأني فهمت من سياق كلامه أن هذا هو السبب الذي منعه من أن يحج، فأقول: مالك الذي تكتسب حلالٌ، والأجرة حلالٌ، وعليك أن تبادر بالحج هذا العام ما دمت قادرًا، وعندك المَلاءة المالية، يجب عليك أن تبادر بالحج، ولا تجعل هذا عائقًا، هذه كلها وساوس من الشيطان الرجيم، أنت الآن تعمل في مجال الفروع، وفي تحصيل الديون بطريق التمويل، وليست قروضًا ربويةً، لا يوجد لديهم قروضٌ ربويةٌ، إنـما هي تـمويلاتٌ بطرقٍ جائزةٍ وشرعيةٍ، فاطمئن، عملك ليس فيه إشكالٌ، والراتب الذي تتقاضاه ليس فيه إشكالٌ، فعليك أن تبادر بالحج هذا العام ما دمت قادرًا، ولا تؤخِّر؛ فإنك لا تضمن أن تعيش لأعوامٍ قادمةٍ، عليك الآن أن تبدأ بالبحث عن حملةٍ مناسبةٍ، وأن تحج حج الفريضة لهذا العام.

المقدم: لكن أيضًا من كان ماله مختلطًا يا شيخ سعد، ماذا يفعل؟ يعني: يحج، أم ينتظر، أم كيف يفعل؟

الشيخ: من كان عنده مالٌ مختلطٌ بين الحلال والحرام أيضًا لا يُسوِّف بالحج، لا يجمع بين خطيئتين: بين كونه لـم يتورَّع عن الحرام، وبين كونه يُخِلُّ بركنٍ من أركان الإسلام، فهو يحج بالمال المختلط، والمال المختلط يجوز أن يتعامل به، والنبي عليه الصلاة والسلام قَبِل دعوة اليهود لـمَّا دعوه لوليمةٍ [8]، مع أن اللّـه تعالى وصفهم بأنـهم أَكَّلُونَ لِلسُّحۡتِ [المائدة:42]، أموالهم مختلطةٌ، فالمال المختلط لا بأس بالتعامل مع صاحبه، ولا يكون هذا مانعًا له من الحج، لا يـمنع من الحج، وهذا الشيطان يأتي لبعض الناس ويقول: كيف تحج وأنت بـهذا الوضع؟! فنقول: هذه كلها من وساوس الشيطان، أنت إذا حججت أتيت بعملٍ صالحٍ، وأديت فريضةً وركنًا، فلا تجعل هذه الوساوس عائقًا لك عن أداء هذا الفرض.

حكم حج من عليه دَين

المقدم: وأيضًا السؤال الثالث يقول: إن بعض العملاء عليه قروضٌ ويذهب يحج، يقول: كان الأولى أن يسدد الذي عليه، هل يجوز له أن يحج في مثل هذه الحالة؟

الشيخ: إذِا كانت هذه القروض التي عليه، وهو يسميها قروضًا وهي في الحقيقة تـمويلاتٌ، نعم، إذا كانت مؤجَّلةً أو مُقسَّطةً ولـم تَحِلَّ؛ فلا بأس أن يحج؛ لأنـها لـم تَحل بعد، أما إذا حلَّ القسط فيجب عليه أن يُسدِّد هذا القسط، ولا يجوز له أن يتأخر في تسديده وهو مُقدِمٌ على الحج؛ لأن الحج إنـما أوجبه اللّـه على المستطيع، والدَّين الحالُّ يجب سداده في الحال ولا يجوز تأخيره، أما إذا كان مـجرد أقساطٍ؛ فالأقساط لا تـمنع من الحج.

المقدم: بارك اللّـه فيكم، معنا أبو خالد من المدينة.

حكم تأخير الحج للمستطيع

المتصل: السلام عليكم ورحمة اللّـه وبركاته، اللّـه يحفظك يا شيخ سبيت، ويحفظ شيخنا الشيخ سعد الخثلان، لدي سؤالان:

السؤال الأول: من اشترط على زوج ابنته في عقد النكاح أن يُحجِّجها حجة الفرض، هي لـم تحج، ولكن الزوج لـم يَفِ بـهذا الشرط، نظرًا لظروفٍ، أو ظروفٍ ماديةٍ، هل هذا الشرط يُسقط عقد النكاح إذا لـم يوف بالشرط؟

