حكم بناء بيت للفقير من أموال الزكاة

هذه المسألة ترجع لمسألةٍ فقهيةٍ خلافيةٍ بين الفقهاء، وهي: مقدار ما يُعطى الفقير أو المسكين، وهذه اختلف فيها الفقهاء على أقوالٍ، أبرزها قولان:

• القول الأول: أن الفقير أو المسكين يُعطى ما يكفيه على الدوام، وهذا هو مذهب الشافعية^[1].
  ويتخرج على قولهم هذا: أنه يجوز أن يُشترى للفقير بيتٌ من أموال الزكاة، أو يُبنى له بيتٌ من أموال الزكاة.
• القول الثاني: أن الفقير أو المسكين يُعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة سنةٍ فقط، وهذا هو قول جمهور الفقهاء، وهذا هو القول الراجح.
  ويتخرج على هذا القول: أنه لا يجوز شراء أو بناء بيتٍ للفقير أو المسكين من الزكاة، وإنما تُسَدُّ حاجة الفقير أو المسكين للسُّكْنَى باستئجار بيتٍ مناسبٍ لمثله لمدة سنةٍ.
  هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

القول بأن الفقير أو المسكين يُعطى ما يكفيه على الدوام -يعني- هذا قولٌ لا ينضبط؛ كم يكفيه على الدوام؟ كم يكفيه؟

يعني: إذا أردنا أن نُطبقه في الوقت الحاضر كم يكفي هذا الفقير على الدوام؟ يُعطى مليونًا أو مليونين، كم يكفيه؟

ثم أيضًا هذا الفقير قد يغتني، قد يُغنيه الله ​​​​​​​، فبعض رجال الأعمال الأثرياء الكبار كانوا فُقراء في السابق، فأحدهم أخبر عن نفسه أنه كان لا يملك إلا ثوبًا واحدًا طيلة السنة، ومع ذلك الآن اغتنى، وأصبح من أثرياء العالم.

فهذا الفقير قد يغتني؛ ولهذا فالصواب في هذه المسألة أن الفقير أو المسكين يُعطى ما يكفيه مدة سنةٍ.

ويتفرع عن هذا: أنه لا يجوز أن يُبنى للفقير أو المسكين بيتٌ من أموال الزكاة، أو يُشترى له بيتٌ من أموال الزكاة، وإنما يُستأجر له؛ لأن التَّملك ليس ضروريًّا، وإنما السُّكْنَى ضروريةٌ، السُّكْنَى ضروريةٌ للفقير أو المسكين، أو لأي إنسانٍ، حاجة السكن من الحاجات الضرورية، فيُستأجر له، يسدّ حاجة السُّكْنَى.

أما التَّملك فهو قدرٌ زائدٌ على حاجة السُّكْنَى، فالتَّملك أمرٌ كماليٌّ، ليس ضروريًّا، فكم من إنسانٍ يعيش حياةً كريمةً في بيتٍ مُستأجرٍ.

التَّملك إنما يكون إذا قدر الإنسان على التَّملك، وإذا لم يقدر يستأجر بيتًا مُناسبًا.

فهذا الفقير أو المسكين يُستأجر له بيتٌ مُناسبٌ لحاله من أموال الزكاة، لكن لا يجوز أن يُشترى له بيتٌ من أموال الزكاة، أو يُبنى له بيتٌ من أموال الزكاة؛ لأن التَّملك كمالٌ، وليس ضرورةً، إنما الضرورة السُّكْنَى، وحاجة السُّكْنَى تُسَدُّ باستئجار بيتٍ لهذا الفقير أو المسكين.