جدول المحتويات
أيها الإخوة في الله، بعض الناس تكون عنده الأموال، ويُفتي نفسَه بنفسِه، وتجد أنه لا يُخرِج الزكاة، وعندما يقال له في ذلك، يُفتي نفسَه بأنه لا تجب عليه الزكاة، وهذا لا يُبرِئ ذِمَّته أمام الله ، ولا يُعفِيه من المسؤولية أمام الله تعالى، بل الواجب عليه: أن يسأل أهل العلم عن هذا المال هل تجب فيه الزكاة أم لا؟ وأن يسأل من يرى أنه هو الأوثق عنده في دينه وعلمه وأمانته. أما أنه يُفتي نفسَه بنفسِه، أو أنه يبحث عمن يُفتِيه بعدم وجوب الزكاة في هذه الأموال؛ فهذا لا يُبرِئ الذِّمَّة أمام الله تعالى.
الأموال التي تجب فيها الزكاة
أيها الإخوة، والأموال التي تجب فيها الزكاة هي أربعة:
- الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار.
- والثاني: السائمة من بهيمة الأنعام.
- والثالث: من الأموال هو النَّقدان، وما في معناها.
- والرابع: عروض التجارة.
هذه هي الأموال التي تجب فيها الزكاة.
أما الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، فتجب الزكاة في كُلِّ حَبٍّ، وفيما يُكال ويُدَّخَرُ من الثمار، والمقدار الواجب: هو العشر فيما يُسقى بغير مؤونة ولا كُلْفَة، كالذي يُسقى بمياه الأمطار والأنهار والعيون ونحو ذلك.
وأما ما يُسقى بمؤونة وكُلْفَةٍ ففيه نصف العشر، أي: (5%)، كالذي يُسقى بالمكائن الرافعة للماء، كما هو عليه الحال مثلًا عندنا في المملكة؛ فإن المزارع تُسقى كُلُّها بالمكائن الرافعة للماء، فهذه المقدار الواجب فيها هو (5%)، أي: نصف العشر.
وأما السائمة من بهيمة الأنعام، فمعنى السائمة: التي ترعى العشب والكلأ أكثر السنة؛ فهذه تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب. أما غير السائمة وهي المعلوفة، هذه لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم، لكن هناك من الناس من يُتاجر في بهيمة الأنعام، يبيع ويشتري فيها، فهذا يُزَكِّيها زكاةَ عروض التجارة، وليس زكاة السائمة من بهيمة الأنعام. وأما أنصباؤها فهي مفصلة في كتب الفقه، ذكرها أهل العلم وتكلَّموا عن أحكامها وتفاصيلها.
والقسم الثالث: هو النقدان، وهما الذهب والفضة، وفي معناهما الأوراق النقدية، وهذه سأتحدث عنها بعد قليل بشيءٍ من التفصيل.
ونصاب الذهب (85) جرامًا، وأما الفضة فـ(595) جرامًا.
وأما الحلي المُعد للاستعمال -الحلي الذي تستعمله النساء- هل تجب فيه الزكاة أم لا؟ هذا اختلف فيه الفقهاء، فأكثر أهل العلم على أنه لا تجب فيه الزكاة، وذهب الحنفية إلى وجوب الزكاة فيه، والأقرب: هو أنه لا تجب فيه الزكاة، والأحاديث المروية في وجوب الزكاة فيه كلها ضعيفةٌ، كما قال الترمذي رحمه الله: "لا يصح في هذا الباب شيءٌ".
والرابع: عروض التجارة: وهي كل ما أُعِدَّ للتجارة، فهذه فيها الزكاة، والواجب: هو أن تُقيَّم عند تمام الحول، ويُخرج ربع عشر قيمتها.
زكاة الأوراق النقدية
بعد هذا أيها الإخوة ننتقل لجملة من المسائل والقضايا المعاصرة المتعلِّقة بالزكاة، وأبدؤها بما أشرت إليه قبل قليل: وهي الأوراق النقدية، فقد كان السلف قديمًا يتعاملون بالدنانير والدراهم، الدنانير من الذهب، والدراهم من الفضة.
