بعض الرجال يفهم قول الله : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] أن القوامة هي التَّسلط، أو أنها إجبار الزوجة على أن تكون مُطيعةً بشكلٍ كاملٍ لكل أوامره، فما المفهوم الحقيقي لهذه الآية؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
بعض الرجال يفهم قول الله : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] أن القوامة هي التَّسلط، أو أنها إجبار الزوجة على أن تكون مُطيعةً بشكلٍ كاملٍ لكل أوامره، فما المفهوم الحقيقي لهذه الآية؟
الجواب
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه الآية يقول فيها ربنا : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ القوامة معناها: أن الرجال يقومون على شؤون النساء، ويقومون برعايتهن؛ ذلك أن الله تعالى أوجب على الرجال النفقة، فالرجال هم الذين يُنفقون، الزوج يُنفق على زوجته، والأب يُنفق على بناته، وكذلك أيضًا على أخواته إذا لم يوجد الأب، فهم مُلزمون بأن يقوموا على شؤونهم، هذا من جهةٍ.
من جهةٍ أخرى أيضًا القوامة للرجل على المرأة تعني: أن هذه الحياة الزوجية التي تُعتبر شركةً بين الزوج والزوجة، مؤسسة البيت، أو مؤسسة الحياة الزوجية، أو هذه الشركة التي بين الزوج والزوجة لا بد لها من مديرٍ وإلا ما تستقيم، وحتى في غير الحياة الزوجية النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إذا خرج ثلاثةٌ في سفرٍ فَلْيُؤَمِّروا أحدهم [1]، فلا بد من شخصٍ يُؤْتَمَر بأمره، فإذا لم يكن هناك في الحياة الزوجية مديرٌ لهذه الشركة الزوجية لا تستقر، تُصبح في تنازعٍ، وفي شِقَاقٍ.
فالله تعالى حسم هذه المسألة، فجعل الرجل قَوَّامًا على المرأة قوامةً تكون فيها رعايةٌ لمصالح الأسرة والحياة الزوجية، وليست قوامة تسلُّطٍ وأذيةٍ.
وإذا فهم الزوج أنها قوامة تسلُّطٍ نقول: هذا فهمٌ غير صحيحٍ، إنما المقصود بهذه القوامة: تحقيق المصلحة والاستقرار والسكن للحياة الزوجية، هذا هو المقصود من هذه القوامة.
وهذه المسألة في الحقيقة حسمتها الشريعة الإسلامية، وتُؤدي إلى استقرار الحياة الزوجية؛ ولذلك نجد أن المجتمعات التي لا تلتزم بهذه التعليمات الربانية في بعض المجتمعات الغربية والشرقية المرأة تجعل نفسها ندًّا للرجل تمامًا، الزوجة كالزوج، تجعل نفسها ندًّا له، فلا تستقر الحياة الزوجية.
وهي في الحقيقة إذا جعلتْ نفسها ندًّا له هناك أعباء لا يمكن أن يقوم بها الرجل، فهي تظلم بهذا نفسها، هناك -مثلًا- الحمل، والولادة، ورضاعة هذا الطفل وما يتعلق به، هذا لا بد أن تقوم به المرأة.
فالله خالق البشر جعل هناك مهامًا للرجل ومهامًا للمرأة، فالرجل من مهامه أنه يُنفق على الأسرة، وأنه يقوم على رعاية شؤون الأسرة، والمرأة تقوم على شؤون البيت: تقوم بالحمل، والولادة، والرضاع، ورعاية الأطفال، وتربية الأطفال، ونحو ذلك، وبهذا تكون المهام مُوزعةً بين الزوجين، ولا يكون هناك تنازعٌ بينهما، لكن عندما يكون هناك التنازع بينهما، وكلٌّ يريد أن يكون هو القوَّام على الآخر؛ يحصل الاضطراب وعدم الاستقرار.
والمرأة المسلمة عندما تقرأ هذه الآية فإنها تنقاد لحكم الله ، وتعرف أن الله تعالى هو الذي جعل الرجل والزوج قَوَّامًا عليها، الله هو خالق البشر، وهو أعلم ما تصلح به أحوال البشر، وهي قوامة مصالح، وليست قوامة تسلطٍ، فالمرأة المسلمة تنقاد لأمر ربها ، وتكون مُطيعةً لزوجها بالمعروف؛ ولهذا قال : فَالصَّالِحَاتُ يعني: فالنساء الصالحات قَانِتَاتٌ يعني: مُطيعات لأزواجهن، حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ يحفظن أزواجهن أيضًا حتى في غيبتهم، فلا يَقُمْنَ بخيانة أزواجهن.
فهذه الأمور ينبغي أن تعيها المرأة المسلمة، وأن تنقاد لحكم ربها ، وأيضًا على الزوج أن يتقي الله ، وألا يتسلط على المرأة، وألا يقوم بأذيتها، وإنما يقوم بالقوامة التي تعني: رعاية مصالح الأسرة، والقيام على شؤون هذه الأسرة، والنظر في مصالح الأسرة من غير تسلطٍ ولا أذيةٍ.
المقدم: من العبارات الجميلة التي سمعتُها: أن هذه الدعوات التي تدعو إلى أن تكون المرأة ندًّا للرجل هي في الحقيقة أخذتْ مهامًا من الرجل وأعطتها للمرأة، وفي المقابل هناك مهامٌ للمرأة لا يمكن أن تُعطى للرجل، فالواقع أنها خففت عن الرجل، وأضافتْ أعباء إلى المرأة.
الشيخ: هذا صحيحٌ، وهذا حقيقةً فيه ظلمٌ للمرأة، فعندما يُطلب من المرأة مُساواتها بالرجل ظُلِمَتْ هذه المرأة؛ لأن معنى ذلك: ستكون الأعباء التي تقوم بها أكثر من الرجل، بينما الله تعالى جعل للرجل مهامًا، وللمرأة مهامًا؛ فالنفقة ليست من شأن المرأة، بينما في المجتمعات الغربية والشرقية لا، المرأة لا بد أن تُشارك الرجل حتى في إيجار المنزل، وفي شراء الحوائج، وفي كل شيءٍ، فهي مظلومةٌ هناك؛ تقوم بأعمالٍ فوق طاقتها، ويُخفف عن الرجل بهذا زعمًا منهم أن المرأة تُساوي الرجل، ولكن لا شكَّ أن منهج الله خالق البشر هو الصواب، وهو الأقوم، والله تعالى هو الأعلم بما تصلح به أحوال البشر.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 2608. |
---|