شهر الله المحرم، هو أول شهور العام الهجري.
وقد كان الناس في زمن النبي ، وفي زمن أبي بكرٍ الصديق ، وأول خلافة عمر ، كانوا يؤرخون بالتاريخ القمري، ويؤرخون بالأحداث؛ كعام الفيل مثلًا، أو نحو ذلك.
ثم لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ؛ أصبحت تَرِد إليه كتبٌ لا يدري في أي عامٍ، تأتي مثلًا مؤرخةً في شهر شعبان، ولا يدري هل هو شعبان هذا العام، أو شعبانٌ من عامٍ سابقٍ؟
عمر جمع الصحابة واستشارهم في وضع تاريخٍ للمسلمين، وتشاور الصحابة في ذلك، واتفقوا جميعًا على أهمية وضع تاريخٍ للمسلمين.
واختلفوا في بداية هذا التاريخ: من أين يبدأ؟
- فقال بعضهم: يبدأ من ميلاد النبي .
- وقال بعضهم: يبدأ من أحداثٍ سَـمَّوها.
- ورأى أكابر الصحابة أن أعظم حدثٍ في السيرة النبوية: هو هجرة النبي من مكة إلى المدينة؛ لأنه بـهذه الهجرة تكوَّنت الدولة الإسلامية في المدينة، وأصبح للمسلمين قوةٌ انطلقت منها رسالة الإسلام ونور الإسلام، فاتفق الصحابة -بعد التشاور- على أن يجعلوا بداية التاريخ القمري: هجرة المصطفى ، فأصبح التاريخ الهجري؛ ولذلك يقال: الهجري، نسبةً إلى الهجرة –هجرة النبي – أي أن سنة الهجرة تعتبر السنة رقم (1).
توفي النبي عليه الصلاة والسلام في السنة الحادية عشرة، حجة الوادع في السنة العاشرة، فتح مكة في السنة الثامنة، وهكذا، فإذنْ كانت بداية التاريخ من هجرة النبي ، وكان هذا الاختيار من الصحابة اختيارًا موفقًا؛ فإن الهجرة هي من أعظم أحداث السيرة؛ ولذلك اتفق الصحابة على أن تكون بداية تاريخ المسلمين منها.
ثـم بعد ذلك تشاور الصحابة : من أين يبدأ العام؟
فقال بعضهم: يبدأ من رمضان، وقال بعضهم: يبدأ من ذي الحجة، ثم إن الصحابة اتفقوا فيما بعد على أن يجعلوا بداية العام الهجري من شهر محرمٍ؛ لأنـهم رأوا أن شهر ذي الحجة يكون فيه الحج، الذي هو خامس أركان الإسلام، هو الركن الأخير من أركان الإسلام، أركان الإسلام خمسةٌ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، فرأوا أن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ويكون في شهر ذي الحجة، فالأنسب أن يكون شهر ذي الحجة هو الشهر الأخير في العام الهجري، فجعلوا شهر ذي الحجة هو الشهر الأخير، الشهر الثاني عشر، وجعلوا شهر محرم هو بداية العام الهجري.