أما في الوقت الحاضر فقد أصبح الناس يتعاملون بالأوراق النقدية، ولما ظهرت هذه الأوراق النقدية اختلف العلماء في حكمها اختلافًا كثيرًا، ثم استقرَّ الأمر بعد ذلك على أن هذه الأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته، كقيام الثَّمَنِيَّة في الذهب والفضة، وبناءً على ذلك: حكمها حكم الدنانير والدراهم.
وأما زكاتها فإن الذي أقرَّته المجامع الفقهية: هو أن زكاة الأوراق النقدية أدنى النصابين من الذهب والفضة، ومعلومٌ أن الفضة أرخص من الذهب بكثير؛ ولذلك نقول: إن نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة، والفضة قلنا: إن نصابها (595) جرامًا.
فمعنى ذلك إذا أردنا أن نعرف نصاب الأوراق النقدية؛ فإننا نقول: نضرب (595) جرامًا في سعر الجرام من الفضة، سعر الجرام من الفضة نضربه في (595) جرامًا؛ يخرج نصاب الأوراق النقدية. وسعر الذهب والفضة كما ترون يختلف حتى في اليوم الواحد. وفي السنوات الأخيرة ارتفع الذهب والفضة ارتفاعًا كبيرًا؛ ولذلك لا نستطيع أن نُعطي رقمًا لنصاب الأوراق النقدية، بل نربطه بهذه القاعدة.
لكن بكلِّ حال، قديمًا قبل خمس أو سِتِّ سنوات كان نصاب الأوراق النقدية في حدود خمسمائة ريال، أما الآن فقد أصبح أكثر من ألف ريال، بسبب ارتفاع سعر الذهب والفضة.
بناءً على ذلك: من كان عنده ألف ريال أو أقل، هذا دون النصاب، ليس فيه زكاة، ما زاد على ذلك نرجع لنصاب الأوراق النقدية. وهناك مواقع على الشبكة العالمية للإنترنت بالإمكان الرجوع إليها ومعرفة كم سعر الجرام من الفضة يوميًّا بل حتى بالساعة، تُحَدَّث بالساعة، فيستطيع معرفة نصاب الأوراق النقدية بمعرفة سعر الجرام من الفضة وضربه في هذا الرقم (595) جرامًا.
وإنما قلنا: إن نصاب الأوراق النقدية يُقدَّر بالفضة، أو بأدنى النِّصابين من الذهب أو الفضة؛ لأن هذا هو الأحظُّ للفقراء والمساكين.
كيف تُزكَّى الأوراق النقدية؟
هناك قاعدة، خذ هذه الفائدة: أيُّ رقمٍ عندك، اقسمه على أربعين، يخرج لك ربع العشر، أيُّ رقمٍ اقسمه على أربعين يخرج لك ربع العشر مباشرة؛ فمثلًا: (1000) ريال اقسمها على (40): الناتج (25). (4000) اقسمها على (40): الناتج (100). (40،000) اقسمها على (40): الناتج (1000). (100.000) اقسمها على (40): الناتج (2500). وهكذا.
فهذه قاعدة مفيدة، أيُّ رقمٍ عندك اقسمه على أربعين يخرج لك ربع العشر مباشرة. هذا فيما يتعلق بزكاة الأوراق النقدية.
زكاة الراتب الشهري
وأما الراتب الشهري فبعض الناس يقول: أنا لا أستطيع أن أضبط ما الذي أصرفه من الراتب الشهري وما الذي أدخره، فكيف أُزَكِّي؟
أما من كان لا يبقى له من مرتبه شيءٌ آخر الشهر، هذا واضحٌ أنه لا زكاة عليه؛ لأنه ليس عنده مالٌ يحول عليه الحول، لكن الذي يدخر من مرتبه شيئًا فكيف يُزَكِّي؟ نقول: هناك طريقتان:
- الطريقة الأولى: هي أن يُحصي ما ادَّخَره وحال عليه الحول فيُزَكِّيه.
