الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(51) الأذان والإقامة- المسافر والمنفرد والأذان الأول للفجر والجمعة
|categories

(51) الأذان والإقامة- المسافر والمنفرد والأذان الأول للفجر والجمعة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام الأذان والإقامة، ونتحدث معكم في هذه الحلقة عن أربع مسائل:

  • الأولى: الأذان في السفر.
  • الثانية: الأذان للمنفرد.
  • الثالثة: الأذان الأول يوم الجمعة.
  • الرابعة: الأذان الأول قبل طلوع الفجر.

أولًا: الأذان في السفر

إن الأذان في السفر مشروعٌ، كما يُشرع في الحضر عند عامَّة الفقهاء، ويدل لهذا: هدي النبي ، فقد كان  في جميع أسفاره يأمر المؤذن بالأذان.

ويدل له أيضًا: ما جاء في الصحيحين عن مالك بن الحويرث  قال: “أتى رجلان النبي يريدان السفر، فقال النبي : إذا أنتما خرجتما، فأَذِّنا ثم أقِيْما، ثم ليؤمَّكما أكبركما [1].

ثانيًا: الأذان للمنفرد

وأما الأذان للمنفرد فإنه يُشرع له أن يؤذن كما يُشرَع الأذان للجماعة، فلو كان رجلٌ في بريَّةٍ مثلًا، وأراد أن يصلي، فيُشرع له أن يؤذن ثم يقيم، ولو كان وحده.

ويدل لذلك: ما جاء في “صحيح البخاري” عن أبي سعيد الخدري : “أنه قال لعبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذَّنْت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذِّن جِنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ، إلا شهد له يوم القيامة”، قال أبو سعيد: “سمعته من رسول الله [2].

ثالثًا: الأذان الأول يوم الجمعة

لَـم يكن في عهد النبي سوى أذانٍ واحد، وهو الأذان الذي يكون بعد جلوس الخطيب على المنبر، وهو المراد في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9] فالنداء المذكور في هذه الآية هو الذي يكون بعد جلوس الخطيب على المنبر، فيحرم البيع، وكذا الشراء بعده.

وأما الأذان الأول، ويسمى: النداء الأول، فإنه لا يحرم البيع ولا الشراء بعده؛ لأنه لـم يكن موجودًا وقت نزول هذه الآية، وإنـما زاده عثمان  لـمَّا كثر الناس، وتابعه على ذلك بقية الصحابة .

جاء في الصحيح عن السائب بن يزيد  قال: “كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد النبي ، وأبي بكرٍ، وعمر رضي الله عنهما، فلـمَّا كان عثمان وكثر الناس، زاد النداء الثالث على الزوراء” [3]، والزوراء: دارٌ أو موضعٌ في السوق.

وقوله: “النداء الثالث” لأن الأذان الذي يكون بعد جلوس الإمام على المنبر يسمى: الأذان الأول، والإقامة: الأذان الثاني، وهذا الأذان يسمى: الأذان أو النداء الثالث.

وجاء في روايةٍ أخرى تسميته بـ: الأذان الأول، قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “ولا منافاة بينهما؛ لأنه باعتبار كونه مزيدًا يسمى: ثالثًا، وباعتبار كونه جُعِل مقدمًا على الأذان والإقامة، يسمى: أولًا” وجاء في روايةٍ أخرى تسميته بـ: الأذان الثاني، قال الحافظ: “وتسميته: ثانيًا، أيضًا مُتوجِّهٌ بالنظر إلى الأذان الحقيقي لا الإقامة”.

والحاصل: أن هذا الأذان الذي زاده عثمان  يسمى: أذانًا أولًا، ويسمى: أذانًا ثانيًا، ويسمى: أذانًا ثالثًا، وكل واحدة من هذه التسميات لها وجه، ولا مشاحة في الاصطلاح.

وهذا الأذان الذي زاده عثمان ، هو من سنة الخلفاء الراشدين، فإن عثمان  هو الخليفة الثالث من الخلفاء الراشدين، وقد قال النبي : عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين [4].

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “الذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك؛ لكونه خليفةً مطاع الأمر”.

