الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(48) ألفاظ الأذان والإقامة
|categories

(48) ألفاظ الأذان والإقامة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

تحدثنا سابقًا عن جملةٍ من أحكام الأذان والإقامة، ووعدنا باستكمال الحديث عنها، فنقول:

صيغ ألفاظ الأذان

وردت جمل الأذان والإقامة على عدة صفاتٍ:

ومن أشهرها أذان بلالٍ   الوارد في حديث عبدالله بن زيد  ، وهو خمس عشرة جملة: التكبير في أوله أربع، والشهادات أربع، والحيعلتان أربع، أي: حيَّ على الصلاة مرتان، وحيَّ على الفلاح مرتان، والتكبير في آخره مرتان، ويختمه بالتوحيد: لا إله إلا الله.

وعليه عمل الحنفية والحنابلة، قال الأثرم: “سمعت أبا عبدالله -يعني: الإمام أحمد- يُسأل: إلى أي الأذان تذهب؟ قال: إلى أذان بلال، قيل: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبدالله بن زيد، أي: في أذان بلال؛ لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال: أليس قد رجع النبي إلى المدينة، فأقرَّ بلالًا على أذان عبدالله بن زيد؟!”.

ومراد الإمام أحمد رحمه الله أن أذان بلال هو الذي استقرَّ عليه الأمر في آخر حياة النبي .

وذهب الشافعية إلى أن الأذان المسنون هو أذان أبي محذورة، وصفته كصفة أذان بلالٍ، إلا أنه يزيد فيه الترجيع.

ومعنى الترجيع: قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “معناه: أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين، يخفض بذلك صوته، ثم يعيدهما رافعًا بـهما صوته، وقد سمي ترجيعًا لرجوعه من السر إلى الجهر”.

وقال النووي: “جمهور العلماء على أن الترجيع في الأذان ثابتٌ مشروع، وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت، بعد قولهما مرتين بخفض الصوت”.

وبـهذا تكون جمل الأذان عند الشافعية تسع عشرة جملة.

وذهب الإمام مالك إلى ما ذهب إليه الشافعي، إلا أنه قال: التكبير في أوله مرتان.

واستدل بـما جاء في “صحيح مسلم” في قصة أبي محذورة: “أن النبي عَلَّمه الأذان هكذا” [1]؛ فتكون جُـمَل الأذان عند مالك سبع عشرة جملة.

وحديث أبي محذورة في تعليم النبي إياه الأذان، قد جاء في “صحيح مسلم” بتثنية التكبير في أوله مرتين، مع ترجيع الشهادتين؛ لكنه قد ورد عند أصحاب السنن بتربيع التكبير مع الترجيع [2].

فالشافعي أخذ برواية أصحاب السنن، ومالكٌ أخذ برواية مسلم.

قال ابن القيم رحمه الله: “الذي صحَّ عنه تكرار لفظ التكبير في أول الأذان أربعًا، ولـم يصح عنه الاقتصار مرتين”.

وقال النووي بعدما ساق رواية مسلمٍ لحديث أبي محذورة بتثنية التكبير، قال: “هكذا وقع الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول، في أوله: الله أكبر، مرتين فقط، ووقع في غير مسلم: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات”.

قال القاضي عياض رحمه الله: “ووقع في بعض طرق الفارسي في “صحيح مسلم” أربع مرات”.

وحينئذٍ فالأشبه -والله أعلم- أن المـحفوظ من الرواية في حديث أبي محذورة، هو تربيع التكبير، لا تثنية التكبير.

والحاصل: أن المـحفوظ من الروايات هو حديث بلال في صفة الأذان المشهورة، وهو خمس عشرة جملة، وحديث أبي محذورة بتربيع التكبير؛ وذلك كأذان بلال مع ترجيع الشهادتين، فتكون جمل الأذان تسع عشرة جملة.

وبعد أن عرضنا آراء العلماء في صفة الأذان، نقول:

إن كلًا من أذان بلال وأذان أبي محذورة قد وردت به السنة؛ ولهذا قد ذهب كثيرٌ من المـحققين من أهل العلم: إلى أن من تـمام السنة أن يؤذن بأذان بلال تارةً، وبأذان أبي محذورة تارة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “من تـمام السنة في مثل هذا أن يفعل هذا تارةً، وهذا تارة، وهذا في مكانٍ، وهذا في مكانٍ؛ لأن هجر ما وردت به السنة، وملازمة غيره، قد يُفضي إلى أن يُجعل السنة بدعة، والمستحب واجبًا، ويفضي إلى التفرُّق والاختلاف”.

