الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(45) أحكام الشركة- معنى الشركة وأنواعها والشركات المساهمة
|categories

(45) أحكام الشركة- معنى الشركة وأنواعها والشركات المساهمة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج والتي سنتكلم فيها وفي حلقات مقبلة إن شاء الله تعالى عن أحكام ومسائل الشركة.

الشركة عند الأمم السابقة

ولعلنا قبل أن ندخل في مسائل وأحكام الشركة نقدِّم بمقدمة يسيرة، فنقول: إن الشركة والاشتراك بين الناس سواء في امتلاك شيءٍ معيّنٍ، أو في القيام بعملٍ معين بالمال أو بالبدن، أو بهما معًا أمرٌ موجود وقائمٌ بين الناس من قديم الزمان.

وقد أشار القرآن الكريم إلى وجود الشركات عند الأمم السابقة عند ذكر قصة داود عليه السلام، كما قال الله ​​​​​​​: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ۝إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ، إلى قوله سبحانه: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ص:21-24]، ففي قوله سبحانه: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ، أيْ: الشركاء.

ولا يزال الاشتراك في التجارة مستمرًا بين الناس، وهو من باب التعاون على تحصيل المصالح بتنمية الأموال واستثمارها، وتبادل الخبرات.

معنى الشركة

معنى الشركة في اصطلاح الفقهاء: اجتماعٌ في استحقاقٍ أو تصرُّف.

فقولنا في التعريف: “اجتماع في استحقاقٍ” هذا النوع من الاشتراك يسمى: شركة الأملاك، ومعناها: أن يكون شيءٌ بين شخصين فأكثر اشتركا فيه باستحقاقٍ مالي، إما بشراءٍ، أو هبةٍ، أو إرثٍ، أو غير ذلك.

ومن هذا المعنى قول الله ​​​​​​​ في ميراث الإخوة لأم: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].

وقولنا في التعريف: “أو تصرُّف” هذا النوع من الاشتراك يسمى: شركة العقود، ومعناها: أن يتعاقد شخصان فأكثر في شيءٍ يشتركان فيه بمالٍ وعمل، أو بمالٍ من أحدهما وعملٍ من الآخر، أو بعملٍ دون مالٍ على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

أنواع الشركة

عندما يتكلم الفقهاء عن أحكام الشركة فإنما يقصدون هذا النوع الأخير من الشركة -أعني شركة العقود-، ويقسّمونها -أيْ هذا النوع من الشركة- إلى خمسة أنواع:

  • النوع الأول: أن يكون الاشتراك في المال والعمل، وهذا النوع يسمى “شركة العنان”.
  • النوع الثاني: اشتراكٌ في مالٍ من جانبٍ وعملٍ من جانبٍ آخر، وهذا يسمى بـ”المضاربة”.
  • النوع الثالث: اشتراكٌ في التحمُّل بالذمم دون مال، وهذا ما يسمى بـ”شركة الوجوه”.
  • النوع الرابع: اشتراكٌ فيما يكسبان بأبدانهما، وهذا ما يسمى بـ”شركة الأبدان”.
  • النوع الخامس: اشتراكٌ في كل ما تقدَّم بأن يفوِّض أحدهما إلى الآخر كل تصرُّفٍ ماليٍ وبدني، فيشمل شركة العنان والمضاربة والوجوه والأبدان، ويسمى هذا النوع بـ”شركة المفاوضة”.

هذا مجمل أنواع الشركات التي ذكرها الفقهاء، ويأتي مزيد بيان وإيضاحٍ لها في هذه الحلقة وفي الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى.

ما هي الشركات المساهمة؟

وفي الوقت الحاضر وجدت أنواعٌ من الشركات ترجع في أصولها للأنواع السابقة التي ذكرها الفقهاء، ومن أبرزها: الشركات المساهمة، فما حقيقة هذه الشركات؟ وما حكم الدخول فيها من الناحية الشرعية؟

نقول: الشركات المساهمة هي شركات أموالٍ ذات رأس مالٍ كبير، يشترك في تأمينه عددٌ كبيرٌ من الناس، وتتكون من أسهم كثيرة متساوية القيمة، قابلة للتداول، ويتولى إدارة الشركة وكلاء مختارون عن مُلّاك الأسهم.

