ينبغي أن يجعل المسلم من وقته نصيبًا لتلاوة القرآن، لا يمر عليه يومٌ إلا وقد قرأ فيه شيئًا من كتاب الله ، وقد كان النبي وكان الصحابة كل واحدٍ منهم يجعل له حزبًا، والمقصود بالحزب يعني: نصيب وقدر يحافظ عليه كل يومٍ وكل ليلةٍ، قد يزيد عليه، لكن لا ينقص منه، وهو المراد في قول النبي عليه الصلاة والسلام: من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر؛ كُتب كأنما قرأه من الليل ، رواه مسلمٌ.
فهذا يقتضي أن المسلم ينبغي أن يقرأ القرآن كل يومٍ، لا يجعل تلاوة القرآن على الهامش، لا يجعلها على وقت فراغه؛ إن تيسر له وقت فراغٍ؛ قرأ فيه القرآن، وإلا لم يقرأ؛ لأنه إذا فعل ذلك ستمر عليه مددٌ طويلةٌ لا يقرأ فيها شيئًا من القرآن الكريم، وهذا قصورٌ كبيرٌ، فعلى المسلم أن يُعنى بتلاوة القرآن الكريم، كل يومٍ يجعل له قدرًا يحافظ عليه.
وتلاوة القرآن من الأعمال الصالحة العظيمة؛ كما قال الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29-30]، فانظر كيف أن الله تعالى قرن تلاوة القرآن بإقامة الصلاة والإنفاق في سبل الخير: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً [فاطر:29]، ثم أيضًا قدمها على الصلاة وعلى الإنفاق، بدأ بالتلاوة؛ وهذا يدل على شرفها وعظيم أجرها وثوابها، إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.
ويقول سبحانه: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس:61]، فخص تلاوة القرآن مع أنها داخلةٌ أصلًا في العمل، وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ، يشمل تلاوة القرآن، لكن خصها بالذكر لشرفها.
ومن قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها ، فتلاوة القرآن من الأعمال الصالحة العظيمة.
ثم أيضًا تلاوة القرآن -خاصةً مع التدبر- هي من أعظم أسباب الثبات، خاصةً في هذا الزمن الذي نعيشه الآن، والذي كثرت فيه الفتن، فمن أعظم أسباب الثبات: الارتباط بكتاب الله ، فإذا ارتبط الإنسان بكتاب الله، كل يومٍ يقرأ فيه شيئًا من كتاب الله ؛ سيرتبط بهذا القرآن العظيم، الذي فيه نبأ ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، فيه ذكر أحوال الدنيا وأحوال الآخرة، فيه ذكر الجنة، فيه ذكر النار، فيه أوصاف الجنة وأوصاف النار، فيه الموعظة، فيه الشفاء، فيه النور، فيه الهداية، إذا ارتبط بهذا القرآن العظيم؛ فهذا من أعظم أسباب الثبات، بل من أعظم أسباب زيادة الإيمان؛ كما قال سبحانه: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2].
فالذي أُوصِي به: أن الإنسان بعد انقضاء شهر رمضان، وقد قرأ شيئًا من كتاب الله ، وربما ختم القرآن أكثر من مرةٍ؛ أن يستمر على ذلك، وأن يجعل له كل يومٍ نصيبًا من تلاوة القرآن.