وهذا بالإمكان التحقُّق منه عن طريق طلب كشف حساب، يُطلَب من البنك كشف حساب، وينظر إلى المبالغ التي بقيت وادَّخرها وحال عليها الحول، فيُزَكِّيها. - والطريقة الثانية، وهي أسهل وأضبط وأحوط: وهي أنه عند تمام الحول يُزكِّي جميع الرصيد عنده، فمثلًا: نفترض أنه دخل في الوظيفة في بداية شهر رمضان، أو في بداية شهر شعبان، فيجعل له تاريخًا معينًا، نفترض أنه جعل (1) رمضان يُزكِّي جميع الرصيد عنده، سواءٌ ما حال عليه الحول أو ما لم يحُلْ عليه الحول، ما حال عليه الحول أمره ظاهر، وما لم يحُلْ عليه الحول ينوي بذلك تعجيل الزكاة. وتعجيل الزكاة جائز؛ وقد تعجَّل النبي زكاة عمه العباس لسنتين[1]. وبذلك لا ينظر لرصيده بالنسبة للزكاة إلا مرة واحدة في السنة، كلما أتى (1) رمضان زكَّى جميع الرصيد، فهذه الطريقة أسهل وأحوط وأضبط.
إذًا عندنا هاتان الطريقتان بالنسبة لزكاة الراتب الشهري وزكاة الحساب الجاري عمومًا. وإذا أشكل على الإنسان شيءٌ فإنه يحتاط، وما يُنفقه زيادةً على الزكاة فإنه يُؤجر ويُثاب عليه.
هذا فيما يتعلق بزكاة الأوراق النقدية.
زكاة الذهب الأبيض
ننتقل بعد ذلك إلى مسائل زكاة الذهب والفضة، والذهب والفضة قلنا: ما كان معدًّا للاستعمال هذا ليس فيه زكاة، ما كان معدًّا للتجارة هذا تجب فيه الزكاة.
هناك وُجِد ما يسمى بالذهب الأبيض، الذهب الأبيض: يوجد في محلات الذهبِ الذهبُ الأبيض، فهل هذا الذهب الأبيض يأخذ حكم الذهب الأصفر المعروف، أو أنه نوعٌ خاصٌّ؟
الجواب: نقول: الذهب الأبيض يُطلَق على شيئين:
يُطلق على البلاتين، فيُسمَّى البلاتين "الذهب الأبيض"، وهذا لا يأخذ حكم الذهب والفضة، ولا تجب فيه الزكاة، ويأخذ حكم غيره من المعادن، يعني: إن نوى به التجارة يأخذ حكم عروض التجارة، لكنه لا يأخذ حكم الذهب ولا الفضة.
النوع الثاني من الذهب الأبيض: هو الذهب الأصفر لكنه يكون مطليًّا بالبلاتين والبلاديوم والنيكل وبعض المعادن؛ فهذا في الحقيقة حكمه حكم الذهب الأصفر ولا فرق؛ لأنه ذهب أصفر لكنه مطليٌّ فقط بهذا الطلاء الذي جعله في الظاهر أبيض، لكنه في حقيقته أصفر، وهذا هو الموجود في معظم محلات الذهب والفضة، هذا هو الغالب، وهو الموجود؛ ولذلك نجد أن سعر الذهب الأبيض لا يختلف كثيرًا عن سعر الذهب الأصفر؛ هذا هو تحرير المسألة في الذهب الأبيض؛ لأنك تجد هناك من يعتبر الذهب الأبيض حكمه حكم البلاتين، وهذا غير صحيحٍ على إطلاقه، أو نعتبره حكم الذهب الأصفر؟ نقول: هو على هذا التفصيل الذي ذكرت.
هذا فيما يتعلق بالذهب الأبيض.