وتُعتبر شركة المساهمة في الوقت الحاضر من أهم الشركات في الميدان الاقتصادي، وقد نشأت نتيجة لتطوِّر النشاط الاقتصادي وحاجته إلى رؤوس أموالٍ ضخمة، كي تساعد في تحقيق الأغراض الكبيرة التي تسعى إليها.

فالمشاريع الاقتصادية الكبيرة تحتاج إلى رؤوس أموالٍ ضخمة، لا يمكن لأفراد الناس القيام بها بشكل منفرد في الأعم الأغلب، ولكن عندما يجزّأ رأس المال إلى أسهم يمكن لعدد كبير من الناس الدخول في الشركة ويمتلك جزءًا من الشركة بمقدار ما يمتلك من الأسهم، ويشكّل مجموع الأسهم رأس مالٍ ضخمٍ يُستفاد منه في القيام بمشاريع كبيرة من إنشاء المصانع، وتشييد المنشآت، واستغلال الأراضي الزراعية، إلى غير ذلك من المشاريع الضخمة.

ومن مزايا هذا النوع من الشركات: أنها تقوم على استثمار الأموال دون حاجة لوجود أصحابها؛ مما يشجّع كثيرًا من الناس على الدخول فيها.

حكم الدخول في الشركات المساهمة

وبعد أن عرفنا حقيقة الشركات المساهمة، ماذا عن حكم الدخول فيها من الناحية الشرعية؟

نقول: الشركات المساهمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول: شركاتٌ ذات أغراض وأنشطة مباحة كالزراعة والصناعة، ونحو ذلك، ولا تتعامل بالربا أخذًا ولا إعطاءً، ولا بغيره من المحرمات، فهذا القسم من الشركات لا بأس بالدخول فيه.
  • القسم الثاني: شركاتٌ غرضها الأساسي محرّم كالتعامل بالربا، أو إنتاج المحرمات، أو المتاجرة بها، فهذه أيضًا لا خلاف في حرمة المساهمة فيها.
  • القسم الثالث: شركاتٌ أنشطتها الأساسية مشروعة، كأن تكون تتعامل في الأساس في مجال الصناعة أو التجارة أو الزراعة، ونحو ذلك، لكنها تتعامل أحيانًا بالمحرّمات كالربا ونحوه، فما حكم الدخول في هذا النوع من الشركات؟

اختلف العلماء في الوقت الحاضر في ذلك، وأبرز ما قيل في هذه المسألة قولان:

  • القول الأول: جواز الإسهام في تلك الشركات، مع وجوب التخلّص من الربا إن استطاع المساهم معرفة مقداره، فإن لم يعلم مقدار الربا، فإنه يتخلّص منه بصرف نصف الربح في الأعمال الخيرية.
  • القول الثاني في المسألة: أنه لا يجوز الإسهام في هذا النوع من الشركات مطلقًا، وهذا القول الأخير ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من رابطة العالم الإسلامي، وكذا مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، وفيما يأتي أنقل قرار المجمع المنبثق من رابطة العالم الإسلامي:

“إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة قد نظر في هذا الموضوع، وقرَّر ما يلي:

  • أولًا: بما أن الأصل في المعاملات الحِلُّ والإباحة، فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراضٍ وأنشطة مباحة أمرٌ جائزٌ شرعًا.
  • ثانيًا: لا خلاف في حرمة الإسهام في شركاتٍ غرضها الأساسي محرّم كالتعامل بالربا، أو تصنيع المحرمات، أو المتاجرة فيها.
  • ثالثًا: لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالمًا بذلك.
  • رابعًا: إذا اشترى شخص وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا، ثم علِم فالواجب عليه الخروج منها.

والتحريم في ذلك واضحٌ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا؛ ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا؛ لأن السهم يمثّل جزءًا شائعًا من رأس مال الشركة، والمساهِم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مالٍ تقرضه الشركة بفائدة أو تقترضه بفائدة، فللمساهم نصيب منه؛ لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة، ويقومون بهذا العمل نيابة عنه والتوكيل بعملٍ محرم لا يجوز”.

وبنحو ذلك قرّر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورة مؤتمره السابع بمدينة جدة.

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن أحكام ومسائل الشركات في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

نلتقي بكم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة