الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(196) أحكام الزكاة- العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم
|categories

(196) أحكام الزكاة- العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

لا يزال الحديث موصولًا عن أهل الزكاة، وقد ابتدأنا في الحلقة السابقة الحديث عن الصنف الأول والثاني، وهم: الفقراء والمساكين، ونستكمل في هذه الحلقة الحديث عن هذين الصنفين، ثم ننتقل بعد ذلك للحديث عن بقية الأصناف الأخرى.

أهل الزكاة

الفرق بين الفقير والمسكين

وقد أشرنا في الحلقة السابقة إلى الخلاف في الفرق بين الفقراء والمساكين، ورجّحنا القول بأن الفقير هو من لا يجد شيئًا، أو يجد دون نصف الكفاية، وأن المسكين هو من يجد نصف الكفاية أو أكثرها.

ونوضح هذا الفرق بالمثال: رجلٌ معدمٌ ليس عنده شيء فهذا يوصف بأنه فقير، رجلٌ له دخلٌ شهريٌ لا يكفيه إلا لعشرة أيام فقط فهذا فقيرٌ؛ لأنه يملك دون نصف الكفاية، رجلٌ له دخلٌ شهري يكفيه إلى منتصف الشهر فقط فهذا مسكين؛ لأنه يملك نصف الكفاية، رجلٌ له دخلٌ شهري يكفيه إلى اليوم العشرين من الشهر فقط فهذا مسكينٌ؛ لأنه يملك أكثر الكفاية ولا يملك تمام الكفاية.

رجلٌ له دخل شهري يكفيه إلى نهاية الشهر فهذا مكفيٌّ، ولا يحل له أخذ الزكاة، رجلٌ له دخل شهري ويدّخر منه شيئًا من المال، فهذا لا تحل له الزكاة من باب أولى.

ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته فليس بغني وإن كثرت قيمته، ويجوز له الأخذ من الزكاة، بناءً على هذا فإن كان له بيتٌ يملكه لكنه لا يجد ما يقوم بكفايته فيجوز له الأخذ من الزكاة، ولا يقال: إن عنده بيت مُلْكٍ فلا يجوز له أخذ الزكاة، بل حتى لو كان له عقارٌ يؤجّره لكنه لا يقوم بكفايته لم يكن هذا مانعًا له من الأخذ من الزكاة، وقد نص على هذا الإمام أحمد رحمه الله، فقال في رواية محمد بن الحكم: “إذا كان له عقارٌ يستغلّه أو ضيعةٌ لا تقيمه يأخذ من الزكاة”.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “وهذا قول الثوري والنخعي والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافًا؛ لأنه فقير محتاج فيدخل في عموم الآية”.

أما إن ملك من غير الأثمان ما يقوم بكفايته كمن له دخلٌ يكفيه أو عقارٌ يؤجِّره وتكفيه أجرة العقار أو مزرعة لها غلّة، وتقوم هذه الغلة بكفايته، فليس له الأخذ من الزكاة.

ومن أُبيح له أخذ شيء من الزكاة أبيح له سؤاله، لكن الأفضل ألا يسأل، وأن يتعفف عن سؤال المخلوقين، وإذا صدق في ذلك، وأنزل حاجته بربه ​​​​​​​ فإن الله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

الصنف الثالث: العاملون عليها

الصنف الثالث من أهل الزكاة: العاملون عليها، وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذ الزكاة من أربابها، وجمعها وحفظها ونقلها، ومن يعينهم على ذلك كالمحاسبين والكُتّاب، وكل من يُحتاج إليه فيها، فيُعطى أجرته منها؛ لأن ذلك من مؤونتها، وقد كان النبي يبعث على الصدقة سعاة يعطيهم عمالتهم منها.

قال أهل العلم: وينبغي للإمام أن يبدأ بالعامل فيعطيه عمالته؛ لأنه يأخذ عوضًا فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة.

وأنبِّه هنا إلى أن من أُعطي زكاة ليوزعها فليس من العاملين عليها، بل هو وكيلٌ عليها، أما العاملون عليها فهم ولاة على الزكاة ينصبهم ولي الأمر، فعملهم عمل ولاية وليس عمل مصلحة، ولهذا فإنهم ولاة وليسوا أُجَرَاء؛ ويترتب على هذا أن الزكاة إذا تلفت عند العاملين عليها فإن ذمّة المزكي بريئة، أما إذا تلفت الزكاة عند الموكَّل للتوزيع فلا تبرأ ذمة الدافع.

ولا يُشترط في العاملين عليها أن يكونوا فقراء، بل يُعطون ولو كانوا أغنياء؛ لأنهم يعملون لمصلحة الزكاة فهم يعملون للحاجة إليهم لا لحاجتهم.

الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم

الصنف الرابع من أصناف أهل الزكاة: المؤلَّفة قلوبهم ممن يُرجى إسلامهم أو كفّ شرهم، أو يُرجى بعطيتهم قوّة إيمانهم، وهم الذين يُطْلَب تأليف قلوبهم على هذه الأمور المذكورة، وهي:

  • الأول: الإسلام، بحيث يكون كافرًا لكن يُرجى إسلامه إذا أُعطي من الزكاة، فيُعطى من الزكاة؛ لأن هذا فيه حياةٌ لقلبه وحياته في الدنيا والآخرة، وإذا كان الفقير يُعطى من الزكاة لإحياء بدنه فإعطاء الكافر الذي يُرجى إسلامه من باب أولى ولو كان غنيًا.
    ولكن من لا يُرجى إسلامه من الكفار فإنه لا يُعطى من الزكاة أملًا في إسلامه، بل لا بد أن تكون هناك قرائن قوية توجب لنا رجاء إسلامه؛ مثل أن نعرف أنه يميل إلى المسلمين أو أنه يطلب كتبًا عن الإسلام ونحو ذلك، فالرجاء لا بد أن يكون على أساس؛ لأن الراجي للشيء بلا أساس إنما هو متخيلٌ في نفسه فقط.
  • الثاني: أن يُرجى كفُّ شرِّه عن المسلمين، فيُعطى من الزكاة ما يُكِفُّ به شره، لكن إن استطعنا كفَّ شره بالقوة فلا حاجة إلى إعطائه من الزكاة.
  • الثالث: أن يُرجى بعطيته قوّة إيمانه، بحيث يكون رجلًا ضعيف الإيمان عنده تهاونٌ بالصلاة مثلًا، وإذا أعطيناه من الزكاة تقوّى إيمانه فيُعطى من الزكاة، وذلك لأنه إذا كان يعطى من الزكاة لحفظ بدنه وحياته فإعطاؤه لحفظ دينه من باب أولى.

وهل يُشترط أن يكون المؤلَّف قلبه سيدًا مطاعًا في عشيرته؟

هذا محل خلافٍ بين العلماء:

  • فمن العلماء من لم يشترط هذا.
  • ومنهم من اشترط ذلك، قالوا: لأن النبي حينما أعطى المؤلفة قلوبهم إنما أعطى الكبراء والوجهاء في عشائرهم وقبائلهم ولم يعط عامة الناس، ولأن الواحد من عامة الناس لا يضر المسلمين عدم إيمانه أو ضعف إيمانه، فلا يضر المسلمين شرُّه وبالإمكان السيطرة عليه إما بحبسه أو ضربه أو نحو ذلك، بخلاف الكبراء والوجهاء فإنه قد يتعذَّر ذلك في حقهم، فيُعطون من الزكاة بتأليف قلوبهم.
  • وذهب بعض أهل العلم إلى التفصيل في المسألة، وهي أن ما كان يُرجى بعطيته كفُّ شره عن المسلمين فلا بد أن يكون سيدًا مطاعًا في عشيرته؛ لأن الواحد من الناس لا يضر المسلمين، فلا نحتاج إلى أن نعطيه من الزكاة، أما من يُرجى بعطيته الزكاة إسلامه أو تقوية إيمانه فإنه يُعطى من الزكاة ولو لم يكن سيدًا مطاعًا في عشيرته؛ وذلك لأن النبي كان يعطي الذين أسلموا وأُمِن شرّهم ليزداد إيمانهم، حتى إنه ليعطي أقوامًا وغيرهم أحبُّ إليه مخافة أن يكبّهم الله في النار، ولأن حفظ الدين وإحياء القلب أولى من حفظ الصحّة وإحياء البدن.

وهذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

وحينئذ نقول: إن الأظهر في هذه المسألة هو أن من كان يُرجى بعطيته الزكاة كفُّ شره عن المسلمين؛ فلا بد أن يكون سيدًا مطاعًا في عشيرته أو قبيلته، ونحو ذلك، أما إذا كنّا نعطيه من الزكاة تأليفًا لقلبه رجاء إسلامه، أو رجاء تقوية إيمانه، فإنه يُعطى من الزكاة ولو لم يكن سيدًا مطاعًا في عشيرته.

وتخصيص المؤلَّفة قلوبهم بصنفٍ مستقلٍ من أصناف الزكاة دليلٌ على أن للمال تأثيرًا كبيرًا في النفوس، وفي استمالة القلوب، وفي الحب والبغض، وفي تقوية الإسلام، وفي نقل الإنسان من ملّةٍ أخرى إلى دين الإسلام، وتأثير المال في النفوس أمرٌ متفقٌ عليه بين عقلاء بني آدم، وقد راعى الإسلام هذا التأثير القوي وخصص صنفًا مستقلًا من أصناف الزكاة الثمانية مراعاة لهذا الأثر الكبير للمال في النفوس.

إذا كان في هذا مصلحة للشخص نفسه من إسلامه أو تقوية إيمانه، أو كان في ذلك مصلحة للمسلمين عمومًا من كفّ الشرِّ عنهم، ونحو ذلك.

هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية أصناف الزكاة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة