الرئيسية/مقاطع/معنى الاستثناء في قوله تعالى: {ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك}
|categories

معنى الاستثناء في قوله تعالى: {ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك}

مشاهدة من الموقع

ولهذا قال الله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:108].

طيب، دخول الجنة، مَن يدخل فيها يُخلد أبد الآباد، فلماذا أتى هذا الاستثناء: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ؟

وهذا ورد أيضًا في النار: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ۝ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:106- 107]، لكنه في النار واضحٌ: أن هناك ناسًا يدخلون النار، وهم مَن مات على التوحيد من أهل الكبائر، ثم لا يُخلدون فيها، يُخرجون منها، ويدخلون الجنة برحمة أرحم الراحمين، لكن ما وجه الاستثناء في قول الله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ؟

قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى في تفسيره: “معنى الاستثناء هاهنا: أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرًا واجبًا بذاته على الله، بل هو موكولٌ إلى مشيئة الله تعالى، فله المِنَّة عليهم دائمًا”.

ولهذا حتى لا يتوهم مُتوهمٌ بأن مقام أهل الجنة -في الدنيا- ليس مُؤبدًا ختم الله تعالى الآية بقوله: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108].

سبحان الله!

انظر إلى عظمة القرآن وإعجازه؛ لأن قوله: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ قد يتوهم مُتوهمٌ ويقول: أنتم تقولون: أهل الجنة خالدون فيها أبد الآباد، أليس الله يقول: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ؟

حتى لا يتوهم مُتوهمٌ هذا الوهم ختم الله الآية بقوله: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ.

إذن ما فائدة هذا الاستثناء: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ؟

هذا -كما قال ابن كثيرٍ- إشارةٌ إلى أن دخولهم الجنة ليس أمرًا واجبًا على الله، وإنما هو بمشيئته جلَّ وعلا، فله المِنَّة عليهم، فليس هناك شيءٌ يجب على الله تعالى، حتى دخول المؤمنين الجنة ليس واجبًا على الله.

الله تعالى لا يجب عليه شيءٌ؛ لأن كل شيءٍ ملكٌ لله، وكل شيءٍ عبدٌ لله، وكل شيءٍ مخلوقٌ لله، فلا يجب على الله شيءٌ، حتى دخول المؤمنين الجنة نقول: ليس واجبًا على الله، لكنه بمشيئته جلَّ وعلا وفضله ورحمته، فهذا هو السر في قوله: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ.

خُذْ هذه الفائدة، هذا هو السر.

بعض العلماء قال: إنها من المُتشابه، لكن الذي يظهر أنها ليست من المُتشابه، معناها واضحٌ، وأن مقام أهل الجنة هو مُؤبدٌ أبد الآباد: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]، كما قال في آخر الآية: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ، لكن إنما قال: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إشارة إلى أن هذا ليس شيئًا واجبًا على الله، وإنما هو موكولٌ إلى مشيئته جلَّ وعلا.

مواد ذات صلة