زكاة الأسهم
وأيضًا من مسائل الزكاة المعاصرة: الأسهم، زكاة الأسهم، وهذه المسألة يكثر السؤال عنها.
الأسهم جمع سهم، والسهم: "حصة في رأس مال الشركة". عندما تمتلك أسهمًا في شركة معينة كيف تُزَكِّي؟
القول الذي استقرَّ عليه رأي أكثر العلماء المعاصرين: هو التفريق بين المستثمر والمضارب، فالمضارب المقصود به: الذي يبيع ويشتري في هذه الأسهم، هذا يجب عليه أن يُقيِّم هذه الأسهم عند تمام كُلِّ حولٍ، ويُخرِج ربع عشر قيمتها، فإذا كان يبيع ويشتري، عنده محفظةٌ يبيع ويشتري، فعند تمام الحول يُقيِّم كم في هذه المحفظة من قيمة هذه الأسهم؟ لو افترضنا أنك بعت جميع ما في هذه المحفظة من أسهم، فكم قيمتها؟ فيجب عليك أن تُزكِّيها في هذه الحال.
أما المستثمر، وأعني به: الذي لا يبيع ويشتري في الأسهم، وإنما أخذ هذه الأسهم وتركها، يُريد أن يستفيد من رِيعها، أو أنه اكتتب في الأسهم ثم ترك هذه الأسهم لا يبيع ولا يشتري فيها؛ فهذه الأسهم لا يجب على من يمتلكها أن يُزكِّيها، باعتبار أن الشركات المساهمة عندنا في المملكة العربية السعودية ملزمةٌ من قِبَل الدولة بإخراج الزكاة إلى مصلحة الزكاة والدخل، وحينئذ نقول: تكفي زكاة الشركات. فالمستثمر إذًا لا يُزَكِّي باعتبار أن الشركة تُزكِّي وتُخرج الزكاة نيابةً عنه.
أما الإخوة الذين هم خارج المملكة، فيسأل الشركة: هل هي تُزكِّي أم لا؟ فإن كانت تُزكِّي فالحكم كحكم الشركات داخل المملكة، وإن كانت الشركات لا تُزكِّي فيسأل عن الوعاء الزكوي، وما يخص كل سهم من الوعاء الزكوي، ويُخرج الزكاة.
هذا فيما يتعلق بزكاة الأسهم.
وأما الصناديق الاستثمارية، فإن الصناديق الاستثمارية حكمها حكم المضارب الذي يُضارب ويبيع ويشتري في الأسهم، فهذه الصناديق الاستثمارية لا تُخرج البنوكُ زكواتها ولا تحسب عليها؛ ولذلك لا بد للمشترك في هذه الصناديق الاستثمارية من أن يُقيِّم ما يملكه في هذه الصناديق ويُخرج زكاتها.
زكاة التقاعد
وأيضًا من المسائل التي يكثُر السؤال عنها: زكاة التقاعد، وبدل نهاية الخدمة، فهل من استلم الراتب التقاعدي، أو بدل نهاية الخدمة، فهل تجب في هذا المال الزكاة أم لا؟
هذا محل خلافٍ بين العلماء المعاصرين، والقول الصحيح والذي عليه أكثر أهل العلم: إنه لا تجب الزكاة في مال التقاعد، ولا في مكافأة نهاية الخدمة؛ وذلك لأن تملُّك الموظف لها غير مستقر، ومن شروط وجوب الزكاة: أن يكون الملك مستقرًّا؛ ولهذا لو أن هذا الموظف طالَب بهذا المرتب التقاعدي قبل أن يبلغ السن النظامية للتقاعد، أو قبل أن يبلغ السنوات النظامية للخدمة، لا يُعطى هذا التقاعد، ولا يستحق هذا التقاعد.
