الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(81) صفة الصلاة- الرفع من الركوع
|categories

(81) صفة الصلاة- الرفع من الركوع

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

لا يزال الحديث موصولًا عن صفة الصلاة، وقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن صفة الركوع، ونتحدث معكم في هذه الحلقة عن صفة الرفع من الركوع، فنقول:

بعد الركوع يرفع المصلي رأسه قائلًا: سمع الله لمن حمده؛ والسنة: أن يرفع يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه؛ لِمَا جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أن النبي كان يرفع يديه إذا كبَّـر للركوع، وإذا رفع من الركوع” [1].

قال ابن القيم رحمه الله: “وقد روى رفع اليدين عن النبي في هذه المواطن الثلاثة، يعني: تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، نحوٌ من ثلاثين نفسًا، واتفق على روايتها العشرة، ولـم يثبت عنه خلاف ذلك ألبتَّة، بل كان ذلك هديه دائمًا إلى أن فارق الدنيا”.

قول: سمع الله لمن حمده

وقول: سمع الله لمن حمده، إنـما هو في حق الإمام والمنفرد دون المأموم؛ لقول النبي : إنـما جُعِل الإمام ليؤتـمَّ به إلى قوله: وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد [2].

و “سمع”: فعلٌ مُتعدٍّ، ولكنه هنا عُدِّي باللام لتضمُّنِه معنى فعلٍ آخر، وأقرب فعلٍ يتناسب معه: استجاب، فيكون معنى: “سمع الله لمن حمده” أي: استجاب الله لمن حمده، وإنـما قلنا ذلك؛ لأن الله تعالى يسمع لمن يحمده ومن لا يحمده، لكن المراد بالسمع هنا سمع الإجابة.

فإن قيل: كيف يُقال: إن “سمع” هنا بـمعنى: استجاب، والحمد ليس فيه الدعاء؟

أجاب عن ذلك بعض أهل العلم فقال: إن من حمد الله تعالى فقد دعا ربَّه بلسان الحال؛ لأن الذي يحمد الله يرجو الثواب، فإذا كان يرجو الثواب، فإن الثناء على الله بالحمد والذكر متضمِّنٌ للدعاء؛ لأنه لَـم يحمد الله تعالى إلا رجاء الثواب.

الذكر الوارد بعد قول سمع الله لمن حمده

ثم يقول بعد ذلك: “ربنا ولك الحمد”، وهذا الذكر مشروعٌ في حق كل مصلٍّ، سواءٌ كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، وقد ورد هذا الذكر على أربع صفات:

  • الأولى: اللهم ربنا ولك الحمد، كما جاء ذلك في (صحيح البخاري) [3].
  • الثانية: اللهم ربنا لك الحمد، كما جاء ذلك في الصحيحين [4].
  • الثالثة: ربنا ولك الحمد، كما جاء في الصحيحين [5].
  • الرابعة: ربنا لك الحمد، كما جاء ذلك في (صحيح البخاري) [6].

فهذه أربع صفاتٍ قد وردت بـها السنة، والأفضل التنويع بينها، فتارةً يقول: ربنا ولك الحمد، وتارةً يقول: ربنا لك الحمد، وتارةً يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وتارةً يقول: اللهم ربنا لك الحمد؛ لأن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة: الأفضل فيها فعلها على هذه الوجوه؛ لأن في ذلك محافظةً على السنة، كما أن التنويع بينها أدعى لحضور القلب.

ويأتي بعد ذلك بـما ورد:

ومـما ورد: ما جاء في (صحيح مسلمٍ) عن عبدالله بن أبي أوفى  قال: “كان رسول الله  إذا رفع ظهره من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملئ السماوات، وملئ الأرض، وملئ ما شئت من شيءٍ بعد، اللهم طهِّرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الوسخ [7]، وفي روايةٍ عند مسلم: من الدرن، وفي روايةٍ: من الدنس [8].

وفي (صحيح مسلمٍ) أيضًا عن أبي سعيد الخدري ، قال: “كان رسول الله  إذا رفع رأسه من الركوع قال: ربنا لك الحمد، ملئ السماوات، وملئ الأرض، وملئ ما شئتً من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمـجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لِمَا أعطيت، ولا معطي لِمَا منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد [9].