الشيخ: لكن حدَّدتم له مدةً معينةً، خلال سنتين، ثلاثٍ؟

المتصل: واللّـه كتبنا في العقد أن الشرط الأول: أن تحجِّجها حجة الفريضة، دون تحديد زمنٍ معينٍ، لكن الآن مضى ربما أكثر من ست سنواتٍ ولـم تحج البنت، فهل هذا يسقط عقد النكاح، أم أنه يبقى كـما هو، وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج [9]، هذا الحديث صحيحٌ؟

السؤال الثاني يا شيخ، وهو خارجٌ عن الحج: امرأةٌ تريد الزواج، فمَن يكون وليها إذا كان لديها إخوةٌ وابنٌ واحدٌ؟ والابن هذا قد بلغ سن الرشد، هل ابنها هو وليُّها الذي يعقد لها، أم إخوانـها يا شيخ؟

المقدم: أبوها متوفًّى؟

المتصل: نعم أبوها متوفًّى، وليس لها إلا الابن والإخوة، مجموعةٌ من الإخوة، فهل الابن هذا يعتبر وليًّا لها، يعني: يعقد لها، أو إخوانـها؟

الشيخ: الابن بالغٌ؟

المتصل: الابن عمره تقريبًا خمس وعشرون سنةً.

المقدم: نعود لسؤال عبداللّـه، شيخ سعد اللّـه يحفظك، يقول: شخصٌ لديه القدرة المالية والصحية وما حج إلى الآن، هل عليه إثـمٌ؟

الشيخ: هو مُقصِّرٌ في هذا، وعلى خطرٍ عظيمٍ لو أتاه الموت على هذه الحال، كيف يلقى ربه وقد ترك ركنًا من أركان الإسلام، وفريضةً من فرائض الدين مع قدرته على ذلك؟! الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، فما دام أنه قادرٌ؛ فعليه أن يبادر بالحج، فإذا لـم يفعل؛ فإنه مقصرٌ وعلى خطرٍ عظيمٍ.

أحكام النيابة في الحج

المقدم: عبدالرحمن من مكة، يسأل قبل قليلٍ يا شيخ سعد، يقول: إنه كلَّفه أحدٌ، أو أنابه أحدٌ أن يحج عنه، وهو من أهل مكة، لكن الذي أنابه من خارج مكة، وقال: أريدك أن تحج متمتعًا، فتأتي بعمرةٍ وأيضًا تُـهدِي، ويقول: أنا من سكان مكة، كيف أتَـمتَّع؟!

الشيخ: ما دام أنه قد شرط عليه هذا الشرط، فيلتزم بـهذه الشروط؛ لأن الذي قد أنابه قد اشترط عليه ذلك: اشترط عليه أن يحج متمتعًا، وأن يُهدِي، فيلتزم بـهذه الشروط، خاصةً أنه سيعطيه مقابلًا ماليًّا؛ فيلزمه إذنْ أن يلتزم بشروط الذي أنابه.

صلة الرحم

المقدم: يقول أيضًا عبدالرحمن يا شيخ سعد اللّـه يحفظك: إن خالته تقيم خارج المملكة وهي كبيرةٌ في السن، وهي وحدها هناك، يعني: ليس معها محرمٌ، يقول: هل يجب عليَّ أن أذهب إليها لأقيم معها؛ كون الخالة مثل الوالدة، أو لا يجب عليَّ ذلك؟

الشيخ: يجب عليه أن يصلها؛ لأن الخالة بـمنزلة الأم، كما قال النبي [10]، وصلة الرحم الضابط فيها العرف، فالمرجع في ذلك للعرف: فلا يلزمه أن يذهب ويقيم عندها؛ لأنه ربـما يتضرر بذلك، ولكن يزورها من حينٍ لآخر، ويعطيها مالًا، ويحسن إليها بجميع وجوه الإحسان، يتعهدها بالزيارة، وأيضًا بالاتصال الهاتفي من حينٍ لآخر، ويعطيها ما تحتاج إليه من المال، فهذا يـحقق صلة الرحم، ولا يَلزمه أن يغادر إليها، وأن يبقى معها؛ لأن هذا ربـما يلحقه الضرر بذلك.

المقدم: هو ربما أشكل عليه كونـها تبقى وحدها في بلدٍ، هل هذا فيه مشكلةٌ؛ كونـها بدون محرمٍ؟

الشيخ: لا، هي لن تسافر، هي ستبقى في بلدها دون سفرٍ، إن تيسَّر أن يأتي لها بخادمٍ، فهذا يدخل في صلة الرحم أيضًا.

