عن والدته المتوفاة، يقول: يزور قبرها بين فترة وأخرى، فما حكم ذلك؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
عن والدته المتوفاة، يقول: يزور قبرها بين فترة وأخرى، فما حكم ذلك؟
الجواب
زيارة القبور سنة، وقد أرشد إليها النبي فقال: زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة[1]. وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين[2]، ويدعو لهم بالمغفرة: “اللهم اغفر لهم وارحمهم”، ونحو ذلك؛ فهذا هو المشروع عند زيارة القبور.
فعلى هذا؛ يكون الغرض من زيارة المقبرة أولًا: الاعتبار فإنها تذكركم الآخرة، فيتذكر الإنسان بزيارته للمقبرة يتذكر الآخرة، ويتذكر أحوالها، ويتذكر قِصَر عمره في هذه الدنيا، وأن هؤلاء أصحاب القبور، وأن هؤلاء الذين هم أصحاب القبور كانوا أحياء على الأرض يأكلون ويشربون ويضحكون ويمرحون، ثم إذا هم الآن في باطن الأرض لا يستطيعون زيادة في الحسنات ولا نقصًا من السيئات، مرتهنون بأعمالهم، انتقلوا من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، من الدنيا إلى دار الجزاء والحساب. فعندما ينظر إلى ذلك؛ فإنه يعتبر ويتعظ. هذا هو الغرض الأساس من زيارة المقبرة.
كذلك أيضًا الدعاء لهؤلاء الأموات؛ ولهذا كان -عليه الصلاة والسلام- يدعو لهم كما في الحديث السابق: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يدعو لهم بالمغفرة، يدعو لهم بالرحمة. ولكن هذا الدعاء لا يختص بالمقبرة، إنما يأتي تبعًا؛ ولذلك لو دعا للأموات في أي مكان فإنه ينفعهم الدعاء.
وبخصوص قريبه: لا بأس إذا دخل المقبرة أن يأتي لقبر قريبه، وأن يسلم عليه بنحو “السلام على أهل القبور”، وأن يدعو له.
ولكن، هل هذا القريب يعلم بزيارة الحي له؟ هل هذا الميت يعلم بزيارة قريبه الحي له؟ وهل يأنس بذلك؟ وهل يسمع كلام قريبه الحي عندما يأتي عند قبره ويسلم ويدعو له؟
هذه المسألة لا يستطيع العقل البشري أن يصل فيها إلى رأي؛ لأن هذه من أمور الغيب التي إنما تُعرف عن طريق الوحي، والإنسان مهما كان عليه من القدرة العقلية والعلمية لا يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال، إنما المرجع في ذلك إلى الوحي؛ لأن هذا من أمور الغيب.
ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي ، لم يثبت في ذلك شيء فيما أعلم، والله تعالى يقول: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22].
وقد دلت الأدلة على أن الميت بعد دفنه تعاد إليه روحه، فيُسأل: مَن ربك؟ وما دينك؟ وما هذا النبي الذي بُعث فيكم؟ ثم بعد ذلك تصعد روحه إن كان من أهل الجنة في عِلِّيين على نَسَمَة طائرٍ على شكل نسمة طائر تسرح في الجنة حيث شاءت، وإن كان من أهل النار تكون في سِجِّين.
وأما هذا الجسد فإنه يَبْلى كما أخبر بذلك النبي ، ولا يبقى منه إلا عُجْب الذَّنَب، وهو العُصْعُص آخر العمود الفقري، إلا الأنبياء ومن شاء الله من الصديقين والشهداء والصالحين.
وعلى ذلك؛ فالقول بأن هذا القريب أنه يأنس، وأنه ينتفع، وأنه يُسَر ويفرح بزيارة قريبه الحي، هذا يحتاج إلى دليل، ولا أعلم في ذلك دليلًا.
والذي ينبغي للإنسان إذا أراد أن يُحسن إلى قريبه: أن يفعل ما دلت له السنة، ومن ذلك: الدعاء؛ فإن الدعاء هو أعظم ما يفعله الحي للميت؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له[3]. فقال: أو ولد صالح يدعو له فذكر الدعاء.
وكذلك أيضًا الصدقة، خاصة إذا كانت الصدقة جارية -أي: وقفًا- فيجري ثوابها لهذا الميت وتجري له الحسنات بسبب هذا الوقف أو بسبب هذه الصدقة، وما دام هذا الوقف ينتفع به فيجري ثواب هذا الوقف للميت. وهذا معنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: صدقة جارية.
وهكذا العلم الذي يُنتفع به بأية صورة من صور الانتفاع، فهذه يصل ثوابها للميت.
وكذلك أيضًا لو اعتمر عنه، لو اعتمر عن قريبه، عن -مثلًا- أمه المتوفاة، أو أبيه المتوفى؛ يصل ثواب العمرة له.
وكذلك الحج أيضًا يصل ثوابه له. فهذه أمور قد دلت السُّنة على وصول الثواب فيها للميت، وينتفع بها انتفاعًا عظيمًا ويسر بها ويفرح ويغتبط.
وأما مجرد أنه يقف عند قبره: فهذا يحتاج إلى دليل، ولم يرد عن النبي أنه كان يذهب لقبور أقاربه ويسلم عليهم ويتعاهدهم بالزيارة، مع أنه قد مات جميع أولاده ما عدا فاطمة في حياته -عليه الصلاة والسلام-، وماتت زوجته خديجة، وكذلك عمه حمزة، فلم يُنقَل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يتعاهدهم بزيارة قبورهم من حين لآخر، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- مِن أوصل الناس ومِن أَبَرِّ الناس، ولم يُنقل ذلك عن صحابة النبي .
فينبغي عدم المبالغة في هذا، وأن يحرص المسلم على ما دلت له السنة من الدعاء للميت والصدقة عنه، والعمرة والحج، ونحو ذلك. هذا هو الذي ينفع الميت، ويُسَر به الميت ويغتبط به.
هذا الحديث أخرجه مسلمٌ في “صحيحه” ((رواه مسلم: 250.))، وهو على ظاهره، وهو أن الحلية في الجنة تبلغ من المؤمن…
لا يجوز تأخير الصلاة حتى تهبط الطائرة، ما دام أن الطائرة لن تهبط إلا بعد خروج الوقت؛ وذلك لأن شرط…