وينبغي أن يكون هذا الأذان قريبًا من وقت دخول الخطيب؛ لأن الغرض منه: تنبيه الناس إلى قرب دخول الخطيب، لكن لا يكون متصلًا بالأذان الثاني الذي يكون بعد جلوس الخطيب على المنبر؛ إذ تنتفي الفائدة منه حينئذٍ، ويغني عنه الأذان الثاني، كما لا يكون الفاصل بينه وبين الأذان الثاني طويلًا؛ إذ أن الفائدة تقل منه حينئذٍ؛ إذ الغرض منه تنبيه الناس إلى قرب دخول الخطيب، والله تعالى أعلم.

رابعًا: الأذان الأول للفجر

وهو الأذان الأول الذي يكون قبل طلوع الفجر، فإنه مشروعٌ، ويسميه بعضهم: بالأذان الأول، والغرض منه: تنبيه الناس إلى قرب دخول وقت صلاة الفجر، ليستيقظ النائم، وينتبه القائم؛ لكي يختم صلاته بالوتر، أو ليَتسحَّر ونحو ذلك، كما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود : أن النبي قال: لا يَـمنَعنَّ أحدكم، أو أحدًا منكم أذان بلالٍ من سحوره، فإنه يؤذن بليل؛ ليرجع قائمكم، وليُنبِّه نائمكم [5].

وظاهر الأحاديث يدل على أنه لـم يكن الفاصل طويلًا بين الأذان الأول والثاني للفجر، بل جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي قال: إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم قالت: “ولـم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا” [6].

وهذا يدل على تقارب الأذانين، وقولها: “ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا” الظاهر مبالغةٌ لبيان تقارب الأذانين، وإلا فبينهما قدر ما يفرغ المتسحِّر من سحوره.

وظاهر بعض الأحاديث أن بلالًا كان يؤذن الأذان الأول عند طلوع الفجر الكاذب، كما يدل لذلك: ما جاء في “صحيح مسلم” عن سمرة بن جندب : أن النبي قال: لا يغرنَّكَم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا -أي: الفجر الكاذب- حتى يستطير هكذا -أي: الفجر الصادق- يعني: معترضًا [7].

وجاء في حديث أبي ذرٍّ : أن النبي قال لبلال: إنك تؤذن إذا كان الفجر ساطعًا، وليس ذلك الصبح، إنـما الصبح هكذا معترضًا [8]، أخرجه الطحاوي في “شرح معاني الآثار” .

والحاصل: أن السنة قد دلت على مشروعية الأذان الأول الذي يكون قبل طلوع الفجر الصادق، وأنه ينبغي أن يكون الفرق بينه وبين الأذان الثاني، الذي يكون بعد طلوع الفجر الصادق، بقدر ما يفرغ المتسحِّر من سحوره في العادة.

وأما تقديم الأذان الأول على الأذان الثاني الذي يكون بعد طلوع الفجر بوقتٍ طويل، فإنه يجعل الفائدة من هذا الأذان، وهي تنبيه الناس إلى قرب دخول وقت صلاة الفجر، يجعل الفائدة منه تقل، مع ما فيه من مخالفةٍ للسنة.

ثم إن الفقهاء رحمهم الله قد ذكروا: أنه ينبغي لمن يؤذن الأذان الأول، أن يجعل أذانه في وقتٍ واحدٍ في الليالي كلها؛ ليعلم الناس أن ذلك من عادته، فليس له أن يؤذن تارةً، ثم يترك الأذان تارة، أو أنه يؤذن في أوقاتٍ متفاوتة، فإن مثل هذا يحصل معه التشويش على الناس، والإرباك لهم، بل ينبغي أن يجعل أذانه في وقتٍ واحدٍ في الليالي كلها، حتى يعلم الناس عادته في ذلك.

أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 630، ومسلم: 674.
^2 رواه البخاري: 609.
^3 رواه البخاري: 912.
^4 رواه الترمذي: 2676، وابن ماجه: 42، وأحمد: 17142، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
^5 رواه البخاري: 621، ومسلم: 1093.
^6 رواه البخاري: 622، ومسلم 1092.
^7 رواه مسلم: 1094.
^8 رواه أحمد: 21503، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 867.
مواد ذات صلة