الشروط في النكاح

المقدم: أحسن الله إليكم، أبو خالد من المدينة يا شيخ اللّـه يحفظك، يقول: من اشترط في عقد الزواج أن يحج بابنته، والآن ست سنواتٍ، يقول: لـم يفعل، هل هذا يسقط عقد النكاح أو يفسخ أو ماذا يفعل؟

الشيخ: هذا الشرط شرطٌ صحيحٌ، وإذا لـم يَفِ الزوج به، فإن المرأة لها الخيار في أن تبقى مع الزوج، أو أن تطلب الفسخ دون عوضٍ ماليٍّ، بينما لو لـم يشترط هذا الشرط؛ فليس لها أن تطلب الفسخ إلا بـمقابلٍ، وهو ما يسمى بالخلع، وهذه هي فائدة الشرط، لكن الأخ الكريم يقول: إنهم لـم يحددوا له مدةً معينةً، فربـما.. الذي أرى ألا يتعجَّلوا عليه، وإنـما يطلبون منه أن يحجِّج ابنتهم، وأن يفي بالشرط، وأن يستحثوه على ذلك، لكن من حيث الحكم الشرعي: لو أنه رفض أن ينفِّذ هذا الشرط، فللمرأة أن تطالب بالفسخ بـمقتضى هذا الشرط.

المقدم: خاصةً أبو خالد ذكر -يا شيخ- أنه ربما منعه من ذلك ظروف العمل، أو ظروف الحياة.

الشيخ: قد يكون له عذرٌ في هذا، فينبغي للمرأة ولوليِّها أن يستحثُّوه على أن يهتم بأداء هذه العبادة، وأيضًا بتحقيق الشرط الذي قد شُرط عليه في عقد النكاح، وأن يهتم في وقتٍ مبكرٍ، إذا كان عنده عملٌ؛ يأخذ إجازةً مثلًا في وقتٍ مبكرٍ، إذا وُجد الاهتمام؛ فسيعرف هذا الرجل كيف يفي بـهذا الشرط ويحج بزوجته التي قد شرطت عليه أن يحج بـها.

ترتيب الأولياء في النكاح

المقدم: في سؤاله الثاني -شيخ سعد- يقول: إن هناك امرأةً تريد أن تتزوج، ولديها إخوةٌ وابنٌ، فمن يتولى أمرها في هذه المسألة؟

الشيخ: الابن مقدَّمٌ، ما دام أن هذا الابن بالغٌ، فهو مقدمٌ على الإخوة.

خاتمة البرنامج

أحسن الله إليكم، بـهذه الإجابة نصل -أيها الإخوة المستمعون الكرام- إلى ختام هذه الحلقة التي قد تفضل فيها بالإجابة عن أسئلتكم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.

جزاكم اللّـه خيرًا دكتور سعد، وبارك اللّـه فيكم.

الشيخ: بارك اللّـه فيكم، وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: أيضًا نشكركم -مستمعينا الكرام- على حسن متابعتكم وإنصاتكم لنا في هذه الحلقة.

نسأل اللّـه  أن يتقبل منا ومنكم صالح القول والعمل، وأن يفقهنا وإياكم في دينه، وأن يعلمنا وإياكم ما ينفعنا، وأن ينفعنا بـما علمنا، وأن يزيدينا وإياكم علمًا وهدىً وتوفيقًا وسدادًا، إنه سـميعٌ مجيب الدعاء.

أشكركم أيها الإخوة، وهذه أرق التحيات وأصدق الدعوات من فريق العمل في تنفيذ الفترة، حتى الملتقى بكم في حلقة الغد -إن شاء اللّـه تعالى- نستودعكم اللّـه.

والسلام عليكم ورحمة اللّـه وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1804، ومسلم: 1927.
^2 رواه البخاري: 1469، ومسلم: 1053.
^3 رواه مسلم: 233.
^4 رواه البخاري: 1820، ومسلم: 1350.
^5 رواه البخاري: 1773، ومسلم: 1349.
^6 سبق تخريجه.
^7 رواه البخاري: 1473، ومسلم: 1045.
^8 رواه البخاري: 2617، ومسلم: 2190.
^9 رواه البخاري: 5151، ومسلم: 1418.
^10 رواه البخاري: 2699.
zh