الكثير ربما -يعني- فرَّط في المبادرة فيما يتعلق بأداء فريضة الحج، ربما بلغ من العمر -يعني الكبر- ومع ذلك لم يحج، فلو كان منكم يا شيخ سعد -حفظكم الله- كلمة توجيهية حول فضل الحج، والمبادرة إليه.
مشاهدة من الموقع
السؤال
الكثير ربما -يعني- فرَّط في المبادرة فيما يتعلق بأداء فريضة الحج، ربما بلغ من العمر -يعني الكبر- ومع ذلك لم يحج، فلو كان منكم يا شيخ سعد -حفظكم الله- كلمة توجيهية حول فضل الحج، والمبادرة إليه.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الحج ركنٌ من أركان الإسلام، وفريضةٌ من فرائض الدين، الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، ويجب على المسلم أن يبادر لأداء فريضة الحج إذا كان مستطيعًا لذلك؛ كما أمر بذلك ربنا في قوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].
فعلى من كان قادرًا على الحج أن يبادر بأداء هذه الفريضة وهذا الركن، وأن يبرئ ذمته؛ فإن ذمته لا تبرأ إلا بذلك.
وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره: أن النبي قال: تعجَّلوا إلى الحج؛ أي: الفريضة فإن أحدكم لا يدري ما يَعرِض له[1].
فالإنسان لا يدري ما يعرض له في المستقبل؛ فقد يعرض له وفاةٌ، قد يأتيه الموت بغتةً، فكيف يلقى ربَّه وقد فرَّط في ركنٍ من أركان الإسلام وفي فريضةٍ من فرائض الدين مع قدرته على ذلك؟!
ليُقدِّر الذي لم يحج حج الفريضة: بأنه قد قَدَّر الله عليه أن ينتهي أجله في هذه الدنيا وأن ينتقل إلى عالم الآخرة، فكيف سيلقى ربَّه ؟! وبأي عذرٍ سيعتذر في تفريطه في أداء ركنٍ من أركان الإسلام وفريضةٍ من فرائض الدين؟!
ثم أيضًا حتى لو لم يعرض له الموت، فقد تعرض له عوارض أخرى من مرضٍ أو غيره.
ولذلك؛ فينبغي للمسلم -ما دام مستطيعًا- أن يبادر لأداء هذه الفريضة.
حدثني رجلٌ من الناس، يقول: إن أخًا له كان قادرًا على الحج، وكنا نستحثُّه في أن يؤدِّي فريضة الحج، وكان شابًّا، يقول: ثم إن الله قدَّر عليه أن أصيب بمرضٍ فعمي، وأصيب بفشلٍ كلويٍّ، وأصبح لا يستطيع أن يحج حج الفريضة، فندم ندمًا عظيمًا على ذلك.
ولهذا؛ فأقول لمن لم يحج حج الفريضة: عليه أن يبادر بأداء هذا الركن، وألا يُسوِّف؛ فإن بعض الناس عندما يقال له ذلك تجد أنه يأتي بالأعذار الواهية ويسوف، وكلما أتى عامٌ أتى بأعذارٍ، بينما تجده في أمور دنياه لا يُسوِّف ولا يماطل، تجد أنه يسافر لسفر النزهة، ويسافر للتجارة، ويسافر للعمل، أما السفر لأداء فريضة الحج فإنه كلَّ عامٍ يلتمس أعذارًا لكي لا يؤدي هذه الفريضة؛ فهذا على خطرٍ عظيمٍ.
وقد كان عمر يقول: وَدِدْتُ أن أبعث إلى هذه الأمصار، فيبحث عمن قدر على أداء الحج فلم يحج فيُضرب عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين[2]. ومراده بذلك الأمصار التي فتحها المسلمون.
فكان يستدل عمر بأداء هذه الشعيرة على أن من كان في تلك البلدان أنهم من المسلمين، وليس مراده أن تارك الحج أنه يكفر بتركه الحج؛ لأن من معتقد أهل السنة والجماعة: أن من ارتكب كبيرةً فإنه مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته، إلا الصلاة؛ فإن الصلاة إذا تركها الإنسان بالكُليَّة فإنه يكفر كفرًا أكبر؛ كما قال -عليه الصلاة والسلام-: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة[3]. وكما قال عبدالله بن شقيقٍ حاكيًا عن الصحابة: لم يكن أصحاب النبي يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة[4].
والحج فضله عظيمٌ، وقد أخبر النبي بأن الحج إذا وقع مبرورًا يُكفِّر جميع الذنوب، يقول -عليه الصلاة والسلام-: من حج فلم يَرفُث ولم يَفسُق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. أخرجه البخاري ومسلمٌ في صحيحيهما[5].
من حجَّ فلم يرفث؛ المقصود بالرَّفَث: الجماع وما يتعلق به، وهذا وقتَ الإحرام ممنوعٌ منه المُحرِم.
ولم يفسق؛ أي: لم يقع منه معصيةٌ، ووقع هذا الحج مبرورًا على السُّنة، فإن هذا الحج يكفر جميع الذنوب؛ فيرجع الحاج كيوم ولدته أمه ليس عليه إثمٌ ولا خطيئةٌ.
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة[6]. وربنا قال في محكم التنزيل: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203]؛ أي: من أتى بالحج وأنهى الحج، سواءٌ أكان متعجلًا أو متأخرًا؛ فإنه يرجع مِن حجِّه ولا إثم عليه، قد حُطت عنه جميع الآثام، بشرط أن يتقي الله في حجه. وهو معنى قولنا: أن يكون الحج مبرورًا، وهو معنى قول النبي : فلم يرفث ولم يفسق؛ فكلها بمعنًى واحدٍ.
فإذا اتقى اللهَ الحاجُّ في حجه؛ فإنه يرجع وقد حُطت عنه الذنوب والآثام.
وجاء في “صحيح مسلمٍ” في قصة إسلام عمرو بن العاص : أنه لمَّا أراد أن يُسلِم أتى إلى النبي فقال: ابسُطْ يمينك أُبايِعْكَ. فبسط النبي يده فقبض عمروٌ يده، فقال له النبي : لم قبضت يدك يا عمرو؟. قال: أردتُ أن أشترط. قال: تشترط ماذا؟. قال: أشترط أن يُغفر لي. فقال له النبي : أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟[7].
فتأمل قوله -عليه الصلاة والسلام-: وأن الحج يهدم ما كان قبله؛ أي: يهدم ما كان قبله من الذنوب والمعاصي. وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”[8].