متى يبدأ يومه؟ ومتى ينتهي؟ ما القدر الذي يُعد به المرء قد وقف بعرفات؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
متى يبدأ يومه؟ ومتى ينتهي؟ ما القدر الذي يُعد به المرء قد وقف بعرفات؟
الجواب
أولًا: إذا قلنا: الوقوف، بعض العامة يعتقد أن معنى الوقوف أن يظل واقفًا، وهذا فهم غير صحيح.
وبعض الناس يعتقد أيضًا المبيت بـمزدلفة والمبيت بـمنى: أنه لا بد أن ينام.
هذه كلها غير صحيحة، المقصود المكث بعرفة، والمكث بـمنـى، والمكث بـمزدلفة، هذا هو المقصود، سواءً نام أو لـم ينم، سواءً وقف أو قعد.
الوقوف بعرفة يبتدئ من زوال الشمس، يعني: من وقت أذان الظهر، وهذا هو قول أكثر أهل العلم، هو مذهب الحنفية والمالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة، وعده ابن المنذر وابن عبدالبر إجماعًا، وإن كانت المسألة ليست فيها إجماع، فمذهب الحنابلة معروف، أن وقت الوقوف يبدأ من طلوع الفجر.
والقول الراجح هو قول الجماهير: أن وقت الوقوف يبتدئ من زوال الشمس؛ لأن النبي إنـما وقف من بعد الزوال، وقد قال: لتأخذوا عني مناسككم [1]، وخلفاؤه الراشدون من بعده إنـما كانوا يقفون بعرفة من بعد الزوال.
فوقت الوقوف إذًا على القول الراجح وهو قول أكثر أهل العلم: إنما يبتدئ من بعد الزوال.
ولهذا: إذا أتى الحاج إلى عرفات مبكرًا، فينبغي أن يرتاح ويتهيأ للوقوف، أقول هذا لأن بعض الحجيج يصل لعرفات من الصباح، ويبدأ بالدعاء، ويجتهد في الدعاء، فإذا أتى بعد الزوال وهو وقت الوقوف، إذا هو متعب فنام عن وقت الوقوف، وكان المفترض العكس، أول ما يصل لعرفات يرتاح ويتهيأ، حتى إذا زالت الشمس هنا يجتهد في الدعاء، ويجتهد في الذكر.
وأفضل عمل يعمله الحاج في يوم عرفة، هو الدعاء؛ لماذا؟ لأن النبي في يوم عرفة إنـما اشتغل بالدعاء فقط، فإنه عليه الصلاة والسلام أول ما أتى نزل بنمرة إلى زوال الشمس، ثم ذهب إلى الوادي وخطب بالناس خطبة عرفة، ثم أمر المؤذن فأذَّن، ثم أقيمت صلاة الظهر فصلاها ركعتين، ثم أقيمت صلاة العصر فصلاها ركعتين، ثم سار عليه الصلاة والسلام إلى أقصى عرفات عند الصخرات، عند الجبل، وهو جبل إلال الذي يسمى: جبل الرحمة.
هل نزل النبي عليه الصلاة والسلام؟ وهل كان له مخيم؟ أبدًا، ذهب بناقته وأناخ ناقته، وجعل راكبًا على ناقته مستقبلًا القبلة، رافعًا يديه، يدعو طيلة الوقت، لاحظ! أنه وقتٌ طويل، من بعد الظهر إلى غروب الشمس، ما يقارب ست ساعات على الأقل، طيلة هذا الوقت لـم ينشغل عليه الصلاة والسلام بأي عمل إلا بالدعاء، حتى إن خطام ناقته سقط، فأخذه بإحدى يديه، ولا يزال رافعًا اليد الأخرى.
وشك الصحابة هل كان النبي صائمًا؛ لأنـهم رأوه طيلة الوقت وهو يدعو، ما انشغل بأي شيء آخر، فأراد الصحابة أن يختبروه، فأرسلت إليه أم الفضل رضي الله عنها بلبن بعد العصر، فشرب منه، والناس ينظرون، فعرفوا أنه كان مفطرًا ولـم يكن صائمًا.
لكن حصلت قضية: وهو أن رجلًا وقصته ناقته وهو محرم في يوم عرفة، هذا يدل على أنه كان يوجد حوادث في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، حوادث قليلة، أشبه بحوادث السيارات عندنا الآن، وقصته ناقته فمات، فأتوا النبي في عرفات وهو يدعو، فقطع النبي عليه الصلاة والسلام دعاءه، وأفتاهم، وقال: اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا [2]، ثم أكمل النبي عليه الصلاة والسلام دعاءه.
ولذلك: يا أخي الحاج، أفضل عمل تشتغل به يوم عرفة: الدعاء، فاحرص على الدعاء.
وقد يقول قائل: بـماذا أدعو؟ ادع اللّـه تعالى بـما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة، الدعاء في هذا المقام وفي هذا الزمان حريٌ بالإجابة، فادع اللّـه تعالى، اسأل اللّـه تعالى الجنة، استعذ باللّـه تعالى من النار، ادع اللّـه تعالى بـمغفرة الذنوب، أكثر دعاء كان يدعو به النبي عليه الصلاة والسلام: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار [3]، ادع اللّـه تعالى بالإعانة على طاعته، ادع اللّـه تعالى لوالديك ولأسرتك ولأولادك بالصلاح، وللأمة الإسلامية بالنصر، ادع اللّـه تعالى بـما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة.
ولا بأس أن يتحدث الإنسان مع أصحابه، لكن لا يكون هذا هو الغالب على وقته.
ويلاحظ على بعض الناس أنَّـهم ينشغلون بالسواليف، وبالأحاديث الجانبية في يوم عرفة، وسبحان اللّـه! كأن السواليف ما تحلو إلا في ذلك اليوم، وبعضهم ينام، وأيضًا كأن النوم ما يحلو إلا في ذلك المكان.
المقدم: والأصل أن كان يتهيأ من ليلة البارحة، يعني: ليلة عرفة كان الأصل أن ينام ليحيها؟
الشيخ: نعم، يستعد لهذا المقام، ويستعد لهذا الموقف العظيم، فينبغي أن يغتنم الحاج هذا الوقت الثمين من العمر، هذه السويعات ما بين زوال الشمس إلى غروبـها من يوم عرفة، هذه أعتبرها من أثـمن أوقات العمر، أثـمن أوقات عمر الإنسان هو هذا الوقت، فينبغي أن يغتنمه في الدعاء، يضّرع إلى اللّـه في الدعاء بـما يحضره من خيري الدنيا والآخرة.