إن الله تعالى قد علق فـلاح العبـد على تزكيتـه لنفسه، قـال تعالى في سورة الشمس: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وقد جاءت هذه الآية بعـد أحـد عشر قسماً، وليس لهذا نظير في القرآن، وقـد وقعـت هـذه الآيـة جواباً لهذا القسم، مما يؤكد على أهمية تزكية النفوس، وأن الفـلاح كل الفلاح معلق على هذه التزكية.
وتحصيل تزكية النفـوس بـأمور قـد جـاء بيانهـا في الكتـاب والسنة، ومن أبرزها: عبادة جليلة ينقطع فيها العبد لإصلاح نفسه وتعاهـدها، وينقطـع عـن الـدنيا ويتفـرغ للآخـرة، وهـي عبـادة “الاعتكاف”، التي يقول الإمام ابـن القـيـم رحمه الله في كتابه “زاد المعاد” المقصود منهـا: (عكـوف القلـب علـى الله تعـالى وجمعيتـه عليـه، والخلـوة بـه، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه).
وقد كتب المؤلف هذا البحث لإبراز مسائل هـذه العبادة، وهي خروج المعتكف من المسجد والاشتراط فيه، نظراً لأهمية هذه المسألة، وكثرة الأسئلة والاستشكالات فيها، وقال: لم أقـف على من أفردها ببحث مستقل مع أهميتها، وإن كان فقهاؤنا رحمهم الله قد تناولوها في كتبهم، إلا أنه أراد جمع كلامهـم على اختلاف مذاهبهم، وجمع الأدلة الواردة فيها، وتحريـر هـذه المسألة بالبحث والمناقشة حتى يتجلى فيهـا مـا هو الأقرب للكتاب والسنة.
ومنهجه في البحث يصور المسألة التي تحتاج إلى إيضاح تصويراً دقيقاً قبـل بیان حكمها، ليتضح المراد بها.
كما يعـرض الآراء في المسائل حسب الاتجاهات الفقهية، ونسبة كل رأي إلى من قال به من أصحاب المذاهب، مع عرض أدلة الأقوال، وبيان وجه الدلالة إذا احتـاج الأمر إلى ذلك.
ويناقش الأدلة، ويرجح مع بيان سبب الترجيح، كما يذكر أرقام الآيات وأسماء السور الواردة فيها، ويخرج الأحاديث من مصادرها.
وقسم البحث إلى مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة:
- ففي المقدمة بين أهمية البحث ومنهجه.
- أما المبحث الأول: فذكر حقيقة الاعتكاف والأصل فيه.
- المبحث الثاني: ذكر اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف.
- المبحث الثالث: ذكر خروج المعتكف من المسجد.
- المبحث الرابع: ذكر الاشتراط في الاعتكاف.
- وخاتمة البحث تضمن أهم نتائج البحث.