الرئيسية/مقاطع/طريقتان لطلب العلم
|categories

طريقتان لطلب العلم

مشاهدة من الموقع

ذكر الإمام الشاطبي أن لطلب العلم طريقتين[1]:

  1. الطريقة الأولى: أخذ العلم عن أهله؛ وذلك بحضور الدروس والحلق، والاختلاط بالعلماء وأخذ العلم عنهم.
  2. والطريقة الثانية: الاجتهاد الشخصي؛ بالحفظ والاطلاع والقراءة ونحو ذلك.

ورجَّح الشاطبي أن الطريقة الأولى أفضل، وهي المأثورة عن السلف: أخذ العلم عن أهله، وهي أيضًا تختصر لطالب العلم الوقت والجهد، فعندما تأتي لمسألة من المسائل، ربما أنك لو تقرأها في بعض الكتب؛ تستغلق عليك، لو أخذت مثلًا مسألة “علة الربا”، ربما لو قرأتـها في الكتب الفقهية فيها أقوال كثيرةٌ، وتشعباتٌ ومذاهب، لكن عندما يأتي لك من يشرحها من المشايخ المتخصصين، ربما يشرحها لك في وقتٍ وجيزٍ، وتفهمها بسرعةٍ، فيختصر لك الكثير من الوقت والجهد.

وأما الطريقة الثانية فهي أيضًا مهمةٌ: طريقة الاجتهاد الشخصي؛ بالحفظ والمراجعة والقراءة.

ولا بد من الطريقتين جميعًا، لا بد من الجمع بين الطريقتين، من اكتفى بالطريقة الثانية -أن يكون أخذه للعلم عن طريق الكتب- فسيفوته أشياء كثيرةٌ: سيفوته اكتساب الأخلاق والآداب، وأيضًا سيفوته قبل ذلك الأجر العظيم على حضور هذه الحلق وهذه الدروس، وقد أخبر النبي  بأن لله ملائكةً سيَّارةً تلتمس مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذكرٍ قالوا: هلمُّوا إلى حاجتكم، وفي آخر الحديث يقول الله ​​​​​​​: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب، إن فيهم فلانًا ليس منهم؛ وإنـما أتى لحاجةٍ وجلس، فيقول الله: هم القوم لا يشقى بـهم جليسهم [2].

فالذي يحضر الدروس يستفيد هذه الفائدة العظيمة، ومجالس العلم هي أولى بأن توصف بأنـها مجالس ذكرٍ؛ ولهذا قال عن خطبة الجمعة: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، سـماها الله: ذكر الله، فالذي يحضر الحلق والدروس يتعرض لمغفرة الله وفضله.

ولذلك تجد أن من يعتمد في طلبه للعلم على الكتب فقط، ولا يحضر الدروس والحلق؛ تجد أنه يكون عنده حدةٌ في الطرح، وهذا مما أُخِذ على أبي محمد بن حزمٍ: حدَّته، وعدم تأدبه مع العلماء، قالوا: لأنه لـم يأخذ العلم عن طريق العلماء، وهكذا أيضًا تجد من بعض العلماء المعاصرين من عنده حدَّةٌ في الطرح، وقسوةٌ مع مخالفيه، فمن أسباب ذلك: عدم أخذ العلم عن العلماء.

لكن أيضًا الطريقة الأولى -أخذ العلم عن العلماء- لا بد أن يتبعها ضبطٌ، ومراجعةٌ وقراءةٌ، فلا تكفي أيضًا، هي تعطيك مفاتيح للعلم، لكن لا بد أن تبذل جِدًّا واجتهادًا، وخاصةً في وقتنا الحاضر الذي ضعفت فيه الذاكرة لدى كثيرٍ من الناس؛ بسبب وسائل التقنية الحديثة، التي أصبح كثيرٌ من الناس يعتمد عليها، والذاكرة تضعف بالإهمال وتقوى بالمـِرَان؛ ولذلك ينبغي أن يُعوَّض هذا الضعف بكثرة المراجعة والمطالعة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 الموافقات للشاطبي: (1/ 145)، ط دار ابن عفان.
^2 رواه البخاري: 6408، ومسلم: 2689، بنحوه.
مواد ذات صلة