فإذًا؛ هو لا يُعطى إلا بشروط معينة بعد بلوغه سنًّا معينة وبعد أن تبلغ سنواتُ الخدمةِ سنواتٍ معينةً، ومع هذه الشروطِ مِلْكُه للراتب التقاعدي ولمكافأة نهاية الخدمة هو ملك غير مستقرٍّ؛ ولهذا لا تجب الزكاة في هذا المبلغ الذي يستلمه، اللهم إلا إذا بقي عنده سنةً كاملةً بعد أن استلمه؛ فهنا تجب فيه الزكاة، أما مجرد أن يستلمه فهذا لا زكاة فيه.
زكاة الأراضي
بالنسبة لزكاة الأراضي، يعني: بعض الناس ساهموا مساهمات عقارية ثم تعثَّرت، وكثيرًا ما يكون السؤال عن زكاة الأراضي.
الأراضي عمومًا يمكن أن نُقَسِّمها إلى أربعة أقسام:
- القسم الأول: الأرض التي نوى صاحبها بها أن يبني عليها مسكنًا؛ فهذه لا زكاة فيها في قول عامة أهل العلم، الأرض التي لا يقصد الإنسان بيعها ولا يريد المتاجرة بها، وإنما ينوي أن يبني عليها مسكنًا، فهذه إما في الحال أو في المستقبل هذه لا زكاة فيها.
- القسم الثاني: الأرض التي عرضها صاحبها للبيع؛ فهذه فيها الزكاة إذا حال عليها الحول. نفترض أنه عرضها للبيع، ووضع عليها لوحة، وبقيت اللوحة مدة سنة؛ فهذه من حينئذٍ أصبحت عروض تجارة، وتجب فيها الزكاة.
- القسم الثالث: الأراضي التي لم يعرضها أصحابها للبيع، لكنهم ينوون بيعها في المستقبل، أي إن أصحابها يتربَّصون بها غلاء الأسعار، يقول: عندي هذه الأرض، أنا ما أريد أن أبيعها الآن، أُريد أن أنتظر خمس سنين أو عشر سنين، لعل أسعار الأراضي في هذه المنطقة ترتفع فأستفيد. فهل هذه تجب فيها الزكاة أم لا؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين، والأقرب والله أعلم هو قول جمهور الفقهاء، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، وهو أن الزكاة تجب فيها؛ ذلك لأنها معدَّة للتجارة، فتشملها عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة.
وهي في الحقيقة أشبه بالرصيد لديك، لكن بدل أن يكون هذا الرصيد في حسابٍ جارٍ في البنك، هو رصيد لكن على شكل أرض؛ ولذلك فتجب فيها الزكاة.
فالقول الصحيح: إن هذا النوع من الأراضي تجب فيه الزكاة، لكن من يملك مثل هذه الأراضي هو بالخيار: إن شاء قيَّمها عند تمام الحول وأخرج زكاتها كل سنة، وهذا هو الأحسن والأحوط والأبرأ للذِّمة. ولكن له أن يُؤخِّر زكاتها حتى يبيعها مستقبلًا، لكن إذا باعها يُزكِّيها عن جميع السنوات الماضية، وقد يشقُّ عليه إخراج الزكاة في هذه الحال؛ لأنه ربما يكون مبلغ الزكاة كبيرًا؛ ولذلك فالخيار الأول هو الأولى لكنه لا يجب، فله أن يُؤخِّر الزكاة إلى أن يبيع هذه الأرض، ثم بعد ذلك يُخرج زكاتها.
- القسم الرابع: المساهمة في الأراضي العقارية المتعثِّرة، يعني هناك مثلًا أرضٌ أو مشروع عقاري استثماري، دخل فيه المساهمون ثم تعثَّر هذا المشروع، فإذا كان من دخل في هذا المشروع لا يستطيع أن يحصل على ماله لو طلبه، وهو أيضًا لا يضمن الحصول عليه، بل هو في حالةٍ من الشك: لا يدري هل ترجع له أمواله أو لا ترجع؟
فهذا لا يجب عليه أن يُزكِّي هذه الأرض عن كل سنة، وإنما إذا استلم المبلغ -يعني: مبلغ قيمة المساهمة- زكَّاها عن سنة واحدة فقط، يُزَكِّيها عن سنة واحدة فقط ويكفي ذلك. فلو افترضنا أنه دخل في مساهمة عقارية وتعثَّرت لمدة خمس سنوات أو عشر سنوات، ثم بعد هذه المدة أعطوه قيمة هذه الأرض أو قيمة هذه المساهمة مع أرباحٍ؛ فهنا نقول: يجب عليه أن يُزكِّيها عن سنة واحدة فقط، ويكفي ذلك.