صيغ ألفاظ الإقامة

والكلام في جُـمَل الإقامة قريبٌ من الكلام في جُـمَل الأذان.

وقد وردت السنة بإقامة بلالٍ وبإقامة أبي محذورة:

أما إقامة بلال فهي إحدى عشرة جملة: التكبير في أولها مرتان، ثم الشهادتان مرةً مرةً، ثم حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح مرةً مرةً، ثم قد قامت الصلاة مرتان، ثم التكبير مرتان، ثم يختمها بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، وقد اختار إقامةَ بلالٍ الشافعيُّ وأحمدُ رحمهما الله تعالى؛ لمداومة بلالٍ عليها بحضرة النبي .

وذهب الإمام مالك إلى أن جُـمَل الإقامة عشرٌ، كصفة إقامة بلال، لكن مع إفراد قوله: قد قامت الصلاة؛ لِمَا جاء في الصحيحين عن أنسٍ   قال: “أُمِر بلالٌ أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة” [3].

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “وحديث أنسٍ هذا مجملٌ، وقد فسَّره حديث عبدالله بن عمر في حديثه وبيَّنه، أي: بتثنية الإقامة، فكان الأخذ به أولى”.

والحاصل: أن الصفة المـحفوظة في إقامة بلالٍ هي أن يأتي بالتكبير في أولها مرتين، ثم الشهادتين مرةً مرة، ثم حيَّ الصلاة، حيَّ على الفلاح مرةً مرةً، ثم قد قامت الصلاة مرتين، ثم التكبير مرتين، ثم يختمها بقوله: لا إله إلا الله، فتكون جُـمَل الإقامة إحدى عشرة جملة.

وأما إقامة أبي محذورة فصفتها كصفة أذان بلال، أي: خمس عشرة جملة، وهي الصفة المشهورة في الأذان، مع قوله: قد قامت الصلاة مرتين، بعد الحيعلتين، فتكون جُـمَل إقامة أبي محذورة سبع عشرة جملة.

وقد اختار إقامة أبي محذورة الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى.

والحاصل: أن إقامة بلالٍ وإقامة أبي محذورة قد وردت بـهما السنة، ومن تـمام السنة أن يأتي بهذه تارة، وبهذه تارة.

ولكن إذا استقر عمل الناس في بلدٍ على الأخذ بإحدى الصفات التي قد وردت بـها السنة، فينبغي الالتزام بذلك في المساجد العامة في البلد، ويؤتى بالصفات الأخرى التي وردت بـها السنة عند الأذان والإقامة، في غير المساجد، كما في السفر أو في البريَّة، ونحو ذلك؛ وذلك لأن الإتيان بأكثر من صفةٍ للأذان أو للإقامة في البلد الواحد، ربَّـما يحدث تشويشًا أو فتنةً لبعض العامة.

ومـما يؤيد هذا المعنى: أن بلالًا  التزم صفةً واحدةً في الأذان والإقامة، يؤذن بـها، ويقيم بحضرة النبي ، وكذا أبو محذورة   التزم صفةً واحدةً يؤذن بـها، ويقيم في مكة، والله تعالى أعلم.

والسنة أن يقول في أذان الفجر بعد قوله: حيَّ على الفلاح في المرة الثانية، يقول: الصلاة خيرٌ من النوم، ويسمى: التثويب، من: ثاب يثوب، إذا رجع؛ لأن المؤذن ثاب، أي: رجع للدعوة إلى الصلاة بذكر فضلها، وأنـها خيرٌ من النوم.

هذه هي ألفاظ الأذان التي قد وردت بـها السنة، وهي توقيفية، فلا يجوز الزيادة عليها، بل إن الزيادة عليها مـمَّا أحدثه بعض الناس معدودٌ عند العلماء من البدع.

ونستكمل الحديث عن بقية أحكام الأذان والإقامة في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 379.
^2 رواه أبو داود: 500، وابن ماجه: 708.
^3 رواه البخاري: 603، ومسلم: 378.
مواد ذات صلة