وهذا الذكر فيه حمدٌ لله ​​​​​​​، والحمد: هو وصف المـحمود بالكمال مع الـمحبة والتعظيم، وبـهذا يُعرف الفرق بينه وبين المدح، فإن المدح: وصف الممدوح بالصفات الحميدة، لكن لا يلزم أن يكون الممدوح محبوبًا ومعظَّمًا، فقد يـمدحه لأجل أن ينال منه غرضًا، وقد يـمدحه لأجل أن يتقي شرَّه، وقد يـمدحه لمصلحةٍ يريدها، لكن الحمد لا يكون إلا مع محبَّةٍ وتعظيم.

وبـهذا نعرف -أيها الإخوة- قوة وجزالة اللغة العربية، حيث إن الحروف هنا واحدة: “حَـمِدَ” و “مَدَحَ”، لكن اختلف ترتيب الحروف؛ فاختلف المعنى.

وفي قوله: ملئ السماوات، وملئ الأرض ملئ: صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، والتقدير: حمدًا ملئ السماوات.

ما ينبغي للمأموم قوله عند الرفع من الركوع

وينبغي للمأموم أن يبادر لقول: ربنا ولك الحمد، بعد قول الإمام مباشرةً: سمع الله لمن حمده، ولا يتأخَّر عنه؛ رجاء أن يوافق قوله قول الملائكة.

فقد جاء في (صحيح البخاري) عن أبي هريرة : أن رسول الله  قال: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قولُه قول الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه [10].

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “وفي هذا إشعارٌ بأن الملائكة تقول ما يقوله المأمومون”.

ونظير ذلك: ما جاء في حديث أبي هريرة : أن النبي  قال: إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينُه تأمين الملائكة؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه [11].

والمراد بالموافقة هنا: الموافقة في القول والزمان، قال ابن الـمُنيِّـر رحمه الله: “الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان: أن يكون المأموم على يقظةٍ للإتيان بالوظيفة في محلها؛ لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان مُتيَقِّظًا”.

ولكن: ما المراد بالملائكة في هذه الأحاديث؟!

  • قيل: جميع الملائكة.
  • وقيل: الحفظة.

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “والذي يظهر أن المراد بـهم: من يشهد تلك الصلاة ممن في الأرض، أو في السماء”.

هدي النبي في الرفع من الركوع

وقد كان من هدي النبي  إطالة هذا الركن -أعني: الرفع من الركوع- للإتيان بـهذه الأذكار، حتى ربَّـما يظن الظآن أنه قد نسي.

ففي (صحيح مسلمٍ) عن أنسٍ  قال: “كان رسول الله   إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم” [12].

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “وموضع قول: ربنا ولك الحمد، في حق الإمام والمنفرد، بعد القيام من الركوع؛ لأنه في حال رفعه يقول: سمع الله لمن حمده، أما المأموم ففي حال رفعه، أي أن قول النبي : إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، يقتضي تعقيبَ قولَ الإمام قولَ المأموم”.

والمأموم يأخذ في الرفع عقب قول الإمام: سمع الله لمن حمده، فيكون قوله: ربنا ولك الحمد حينئذٍ، والله أعلم.

ونختم الحديث عن هذا الركن بالحديث عن وضع اليدين بعد الرفع من الركوع.

وضع اليدين بعد الرفع من الركوع

قد اختلف العلماء في ذلك:

  • فمنهم من قال: توضعان على الصدر؛ اليمنى على اليسرى.
  • ومنهم من قال: يرسلهما.

وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن ذلك فقال: “إن شاء أرسل يديه بعد الرفع من الركوع، وإن شاء وضعهما”.

وقد جاء في حديث سهل بن سعدٍ قال: “كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة” [13].

وعموم هذا الحديث يـمكن أن يستفاد منه ترجيح القول بوضع اليدين على الصدر في هذه الحال، فإن قوله: “في الصلاة” عامٌّ يشمل القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا لاتباع سنة نبيه ، وأن يرزقنا الفقه في دينه، وإلى الملتقى في الحلقة القادمة، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^5 رواه البخاري: 735، ومسلم: 390.
^2 رواه البخاري: 689، ومسلم: 411.
^3 رواه البخاري: 795.
^4 رواه البخاري: 796، ومسلم: 409.
^6 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^7, ^8 رواه مسلم: 476.
^9 رواه مسلم: 471.
^10 رواه البخاري: 782.
^11 رواه البخاري: 780، ومسلم: 410.
^12 رواه مسلم: 473.
^13 رواه البخاري: 740.
مواد ذات صلة