حكم شراء منزل للفقير من الزكاة
وأيضًا من المسائل التي يكثر السؤال عنها: حكم شراء منزل للفقير من الزكاة.
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم بناءً على خلافهم في مقدار ما يُعطى الفقير والمسكين من الزكاة، والذي عليه جمهور أهل العلم: أن الفقير والمسكين يُعطى ما يكفيه لمدة سنة كاملة، وأما قول من قال: يُعطى ما يكفيه إلى الأبد فقولٌ مرجوح، الصواب: أنه يُعطى ما يكفيه لمدة سنة.
وبناء على هذا القول: فإنه لا يجوز شراء بيتٍ للفقير من أموال الزكاة، وإنما إذا احتاج للسكن يُستأجر له من أموال الزكاة؛ ولأن شراء البيت للفقير يستغرق من أموال الزكاة شيئًا كبيرًا، يعني مثلًا: لو أُريد أن يُشترى مسكنٌ لهذا الفقير، ربما يُشترى هذا المسكن بما لا يقل عن أربعمائة ألف، خمسمائة ألف ريال، فلو أن هذا المبلغ وُزِّع على عددٍ من الفقراء لَسَدَّ حاجات كثيرٍ من الفقراء والمساكين؛ ولهذا فالصواب في هذه المسألة: أنه لا يجوز دفع الزكاة لشراء مسكن بها، وإنما يُستأجر لهذا الفقير عند حاجته للسكنى، يُستأجر له هذا العام، والعام القادم مثلًا إذا احتاج للسكن يُستأجر له، وهكذا.
حكم دفع الزكاة لمكاتب الدعوة وحلقات تحفيظ القرآن الكريم
هذه المسألة مبنية على مسألة أخرى: وهي مصرف "في سبيل الله".
مصرف "في سبيل الله"، ما معنى: في سبيل الله؟
"في سبيل الله" أحد المصارف الثمانية للزكاة، يدخل في سبيل الله: الجهادُ في سبيل الله بالسلاح؛ هذا بإجماع العلماء، لكن هل ينحصر مصرف "في سبيل الله" في هذا؟ أو أنه يشمل كذلك جميع وجوه البِرِّ؟
من العلماء من قال: إن "في سبيل الله" يشمل جميع وجوه البِرِّ؛ وهذا قول ضعيفٌ؛ لأننا لو قلنا بهذا لم يكن لهذا التقسيم فائدة، ولقال الله : إنما الصدقات في سبيل الله، وشمل الفقراء والمساكين، وشمل الغارمين، وشمل جميع الأقسام.
لكن من أهل العلم من قال: إن "في سبيل الله" هو خاصٌّ بالجهاد في سبيل الله، لكن الجهاد في سبيل الله لا ينحصر في الجهاد بالسلاح، وإنما يشمل جهاد الدعوة، وهذا هو القول الراجح، وهو الذي أقره مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي: أن مصرف "في سبيل الله" يشمل جهاد الدعوة؛ وذلك لأن الجهاد بالسلاح إنما شُرِع لأجل نشر الدعوة إلى الله ؛ لهذا لو أن هؤلاء الكفار الذين يُقاتلهم المسلمون، لو أنهم أسلموا لم يجُز قتالهم؛ فإذًا الجهاد بالسيف إنما شُرِع لأجل نشر الدعوة إلى الله ، فإذًا جهاد الدعوة هو الأصل.
ولهذا؛ فالقول الصحيح: إنه يجوز صرف الزكاة فيما تَمَحَّض في الدعوة إلى الله ، ومن ذلك المراكز الإسلامية التي في الخارج، التي تكون متخصِّصة في الدعوة إلى الله ، وكذلك أيضًا مراكز الدعوة وتوعية الجاليات في الداخل. لكن ينبغي عند صرف الزكاة أن يكون صرفها فيما يَتَمَحَّض في الدعوة، فلا تُصرَف في الأمور الكمالية، كأن تكون مثلًا رواتب للدعاة أو نحو ذلك، يعني: تكون فيما يَتَمَحَّض في الدعوة إلى الله .
حلقات تحفيظ القرآن الكريم هل يجوز صرف الزكاة لها؟
بناءً على القول الذي قلنا إنه الراجح، وهو أن في سبيل الله يشمل جهاد الدعوة، لا شك أن القرآن العظيم هو أعظم ما تكون به الدعوة، وأعظم ما يكون به الجهاد؛ ولهذا قال : وَجَاهِدْهُمْ بِهِ يعني: بالقرآن جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52]، وبناءً على هذا التأصيل: القول الراجح -والله أعلم- إنه يجوز صرف الزكاة في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، يجوز صرف الزكاة لصالح حلقات تحفيظ القرآن الكريم. ولكن أيضًا -كما ذكرت- ينبغي أن تكون الزكاة فيما يَتَمَحَّض في التعليم والتحفيظ لكتاب الله ، وأن تُصان عن الأمور الكمالية، فمثلًا: عندما تُصرَف الزكاة لحلقات التحفيظ، ينبغي أن تكون رواتب مثلًا للمدرسين أو نحو ذلك، هذا هو الأولى إبراءً للذِّمَّة في هذا، وخروجًا من الخلاف في مثل هذه المسائل.
وإذا كنا نجد أن الكنائس والمعابد عند غير المسلمين تُصرَف فيها الأموال الطائلة والملايين، فكيف يبخل المسلمون في الصرف على مراكز الدعوة إلى الله ، ونشر الإسلام، الدين الصحيح، الدين الحق، ولكن مع تقصير كثير من المسلمين في ذلك، نقول: إنه يجوز صرف الزكاة لمراكز الدعوة إلى الله .
وأعرف أن هناك مراكز للدعوة في الخارج تعتمد اعتمادًا رئيسًا على الزكاة؛ ففتوى أنه يجوز صرف الزكاة لمراكز الدعوة نفعت وأفادت مراكز الدعوة إلى الله في الخارج كثيرًا، وأصبحت هي المورد الرئيس لمراكز الدعوة إلى الله في الخارج.
زكاة الديون
أختم بمسألةٍ يكثُر السؤال عنها: وهي زكاة الديون.
هل تجب الزكاة في الدَّين؟ وهل الدَّين يمنع من الزكاة أم لا؟
أما المسألة الأولى: وهي هل تجب الزكاة في الدين؟ مسألةُ إذا كنت تطلب فلانًا من الناس مثلًا مائة ألف ريال، وحال الحول وهي في ذِمَّته، مضت سنةٌ كاملةٌ أو سنتان أو أكثر وهي في ذِمَّة فلان من الناس، هل يجب عليك أنت أيها الدائن أن تُزكِّي هذا المبلغ الذي لك في ذمة فلان من الناس؟
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، والقول الراجح، وهو الذي أقره مجمع الفقه الإسلامي، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: هو القول بالتفصيل؛ وهو إذا كان المدين مَلِيئًا باذلًا، يعني: متى ما طلبت الدين أعطاك إياه وسدَّد لك؛ فهنا يجب عليك أنت أيها الدائن أن تُسدِّد هذا الدين عن كل سنة، أما إذا كان المَدين معسرًا أو مماطلًا فلا تجب الزكاة في هذا الدين.
وأما من جهة تأثير الدين على الزكاة، يعني: إذا كان إنسان عنده مالٌ وحال عليه الحول، وعليه ديون، عليه مثلًا مائة ألف وعنده مائة ألف، فهل يجب عليه أن يُزكِّي المائة الألف هذه التي حال عليها الحول؟
هذه مسألةٌ محل خلاف بين أهل العلم، والقول الراجح وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن باز والشيخ محمد ابن عثيمين رحمهما الله تعالى: إن الدين لا يمنع من الزكاة، وأن هذه المائة الألف في مثالنا السابق التي عندك، يجب عليك أن تُزَكِّيها بغض النظر عن الديون التي ثبتت في ذِمَّتك؛ وذلك لأن النبي كان يبعث العمال أو السُّعاة إلى أرباب الأموال لقبض الزكوات منهم، ولم يأمرهم أن يسألوهم: هل عليهم ديون أم لا؟ مع أن كثيرًا من الناس في عهد النبي كان عليهم ديونٌ، وقد كانوا يُسلِفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، ولو كان الدَّين مؤثِّرًا على الزكاة لأمرهم النبي أن يسألوا... فتتعلق بالمال؛ ولأن الزكاة تتعلَّق بالمال وليس بالذِّمة؛ ولهذا يقول : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، ولم يقل: خذ منهم، ويقول النبي لمعاذ : أَعْلِمْهُم أن الله قد افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخَذ من أغنيائهم، وتُرَدُّ إلى فقرائهم[2].
فالزكاة إذًا تتعلَّق بالمال وليس بالذِّمَّة، تتعلَّق بالمال بغضِّ النظرِ عن مالكه هل هو مدين أو غير مدين؛ ولهذا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، مع أنه غير مكلف؛ لأن الزكاة تتعلَّق بالمال وليس بالذمة.
بقي الديون المؤجَّلة والأقساط، هل فيها زكاة؟ إذا كنت تطلب فلانًا من الناس دينًا لكن هذا الدين مؤجَّلٌ أو مقسَّطٌ، يُعطيك مثلًا كُلَّ شهرٍ قَسْطًا، هل تجب الزكاة في هذا الدين؟
نقول: نعم، تجب الزكاة في الديون المؤجَّلة، لكن إنما تجب في رأس المال مع أرباح السنة الحالية، فمثلًا: نفترض أنك بعت سيارةً بالتقسيط، رأس مالها خمسون ألفًا، والقسط مثلًا في كل سنة: لنفترض أن القسط أو الربح في كلِّ سنةٍ مثلًا خمسة آلاف، فمعنى ذلك: أنك تُزَكِّي في السنة الأولى خمسةً وخمسين ألفًا، طبعًا هذه السيارة رأس مالها خمسون ألفًا، وبعتها مثلًا بسبعين أو بثمانين ألفًا، لكن الربح في كلِّ سنةٍ خمسةُ آلاف، فمعنى ذلك: أنك تُزَكِّي في السنة الأولى ليس سبعين ألفًا أو ثمانين، وإنما خمسةً وخمسين ألف، ثم في السنة الثانية تُزَكِّي أيضًا ما تبقى من رأس المال، طبعًا رأس المال لن يكون خمسين ألفًا، سينقص، بعدما استلمت قسط السنة السابقة ستُزَكِّي ما تبقى من رأس المال مع ربح السنة الحالية التي بعدها، ثم أيضًا في السنة الثالثة كذلك؛ ولهذا تجد أن الزكاة في كُلِّ سنة تنقُص، باعتبار أنك ما سَدَدتَه من أقساط هذا ليس فيه زكاة، وإنما تجب الزكاة في الأقساط المتبقية.
وبهذه الطريقة يستطيع الإنسان أن يحسب مقدار الزكاة الواجبة في الديون المؤجَّلة والديون المقسَّطة.
أسأل الله أن يُوفِّقني وإياكم لما يُحِبُّ ويرضى من الأقوال والأعمال، وأن يستعملنا جميعًا في طاعته، وأن يُبارك لنا في شهر رمضان، ويُوفِّقنا فيه للعمل الصالح.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.